التأثيرات المذهلة لأمواج المحيط على تغيّر المناخ
الأمواج المتكسرة هي موضوع للرومانسية والشعر، ولكنّ الرذاذ الذي تولده هو موضوع هامّ أيضاً. تعتقد فيكي غراسيان بأنّ الأمواج المتكسرة تؤدي للغيوم، وفي النهاية إلى قدرتنا على الفهم والتكيّف مع تغيّر الطقس.
تعريب: عروة درويش
لقد حازت البروفسورة فيكي غراسيان بعد عشرين عاماً في قسم الكيمياء في جامعة آيوا على لقب "ملكة الغبار"، وذلك بسبب دراستها لكيفيّة شقّ جزيئات المعادن طريقها من الأرض إلى السماء. إنّ توفّر الأدوات اللازمة لدراسة الغبار هو من جذبها إلى قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية في مؤسسة سكريبس لعلوم المحيطات في جامعة كاليفورنيا، حيث قضى الباحثون وقتاً كبيراً في العقد الماضي في التصدي لمسألة محيرة: كيف تؤثر المحيطات على الغلاف الجوي للأرض؟
سيبدو الجواب بسيطاً وواضحاً للوهلة الأولى: يتبخر الماء من على سطح البحر، ويرتفع في النهاية ليشكّل الغيوم. تركز غراسيان التي أصبحت فيما بعد رئيسة قسم الكيمياء المادية في جامعة كاليفورنيا، على صورة أكثر تعقيداً بكثير: تقوم حركة الموج بخلق جزيئات مجهرية عالقة في ذلك البخار، وهو المزيج الذي يدعى المرذاذات أو البخاخات "aerosols".
تؤثر المرذاذات بالاعتماد على تركيبها الكيميائي، على الخصائص المادية للغيوم. مثل قدرتها على امتصاص أشعة الشمس أو احتجاز الحرارة، وهو ما يجعل المرذاذات مهمّة بالنسبة لأيّ أحد يحاول فهم المناخ.
لكن لسوء الحظ، فإنّه يصعب دراسة المرذاذات. ويمكن لمس صعوبة ذلك عند رؤية المركز الذي تتشارك فيه غراسيان مع كيمبرلي براثر دراسته. هناك في وسط المركز قناة مياه محاطة بجدران زجاجية بطول ممر البولينغ، يخلق موجات متكسرة ليشكل مصدراً لرذاذ الحبر قابلاً للتحكم به. هناك عدد من الآلات الموصولة بالقناة، بدءاً من "مقياس الطيف الكتلي mass spectrometer" الذي يقيس المرذاذات أثناء طيرانها تجاه السدود التي تلتقط الجزيئات، على أساس محايد يمكّن من دراستها بشكل تفصيلي.
تقول غراسيان: "كان يُعتقد لفترة طويلة بأنّ رذاذ البحر مكوّن من ملح (كلورايد الصوديوم) فقط، لكنّ هذا الأمر ليس صحيحاً. هناك الكثير ممّا يخرج من الماء: فيروسات وبكتيريا ومركبات عضوية وأجزاء من جدران خلوية – القليل من الفتات الحيوي".
إنّ نتائج أبحاث غرسيان وبراثر قيّمة للباحثين أمثال بول ديموت وسوزانا برو، اللذين يعملان منفصلين من أجل تحسين النماذج الحاسوبية التي تهدف إلى فهم آثار تغيّر المناخ والتنبؤ بها من أجل توقّع والتجهز لأي ظروف بيئية مستقبلية.
تشكّل الغيوم عنصراً واضحاً من عناصر المناخ، ولكنّ التقاط تشكيلها المستمر كان صعباً للغاية عبر الصيغ الرياضية. وقد اعتمدت الحسابات على مبادئ الكشف المائي "hydroscopy" الذي يحكم كيفيّة جذب جزيئات الماء واحتجازها في أيّ بيئة محددة. ولذلك عندما يتمّ التعامل مع رذاذ البحر بأنّه مجرّد ماء وملح، ستكون النتيجة منفصلة عمّا يحدث بشكل واقعي في السماء.
تقول غراسيان: "نحن نقدم رؤى ومعلومات يمكن أن تساعد واضعي النماذج". ومن بين التفاصيل التي كشفها فريقها هو احتواء رذاذ البحر على كمية من المواد العضوية، مثل ما دعته غراسيان "الفتات الحيوي"، والذي يتنوع باختلاف كميّة العوالق النباتية "Phytoplankton" والبكتيريا الموجودة في مياه البحر الأصلية.
بعد بضعة أسابيع من نشر غراسيان لبحثها، نشرت براثر وزملاؤها بحثاً خاصاً بهم، ميزوا فيه بين آليتين رئيسيتين في تشكيل قطرات رذاذ البحر التي يمكن أن تؤدي إلى تركيبتين كيميائيتين مختلفتين للمرذاذات التي تنتجها هذه القطرات. لقد تمّ الافتراض فيما سبق بأنّ المرذاذات تنشأ فقط عن قطرات "مغشيّة film" تنشأ عن تمزّق الفقاقيع على سطح المحيط. لكنّ هذا البحث أشار إلى قطرات "منبجسة jet" تظهر بعد انسحاق القطرات المغشيّة. وتحتوي القطرات المنبجسة على مزيج مميّز من الملح والميكروبات والمواد العضوية الأخرى التي تصبح أيضاً جزءاً من المرذاذات.
في ذات الوقت، كشف فريق دولي من الباحثين نتائج تحليلهم الخاص لرذاذ البحر، الذي أكّد بأنّ هناك كميات أقل بكثير من الملح في هذه الجزيئات ممّا كان يفترض فيما سبق، وقدرة مختلفة جداً على جذب المياه للمرذاذات. وقد تمّ بناء هذه الملاحظات على أعمال سابقة لذات الفريق أظهرت تركيزات مدهشة للكالسيوم في هذه الجزيئات، وذلك بغض النظر عن كونها جمعت من أمواج مخبرية أم من أمواج من أعالي البحار.
تعرض عمليات إعادة تقييم المركّبات الكيميائية التي تشكّل جزيئات الرذاذ على منظمي المناخ مجموعة محمودة من العلاقات المادية ليستخدموها في عملهم. تحذر غراسيان من أنّه دون هذه المعلومات فسوف تتم المبالغة في تقدير كمية المياه الموجودة في المرذاذات، فضلاً عن قدرة تلك المرذاذات على تشكيل الغيوم.
تضيف غراسيان بأنّ النماذج المستقبلية يمكن أن تأخذ بالاعتبار إمكانية تشكّل الغيوم مع المواد العضوية المنحلّة، التي يمكنها امتصاص أشعة الشم أو ربّما التفاعل مع أشعة الشمس لتوليد مركبات جديدة كليّاً في الغلاف الجوي. هذا يعني بالنسبة لمصممي النماذج بأنّ مجموعة معقدة من الحسابات المهولة مسبقاً ستصبح أكثر تعقيداً من أجل اعتبار الرؤى الفيزيائية والكيميائية الجديدة، لكن على النتائج أن تصبح أكثر دقّة جرّاء ذلك.
وكما تقول غراسيان: "يجري الكثير من التفاعل بين واجهة المحيط والهواء. تخرج الجزيئات والغازات وتدخل إلى المحيط، لذلك سيؤثر ما في المحيط على الهواء والعكس صحيح".