السبب الحقيقي لرغبة الأمريكيين بالاستيلاء على غرينلاند
تعارض الغالبية العظمى من الناس في غرينلاند الانضمام إلى الولايات المتحدة، على الرغم من تهديدات دونالد ترامب باستعمار أراضيهم. وبحسب استطلاع للرأي نشرته صحيفة غرينلاندية في كانون الثاني، فإن 85% من سكان غرينلاند لا يريدون الانضمام إلى الولايات المتحدة، ولا يؤيد سوى 6% فقط من سكان غرينلاند اقتراح ترامب بضم وطنهم. أما الـ 9% الباقون فلم يحسموا أمرهم بعد. لكن لماذا يريد الأمريكيون حقاً الاستيلاء على غرينلاند؟
ترجمة: عروة درويش
غرينلاند هي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي وتتبع للدنمارك، على الرغم من أن استطلاعات الرأي أظهرت منذ فترة طويلة أن غالبية الناس هناك، وهم من أصل الإنويت «الأسكيمو» يعتبرون أنفسهم دولة منفصلة ويريدون الاستقلال الرسمي. ومع ذلك، فإن رغبة سكان غرينلاند في الاستقلال عن الإمبراطورية الدنماركية لا تعني بالضرورة أنهم يريدون أن يتم استعمارهم من قبل الإمبراطورية الأمريكية.
أصرّ رئيس وزراء غرينلاند، موتي بوروب إيجيدي: «لا نريد أن نكون دنماركيين. لا نريد أن نكون أمريكيين. نريد أن نكون غرينلانديين». رفضت إدارة ترامب بشكل علني رغبات الشعب الغرينلاندي، وأوضحت أنها جادة بشأن السيطرة على غرينلاند.
قدم حليف ترامب، النائب الجمهوري إيرل كارتر، مشروع قانون في مجلس النواب يدعو إلى «تفويض الرئيس للدخول في مفاوضات للاستحواذ على غرينلاند وإعادة تسميتها الأرض الحمراء والبيضاء والزرقاء». واعترف كبار المسؤولين الأمريكيين بأن لديهم هدفين رئيسيين: الحد من نفوذ الصين في منطقة القطب الشمالي، واستغلال المعادن الحيوية في غرينلاند.
أكد نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس دوافع واشنطن. أوضح فانس في مقابلة مع قناة فوكس نيوز أن غرينلاند «مهمة جداً لأمننا القومي. فهناك ممرات بحرية يستخدمها الصينيون والروس». ومن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى ذوبان بعض الجليد في القطب الشمالي، مما يسهل على السفن المرور عبر المنطقة، ويفتح طرق تجارية جديدة.
تسعى الحكومة الأمريكية إلى عسكرة منطقة القطب الشمالي، بهدف تقييد وصول الصين إليها. تسعى واشنطن أيضاً إلى إبعاد الصين عن سلاسل توريدها. وقد أنشأت لجنة مناهضة الصين في مجلس النواب الأمريكي مجموعة عمل معنية بسياسة المعادن الأساسية، مُخصصة لهذه المهمة تحديداً.
وتأمل الولايات المتحدة أن تتمكن من تنويع سلسلة إمدادات المعادن الحيوية من خلال استخراج الموارد من غرينلاند، كما في أوكرانيا، حيث يحاول ترامب فرض معاهدة غير متكافئة تمنح الولايات المتحدة السيطرة على معادنها الحيوية وعائدات التصدير. في غرينلاند، قال نائب الرئيس فانس: «لديهم موارد طبيعية هائلة، بلدٌ وافرٌ بشكلٍ لا يُصدق، لكن الدنماركيين لا يسمحون لهم بتطويره واستكشافه». وأضاف: «بالطبع، كان دونالد ترامب ليتخذ نهجاً مختلفاً لو كان زعيماً لغرينلاند».
في مقابلة أخرى على قناة فوكس نيوز، أكد فانس قائلاً: «غرينلاند مهمة جداً لأمريكا استراتيجياً. فهي غنية بالموارد الطبيعية الرائعة... أعتقد أن هناك فرصة حقيقية لنا هنا لتولي القيادة، وحماية أمن أمريكا، وضمان تطوير هذه الموارد الطبيعية الهائلة».
ما هي موارد غرينلاند الطبيعية؟
أشارت رويترز إلى أن غرينلاند تحتوي على ما لا يقل عن 25 من المعادن الـ34 التي صنفتها المفوضية الأوروبية «كمواد خام أساسية». وذكرت الوكالة أنّ غرينلاند تحتوي على رواسب كبيرة من المعادن النادرة، والغرافيت، والنحاس، والنيكل، والزنك، والذهب، والماس، وخام الحديد، والتيتانيوم والفاناديوم، والتنغستن، واليورانيوم.
