ألمانيا ستودع عمّا قريب موقعها كقوة صناعية!

ألمانيا ستودع عمّا قريب موقعها كقوة صناعية!

في الأشهر الستة الأولى من عام 2024، حدثت حوالي 11 ألف حالة إفلاس لشركات ألمانية. وقد أثرت على حوالي 133 ألف عامل. ووفقاً لجمعية الباحثين الاقتصاديين Creditreform، فقد زاد عدد الشركات التي تمت تصفيتها بنحو 30٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي وحده. في الوقت نفسه، أثّرت موجة الإفلاس الحالية على الشركات الكبيرة أكثر بكثير من ذي قبل. على سبيل المثال، قامت سلسلة المتاجر الوطنية Galeria Karstadt وثالث أكبر شركة سياحة في أوروبا FTI-Touristik «بالتغطية- شراء الأسهم التي باعتها تجنباً لخسارة أكبر». لقد أدّى انخفاض FTI بالفعل إلى رد فعل ثانوي. كانت الشركة مدينة بمليارات الدولارات للفنادق، وأجبرت شركات التأمين على دفع الأموال، وتركت العديد من السياح من دون إجازات مدفوعة الأجر بالفعل. عملت شركة السياحة مع 40 دولة، وتملك ما يقارب 50 فندقاً، وتوظف رسمياً أكثر من 11 ألف شخص. قلّة من الناس تنبأوا بسقوط مثل هذا العملاق. لكنّ هذا حدث.

ترجمة: قاسيون

في ألمانيا أيضاً، ارتفع عدد حالات الإفلاس بين الأفراد بنسبة 6.7%، حيث أعلن 35400 شخص إفلاسهم المالي الكامل. انطلقت ألمانيا على هذا المسار المؤدي إلى مثل هذه النتائج المحزنة منذ عام 2014، ومنذ عامين ونصف تسارعت وتيرة هذا المسار بشكل حاد. ففي الثاني عشر آذار 2022، أعلن نائب المستشارة ووزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك أن ألمانيا يجب أن تتخلى تماماً عن الفحم من روسيا بحلول الخريف، وأن تصبح بحلول نهاية العام مستقلة تقريباً عن النفط الروسي.
علاوة على ذلك، ابتلعت برلين بهدوء التخريب الذي حدث في 26 سبتمبر 2022 في خطي أنابيب الغاز نورد ستريم ونورد ستريم 2. كان من الواضح على الفور أن الولايات المتحدة على الأرجح متورطة في إتلاف خطوط أنابيب الغاز. ومع ذلك، ظلت برلين الرسمية صامتة بشكل مهين، وحاول الدعاة المحليون حتى التلميح إلى تورط موسكو فيما حدث. في خريف عام 2023، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز بفخر أن ألمانيا تمكنت من استبدال الغاز الروسي بالكامل بوقود من مصادر أخرى. بدا الأمر وكأنه إعلان انتصار. حتى في ذلك الوقت أصبح من الواضح أننا نتحدث عن محاولات لوضع وجه جميل للعبة بشعة.
في خريف 2022، كتبت صحيفة وول ستريت جورنال أنّ الشركات الأوروبية المنتجة للصلب والآلات والأسمدة وغيرها من السلع «المهمة» للاقتصاد تغادر الاتحاد الأوروبي وتنقل إنتاجها إلى الولايات المتحدة. في هذا السياق، كتبت الصحيفة: «في حين تهدد التقلبات الشديدة في أسعار الطاقة ومشاكل سلسلة التوريد المستمرة أوروبا بما يصفه بعض خبراء الاقتصاد بأنه قد يكون عصراً جديداً من التراجع عن التصنيع، كشفت واشنطن عن مجموعة من الحوافز لتعزيز التصنيع والطاقة الخضراء».
ومن الأمثلة على هذه الشركات شركة فولكس فاجن الألمانية لصناعة السيارات. وبالإضافة إلى ذلك، أغلقت شركة تسلا مشروعها لإنتاج البطاريات في ألمانيا. وأشار الخبراء إلى أن المزايا التي تتمتع بها أوروبا مثل توافر التكنولوجيات المتقدمة والقوى العاملة الماهرة للغاية لا يمكنها أن «تتفوّق» على مشاكل الطاقة.
وبعد بضعة أشهر، أكدت صحيفة لوفيجارو الاتجاهات التي وصفها خبراء وول ستريت جورنال في وقت سابق. وأشارت الصحيفة إلى أن الشركات الأوروبية تهرب من مشاكلها إلى الولايات المتحدة، حيث تعمل السلطات على خلق مزايا خاصة لها على المستوى التنظيمي. اعترفت قناة DW، التي عادة ما تروج للاتجاهات الليبرالية الأوروبية، بأن الاقتصاد الألماني يتجه نحو الركود. ففي الربع الرابع من 2022، انخفض الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 0.5% مقارنة بالربع السابق.
وفي صيف عام 2023، أفادت الخدمات الإحصائية الألمانية أن عدد الشركات المفلسة في البلاد ارتفع بنسبة 23.8% على أساس سنوي. وبحسب خبراء صحيفة بيلد، فإن تكلفة الإنتاج ارتفعت بنسبة 150% بسبب رفض الغاز الروسي المستخدم في إنتاج الأسمدة في ألمانيا. وأصبحت هذه الصناعة غير قادرة على المنافسة.

