اللغة ذات المفردات الأكثر
قال الممثل الكوميدي الإنكليزي ستيفن فراي ذات مرّة: «إنّ الإنكليزيّة هي بالتأكيد اللغة ذات المفردات الأكثر... وهي بذلك تفوق بكثير بقيّة اللغات. ومثلما تملك الصين أكبر تعدادٍ في العالم، فإن تعداد الإنكليزيّة يكمن في كلماتها».
تعريب: هاجر تمام
لكن هل هذا الادعاء صحيح؟
هناك إجابة طويلة بعض الشيء عن هذا السؤال. ولكن إن كنت لا تنوي متابعة القراءة، فإنّ الإجابة البسيطة: «نعتذر يا سيّد فراي، فرغم أنّ اللغة الإنكليزيّة هي بالتأكيد ثريّة بالمفردات، فإنّ من صاغ هذا الادعاء هم من المتحمسين الأشداء للغة الإنكليزيّة الذين لا يعلمون كيف تعمل اللغات المتنوعة غير الإنكليزيّة. ليس الأمر بأنّ هناك لغة أخرى لديها كلمات أكثر، ولكن هذه المقارنة هي مستحيلة الإجراء بكلّ بساطة».
إنّ المشكلة الأبسط هي في التصريف. هل نحتسب «ركضْ Run» و «يركض runs» و «ركضَ ran» مفردات منفصلة؟ تكمن المشكلة الأخرى في المعاني المتعددة. «ركضْ Run» الاسم و «يركضون Run» الفعل: هل هما مفردة واحدة أم مفردتان؟ ماذا عن «run» بمعنى يركض لمسافات طويلة و «run» بمعنى يدير مسرحيّة ما؟ هل هي مختلفة عن الهرولة حول الحديقة من أجل دخولها؟ وهل هي مختلفة بما يكفي عن المشي بسرعة في لعبة كريكت؟
هل نقوم بعدّ الكلمات المركبة؟ هل «الأداء بشكل جيّد home run» كلمة واحدة أم كلمتان؟ هل أسماء المركبات الكيميائيّة الجديدة، التي تحوي على عدد هائل من الكلمات، هي كلمات؟ ماهو دور الاصطلاحات الإملائيّة المجردة؟ هل «home run» كلمتان و «homerun» كما تكتب عادة كلمة واحدة؟ ما هو المنطق من وراء كلّ هذا؟
قد يبدو هذا نوعاً من المواربة، لكنّه يصبح أمراً جوهرياً عند مناقشة اللغات الأخرى. تصرّف بعض اللغات الأفعال بشكل أكبر بكثير من اللغة الإنكليزيّة. للفعل الإسباني دزينة من الصيغ: «أنا estoy – أنت estás – هو está» وهلمّ جرّا. وبعض اللغات لديها تصريفات أقلّ بكثير (النهاية الصينيّة الخالية). لذلك إن قمنا بعدّ الصيغ المصرّفة فسوف يكون لها تأثيرٌ كبير على التعداد النهائي.
علاوة على ذلك، فإنّ العديد من اللغات تبني عادة كلمات طويلة باستخدام كلمات قصيرة. يتوضّح ذلك في الألمانيّة، حيث تكوين كلمة مركبة جديدة من أجل حالة جديدة هو أمر بسيط. هل تعدّ الكلمات المركبة كلمة جديدة؟ هل إعلان الاستقلال «Unabhängigkeitserklärung» في الألمانيّة هو كلمة واحدة؟ فهم يكتبونها بهذه الطريقة في الألمانيّة بكل تأكيد. إن أخذنا هذا الاحتمال، فسوف تفوق الألمانيّة الإنكليزيّة بسرعة كبيرة في عدد «الكلمات» الجديدة الحقيقيّة، والتي سيقبلها الألمان دون أدنى تمهّل، والتي يصوغون منها كلّ يوم. ستجعلك نظرة واحدة على أحد مواقع الأخبار الألمانية ترى كلمات مثل: «زعيم السوق العالميّة Weltmarktführer» و «حساب فاتورة الكهرباء Stromtarifrechner» وهلم جرّا. ليس هناك من سبب يدفعك للقول بأنّ أمر صناعة الألمان لكلمة واحدة للدلالة على زعيم السوق العالميّة هو شيء غير طبيعي، لأنّهم يفعلون الأمر بشكل اعتيادي ومكرر. وينطبق هذا الأمر أيضاً على اللغة التركيّة، فهم يحشرون الكلمات إلى جانب بعضها البعض بحيث ينتج عنها بشكل كلّي جملة ذات معنى. فجملة: «هل كنت أحد هؤلاء الناس الذين لم نستطع تحويلهم إلى تشيكوسلوفاكي؟» يمكن ترجمتها إلى كلمة واحدة في اللغة التركيّة. نكتبها دون مسافات، ونلفظها بنفس واحد أثناء الحديث، ولا يمكن مقاطعتها بالانتقال إلى كلمة أخرى، وهكذا دواليك.
