هل انجازات الطب مهدّدة بالضياع؟
يهدد انتشار ظاهرة مقاومة الميكروبات لمُضادّات الحيويّة، منجزات أساسية كثيرة تحقّقت خلال المئة عام المنصرمة، في مجال الطب والصحة العامة. ويلوح في الأفق إمكان خروج أمراض معدية كثيرة عن السيطرة بأثر من فقدان الأدوية قدرة التأثير فيها، ما يحولها أوبئة غير قابلة للعلاج. ويمثل ذلك الأفق تحدياً شرساً لبلدان العالم بأكمله، بل يعتبر وضعاً كارثياً بالنسبة إلى البلدان التي تعاني من الطوارئ والصراعات، وهي تعيق تماماً سبل المواجهة الفعّالة للأمراض والأوبئة.
ويبيّن تقرير لـ «منظمة الصحة العالميّة» عنوانه «مقاومة مُضادّات الميكروبات: تقرير عالمي عن الترصّد في عام 2014» أن تلك المقاومة منتشرة في كل مكان، وبإمكانها إلحاق الضرر بكل شخص بصرف النظر عن سنه ومكان إقامته.
وفي 2015، نشرت المنظمة نفسها وثيقة بعنوان «تحليل وضع البلدان في أنحاء العالم: الاستجابة لمقاومة مُضادّات الميكروبات». ولاحظت وجود كثير من النشاطات التي تضطلع بها الحكومات، في شأن معالجة تلك الظاهرة. وفي المقابل، بيّنت أن ذلك لم يحُلْ دون ظهور ثغرات كبيرة تتخلل الإجراءات المتوجّب الالتزام بها من قبل الدول وحكوماتها. وفي منطقة الشرق الأوسط، تُنسَبُ غالبية الثغرات إلى ضعف النُظُم الصحيّة ومنظومات ترصّد الأمراض، بل إنها تزداد ضعفاً نتيجة الصراعات والحروب وأحوال الطوارئ.
وإذا كانت مقاومة الأدوية من الظواهر التطوريّة الطبيعيّة التي تحدث عندما تتعرّض كائنات مجهرية لأحد مُضادّات الميكروبات، فإنّ أشدّها حساسية تهلك وتترك وراءها الكائنات المقاومة لذلك الدواء. وتالياً، تستطيع الكائنات المقاوِمَة أن تنقل تلك الصفة إلى أجيال لاحقة، ما يزيد المشكلة تعقيداً.
ويلاحظ في ذلك الصدد أن استخدام مُضادات الحيويّة («آنتي بيوتيك» Anti Biotics) في شكل غير مناسب يتسبب في ظهور كائنات مُقاومة لها.
وكذلك يعتبر سوء استخدام الـ «آنتي بيوتيك»، سواء بالزيادة أو النقصان، من العوامل التي تساهم في ظهور المشكلة وتطوّرها. ولذا، تعتبر توعية المرضى بضرورة تناول الجرعة المناسبة من مُضادات الميكروبات، أمراً ملزماً للأطباء والمعالجين والصيادلة وموزعي الأدوية، ودوائر الصناعة الصيدلانيّة، بل حتى واضعي السياسات العامة.
بقول آخر، تتطلب مكافحة الـ «سوبر مايكروب» وجود نظام صحي قوي وفاعل، يقدر على تنظيم التعامل مع الأدوية، خصوصاً المُضادّات الحيويّة. وفي حال البلدان التي تشهد حروباً، يعاني معظم النُظم الخاصة بضبط نوعيّة الأدوية من الضعف والهشاشة، وفق آراء خبراء في «منظمة الصحة العالميّة». ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تدنّي نوعية تلك الأدوية، وتعريض المرضى لجرعات غير ملائمة منها، ما يساهم في تهيئة الظروف المواتية لظهور المقاومة لها.
وفي بعض البلدان يجبر نقص فرص الحصول على الأدوية المرضى على عدم إكمال مقرّراتهم العلاجية أو البحث عن بدائل يمكنها أن تشمل أدوية متدنية النوعية. ويرى خبراء المنظمة أيضاً أنه من الممكن حدوث زيادة في انتشار حالات مقاومة الأدويّة، في حال نقص مكافحتها. ويمثّل مرضى المستشفيات أحد المستودعات الرئيسة للكائنات المجهريّة المقاومة للمُضادات، بل ربما شكّلوا مصدراً للعدوى. وهناك تحسّن واضح في نشاطات ترصّد ظهور مقاومة أدوية علاج أوبئة كالسل وفيروس العوز المناعي البشري. وكذلك تعمل مجموعة من الشبكات بانتظام، على جمع بيانات متّصلة بمقاومة الأدوية والإبلاغ بها. ويفتقر بعض البلدان، خصوصاً التي انهارات نُظُمُها الصحية بفعل الصراعات، إلى مختبرات تقدر على الكشف بدقة، عن الكائنات المجهرية المقاومة. ويقود ذلك إلى نقص القدرة على التنبّه إلى ظهور الكائنات المجهرية المُقاومِة، والتعجيل باتخاذ الإجراءات اللازمة لصدّها.
وكذلك من المستطاع القول، إنّ المُضادّات الحيوية والأدوية المضادة للطفيليات أو الفيروسات، هي في طريقها إلى فقدان فاعليتها، خصوصاً مع انخفاض الاستثمارات الموظّفة في مجال تطويرها.
وهناك نقص ملحوظ أيضاً في البحوث الجديدة حول اكتشاف وسائل تشخيص كفؤة للكشف عن الكائنات المجهرية المقاومة. وينطبق وصف مشابه على بحوث اللقاحات اللازمة للوقاية من الأوبئة ومكافحتها.