وعد دونالد ترامب في حفل تنصيبه يوم 20 كانون الثاني بأنه سوف «يوسع» الأراضي الأمريكية، مستشهداً بمفهوم «القدر المتجلي Manifest Destiny» الاستعماري. وفي خطاب آخر يوم 25 كانون الثاني، قال الرئيس الأمريكي لأنصاره: «قد نكون دولة متوسعة إلى حد كبير في المستقبل غير البعيد». ووجه ترامب تهديدات أخرى ضد غرينلاند خلال اجتماع مع الأمين العام للناتو مارك روته في البيت الأبيض في 13 آذار. قال ترامب: «نحتاج غرينلاند للأمن الدولي... لدينا العديد من اللاعبين الكبار يتجولون على طول الساحل، وعلينا أن نكون حذرين»، في إشارة غير مباشرة إلى الصين وروسيا.
اتفق أمين عام الناتو، روته، مع الرئيس الأمريكي قائلاً: «فيما يتعلق بالمناطق الشمالية المرتفعة في القطب الشمالي، فأنت محق تماماً. الصينيون يستخدمون هذه الطرق. نعلم أن الروس يتسلحون بالفعل».
اشتكى روته من أن دول الناتو «تعاني من نقص كاسحات الجليد». وأعرب ترامب عن أسفه لامتلاك روسيا 40 كاسحة جليد، بينما تمتلك الولايات المتحدة واحدة فقط. وقال: «يجب أن تحصلوا على كاسحات الجليد الخاصة بكم». وأضاف ترامب: «تكتسب هذه المنطقة بأكملها أهمية بالغة لأسباب عديدة. فالطرق، كما تعلمون، مباشرة إلى آسيا وروسيا، والسفن في كل مكان. وعلينا توفير الحماية».
في هذا الاجتماع، هدد ترامب باستخدام القوة العسكرية للسيطرة على غرينلاند: «نحن بحاجة ماسة إليها لأمننا القومي... كما تعلمون، لدينا بالفعل قاعدتان في غرينلاند، ولدينا عدد لا بأس به من الجنود، الذين ربما سترون المزيد والمزيد منهم يذهبون إلى هناك».
للولايات المتحدة قاعدة عسكرية معروفة واحدة في غرينلاند، وهي قاعدة بيتوفيك الفضائية. لم يُعترف رسمياً علناً بوجود منشآت عسكرية أخرى، لكن ترامب صرّح مراراً بأن للولايات المتحدة قواعد متعددة هناك.
وقال الأمين العام روته «لذا، عندما يتعلق الأمر بانضمام غرينلاند إلى الولايات المتحدة، نعم أو لا، فإنني سأترك ذلك خارج هذه المناقشة بالنسبة لي، لأنني لا أريد أن أجر الناتو إلى هذا الأمر».
رغبات السكان «غير مهمّة»
لا أحد تقريباً في غرينلاند يرغب بالانضمام إلى الولايات المتحدة. وكما أُشير سابقاً، أظهر استطلاع رأي أن 85% من الناس يعارضون خطة ترامب، بينما يؤيدها 6% فقط. نظّم سكان غرينلاند احتجاجات حاشدة تنديداً بالتهديدات الأمريكية، رافعين رسائل مثل: «عدوان! لا تستولوا على بلدنا! أنتم غير مرحب بكم!» و«يانكي، عد إلى ديارك!».
عدد سكان غرينلاند قليل جداً، إذ يبلغ حوالي 57 ألف نسمة. غالبيتهم من سكان الإنويت الأصليين، وقد شهدوا كيف أساءت الحكومة الأمريكية معاملة السكان الأصليين في أمريكا الشمالية وأرعبتهم. ويتمتع سكان غرينلاند أيضاً بحكومة ديمقراطية اجتماعية تضمن الرعاية الصحية والتعليم الشاملين، والتي قد يفقدونها إذا تم ضمهم إلى الولايات المتحدة.
أكد رئيس وزراء غرينلاند، موتي بوروب إيجيدي ، في منشور على فيسبوك، «إننا لن نصبح بأي حال من الأحوال جزءاً من الولايات المتحدة ونصبح أمريكيين». وأضاف: «غرينلاند بلدٌ واحدٌ ندعمه جميعاً. والأحزاب متحدةٌ ضد السلوك غير المقبول للزعيم الأمريكي، وسنواصل النضال من أجل بلدنا».
إيجيدي هو عضو في الحزب السياسي الاشتراكي إينويت أتاكاتيجيت، الذي يدعم استقلال غرينلاند عن الاستعمار الدنماركي. لكن حزبه ليس الوحيد. فرغم اختلاف آراء الأحزاب السياسية الأخرى في غرينلاند حول الشؤون الداخلية، فحتّى الأحزاب الوسطية واليمينية تؤيد الاستقلال.
أصدر زعماء الأحزاب الخمسة في البرلمان بياناً مشتركاً يدين تهديدات ترامب، وكتبوا: «نحن -جميع رؤساء الأحزاب- لا يمكننا قبول التصريحات المتكررة بشأن ضم غرينلاند والسيطرة عليها... نحن، بصفتنا رؤساء أحزاب، نجد هذا السلوك غير مقبول».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1220