إذاً التركيّة والألمانيّة واللغات التي تشبههم لديها «كلمات أكثر» من اللغة الإنكليزيّة. وليس هناك من قاعدة عادلة لا تسمح للأتراك أو للألمان بتركيب الكلمات بشكل مرن. وإن قمنا بوضع مثل هذه القاعدة، سيكون علينا أن نستبعد الكلمات المركبة الإنكليزيّة، فلن يكون لدينا مثلاً «رباط الحذاء shoelace» أو «عتبة النافذة windowsill» أو «رئيس البحّارة boatswain» أو «كتيّب العبارات Phrasebook» ... الخ. سيكون علينا أيضاً استبعاد الكلمات المركبة المشتقّة من الخارج مثل «تلفزيون Television» و «جغرافيا geography». يا لها من فوضى.
ماذا عن الادعاءات مثل: «لدى الإنكليزيّة كلمات أساسيّة أكثر» أو «جذور كلمات» أو أشياء من هذا القبيل؟ لقد وصلنا الآن إلى منطقة يسميها اللغويون «المقاطع morphemes»، وهي الجذور أو القطع أو الكلمات القابلة للاستخدام. لكن في مجال المقاطع علينا أيضاً أن نشمل «النفي un-» كمقطع، وغيرها الكثير من الكلمات التي لا يضمها التقليديون في خانة «كلمات»، وبكلّ حال، فليس من الواضح إن كانت الإنكليزيّة تحوي العدد الأكبر منهم. وفي ذات الوقت، فإنّ هذا يضرّ باللغات الساميّة مثل العربيّة. فهم يستخدمون عدداً أقلّ من الجذور ذات الأحرف الثلاثة من أجل صياغة عدد كبير من الكلمات. فكلمة «كتب» كلمة أسيّة، لكنّها تولّد ثلاثين كلمة على الأقل، وتؤثّر في تشكيل العديد من الصيغ. وتأخذ هذه الكلمات صفحتين في القاموس، بدءاً من كاتب ووصولاً إلى استكتاب. لذلك فإنّ عدّ «الجذور» و «الكلمات الأساسيّة» لن يوصلنا إلى مكان، ذلك أنّ عدّ كلمة كتب بأنّها كلمة واحدة سيكون أمراً غير منطقي.
ماذا لو سألنا: «أيّ اللغات لديها قاموس أكبر؟». من جديد، سيختلف هذا للعديد من الأسباب التي لا علاقة لها بالوفرة المعجميّة. أيّ بلد لديه أفضل القواميس المتطورة؟ أفضل الأرشيفات؟ هل نعدّ الكلمات التي عفا عليها الزمن؟ الكلمات الجداليّة؟ كم من الكلمات العلميّة متضمنة؟ بالعودة إلى لغاتنا الأجنبيّة، لا يضع الألمان كلمة «Stromtarifrechner» في القاموس لأنّ معناها سهل جدّاً وواضح من أجزائها، ناهيك عن أنّ تضمين الكلمات المركبة في القاموس سيجعله بحجم موسوعة المجرّات التي تحوي كلّ معرفة الكون. لن تحوي المعاجم الإسبانيّة مدخلات منفصلة من أجل «estás» و «estoy». لن يتعامل الصينيون بشكل رئيسيّ مع مفهومنا عن «الكلمة»: أي الوحدة الرئيسيّة المكوّنة من مقطع صوتيّ واحد، رغم أنّ هذه غالباً ما تضاف إلى الكلمات. كلمة «زونغوو 中国» تعني الصين. لا يمكنك البحث عن هذه الكلمة في القاموس. إن بحثت في القاموس عن كلمة «زونغ 中»، فسيخبرك البند عمّا يمكنه أن يلحق بها من أجل تكوين كلمات ذات معانٍ متنوعة. إنّ جزءاً من الصينيّة هو تعلّم ما تعنيه الأحرف عند استخدامها مع بعضها. تتمّ كتابتها دون مسافة بينها، هل هناك ما يدلّ على أنّ زونغو ليست كلمة؟
وبالعودة إلى جوابنا القصير، فإنّ الإنكليزيّة، رغم جمالها كلغة، لا يمكن بأيّ حال من الأحوال اعتبارها، وفقاً لآليّة منطقيّة، اللغة الأكثر ذات المفردات الأكثر.