ما بعد الليبرالية: صراع النماذج وبزوغ «النظام الأوراسي»
هذا المقال جزء من حوار مع سيرجي كاراغانوف، البروفسور الفخري بكلية الاقتصاد العالمي والشؤون الدولية، والرئيس الفخري لهيئة رئاسة مجلس السياسة الخارجية والدفاعية الروسي.
ترجمة: عروة درويش
- يتفق الكثيرون على أنّ النظام الدولي الليبرالي يمرّ بأزمة خانقة. لكن لا يوجد توافق مماثل حول أسباب هذه الأزمة، أو حول المؤشرات المبكّرة التي دلّت على أنّ «النموذج الغربي قد تحطّم». برأيك، ما كانت تلك المؤشرات المبكرة؟ وما العوامل التي أسهمت أكثر من غيرها في هذه الاضطرابات الحالية؟
إنّ أزمة النظام الليبرالي، أو لنقل أزمة الغرب ذاته، فقد بدأت منذ أكثر من قرن، عندما فجّر الغرب حرباً عالمية مدمّرة ضد نفسه– أعني الحرب العالمية الأولى. هذه الحرب هزّت كثيراً من الأسس القيمية والمؤسساتية التي كانت تستند إليها المجتمعات الغربية.
في بدايات العشرينيات، خرجت روسيا، التي أصبحت لاحقاً الاتحاد السوفييتي، من المنظومة الغربية، وبدأت تدعم الحركات المناهضة للاستعمار وحركات التحرّر الوطني. ومع أنّ ذلك لم يكن يُنظر إليه حينها كأزمة للنظام الليبرالي، إلا أنّه تزامن مع أزمة الثلاثينيات الكبرى ثم الحرب العالمية الثانية، وهما أزمتان نتجتا إلى حدّ بعيد عن التناقضات داخل المنظومة الغربية نفسها.
انطلقت مرحلة جديدة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عندما تمكّن الاتحاد السوفييتي، بدافع أمني ذاتي ومن دون استيعاب كامل لعواقب قراراته، من تصنيع الأسلحة النووية، وبالتالي نسف الركيزة التي بُنيت عليها هيمنة الغرب على مدى خمسمئة عام: وهي التفوّق العسكري-التقني والتنظيمي الأوروبي.
ومنذ ستينيات القرن العشرين، بدأ الغرب يخسر الحروب. انطلقت حركة إنهاء الاستعمار. ولم يعد بإمكان الغرب فرض إرادته بالقوة. خسر الغرب حرب كوريا، كما خسر الفرنسيون حرب فيتنام، وتبعهم الأمريكيون في الهزيمة، ثم جاءت صدمة الحظر النفطي.
بدأت التناقضات البنيوية تتراكم في الغرب، لا سيّما في أوروبا، التي دخلت في حالة من الركود منذ أواخر الستينيات. وبحلول السبعينيات والثمانينيات، بدت علامات الانحدار جليّة. غير أنّ انهيار الاتحاد السوفييتي لاحقاً، وتخلّيه عن دوره كندّ للمنظومة الغربية، أعطى الغرب انتصاراً مؤقتاً. نسي الغرب مشاكله، لا سيّما بعدما حصل على دفعة هائلة من العمالة الرخيصة التي بلغت ملياراً ونصف، إضافة إلى الأسواق المفتوحة في روسيا وأوروبا الشرقية والصين، طبعاً.
غير أنّ الأمور بدأت تتغيّر مجدداً في العقد الأول من الألفية. فقد أدركت روسيا أنّها لن تستطيع الانخراط في النظام الغربي بشروط تحفظ سيادتها. فقرّرت استعادة قوتها العسكرية… وقد فعلت. ومعها دخل النظام الليبرالي في أزمة جديدة. أصبح نموذج الاستهلاك المفرط والتراكم اللامحدود للثروات هو السائد، مما أضرّ بكوكب الأرض ذاته.