زحف التراجع عن التصنيع

في عام 2023، أعلنت شركة BASF العملاقة للمواد الكيميائية إغلاق مصنعها للأمونيا في لودفيجسهافن. وعلاوة على ذلك، بدأت وسائل الإعلام في الكتابة عن استعداد شركات أخرى لاتباع مثالها. وقال سفين شولتز، وزير الاقتصاد والزراعة في ولاية ساكسونيا: «إن صناعة الأسمدة بأكملها في ألمانيا تعمل بخسارة كبيرة. وستضطر مواقع الإنتاج الألمانية والأوروبية إلى الإغلاق أو على الأقل خفض الإنتاج بشكل كبير».
تحدّث مدير أكبر شركة للصلب Salzgitter عن خطر «التراجع الزاحف عن التصنيع» في ألمانيا. وكما كتبت صحيفة فاينانشال تايمز، دعا الصناعي كبار مستهلكي الكهرباء في ألمانيا، وخاصة منتجي المواد المهمة مثل الصلب والمواد الكيميائية، إلى عدم مغادرة ألمانيا بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء، حتى لا تفقد الدولة «سلسلة القيمة الكاملة» للإنتاج. وفقاً للصحيفة، في صيف 2023، قال 32٪ من رؤساء الشركات الصناعية، في دراسة أجراها خبراء، إنهم يفضلون الاستثمار في الخارج بسبب مشاكل الاستحواذ على الغاز الروسي.
لكن على هذه الخلفية ماذا فعلت السلطات الألمانية؟ بدأت مناقشة احتمال رفع الضرائب لزيادة المساعدات العسكرية لنظام كييف، ووعدت بتحويل 7 مليارات يورو لتلبية احتياجات القوات المسلحة الأوكرانية في عام 2024. كما تريد القيادة الألمانية استثمار 11 مليار يورو في نشر لواء جيشها في ليتوانيا.
هناك بند منفصل من بنود الإنفاق، وهو المهاجرون من أوكرانيا. فوفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، يعمل 25% فقط من هؤلاء في ألمانيا. أما الباقون فيتم توفير احتياجاتهم بالكامل على نفقة دافعي الضرائب المحليين من قبل السلطات في برلين. وعلاوة على ذلك، عندما لا تتوفر الأموال الكافية لذلك، فإنهم يأخذونها مرة أخرى من جيوب الألمان.
قالت مونيكا شنيتزر، رئيسة المجلس الاقتصادي بمجلس الوزراء: «إن الأحداث الخاصة تتطلب تدابير خاصة. والتضامن مع أوكرانيا من خلال فرض ضريبة إضافية على الدخل للمساعدات العسكرية قد يكون بمثابة استجابة محتملة لهذا التحدي».
على خلفية هذه السياسة «الحكيمة»، كانت النتائج الاقتصادية لعام 2023 في ألمانيا متوقعة. فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 0.3% للمرة الأولى منذ عام «الجائحة» 2020. وعزا الخبراء ذلك إلى التضخم وارتفاع أسعار الفائدة وتراجع النشاط الاقتصادي.
وانخفضت الصادرات من ألمانيا بنسبة 1.8% على مدار العام، وانخفض الاستهلاك في البلاد بنسبة 0.8%، والاستثمار الإجمالي في الأصول الثابتة بنسبة 0.3%، وطلبات معدات الإنتاج بنسبة 5.9%. وانخفض النشاط في قطاع التصنيع في ألمانيا بنسبة 2%. انخفض الإنتاج الصناعي نفسه في ألمانيا اعتباراً من كانون الثاني 2023 بنسبة 3٪ على أساس سنوي، وبالمقارنة مع الشهر السابق - بنسبة 1.6٪.
لقد نجحت برلين الرسمية في منع أسوأ سيناريو محتمل وهو عدم وجود تدفئة في الشقق في الشتاء، ولكنها غير قادرة على مساعدة الصناعة. فقد أعلنت ما يقارب 10% من شركات الكيماويات عن نيتها وقف الإنتاج بالكامل، أما البقية فتتحدث عن خطط لخفض أعداد الموظفين بشكل كبير. وتعتزم شركة BASF وحدها «خفض» 2600 وظيفة.
وعلى خلفية ما يحدث، كتبت بلومبرج في بداية عام 2024 أن ألمانيا قد تفقد قريباً مكانتها كقوة صناعية عظمى. وبحسب خبراء بلومبرج، فإن النظام الصناعي الألماني ينهار مثل أحجار الدومينو. وكانت الضربة الحاسمة على وجه التحديد هي الافتقار إلى موارد الطاقة الرخيصة من روسيا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1181