بوتين يتحدث أمام فالداي عن «ديالكتيك التاريخ» والمبادئ الاستراتيجية للعالَم الجديد
شارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الجلسة العامة للاجتماع السنوي الحادي والعشرين لنادي فالداي الدولي للحوار في 7 تشرين الثاني الجاري. وكان موضوع الاجتماع هو «السلام الدائم على أيّ أساس؟ الأمن المشترك وتكافؤ الفرص من أجل التنمية في القرن الحادي والعشرين». وفيما يلي تلخيص لأبرز ما جاء في كلمة بوتين في تلك الجلسة.
تعريب وإعداد: قاسيون
إننا نجتمع في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني، وهو تاريخ مهم بالنسبة لروسيا والعالم أجمع. فقد أصبحت الثورة الروسية عام 1917، مثل الثورة الهولندية والبريطانية والثورة الفرنسية الكبرى في عصرها، إلى حد ما، معلماً بارزاً بتحديد مسار تطور البشرية والتاريخ وطبيعة السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والبنية الاجتماعية.
مقدَّرٌ علينا أيضاً أن نعيش في عصر من التغيرات الجذرية، بل والثورية، وليس أنْ ندركها فحسب، بل ونشارك بشكل مباشر في أكثر العمليات تعقيداً في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين.
النظام العالمي السابق يزول بلا رجعة، بل لقد زال بالفعل، ويدور صراع حاسم لتطوير نظام عالمي جديد. إنّه حاسم، لكونه بالمقام الأول ليس حتى صراعاً على القوة أو النفوذ الجيوسياسي، بل على المبادئ ذاتها التي ستشكل أساس علاقات البلدان والشعوب بالمرحلة التاريخية المقبلة. وستحدد نتائج هذا الصراع ما إذا كنا سنتمكن، بالجهود المشتركة، من بناء عالم يسمح بتطور كل الأمم، وحل التناقضات الناشئة، على أساس الاحترام المتبادل للثقافات والحضارات، دون إكراه أو استخدام للقوة. وأخيراً، ما إذا كان المجتمع البشري سيحتفظ بمبادئه الإنسانية الأخلاقية، وما إذا كان الفرد قادراً على البقاء إنساناً.
عدا ذلك فإنّ البديل المؤسف موجود: غوص البشرية في أعماق الفوضى العدوانية، والانقسامات الداخلية والخارجية، وتآكل القيم التقليدية، وظهور أشكال جديدة من الطغيان، والتخلي الفعلي عن المبادئ التقليدية للديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية. حيث لا تفسَّر الديمقراطية في كثير من الأحيان باعتبارها حكم الأغلبية بل حكم الأقلية. الليبرالية الغربية الحديثة، في رأيي، انحدرت إلى التعصب الشديد والعدوان تجاه أي بديل أو فكر سيادي ومستقل. وتسعى حتى إلى تبرير النازية الجديدة والإرهاب والعنصرية، وحتى الإبادة الجماعية للمدنيين.
القوى المهيمنة السابقة، التي اعتادت حكم العالم منذ العصور الاستعمارية، تشعر بدهشةٍ متزايدة لأن أوامرها لم تعد تُؤخذ بالاعتبار. وجهودها للتمسك عبر القوّة بسلطتها المتضائلة لا تؤدي سوى إلى انتشار المزيد من عدم الاستقرار والتوترات، ما يؤدي إلى الضحايا والدمار. ومع ذلك، تفشل بالحفاظ على القوة المطلقة التي لا يتحدّاها أحد. ذلك أنّ مسيرة التاريخ لا يمكن إيقافها.
إنّ السعي إلى التفرّد، والتبشير بالليبرالية والعولمية وكأنّها الخَلاص، والاحتكار الإيديولوجي والعسكري والسياسي، تستنزف باطّراد تلك البلدان الساعية إلى هذه المسارات، وتدفع العالم للانحدار وتتناقض بشكل صارخ مع المصالح الحقيقية للشعوب في الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وفي هذا السياق، أود التأكيد مرة أخرى: روسيا، بعكس نظرائنا، لا تنظر إلى الحضارة الغربية كعدوّ، ولا تطرح مسألة «نحن أو هم».