ربما كانت روسيا، إلى حدّ ما، المفتاح في انفجار هذه الأزمة، لكن لا أعتقد أنّ القادة الروس أو السوفييت كانوا يدركون تماماً ما يفعلونه. كانوا مدفوعين في الأساس بحرصهم على أمن البلاد، وبما فيهم من إرث أممي تقليدي، دعموا حركات التحرّر ضد الاستعمار.
أقول مجدداً: الأزمة الحادة بدأت منذ زمن بعيد. لكنها دخلت مرحلتها الأشدّ في السبعينيات والثمانينيات، وانقطعت مؤقتاً بانتصار غربي كاذب، ليعود الانهيار بعده بوتيرة متسارعة.
- برأيك، ما ملامح العالم «ما بعد الغربي»؟ كيف ستتغيّر موازين القوى والهياكل الاقتصادية والتحالفات الجيوسياسية في هذا العصر الجديد؟ وهل تعتقد أنّ مؤسسات الحوكمة العالمية الحالية ستظل قائمة؟ أم ينبغي إصلاحها أو حتى استبدالها لتعكس توازن القوى الجديد؟
الإجابة عن هذا السؤال من شقين.
أولاً: المؤسسات الحالية للحكم العالمي غير كافية في معظمها. ينطبق هذا بشكل خاص على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإلى حدّ كبير أيضاً على مؤسسات الأمم المتحدة. ينبغي علينا التفكير في بدائل لها، لكن ليس من الحكمة تحطيمها دفعة واحدة، لأنّ ذلك سيزيد الفوضى.
وصفتي البسيطة هي: علينا بناء مؤسسات موازية ضمن إطار منظمة شنغهاي للتعاون و«بريكس»، ومع «أغلبية العالم» – كما نحب أن نسمي ما يُعرف اليوم بـ«الجنوب العالمي» – مع إشراك بعض الشركاء الغربيين المستعدين للعمل على قضايا إنسانية كبرى، مثل: تغيّر المناخ والكوارث الصناعية، ونقص الغذاء، والأوبئة، وانتشار الأسلحة البيولوجية. هذه قضايا ملحّة لا يمكن حلّها ضمن النظام القائم.
لكن مجدداً، لا حاجة لتدمير نظام الأمم المتحدة كلياً. ربما سنحتاجه بعد 15 أو 20 سنة أو أكثر، في حال لم ننزلق إلى حرب عالمية جديدة. المشكلة ليست في ميثاق الأمم المتحدة، بل في أنّ المؤسسات أُفرغت من دورها بسبب وقوع مقارّها في نيويورك وجنيف وفيينا، ما جعل الكادر الإداري فيها من الغرب أو من المحسوبين عليه. ومع أنّ شرعية هذا النظام تتآكل، فإنّ الحفاظ عليه – ولو شكلياً – يبقى ضرورياً إلى أن تكتمل البدائل.
ثانياً: عن خصائص النظام العالمي الجديد. لست عرّافاً، بالطبع، لكن ما أراه بوضوح هو أنّنا نسير نحو عالم متعدد الأقطاب، أكثر حرية، حيث يمكن للشعوب والحضارات أن تنمو بعيداً عن الهيمنات. لن تكون هناك قوة أحادية تفرض سطوتها. الهيمنات القديمة ستنتهي، والجديدة لن تجد موطئ قدم. لذلك، أحبّ هذا العالم. قد لا أعيش لأشهده، لكن لا بأس.
الحرية سلعة باهظة الثمن، وسندفع ثمنها. ولكي نصل إليها، علينا أن نتجاوز هذه المرحلة المضطربة بأقل الخسائر، وأن نمنع العالم من السقوط في حرب كبرى أو في انهيارات وطنية. نحن في مرحلة صعبة، لكنها جديرة بالتأمّل.
- هل تعتبر العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا نقطة تحوّل في علاقة روسيا بالغرب؟ وما الدور الذي لعبته هذه الحرب فيما تسميه «إعادة اكتشاف» روسيا لـ«أغلبية العالم»؟
أثّرت العملية العسكرية الخاصة– وهي بالحقيقة حرب ضد الغرب تُخاض في أوكرانيا– على جميع جوانب السياسة الروسية. لقد سرعت من التوجه شرقاً في الاقتصاد والسياسة الخارجية. زاد التبادل التجاري مع الصين والهند ودول آسيا. العلاقات التجارية مع أفريقيا تتعافى. والأهم من ذلك: أنّ توجّه روسيا نحو «أغلبية العالم» بات أكثر وضوحاً وتسارعاً. أدركنا أخيراً أنّ هذه المناطق هي مصدر النمو والشراكات المستقبلية.
