«النادي الغربي» والفجوة المتزايدة مع بقية العالم
سكوت بورشيل سكوت بورشيل

«النادي الغربي» والفجوة المتزايدة مع بقية العالم

انضمت الحكومة الفرنسية الأسبوع الماضي إلى الحكومة الألمانية، في الادعاء بأنّ اتفاقية الإبادة الجماعية لا تنطبق على «إسرائيل». أشارت باريس أيضاً إلى أنّه بغض النظر عن الحكم في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، فإنّها ستتجاهل أي قرار ليس في صالح «إسرائيل». يأتي ذلك بعد رفض واشنطن لموجز جنوب إفريقيا ووصفها له بأنه «عديم القيمة». بالمثل، رفضت كندا «الفرضية» التي تقوم عليها قضية جنوب أفريقيا، في حين أن أستراليا لا تريد الالتزام بأي شيء في أيّ من الاتجاهين.

ترجمة: قاسيون

هناك حاجة إلى تفسير الدعم المفتوح والحماسي في العواصم الغربية للفظائع التي ارتكبتها «إسرائيل» ضد الفلسطينيين. نشأت علاقة حميمة بين الحكومات الغربية على مدار الخمسين عاماً الماضية. إنه مشابه للنادي الحصري ذي القواعد والإجراءات الملزمة. إذا تم اتّباع عضوية النادي بإخلاص، فإنها توفر للدول مجموعة من المزايا، بما في ذلك الحماية الدولية.

يدعم أعضاء النادي الغربي بعضهم بعضاً دبلوماسياً، ويحصّنون بعضهم بعضاً ضد القانون الدولي والعدالة، وهم مذنبون متواطؤون في ارتكاب جرائم فظيعة تبررها أكاذيب صريحة. كما أنهم يتعاونون في إخفاء انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها كل طرف عن دوائره الانتخابية المحلّية، والاعتماد على وسائل الإعلام الشركاتية والمملوكة للدولة لتأطير القضايا «بشكل صحيح»، ليظهر الغرب دائماً في دور الخيِّر والأخلاقي. من وقت لآخر، تمتد الحماية أيضاً إلى الأصدقاء الموالين للغرب خارج النادي. والنتيجة هي معياران مختلفان للسلوك: أحدهما للغرب والآخر للبقية.

على سبيل المثال، لا يوجد شيء اسمه إرهاب الدولة الذي يرتكبه أعضاء النادي: فهو دائماً دفاعٌ عن النفس، حتى لو لم يكن هناك شيءٌ من هذا القبيل، وهدفه الحفاظ على احتلال غير قانوني. هناك آخرون هم الذين «يرعون» و«يمارسون» العنف ذا الدوافع السياسية. فالغرب هو دائماً الضحية البريئة للإرهاب، وليس مرتكبه أبداً. ولا يُسمَح بانتقاد الدول الأعضاء، رغم أن الهجمات على الدول غير الأعضاء يتم تشجيعها دائماً لأنهم يشعرون بالغيرة من طيبتنا المتأصلة ولا يمكنهم أبداً أن يرقوا إلى مستوياتنا الأخلاقية السامية «مثل إيران وروسيا والصين».

إن الدول الغربية لا تخضع للقانون الدولي، ناهيك عن تقديمها أمام محكمة العدل الدولية: ولن ترى قادتَها، في الماضي أو الحاضر يتمّ جرّهم إلى المحكمة الجنائية الدولية ICC، التي لن تواجهها «إسرائيل» ولا الولايات المتحدة. من هنا جاء اسمها غير الرسمي: «المحكمة القوقازية الدولية ICC». [يتهكّم الكاتب بسبب التحكّم العنصري الغربي لـ«الرجل الأبيض» بالمحكمة الجنائية الدولية ICC - المعرّب].

إنّهم يفقدون السيطرة

إنّ «إسرائيل» ومؤيديها في الغرب غاضبون من إدانتهم ومحاكمتهم في محكمة العدل الدولية، بطرقٍ عادة ما تكون موجهة من قبلهم فقط ضد الأعداء الرسميين والطغاة من الجنوب العالمي. وبالنظر إلى تاريخ منتصف القرن الماضي، فمن المثير للاشمئزاز لهم بشكل خاصّ أن تُتَّهم «إسرائيل» بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية الشنيعة. ممّا يزيد الأمر سوءاً حقيقةُ أنّ جنوب أفريقيا، الدولة التي أعطت تعريفاً لمصطلح الفصل العنصري، هي التي ترفع القضية ضدّها. إنّ اتهام «إسرائيل» من قبل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وغيرها بممارسة الفصل العنصري لن يفوت أيّ شخصٍ يراقب القضيّة المعروضة حالياً على محكمة العدل الدولية في لاهاي.

