حوض المتوسط التنوع الحيوي والتغير المناخي
حسام الماني حسام الماني

حوض المتوسط التنوع الحيوي والتغير المناخي

تتميز المجموعة الحيوانية والنباتية البرية منها والبحرية الموجودة في منطقة البحر المتوسط، بأنها عالية الحساسية للتغيرات المناخية والبيئية، بسبب كون هذه المنطقة نطاقاً إنتقالياً أو حدودياً ما بين النطاق الرطب والبارد فوق المداري،  الموجود إلى الشمال والنطاق الحار الصحراوي وشبه الصحراوي تحت المداري إلى الجنوب.


علاوة على ذلك، وبسبب كونها منطقة تقاطع طرق حضارية وإجتماعية-إقتصادية، فإنها تتأثر بقوة بأنواع أخرى من التغيرات العالمية. وفعلياً، وبسبب تعرّضها طويل الأجل للنشاطات البشرية المكثفة والمتعددة، وحساسيّتها المتوارثة تجاه تأرجحات الظروف المناخية، فإنّ المجموعة الأحيائية والنظم البيئية المتوسطية تكون حسّاسة بشكل خاصّ للتغير العالمي ذو المناحي المتعددة، الأمر الذي يتسبب من بين أشياء أخرى إلى تعديل أنماط التنوع الحيوي القديم وأنظمة الاضطرابات.
ومع ذلك، فإنّ المجموعة الأحيائية والنظم البيئية المتوسطية هي ذات ديناميكية عالية وقدرة مرتفعة على التعافي. فقد كانت تتأقلم ومنذ وقت طويل مع التغيرات البيئية ومع الأنواع الجديدة الآتية من مكان بعيد أو قريب. ولكن توجد هناك الأدلّة على حدوث انهيارات سريعة في الجماعات، وذلك على مقياس محلي أو على مقياس المنطقة ككل، وخاصةً في الجزر. تنتج هذه التراجعات على الأغلب عن تظافر التغيرات المناخية مع التأثيرات البشرية. ولكن يعطينا العدد الكبير من المتعضيات الأثرية من الزمن الثلاثي والمتوطنّات القديمة البرهان على قدرة الأنظمة البيئية الموجودة في المنطقة على التكيّف مع التغيّرات البيئية القويّة. والسؤال المطروح الآن هو كيف تكون الجماعات والأنواع والمجتمعات قادرةً على الاستجابة للتغيّرات ذات السرعة الأكبر بكثير من تلك التغيرات التي اختبرتها على مسار التاريخ.
تتميز المنطقة بتعقيد المجموعة الأحيائية والمناظر الطبيعية المتوسطية. إنّ المكونات الأساسية الستة للتغير العالمي هي كالتالي: (1) الديموغرافية العالمية وزيادة عدد السكان، (2) الاستغلال الجائر للمصادر الطبيعية، (3) تغيير وتجزئة الموائل، (4) التلوث وانتشار المواد الكيميائية السّامة، (5) الغزو الحيوي (ومن ضمنها المتعضيات المعدّلة وراثياً)، (6) التغيّر المناخي. ولدينا مكوّن سابع يمكن أن يصبح حاسماً في المستقبل القريب وهو بروز أمراض جديدة نشأت أو عادت للظهور كنتيجة لعدّة عوامل اجتماعية- اقتصادية تتآثر بالتوافق مع قدرات انتشار جديدة للمسببات المرضية والأمراض.
سنذكر بعضاً من أفضل العواقب المعروفة والمتوقعة لهذه المكوّنات، مركّزين على الغزو الحيوي والتغير المناخي. وعلى وجه الخصوص الأنواع الغازية من النباتات البرية والبحرية والطحالب والحيوانات التي تزداد أعدادها في الأراضي المتوسطية وفي البحر. يمثّل بعضها وخاصةً بعض المفترسات والميكروبات تهديداً للتنوع الحيوي وشبكات الغذاء، بالإضافة لمخاطرها على صيد الأسماك والزراعة البحرية، وعلى السياحة في البحر، وصحة الإنسان. وأخيراً سوف يكتمل نقاشنا في هذا الفصل حول تأثيرات الاحترار العالمي على المجموعة الأحيائية المقيمة واستجاباتها له.   
ديموغرافية السكان
لطالما كانت ديناميكية السكّان الخاصة بالمجتمعات البشرية عاملاً أساسياً في تطور حوض البحر المتوسط الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. يزداد عدد السكان الكلّي في الحوض بصورة متسارعة وغير متساوية الآن. السبب الأول، تباين الكثافة السكانية بصورة كبيرة ضمن الحوض، من كثافة عالية تصل إلى 1080 نسمة/كم2 في مالطا – والتي تمثّل أعلى نسبة كثافة سكانية وطنيّة في العالم بعد موناكو وسنغافورة-إلى كثافة منخفضة عند 28 نسمة/كم2 في كورسيكا. تتعاكس النزعات الديموغرافية مقابل بعضها البعض بين الربع الشمالي الغربي للحوض مع الأرباع الثلاثة الأخرى. ففي عام 1950 مثّل الـ 140 مليون ساكن على الضفة الشمالية للبحر المتوسط نسبة 66.7% من المجموع الكلي للسكان في المنطقة. بينما في عام 1990، مع عدد سكان بلغ 190 مليون نسمة شكّلت الدول نفسها نسبة 50% من سكان المنطقة. وعند حلول عام 2070، سوف يكون هناك ما بين 520 إلى 570 مليون نسمة، متركزين في جزئهم الأكبر ضمن الدول الجنوبية والشرقية للحوض، من المغرب إلى تركيا حيث زاد عدد السكان بمعدل خمسة أضعاف بالمقارنة مع إحصائيات عام 1950.
يقود هذا التباين السكاني حقيقة أنّ المجموعات البشرية لدول المتوسط غير الأوروبية تكون أقل عمراً بكثير مقارنة مع مجموعة السكان الشماليين الأكثر غنى. وللعلم تكون نسبة الشريحة العمرية 15-24 إلى الشريحة 55-64 تكون أعلى بمقدار 2.5 مرة في دول جنوب المتوسط مقارنةً مع دول شمال المتوسط الأوروبية. يقترح المحللون المحافظون أنّه وبحلول العام 2025، سوف يستقر عدد سكان أوربا الجنوبية عند حوالي 170 مليون نسمة، في حين سكان دول شرق المتوسط وشمال أفريقيا بحوالي 70%، ويعود ذلك بسبب معدلات النمو السكاني المرتفعة التي تراوحت ما بين 2-3.5% منذ الستينيات، عندما حققت معظم هذه الدول استقلالها. إنّ معدلات التزايد السكاني هذه هي من بين الأعلى في العالم، وكنتيجة لها سوف تأوي دول المتوسط غير الأوروبية ثلثي عدد السكان الإجمالي للحوض بحلول عام 2025. وعلى الرغم من هذه الأرقام، تُظهر النزعات الديموغرافية الأخيرة في شمال أفريقيا أنّ حجم السكان سوف يستقر في وقت أبكر مما كان يتوقع سابقاً.