لكن هذا التوجّه لم يبدأ مع الحرب. كتبنا عنه قبل سنوات، وأصدرنا تقارير عن سياسة روسيا الجديدة تجاه «أغلبية العالم» وتحديداً أفريقيا، منذ خمس أو ست سنوات. كنا مستعدّين. واليوم، تدفعنا الظروف الموضوعية إلى تسريع هذا الانخراط.
بدأنا نُدرك أنّنا جزء من هذه الأغلبية العالمية. نحن نواتها العسكرية والاستراتيجية. لم نكن يوماً من القوى الاستعمارية. الاتحاد السوفييتي ناصر حركات التحرّر وواجه الاستعمار. لقد أضعفنا التفوّق العسكري الغربي وحررنا «أغلبية العالم» من سطوة الغرب.
العملية العسكرية كان لها أثر إيجابي داخلي أيضاً، سواء في السياسة أو الاقتصاد. الاقتصاد، الذي كان يراوح مكانه، بدأ ينمو بشكل أسرع. عدنا للاستثمار في العلوم، وخصوصاً التقنية منها.
الحرب تساعد في تطهير النخب والمجتمع من النزعة الغربية، التي باتت اليوم مرادفاً للتخلف. العقوبات الغربية تساعدنا في التخلص من البرجوازية الكومبرادورية وخدمها من المثقفين. الأهم من ذلك: أنّ روسيا تعود إلى ذاتها الحقيقية، وتعيش نهضة ثقافية وأخلاقية وروحية. نعم، ندفع الثمن من دماء خيرة شبابنا، ولكننا سننتصر. وستبقى هذه النهضة، كما سيبقى تحوّلنا شرقاً، وتحديداً نحو «أغلبية العالم»، لأننا نعتبر أنفسنا عمادها السياسي والعسكري، ومحرّريها من نير الغرب.
- نشهد حالياً ما يبدو أنّه انقسام متزايد داخل الغرب فيما يخصّ طريقة التعامل مع روسيا ومستقبل الحرب في أوكرانيا. والمفارقة أنّ الولايات المتحدة هي التي تظهر رغبة أكبر في التفاوض، أو في الوصول إلى تسوية، بينما تظلّ دول أوروبية كثيرة متردّدة، أو حتى رافضة لهذه الفكرة. برأيك، ما سبب هذا التباين في الاستراتيجيات؟ هل يعود ذلك لاختلاف الأولويات الجيوسياسية والمصالح الاقتصادية، أم لضغوط داخلية؟ وما انعكاسات هذا الانقسام على تماسك الغرب في المستقبل؟
الخلافات بين النخب الأوروبية والأمريكية باتت واضحة وتزداد اتساعاً. في بداية الحرب، كانت المصالح متقاربة. أراد الأمريكيون إنهاك روسيا كعدو استراتيجي، بينما أرادت أوروبا تحقيق انتصار لتبرير وجودها، أو لصرف الأنظار عن أزماتها الداخلية. لكن مع مرور الوقت، وازدياد القناعة بأنّ النصر مستحيل، بدأت تظهر الفروقات.
روسيا لم تقاوم فقط، بل أرسلت إشارات واضحة: إذا استمرت الحرب، فإنّ الرد النووي على أهداف في أوروبا سيكون أمراً وارداً. الأمريكيون فهموا الرسالة. لا يريدون حرباً نووية في أوروبا. تراجعوا خطوة خطوة، حتى في عهد بايدن رغم خطابه العدائي. بدأت المساعدات العسكرية لأوكرانيا تتناقص بشكل متقطّع.