لقد كنّا حتى الآن -وأقصد كلّ المهتمين بخلق عالم عادل ومستقر- نستخدم قدراً كبيراً من الطاقة لمقاومة الأنشطة التدميرية التي ينتهجها خصومنا المتمسّكين باحتكارهم... بينما كان يمكن توجيه هذه الجهود بنتائج أفضل كثيراً لمعالجة المشاكل المشتركة، من الديموغرافيا والتفاوت الاجتماعي إلى تغير المناخ والأمن الغذائي والطب والتكنولوجيا الجديدة. وهذا هو المجال الذي ينبغي لنا أن نركّز فيه طاقتنا...
«ديالكتيك التاريخ»
سوف أسمح لنفسي اليوم بتقديم عدد من الاستطرادات الفلسفية... يتميز العالَم الجديد بتركيبة أو وجود متوازٍ لعنصرين متضادَّين على ما يبدو: إمكانية الصراع المتزايدة بسرعة وتفتت المجالات السياسية والاقتصادية والقانونية، من ناحية، والترابط الوثيق المستمر للفضاء العالمي ككل، من ناحية أخرى.
وفي الآونة الأخيرة، قام الغرب الجماعي بمحاولة غير مسبوقة لإبعاد روسيا عن الشؤون العالمية والأنظمة الاقتصادية والسياسية الدولية. وعدد العقوبات والإجراءات العقابية المطبقة ضد بلدنا لا مثيل له في التاريخ. وبينما يتجه تيار السياسة العالمية السائد للانتقال من عالَم المُهيمِن المنهار نحو التنوع المتزايد، يحاول الغرب السباحة ضد التيار.
دعونا نعود إلى ديالكتيك التاريخ، وتناوب فترات الصراع والتعاون. هل تغيّر العالم حقاً إلى الحد الذي لم تعد معه هذه النظرية صالحة؟ ما هو جوهر الصراع، ومن المتورط فيه اليوم؟
منذ منتصف القرن الماضي، عندما هُزمت النازية -الإيديولوجية الأكثر شراسة وعدوانية- عبر التصرف إزاءها بالوقت المناسب وبتضحياتٍ فادحة، واجهت البشرية مهمة تجنب إحياء هذا الشر وتكرار الحروب العالمية. ورغم التعرجات والمناوشات الموضعية، تم تحديد الاتجاه العام في ذلك الوقت؛ فتم رفض جميع أشكال العنصرية، وتفكيك النظام الاستعماري الكلاسيكي وإشراك عدد أكبر من المشاركين الكاملين في السياسة الدولية... وساهمت بلادنا، التي كانت تسمى آنذاك الاتحاد السوفييتي، مساهمة كبيرة في تعزيز هذا الاتجاه. فساعد الاتحاد السوفييتي الدول التي تخلّصت من التبعية الاستعمارية أو الاستعمارية الجديدة، سواء في أفريقيا أو جنوب شرقي آسيا أو الشرق الأوسط أو أميركا اللاتينية.
وأود التأكيد أن الاتحاد السوفييتي كان في منتصف ثمانينيات القرن العشرين هو الذي دعا إلى إنهاء المواجهة الإيديولوجية والحرب الباردة وإرثها، وإزالة الحواجز التي أعاقت الوحدة العالمية والتنمية العالمية الشاملة... هذا يعكس سمة بارزة لعقلية أمتنا وتقاليدها وقيمها وإحداثياتها الروحية والأخلاقية... لكن الطرف الآخر في المواجهة الإيديولوجية نظر إلى تلك التطورات التاريخية على أنها انتصار له، واعتبرها استسلاماً من بلادنا للغرب.
منشأ الصراعات في عصرنا
من خلال تحريف نتائج الحرب الباردة لتناسب مصالحهم وإعادة تشكيل العالم وفقاً لأفكارهم، أظهر الغرب جشعاً جيوسياسياً صارخاً وغير مسبوق. هذه هي الأصول الحقيقية للصراعات في عصرنا التاريخي، بدءاً من المآسي في يوغوسلافيا والعراق وليبيا والآن أوكرانيا والشرق الأوسط.
اعتقدت بعض النخب الغربية أن احتكارها ولحظة القطب الواحد بالمعنى الإيديولوجي والاقتصادي والسياسي وحتى العسكري الاستراتيجي جزئياً هي نقطة النهاية... نهاية التاريخ، كما أعلنوا بغطرسة. لستُ بحاجة إلى إخباركم بمدى قصر نظر وعدم دقة هذا الافتراض. فالتاريخ لم ينتهِ بعد. بالعكس، لقد دخل مرحلة جديدة...
