كيف كسرت الحشودُ الشعبية في بوليفيا إرادةَ الاستبداد؟
في حزيران/يونيو الماضي، امتلأت ساحة موريللو المركزية في لاباز، العاصمة البوليفية، بشاحنات مدرَّعة وضباط عسكريين مارقين في محاولة انقلاب فاشلة ضد الرئيس البوليفي لويس آرسي. تعود جذور هذه المحاولة اليمينية للاستيلاء على السلطة إلى عام 2019، عندما نجح انقلاب آخر في الإطاحة بحكومة الرئيس إيفو موراليس، مما أدى إلى مذابح وقمع واسع النطاق. طوال تلك الأحداث وحتى اليوم، كتب الصحفي والمحلل البوليفي فرناندو مولينا تعليقات ومقالات صحفية ثاقبة تساعد القراء على التنقل في الأوقات المضطربة التي تمر بها بوليفيا. في هذه المقابلة، يناقش مولينا الجذور الطبقية والعنصرية للانقلاب، وكيف هزم حزب «الحركة نحو الاشتراكية» حكومة الانقلاب بقيادة جانين أنييز في صناديق الاقتراع لتصبح الرئيسة المؤقتة لبوليفيا (2019–2020)، وكيف دافعت الحركات الاشتراكية في البلاد عن الديمقراطية من الشوارع.
ترجمة: قاسيون
- في البداية، كيف تفسّر حصول أنييز على الدعم ضد موراليس والحركة الاشتراكية في عامي 2019 و2020؟ هل يمكنك أن توضّح لنا القطاعات التي شاركت ولماذا؟
أسمّيها تمرّداً مضاداً للثورة من جانب البرجوازية، على الرغم مِن أنّ مَن دعمَها ليست البرجوازية في حد ذاتها بل هي ما يحل محل البرجوازية في بلدان مثل بوليفيا، وهي طبقة متوسطة أكثر تسييساً وأكثر تعليماً.
بدأت هذه المجموعات تنأى بنفسها عن موراليس منذ البداية، حتى وإن كان البعض قد صوّت لصالحه من أجل معاقبة النيوليبرالية. لكن سرعان ما أصبح من الواضح أن هناك انقساماً بين الأغلبية الشعبية من الطبقة العاملة والسكان الأصليين الذين أيدوا التغييرات، وبين المجموعة التي أطلق عليها خبراء استطلاعات الرأي اسم «الخائفون»، أولئك الذين يخشون التغيير، كما قلت، حتى وإن كان بعضهم قد صوت لصالح موراليس.
إن جوهر هذه المجموعة موجود في سانتا كروز، وذلك لأنّ المنطقة لديها، لأسباب مختلفة، نخبة تسيطر على المنطقة، ويسمون «الكروسينوس». إنهم لا يشعرون بأنهم من السكان الأصليين على الإطلاق، بل إنهم عنصريون إلى حد كبير. يشعر الكروسينوس أنهم مختلفون عن بقية البوليفيين، وأنهم من نسل الإسبان المباشرين. إنهم يشعرون بأنهم أكثر بياضاً وأكثر غربيّة منّا. كما أصبحت هذه النخبة أكثر ثراءً، وخاصة منذ عام 1952، وهي في قلب الطبقة المتوسطة البوليفية. عارض هذا التكتل إيفو موراليس بشكل جذري أكثر فأكثر مع تطور سياساته.
كانت البلاد في عهد موراليس تتمتع بوفرة اقتصادية، ولذلك ظلّ المعارضون صامتين إلى حد ما، ولكنْ هناك أمران كانا حاضرَين على الدوام؛ الأول هو الشعور بالمأساة الوطنية لأنّنا كنا نطلق على أنفسنا لقب «متعدد القوميات»، أي «السكان الأصليين»، وبالنسبة لهم كان هذا مأساوياً، فقد شعروا بأنهم غير مشمولين في ذلك البلد، وأنه لم يعد ملكهم لأنهم كانوا يفقدون السلطة التي كانوا يتمتعون بها دوماً. وكانوا يتوقعون أن يكون وصول موراليس مشابهاً لعمليات أخرى مثل ثورة 1952، والتي سمحت بعد فترة بانضمام النخبة إليها.
إنّ «الخائفين» يشكلون من 25% إلى 30%، ومنهم الذين صوتوا في بعض الأحيان لصالح الحركة الاشتراكية. هم ليسوا متجانسين أبداً، وهم دائماً مجزَّؤون. أخيراً، ارتكب موراليس خطأ منحهم مساحة حين عمل على إعادة انتخابه مرة أخرى من خلال استفتاء وطني في عام 2016. فازت هذه المجموعات بالاستفتاء في عام 2016، لأنها نمت بما يكفي. كما أنّهم محظوظون، فقد قاموا بحملة أفضل من موراليس.
في ذلك الوقت كانت البلاد في حالة توازن جيدة إلى حد ما، ولكن عندما حاول إيفو إعادة انتخابه في عام 2019... أوه! تغيرت الأمور. أي أن الحركة الشعبية في اليسار فقدت قوتها وتماسكها بسبب تلك الأخطاء، وانفصلت مجموعات معينة، مثل عمال المناجم في بوتوسي، وقطاعات من اتحاد العمال البوليفيين، والمعلمين... لقد خلق هذا الخطأ الظروف التي أدت إلى وصول أنييز، وبالطبع أولئك الذين دعموها كانوا من سانتا كروز، ونخب جميع المقاطعات.
