الحيوانات تبقى قريبة... الإنسان يتنقل
تعيش الحيوانات في بيئة بات يستخدمها البشر بشدّة من أجل تنقلهم، فاليوم لم يتبقى مناطق نائية للحيوانات إلّا ما بين ثلث إلى نصف المساحات السابقة، وهو النمط الذي يسود في أماكن دزينة أنواع حول العالم. نُشر تقرير حديث يظهر مدى أهمية تنقل الحيوانات وحركتها على العملية البيئيّة، مثل نقل البذور ودورة التغذية. وهذا الأمر قد يشكل تهديداً على الحيوانات نفسها نظراً لتغيّر المناخ.
تعريب وإعداد: هاجر تمام
تشارك أكثر من مائة عالم في جميع أنحاء العالم بيانات تتبّع الأقمار الصناعية لأكثر من 803 من الثدييات من أكثر من 57 نوع، بدءاً من الإمبالا (إيبيسيروس ميلامبوس) إلى بابون الزيتون (بابيو أنوبيس) وصولاً إلى الدب الأشيب (أورسوس أركتوس). تظهر جداول البيانات حركة الحيوانات خلال فترات زمنية تصل إلى عشرة أيام، والتي كانت مرتبطة بمؤشرات تدل على وجود بصمة للإنسان تبيّن مدى تأثير نوعنا على الأمر، وذلك عبر استخدامنا للطرقات والمسالك ليل نهار.
تقول مارلي تاكر، عالمة البيئة الدقيقة في جامعة غوته، أنّه من المحتمل أن يكون هناك أكثر من تفسير لتقليل حركة الحيوانات: «ربّما علقت بعض الحيوانات بطريقة أو بأخرى، حيث وجدت نفسها معزولة في الأراضي غير الملائمة لها، مثل الأراضي التي تحوي على طرقات أو سياج أو الكثير من البشر». لكنّ الأسباب الأخرى هي أنّ هذه الحيوانات قد انجذبت إلى الموارد مثل المحاصيل القابلة للأكل أو المياه المخصصة للمواشي.
- البقاء بقرب السعرات الحرارية:
يساعدنا هذا على تفسير سلوك قطيع من الأيائل (سيرفوس إيلافوس) بالقرب من حديثة بانف العامّة في كندا، حيث كان عالم البيئة مارك هيبلوايت من جامعة مونتانا يتتبعهم. توقف الكثير منها عن الهجرة بين مناطق الصيف والشتاء. فكما يقول مارك: «لقد تخلوا عن أساليب عيشهم القديمة». وينطبق ذات الأمر على هجرة ذات الحوافر عبر الولايات المتحدة وكندا. تقضي العديد من هذه الحيوانات الآن أوقاتها وهي تتغذى على محاصيل الفصة المروية في مناطق كانت من تهجرها من قبل في الأشهر الدافئة. «كان الهدف من الهجرة هي الوصول إلى ما تحت هذه المرشات في شهر آب: الحريرات».
يمكن لنقص الحركة أن يؤثر على النظام البيئي لأنّه يعني بأنّ البذور والمغذيات في البراز قد لا تنتشر على نطاق واسع، أو لأنّ الحيوانات العاشبة مثل الأيائل قد ترعى في مناطق أكثر مناطق صغيرة بشكل أكبر كثافة. يمكن لهذا أن يؤثر على الحيوانات: حيث أن ازدحامها معاً في مناطق صغيرة سيزيد من مخاطر انتشار الأوبئة. فكما تقول تاكر: «الأمر مقلق بكلّ تأكيد.
يقول ريد نوس، عالم البيولوجيا في مجال حفظ الأنواع في معهد فلوريدا للعلوم، بأنّ النتائج تؤكد على أهمية وجود ممرات أرضية تسمح للحياة البرية بالانتقال بين مناطق السكن الكبرى. فمع تغيّر المناخ وارتفاع مستوى البحار، سيؤدي هذا إلى تمكين الحيوانات من البحث بشكل واسع عن الغذاء والصحبة، وبالتالي السعي إلى مناخ أكثر ملائمة.
- يدٌ للعون:
إنّ العوائق البشرية مثل الطرق والمدن لا يمكن اختراقها بممرات للحياة البرية، أو بممرات تساعد الحيوانات على التنقل بشكل كافٍ للتكيّف مع التغيرات البيئية، ولذلك فإنّ بعض الحيوانات قد تحتاج إلى العون الفعلي للاستمرار بالتحرك. يقول نوس: «يبدو الأمر وكأننا نملك خيارات قليلة، ولكن علينا أن نتدخل لأننا إن لم نفعل فسنخسر الأنواع».
يقول هيبلوايت أنّ الاعتراف بأنّ النشاط البشري يقلص حركة الأنواع يجب أن يدفعنا نحو المزيد من الكفاح من أجل إبقاء المساحات مفتوحة أمام الحياة البرية، وذلك من أجل مساعدة الحيوانات على التنقل: «سيكون أمراً صعباً الحفاظ على مناطق محمية جديدة في القرن الحادي والعشرين»، لكن من الممكن بناء وصلات جديدة، مثل معابر للحياة البرية في الطرقات السريعة. حتّى أنّ إقناع مربي المواشي بترك بواباتهم مفتوحة في فصل الشتاء عندما لا تكون ماشيتهم في الأنحاء يمكن أن يساعد، وذلك بالسماح للظباء وذات الحوافر بالهجرة بين الفصول.
وتضيف تاكر بأنّ الهجرة هي إحدى عجائب الطبيعة العظيمة، وتستحق منّا أن نحميها لذاتها. تقول: «سيكون من العار أن نقوم بتغيير الطبيعة لدرجة عدم السماح للحيوانات بالتنقل مسافات بعيدة. لن نستطيع إن استمرينا على هذا النحو أن نصنع الوثائقيات التي نشاهدها بمتعة عن الحيوانات بعد الآن».