الحقيقة أنه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي كبديل اشتراكي سوفييتي، تصوّر كثيرون أن نظام الاحتكار جاء ليبقى إلى الأبد، لكن هذا النظام بدأ يتأرجح من تلقاء نفسه، تحت وطأة طموحات وجشع تلك النخب الغربية.
ما هو الصراع اليوم؟
أنا على ثقة من أنه ليس صراع الجميع ضد الجميع بسبب انحرافٍ عن القواعد التي لا يكف الغرب عن إخبارنا بها. بل هو صراع بين الأغلبية الساحقة من سكان العالم، الذين يريدون العيش والتطور في عالم مترابط مع قدر كبير من الفرص، وبين الأقلية العالمية، التي لا يهمها سوى الحفاظ على هيمنتها، ومستعدة لتدمير الإنجازات الناتجة عن مسيرة طويلة نحو نظام عالمي مشترك. وكما نرى، فإنهم ليسوا منتصرين.
يحاول الغرب إقناعنا بنفاق بأن الإنجازات التي سعت البشرية لتحقيقها منذ الحرب العالمية الثانية أصبحت في خطر. هذا ليس صحيحاً على الإطلاق... أمّا الذي على المحك حقاً فهو احتكار الغرب، الذي نشأ بعد انهيار الاتحاد السوفييتي واستمر مؤقتاً في نهاية القرن العشرين... إن أيّ احتكار، كما يعلّمنا التاريخ، يزول في نهاية المطاف. والاحتكار مُضرٌّ دوماً، حتى بالاحتكاريين أنفسهم.
وبالعودة إلى ديالكتيك التاريخ، يمكننا التأكيد أنّ التعايش بين الصراعات والسعي للانسجام أمر غير مستقر بطبيعته. ولا بدّ أن يتم حل تناقضات عصرنا في نهاية المطاف من خلال تركيبٍ أعلى، والانتقال إلى نوعية جديدة. وفي العالم متعدد الأقطاب الناشئ، لا ينبغي ترك أمم أو شعوب خاسرة أو تشعر بالظلم والإهانة، وعندئذ فقط يمكننا تأمين الظروف المستدامة حقاً للتنمية الشاملة والمنصفة والآمنة.
خلال خطابي في منتدى فالداي العام الماضي، تجرّأت على تحديد ستة مبادئ، في تقديرنا، لدعم العلاقات خلال الانتقال إلى مرحلة جديدة من التقدم التاريخي. وأنا مقتنع بأن الأحداث التي تكشّفت بمرور الوقت لم تؤكد إلا نزاهة وصلاحية المقترحات التي تقدمنا بها. اسمحوا لي أن أشرح هذه المبادئ.
أولاً: الانفتاح على التفاعل
وهو يشكل القيمة العليا التي تعتز بها الغالبية العظمى من الأمم والشعوب. الجهود الرامية إلى إقامة الحواجز المُصطَنعة ليست معيبة فقط لأنها تعوق التقدم الاقتصادي الطبيعي والمفيد للجميع، بل ولأنها خطيرة كذلك وخصوصاً في خضم الكوارث الطبيعية والاضطرابات الاجتماعية والسياسية...
وللتوضيح، فلنتأمل السيناريو الذي حدث العام الماضي في أعقاب الزلزال المدمر في آسيا الصغرى. فأسبابٌ سياسية بحتة أدّت إلى عرقلة المساعدات للشعب السوري، مما أدى إلى تحمل مناطق معيَّنة العبء الأكبر للكارثة. هذه الحالات من المصالح الأنانية الانتهازية التي تحبط مساعي تحقيق الصالح العام ليست حالات معزولة... وحالياً، تسعى تلك القوى نفسها لاستخدام العقوبات كأداة للضغط على من يعارضهم.
ثانياً: تنوُّع العالم كشرط لاستدامته
الوعي القانوني جزء لا يتجزأ من كل ثقافة فريدة وحضارة. وأزمة القانون الدولي، التي تحظى بمناقشة عامة واسعة اليوم، هي بمعنى ما أزمة نمو؛ فصعود الأمم والثقافات التي ظلت فيما سبق على هامش السياسة العالمية لسبب أو لآخر يعني أن أفكارها المتميزة حول القانون والعدالة تلعب دوراً متزايد الأهمية.
هل ذكرتُ القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية؟ إن هذا القانون الدولي يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي كتبته البلدان المنتصرة. ولكن العالم يتغير – مع ظهور مراكز قوة جديدة، ونمو اقتصادات قوية وصعودها إلى الواجهة. وهذا يستدعي كما هو متوقع تغييراً في التنظيم القانوني أيضاً. لا بدّ من القيام بتغييره بعناية، ولكن لا مفرّ من ذلك. فالقانون يعكس الحياة، وليس العكس.
