هل يساعد هوس التكنولوجيا البيئة؟
نشرت إحدى الصحف اليسارية مقالاً حول تغيّر المناخ، معلنة واجب تركيز قدراتنا للقيام بشيء من أجل تغيير الحال. لكن لسوء الحظ فقد ضلّت طريقها عند تحديد هذا الشيء، ولم يسعفها استخدام كلمات مثل «الاشتراكيّة البيئيّة»، حيث لم تعكس في مقالها أيّ استخدام للتحليل أو للبرنامج الاشتراكي-البيئي. فهي لم تذكر في مقالها ولا كلمة واحدة عن إيقاف استخدام الفحم أو القطران، ولم تذكر شيئاً عن إيقاف أكبر ملوّث في العالم: الجيش الأمريكي. قامت بدلاً من ذلك بالتغنّي بمواد تكنولوجيّة تؤيّد الطاقة النووية والهندسة الجيولوجيّة وشبكات الكهرباء الجديدة والسيارات الكهربائية وما إلى ذلك.
تعريب: هاجر تمام
لكن رغم هذا الهوس بالتكنولوجيا، لم يُظهر كاتب المقال إلّا فهماً قليلاً في هذا المجال. فقد كتب في صحيفة أخرى بأنّه يمكن للحكومة الأمريكيّة أن تحلّ مشاكل الطقس دون تغيير النظام، وذلك عبر دعم التكنولوجيا النظيفة، وبأنّ: «السياسات البيئيّة الواقعيّة هي السياسات الإصلاحيّة»، ويقول الكاتب ذات الكلام في مقالته في الصحيفة اليساريّة عندما يعلن بأنّه «يمكن للدولة وللقطّاع العام» أن تحلّ مشاكل الطقس بتطبيق آليات عزل واحتجاز الكربون (CCS). يقول بأنّ إزالة ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي «أمر بسيط» لأنّنا نقوم به منذ سنين طويلة في الغواصات، ولأنّ العلماء في إيسلندا قد وجدوا مؤخراً طريقة آمنة لحقن ثاني أوكسيد الكربون في البازلت تحت الأرض ليتحوّل إلى حجر جيري صلب خلال عامين.
يبدو هذا مثيراً للإعجاب، لكن ما مدى مصداقيته؟
إنّ مقارنة إزالة ثاني أوكسيد الكربون الناجم عن زفير 150 بحاراً في نظام مغلق، بإزالة مليارات الأطنان من الغلاف الجوي المفتوح هي مقارنة أكثر من عبثيّة. كما وجب على الكاتب أن يتحقق من آخر ما نشرته البحريّة الأمريكية قبل أن يتحدّث: لقد أعلنت البحريّة العام الماضي عن تلقيها لمقترحات نظام حجز ثاني أوكسيد كربون جديد في غواصاتها لأنّ النظام المستخدم الآن: «يستهلك الطاقة بشكل كثيف نسبياً»، و«مواده ذات عمر قصير يجب استبدالها مراراً، وتنتج نفايات خطرة يصعب التعامل معها». من الواضح أن توسيع هذه التكنولوجيا ليغطي الكوكب لن يحلّ المشكلة.
هناك محطّة توليد تجاريّة واحدة على سطح الأرض تقوم بحجز ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الهواء. ووفقاً «لمجلّة العلوم»، تسحب هذه المحطّة قرابة تسعمائة طن من ثاني أكسيد الكربون بشكل سنوي، وهي كميّة تكفي مائتا سيارة لإنتاجها. وتقول الشركة التي بنت هذا المعمل بأنّ حجز 1% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الكوكب، سيتطلّب 250 ألف معمل مماثل. لا يمكن لكلمة «أمر بسيط» أن تجد مكاناً لها هنا.
أمّا بالنسبة لتجارب تخزين ثاني أوكسيد الكربون في البازلت التي جرت في إيسلندا، لا يبدو بأنّ الكاتب قد قرأ أكثر من العناوين الرئيسيّة. لقد أعلن عالم الجيوفيزياء آندي سكوتش بأنّهم لم يدفنوا سوى 250 طن من الكربون، وبأنّه وجب عليهم حلّ الغاز أولاً في «كميات لا يمكن تخيلها من المياه»: تحديداً 25 طن من المياه من أجل كلّ طن من الكربون. وليس هذا الحل غير مستدام وحسب، بل وكما قال جو روم: «لا يمكن معرفة مدى إمكانيّة تطبيق النتائج في إيسلندا على نطاق عالمي في مناطق أخرى. ببساطة، لم يثبت بعد بأنّ (CSS) عملي أو تكلفته معقولة أو يمكن التوسّع به أو يمكن السير به بسرعة.»
وقد نسي الكاتب أثناء حرصه على إيجاد حلّ تكنولوجي لتغيّر المناخ، إيجاد تكنولوجيا حقيقيّة قادرة على الاضطلاع بهذه المهمّة، ناهيك عن نسيانه لكيفيّة إقناع الحكومات الحالية بإنفاق الـ 24 ترليون دولار (133% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي) الذي يعتقد بأنّها التكلفة اللازمة.
تشبه هذه الآراء تلك الواردة في «بيان التحديث البيئي»، الذين يعلنون بأنّ «تحديات المناخ هي أساساً تحديات تكنولوجيّة»، وبأنّ «التكنولوجية والمعرفة، إذا ما طبقتا بحكمة، فسيسمحان أخيراً بجعل تأثير الإنسان على هذه الحقبة (Anthropocene – الحقبة التي يشكل فيها الإنسان العامل المؤثّر الأكبر) جيّدة، إن لم تكن عظيمة». لقد وصف كليف هاملتون هذه التصريحات بأنّها «شكلٌ من أشكال الإنكار، أو التهرّب على الأقل. وبأنّها تسمح بفلترة الحقائق بشكل انتقائي بحيث تسمح لبعضها بالتسرّب من الفلترة، بينما تحجب أخرى».