خلال الانقلاب أصبح الأمر خطيراً، كانت هناك دوريات ضد السكان الأصليين. عادوا إلى السلطة وطردوا السكان الأصليين. ترجم هذا إلى وحشية ضد «الحركة نحو الاشتراكية»، بسبب كل السنوات السابقة دون أن يتمكنوا من الانتقام مما يُفترض أنهم يعانون منه. ماذا يريدون؟ لماذا كانت الثورة المضادة؟ للقضاء على الدولة متعددة القوميات والعودة إلى الجمهورية، أيْ إلى حكومة أحادية الثقافة، والعودة إلى النيوليبرالية قدر الإمكان.
تلعب العنصرية دوراً أساسياً. ذلك أن العنصرية تفصل النخبة عن مجموعات «الحركة نحو الاشتراكية» ـ بما أنهما يمثلان واقعين مختلفين تماماً ـ الأمر الذي يجعلهم يشعرون بأنهم فقدوا مكانهم في البلاد. على هذا فإن أول ما يفعلونه هو الإساءة إلى السكان الأصليين. كانت هجمات أنييز ضد «الحركة نحو الاشتراكية» هجوماً ضد السكان الأصليين أيضاً حتى «يتعلموا درسهم».
- فيما يتعلق «بالحركة نحو الاشتراكية» وهذه الفترة، هل يمكنكَ أن تشرح لماذا وكيف فاز مرشح الحركة نحو الاشتراكية للرئاسة لويس آرسي ونائب الرئيس ديفيد تشوكيهوانكا في الانتخابات العامة لعام 2020؟
عندما تولَّت [جانين] أنييز السلطة، وهي زعيمة عنصرية فاسدة مستبدة عنيفة -ليس فقط ضد «الحركة نحو الاشتراكية» بل وأيضاً ضد قواعدها- ظهرت ظاهرة رائعة من التماسك. كانت فترة من الشجاعة والنضال، وهنا جاء انتصار آرسي. عادت الكتلة الشعبية، وهي الآن قطاع أكبر من النخبة. ظهرت مرة أخرى حركة متماسكة، كما حدث في العصر النيوليبرالي.
كان العامل الآخر هو أنهم قاموا بحملة جيدة لأنهم كان لديهم مرشح جيد جداً في ذلك الوقت، وهي فترة أزمة اقتصادية بسبب الوباء. كان آرسي خبيراً اقتصادياً، وكان زمنه في حكومة موراليس جيّداً من الناحية الاقتصادية. لذا، فقد قاموا بحملة جيدة. في ذلك الوقت حدث شيء أقوى من موراليس، وهو التصويت العقابي ضد النخبة: «نحن لا نريد هذا مرة أخرى»، وبالتالي حصلت الحركة الاشتراكية على 55% من الأصوات.
- ما هو دور الحركات المطالبة بالانتخابات في أغسطس/آب 2020؟
الحقيقة هي أن حكومة أنييز كانت حكومة انتقالية، كما يحدث كثيراً في بوليفيا، لكنها حاولت في البداية إعادة تأسيس النيوليبرالية في بوليفيا. كان لديهم ثلاثة أشهر وحاولوا إعادة تأسيس الأمة، أليس كذلك؟ وقبل كل شيء أرادوا ممارسة الأعمال التجارية، والحصول على مكاتب، وما إلى ذلك. ثم جاء الوباء...
لقد منح الوباء بوليفيا الفرصة للنظر إلى إدارة أنييز لمدة عام كما كانت تحكم. منح الوباء الحركة الاشتراكية الفرصة لتعزيز نفسها كبديل لما كان يحدث، والذي كان كارثياً. أرادت أنييز ووزراؤها الاستفادة من هذا وتعويض حقيقة أن الانتخابات ستقتل مليون شخص بسبب كوفيد، حتى يتمكنوا من الاستمرار في تأخيرها.
في تلك اللحظة بدأت حصارات آب/أغسطس الشعبية ضدّ التأجيل. كانت حصارات آب مثيرة للاهتمام لأنه، بالنظر إلى السياق، كان من المفترض أن تكون مذبحة للفلاحين. كان الأمر المنطقي ـ وهذا ما كنت أتوقعه - أن يسحق قائد الجيش الاحتجاجات بالنار والسيف. لا يوجد دليل على ذلك، ولكن البعض يقول إن موريلو أمر الجيش بكسر الحصار ولو بإراقة الدماء، ولكن الجيش رفض. لماذا؟ لأن الحصار كان قوياً للغاية. كانت قوة الحصار مثيرة للإعجاب، فقد كان مليئاً بالصخور من بلدة إلى أخرى. وكانت كل بلدة تنظّم حصاراً. وكان الحصار مهمّاً حقاً، ومثيراً للإعجاب حقاً. وبفضل هذا، تم المضي قدماً في الانتخابات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1189