ثالثاً: تطوّر العالَم الجديد بحاجة لأوسع إدماج
أثبتت تجربة العقدين الماضيين بوضوح ما يؤدي إليه الاغتصاب، عندما يدعي شخص ما لنفسه الحق في التحدث والتصرف نيابة عن الآخرين. لقد أصبحت البلدان المشار إليها عادة بالقوى العظمى تعتقد أنه يحق لها أن تملي على الآخرين مصالحهم... وهذا لا ينتهك مبادئ الديمقراطية والعدالة فحسب، بل ويعيق التوصل إلى حلّ فعلي للمشاكل المطروحة.
ما هو حق النقض (الفيتو)؟ ما الغرض منه؟ إنه لمنع اتخاذ القرارات التي لا تناسب اللاعبين على الساحة الدولية. هل هذا مفيد أم ضار؟ قد ينظر إليه البعض على أنه ضار، لأنه يسمح لأحد الأطراف بعرقلة اتخاذ القرار. إن هذا الشرط مفيد لأنه يمنع صدور قرارات غير مقبولة من قبل بعض الأطراف. فماذا يعني هذا الشرط؟ إنه يحثنا على دخول غرفة المفاوضات والتوصل إلى توافق. هذا هو جوهره.
وثمة أمثلة لا حصر لها حيث تصاعدت التناقضات المعقدة ولكن القابلة للحل بين البلدان والشعوب المتجاورة إلى صراعات مستعصية ومتوطّنة بسبب المناورات والتدخل السافر من القوى الخارجية، غير المبالية أساساً بمصير أطراف الصراع، ولا بإراقة الدماء أو الخسائر.
أعتقد أنّ للمنظمات الإقليمية دوراً هامّاً في المستقبل. والدول المتجاورة، مهما تعقّدت العلاقات فيما بينها، تُوحِّدُها دائماً مصلحةٌ مشتركة في الاستقرار والأمن.
رابعاً: الأمن للجميع لا لدولةٍ على حساب أخرى
ليس ثمّة كتلة في العالم تتمسك بما يسمى بالالتزامات والعقائد الإيديولوجية الصارمة والشعارات المبتذلة سوى الناتو... ومن الواضح أن الكتل العسكرية والسياسية والإيديولوجية تمثّل عقبات أُنشئت لعرقلة التطور الطبيعي للنظام الدولي المتعدد الأقطاب... إن فكرة اللعبة الصفرية، حيث يفوز جانب واحد فقط ويخسر الآخرون هي صنيعة السياسة الغربية.
إن الفلسفة الشرقية، كما يعرفها الكثيرون هنا بعمق... تتبنى نهجاً مختلفاً جوهرياً. فهي تسعى إلى الانسجام بين المصالح، وتمكين الجميع من تحقيق أهدافهم الأساسية دون المساس بمصالح الآخرين، وتعتمد مبدأ «أنا فائز، وأنت فائز أيضاً».
المجتمع الناشئ داخل إطار مجموعة البريكس يعمل كنموذج أوّلي لعلاقات جديدة وحرّة وغير متكتلة بين الدول والشعوب... والنظام الأمني الأوراسي المستقبلي، الذي بدأ يتشكل الآن عبر قارتنا الشاسعة، يقوم على روح الاحترام المتبادل للمصالح.
خامساً: العدالة للجميع
انعدام المساواة هو الآفة الحقيقية للعالم الحديث، وبسببه تواجه البلدان التوتر الاجتماعي وعدم الاستقرار السياسي داخل حدودها. الفجوة التنموية التي تفصل ما يسمى بالمليار الذهبي عن بقية البشرية على الساحة الدولية لا تؤدي إلى المزيد من الخلافات السياسية والمواجهة فحسب، بل، والأهم، إلى تفاقم قضايا الهجرة.
لا يوجد بلد متقدم تقريباً على هذا الكوكب لم يواجه تدفقاً متزايداً، وغير قابل للسيطرة وللإدارة، من الناس الساعين لتحسين رفاهتهم ومكانتهم الاجتماعية والحصول على مستقبل. وبعضهم يحاول ببساطة البقاء على قيد الحياة. في المجتمعات الأكثر ثراءً، تغذي تدفقات الهجرة غير المنضبطة هذه بدورها كراهية الأجانب والمهاجرين، وتصاعداً بالقلق الاجتماعي والسياسي ما يرفع مستوى العدوانية.