أما الأوروبيون، فالوضع مختلف. نخبهم فقدت البصيرة. يعيشون في فقاعة من «الطفيلية الاستراتيجية»، بلا وعي لمخاطر الحرب، أو مسؤولية تجاه شعوبهم. إنهم يدفعون بلدانهم نحو حرب، رغم الخسائر التي قد تكون وجودية.
أضف إلى ذلك، أنّ الأمريكيين حققوا معظم أهدافهم.
أولاً: فصل روسيا عن أوروبا، ومنع أي تقارب استراتيجي أو اقتصادي. هذا هدف سعت إليه واشنطن منذ بداية الألفية، عندما بدأ اللعب بالورقة الأوكرانية، وقد نجحوا بذلك.
ثانياً: استغلّت أمريكا الحرب لنهب أوروبا. بعد أن فقدت القدرة على نهب «أغلبية العالم»، صارت تسحب الأموال والصناعات الأوروبية نحو أراضيها، بعد أن فقدت أوروبا ميزاتها التنافسية برفضها الغاز والموارد الروسية.
بكلام آخر، أمريكا ربحت الحرب– على أوروبا. والآن تريد التوصّل إلى تفاهم مع روسيا يضمن إنهاء الصراع قبل أن يتصاعد إلى مواجهة نووية. أما أوروبا، فقد فقدت عقلها، وتهرول نحو الهاوية.
- في تقريركم «سياسة روسيا تجاه أغلبية العالم»، وصفتَ أنت وزملاؤك كلّاً من «بريكس» و«منظمة شنغهاي للتعاون» بأنهما يشكّلان «طليعة أغلبية العالم، مع إمكانية لوضع قواعد، وصياغة سياسات، وإنشاء بدائل مؤسساتية للنظام الغربي». كيف تردّ على الانتقادات، لا سيّما القادمة من بعض قطاعات اليسار، والتي ترى في «بريكس» مجرد منصة لتعزيز مصالح نخب وطنية داخل بنية القوى العالمية، بدلاً من إحداث تحوّل اجتماعي جذري في النظام العالمي؟
نحن في روسيا ننظر إلى تطوير «بريكس» و«منظمة شنغهاي للتعاون» كوسيلة لمنع الانهيار الكامل في نظام الحوكمة العالمي. المؤسسات القديمة التي يهيمن عليها الغرب تحتضر. نظام الأمم المتحدة بات ضعيفاً، عاجزاً عن أداء وظائفه الأساسية، ومثقلاً بطبقة بيروقراطية غربية، أو محسوبة على الغرب.
لذلك، نحن بحاجة إلى بناء أنظمة موازية، خلال هذه الفترة الانتقالية التي سنعيد فيها بناء توازن جديد للقوى، ونظام مؤسساتي بديل أو معدل. نعم، روسيا حتى الآن لم تقدّم نموذجاً اجتماعياً-اقتصادياً بديلاً لتلك المنظومة الليبرالية. وأرى أنّ الانتقاد الذي ذكرته في محلّه تماماً.
المشكلة معقدة، وتحتاج إلى جهد جماعي. الرأسمالية العالمية الليبرالية استنفدت فائدتها، وأصبحت مضرة.
أولاً: بالطبيعة، لأنها تقوم على الاستهلاك اللامحدود.
ثانياً: بالإنسان ذاته، حيث تحوّله إلى كائن استهلاكي عديم المعنى. السعي الأعمى إلى الربح، والثورة المعلوماتية، يهدّدان كيان الإنسان ذاته.
علينا العمل مع المفكرين من «أغلبية العالم»، وكذلك مع المثقفين التقدميين في الغرب، لصياغة نموذج بديل للتنمية، ومحاولة تطبيقه. نعم، روسيا لا تفعل ما يكفي في هذا السياق، وهذه نقطة ضعف في سياساتنا. طرحت هذا الموضوع مع الرئيس الروسي خلال منتدى بطرسبرغ الاقتصادي العام الماضي، وأعلم أنّ ثمة جهوداً جارية، لكنّها ليست كافية. نحن بحاجة إلى تعاون شامل، لا يقتصر على القوى اليسارية، بل يشمل السياسيين والعلماء ممن يشعرون بالمسؤولية عن مستقبل البشرية. النموذج الرأسمالي الحالي يقود البشرية إلى طريق مسدود.