ومثلها كمثل أغلب الأندية الحصرية، تعمل حكومات الغرب على مبدأ الترابط عن طريق الاستبعاد: فنحن نعرف مَن نحن من خلال تحديد مَن ليس واحداً منا. ولهذا السبب سعى الرئيس «الإسرائيلي» إسحاق هرتسوغ إلى تصوير الهجوم على غزة باعتباره ردّاً على التهديد الوجودي الذي يواجهه العالم الحرّ من «الجماعات الجهادية المدعومة من إيران».

الأمر الأكثر وضوحاً اليوم أنّ مصداقية الغرب في الجنوب العالمي أصبحت الآن في حالةٍ يرثى لها. تظهر المشاكل عندما تصبح الفجوة بين النخبة والرأي العام حول قضية ما واضحة للغاية بحيث يتعين على إدارة الرأي سدُّها. وفي غياب الخيارات القسرية المتاحة، فإن الافتراضات المسبقة المصاغة بعناية تحدد حدود التعبير السياسي المشروع حول الموضوع وما يعتبر، على حد تعبير غرامشي: «حسّاً سليماً».

يوضح الهجوم «الإسرائيلي» الأخير على غزة بشكل درامي الصعوبات السياسية التي تواجهها النخب عندما يصبح هذا الانقسام أوسع من أن يتم إغلاقه بالدعاية. هذه المشكلة أعمق بكثير من استطلاعات الرأي حول وقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي يضع الحكومات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وأستراليا على خلاف متزايد مع الرأي العام في بلدانها.

في نهاية المطاف، إنها استشارة عامة حول سياسة الحكومة، أو بشكل أكثر دقة غيابها، والعلاقات السياسية المغلقة والحصرية التي تقيمها النخب السياسية في الغرب فيما بينها. ستظل الحكومات الغربية إما داعمة أو غير مبالية بذبح المدنيين في غزة حتى تبدأ في الشعور بالضغط من الناخبين الغاضبين الذين يتجنبون الرقابة الذاتية على جرائم «إسرائيل» من قبل حراس المنصات الإعلامية التجارية والحكومية. يتم الحصول على المعلومات العامة في الغرب بشكل متزايد من البث الصوتي والمقابلات عبر الإنترنت والخدمات الإخبارية المستقلة.

إنّ قرب موعد الانتخابات في الغرب من شأنه أن يزيد من أهمية المشاعر العامة بشأن سلوك «إسرائيل» في غزة، الأمر الذي سيضطر الزعماء إلى اتخاذ اختيارات غير لائقة بسبب جماعات الضغط الغنية والمؤثرة من ناحية، والاشمئزاز الأخلاقي المتزايد بين الناخبين من ناحية أخرى.

لا ينبغي لنا أن نقلل من التهديد الذي يشكله الرأي العام أيضاً في الأنظمة التي كانت حليفة للغرب يوماً. لا يمكن فصل رفض القاهرة إعادة توطين الفلسطينيين المطرودين من غزة في سيناء، ولا توقّف الرياض عن تطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، عن مخاوف النخبة في تلك الدول بشأن رد فعل «الشارع».

يتماشى ما تفعله «إسرائيل» مع محاولات معظم الدول الاستعمارية الاستيطانية محو السكان الأصليين للأرض، الذين يشكل وجودهم المستمر تحدياً لشرعيّة الدولة. ومع ذلك، فإن أفعالاً مثل تدمير غزة لها دائماً عواقب غير مقصودة. إن الطبيعة الاستعمارية لأرض «إسرائيل»، والأدلّة على الإبادة الجماعية التي تم تقديمها أمام المحكمة الدولية، واتهامات الفصل العنصري من قبل مراقبي حقوق الإنسان، والمظاهرات في جميع أنحاء العالم المناهضة للتطهير العرقي وجرائم الحرب في القطاع، لم يكن من المفترض أن تحدث كما حدث.

بالنسبة للغرب بشكل عام، فإن المعارضة الشعبية لتواطؤ حكوماتهم في ذبح المدنيين الأبرياء من المرجح أن تتصاعد. وقد يشجع هذا الاشمئزاز المواطنين في الغرب أيضاً على النظر بشكل أكثر انتقاداً إلى العواقب المترتبة على مستوطناتهم الاستعمارية والحاجة إلى العدالة وتعويض الضحايا من السكان الأصليين. حتى وقت قريب جداً، تم حذف هذه الأسئلة بعناية من جداول أعمال أعضاء النادي. إلّا أنّه بفضل «إسرائيل»، لا بد من مواجهة هذه القضايا الآن.

في المستقبل، سيتمّ تقويض كل انتقاد موجّه لروسيا وإيران والصين من خلال مقارنات غير مريحة مع دعم النادي للإبادة الجماعية في فلسطين. إن بديل واشنطن المصطنع للقانون الدولي، أو ما يسمى بـ «النظام الدولي القائم على القواعد»، ينكشف الآن على أنه ليس أكثر من مجرد مكان حماية منافِق في حالة سقوطٍ حُرّ.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1159