هناك العديد من الأسباب تفسر تخلّف العديد من البلدان والمجتمعات عن ركب التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ولا علاج سحريّاً لهذا المرض، بل يتطلب جهداً طويل الأمد على مستوى النظام بأكمله، بدءاً من خلق الظروف اللازمة لإزالة الحواجز التنموية المصطنعة بدوافع سياسية.
إن محاولات استعمال الاقتصاد كسلاح، بغض النظر عن الهدف، تضرّ بالجميع، حيث تكون الفئات الأكثر ضعفاً -الشعوب والبلدان التي تحتاج إلى الدعم- هي أوّل من يعاني. ونحن على ثقة بأن قضايا كالأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، وحرية تنقل الأشخاص، لا ينبغي أن تتأثر بأي صراعات أو نزاعات، لأنها حقوق إنسانية أساسية.
سادساً: المساواة السيادية ضرورة لإطار دولي دائم
بطبيعة الحال، تختلف البلدان من حيث إمكاناتها... وكثيراً ما نسمع أن تحقيق المساواة الكاملة مستحيل، ويعادل التفكير بالأمنيات والطوباويّات. ومع ذلك، فإن عالم اليوم يتميّز بطبيعته المترابطة والشاملة.
على مدى قرون، تبنّى العالم الغربي كليشيهات وصوراً نمطية لتسلسل هرمي عالمي يفترض في طرفٍ عالماً ومجتمعاً متقدماً وحضارة عالمية ينبغي للجميع أن يسعى للانضمام إليها، وفي الطرف الآخر دولاً متخلفة وغير متحضرة وبربرية، وتتلخّص مهمتها في الإصغاء بلا أدنى شك إلى ما يقال لها من الخارج، والتصرف وفقاً للتعليمات الصادرة عن الزاعمين بتفوقهم عليها في هذا التسلسل الهرمي الحضاري. واضح أنّ هذا المفهوم يعمل لصالح نهج استعماري فظّ واستغلال للبشرية جمعاء... هذه الأيديولوجية العنصرية ترسّخت في أذهان كثيرين، مما خلق عقبة ذهنية خطيرة أمام النمو المتناغم العام. والحقيقة أننا نرى كيف يتعاملون مع الثقافات الأخرى المختلفة. فعلى السطح، يبدون مهتمّين حقاً بالموسيقى والفولكلور المحليَّين، ويمدحونهما ويستمتعون بهما، ولكن تحت هذه الواجهة، تظل سياساتهم الاقتصادية والأمنية استعمارية جديدة. انظروا كيف تعمل منظمة التجارة العالمية؛ إنها لا تحلّ أي مشكلة... تعمل الدول الغربية دائماً وفقاً لمصالحها الخاصة، وتكرر النماذج نفسها التي استخدمتها منذ عقود وقرون - مواصلة السيطرة على الجميع وكل شيء.
يجب النظر إلى الاختلاف والتنوع كثروة وفرصة، لا كسبب للصراع. وهذا أيضاً يعكس ديالكتيك التاريخ. على مدى قرون عديدة من تاريخها، اعتادت البشرية النظر إلى استخدام القوة كملاذ أخير لحلّ الخلافات: «القوة تصنع الحق». نعم، أحياناً ينجح هذا المبدأ. في الواقع، لا تجد البلدان أحياناً خياراً آخر سوى الدفاع عن مصالحها بالسلاح في أيديها واستخدام كل الوسائل المتاحة.
لم تكن بلادنا قَطّ البادئة باستخدام القوة؛ نحن مضطرون إلى ذلك فقط عندما يتضح أن خصمنا يتصرف بعدوانية ولا يرغب في الاستماع إلى أي حجّة. وسنتخذ أي إجراء نحتاجه كلما دعت الحاجة لحماية روسيا وجميع مواطنيها، وسنحقق أهدافنا دائماً.
في الواقع، أصبح البعض يعتقد مرة أخرى أن العالم سيكون أفضل دون روسيا. في ذلك الوقت، حاولوا القضاء على روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. واليوم، يبدو أن هناك من يغذّي هذا الحلم مرة أخرى. يعتقدون أن هذا سيجعل العالم أكثر طاعة ومرونة. ومع ذلك، كبحت روسيا الطامحين إلى الهيمنة العالمية مرّات عدّة... وهذا ما سيكون في المستقبل أيضاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1201