- كيف تقيّم متانة التحالف الاستراتيجي بين روسيا والصين على المدى الطويل؟ وما المخاطر المحتملة التي قد تترتّب على هذا التحالف؟
روسيا والصين حليفان غير رسميين. نحن نكمل بعضنا البعض. لدى الصين فائض في اليد العاملة، ولدينا نحن موارد ضخمة. نتقاسم حدوداً طويلة جداً، والعلاقات الجيدة التي بنيناها خلال العقود الماضية حسّنت أمننا بشكل كبير على جانبي الحدود. خفّضنا عدد القوات على الحدود بشكل جذري، والصين فعلت الشيء نفسه. لا توجد تقريباً أي تشكيلات عسكرية كبيرة في الشمال الصيني.
نحن نتعاون بشكل وثيق مع الصين اقتصادياً، كما نعمل معاً على تطوير نموذج جديد للتنمية العالمية، لا يزال في مراحله الأولى. يضاعف هذا التحالف غير الرسمي القدرة الاستراتيجية للطرفين. لولا الدعم الروسي، لكان من الصعب على الصين مواجهة ضغوط الغرب. كما أنّ القوة الاقتصادية الصينية تساعدنا كثيراً في مواجهتنا مع أوروبا.
نجح القادة في كلا البلدين في ترميم العلاقات بعد التوترات بين الستينيات والثمانينيات. والفضل، إن جاز التعبير، يعود إلى «الجنون» الغربي. ضغوطهم المتزامنة على روسيا والصين دفعتنا نحو التحالف، وزادت قوتنا المشتركة بشكل هائل.
لا شك في وجود اختلال في الميزان الاقتصادي لصالح الصين، وهذا يُقلق البعض في روسيا، لكنه لا يثير خوفاً حقيقياً. بكين حذرة جداً حيال العمالة الصينية في روسيا. هناك طلاب ورجال أعمال صينيون، لكن لا وجود يُذكر للعمالة اليدوية. قمنا بدراسة قبل 15 عاماً أظهرت أنّ أعداد الصينيين في روسيا كانت أقلّ من عدد الألمان في ذلك الوقت.
اليوم، لا يزال عددهم قليلاً. بل أقول: إنني أتمنّى وجود المزيد منهم فقط من أجل مطبخهم! ومع ذلك، ينبغي التفكير بشكل جدي في هذا الخلل على المدى البعيد. ولهذا، اقترحت قبل 7 أو 8 سنوات مفهوم «أوراسيا الكبرى». في البداية، تحسّس أصدقاؤنا في الصين من الفكرة، لكننا الآن نعمل معاً على بناء شراكة أوراسية كبرى.
هذا المفهوم يقوم على التعاون والتنمية والأمن لكلّ أوراسيا. وربما يتحوّل لاحقاً إلى نظام أمن «ناعم»، يشمل الغذاء، والصحة، ومواجهة الكوارث الطبيعية والصناعية، والنقل.
لكن للمفهوم أيضاً بُعداً أعمق: هو نظام توازن، بحيث لا تخاف أيّ دولة من هيمنة الصين، لأنّ قوتها تقابلها قوى ناهضة أخرى، مثل: إندونيسيا، والهند، وإيران، وتركيا، وروسيا. القادة في بكين تفهّموا هذه النقطة لاحقاً، واقتنعوا بأنّ كونهم «الأول بين المتساوين» أفضل من أن يُنظر إليهم كقوة مهيمنة يخشاها الجميع.
ما نفعله هو منع أي تهديد محتمل من الصين، وفي الوقت نفسه تعزيز علاقاتنا معها على كل المستويات، وجعلها ركيزة أوراسيا الكبرى. وستحتاج هذه الركيزة حتماً إلى دعائم ثالثة ورابعة، مثل: الهند، وإيران، والعالم العربي. عندها سيعود مركز الثقل العالمي إلى حيث يجب أن يكون: أوراسيا العظيمة، السلمية. وأنا فخور جداً بأنني من صاغ هذا المفهوم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1229