الحزب اليساري الجديد في ألمانيا: احتمال هزّ الساحة السياسية
فيخاي بارشاد فيخاي بارشاد

الحزب اليساري الجديد في ألمانيا: احتمال هزّ الساحة السياسية

تشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب اليساري الجديد في ألمانيا BSW، قد يفوز بنسبة 14% من الأصوات، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف حصة حزب «دي لينكه» الذي انشقّ عنه، ويجعل حزب BSW ثالث أكبر حزب في البوندستاغ.

ترجمة: قاسيون

في أكتوبر/تشرين الأول 2023، غادر 10 أعضاء في البرلمان الألماني «البوندستاغ» حزب دي لينكه «اليسار»، وأعلنوا عزمهم تشكيل حزبهم الخاص. مع رحيلهم، انخفض عدد المجموعة البرلمانية لحزب دي لينكه إلى 28 من أصل 736 عضواً في البوندستاغ، مقارنة بـ 78 عضواً في حزب «التحالف من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف. أحد أسباب رحيل هؤلاء النواب العشرة هو اعتقادهم أن الحزب فقد الاتصال بقاعدته من الطبقة العاملة، التي دفع تحللها بسبب قضايا الحرب والتضخم العديد منهم إلى أحضان حزب البديل من أجل ألمانيا. ويقود التشكيل الجديد سارة فاغنكنخت (مواليد 1969)، وهي واحدة من أكثر السياسيين ديناميكية في جيلها في ألمانيا، و«نجمة» سابقة في حزب دي لينكه. وأيضاً أميرة محمد علي، التي تركت دي لينكه وشاركتها ما يُطلق عليه اسم «تحالف سارة فاغنكنخت من أجل المنطق والعدالة Bundnis Sahra Wagenknecht, BSW» الذي تمّ إطلاقه في أوائل 2024.

يقوم رفاق فاغنكنيخت السابقون في حزب دي لينكه باتهامها «بالنزعة المحافظة» بسبب آرائها بشأن الهجرة على وجه الخصوص. وكما سنرى، فإن فاغنكنيخت تعارض وصفهم لنهجها. يعتمد هؤلاء على نشر وصف «المحافظة اليسارية» الذي عبّرت عنه الأستاذة الهولندية كاس مود بشكل متكرر، على الرغم من عدم التطرق إليه من قبل منتقديها.

مناهضة الحرب

تحدثتُ إلى فاغنكنيخت وحليفتها المقربة – سيفيم داغديلين Sevim Dağdelen – حول حزبهما الجديد وآمالهما في تحريك أجندة تقدمية في ألمانيا. كان جوهر محادثتي معهما يرتكز على الانقسام العميق في ألمانيا بين الحكومة – بقيادة الديمقراطي الاشتراكي أولاف شولتز – الحريصة على مواصلة الحرب في أوكرانيا، والسكان الذين يريدون إنهاء هذه الحرب وأن تقوم حكومتهم بمعالجة أزمة التضخم الحادة. قالت فاغنكنيخت وداغديلين إنّ جوهر الأمر هو الموقف من الحرب. وهم يزعمون أن حزب «دي لينكه» ببساطة لم يعارض بقوة الدعم الغربي للحرب في أوكرانيا ولم يعبّر عن اليأس بين السكان. وفقاً لفاغنكنخت: «إذا كنت تدافع عن الحرب الاقتصادية المدمّرة ذاتياً ضدّ روسيا والتي تدفع الملايين من الناس في ألمانيا إلى الفقر المدقع وتتسبب في إعادة توزيع الثروة بميل نحو الفئات الأعلى، فلن تتمكن إذن من الدفاع عن العدالة الاجتماعية والضمان الاجتماعي بمصداقية».

أضافت: «إذا كنت تدافع عن سياسات الطاقة غير العقلانية مثل جلب الطاقة الروسية بتكلفة أعلى عبر الهند أو بلجيكا، في حين تقوم بحملة لعدم إعادة فتح خطوط الأنابيب مع روسيا للحصول على الطاقة الرخيصة، فإن الناس ببساطة لن يصدقوا أنك ستدافع عن ملايين الموظفين الذين فقدوا عملهم، والذين تعرّضت وظائفهم للخطر نتيجة لانهيار صناعات بأكملها بسبب ارتفاع أسعار الطاقة».

تبلغ نسبة تأييد شولتز الآن 17%، وما لم تتمكن حكومته من حل المشاكل الملحّة الناجمة عن حرب أوكرانيا، فمن غير المرجح أن يتمكن من عكس هذه الصورة. بدلاً من محاولة الضغط من أجل وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات في أوكرانيا، فإنّ تحالف شولتز المؤلف من «الديمقراطيين الاشتراكيين والخضر والديمقراطيين الأحرار»، كما تقول داغديلين، «يحاول إلزام الشعب الألماني بحرب عالمية إلى جانب الولايات المتحدة في نهاية المطاف. على الأقل في ثلاث جبهات: في أوكرانيا، وفي شرق آسيا مع تايوان، وفي الشرق الأوسط إلى جانب (إسرائيل). من الواضح أن وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك منعت وقف إطلاق النار الإنساني في غزة في قمة القاهرة في أكتوبر/تشرين الأول 2023».

في الواقع، في عام 2022، قال رئيس وزراء ولاية تورينجيا الألمانية وزعيم حزب دي لينكه، بودو راميلو، لصحيفة «زود-دويتشه تسايتونج» أنّ على الحكومة الفيدرالية الألمانية أن ترسل دبابات إلى أوكرانيا. عندما وصفت فاغنكنخت غزة بأنها «سجن في الهواء الطلق» في أكتوبر/تشرين الأول 2023، قام زعيم المجموعة البرلمانية لحزب دي لينكه، ديتمار بارتش: «بالنأي بنفسه بقوة» عن تصريحها. وفقاً لداغديلين: «علينا أن نشير إلى ما يحدث هنا، ومن واجبنا أن ننظم مقاومة لهذا الانهيار لموقف حزب دي لينكه المناهض للحرب. ونحن نرفض تورط ألمانيا في الحروب بالوكالة التي تشنها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا، وشرق آسيا، والشرق الأوسط».

الخلافات

في 25 شباط 2023، نظمت فاغنكنيخت وأتباعها احتجاجاً مناهضاً للحرب عند بوابة براندنبورغ في برلين اجتذب 30 ألف شخص. وجاء الاحتجاج في أعقاب نشر «بيان السلام» الذي كتبته فاغنكنخت والكاتبة النسوية أليس شوارزر، والذي اجتذب حتى الآن أكثر من مليون توقيع. كتبت صحيفة واشنطن بوست عن هذا التجمع مقالاً بعنوان «الكرملين يحاول بناء تحالف مناهض للحرب في ألمانيا». أخبرتني داغديلين أن الجزء الأكبر من أولئك الذين حضروا التجمع وأولئك الذين وقعوا على البيان هم من «المعسكرات الوسطية والليبرالية واليسارية».

حاول الصحفي اليميني المتطرف المعروف، يورغن ألساسر، المشاركة في المظاهرة، لكن داغديلين - كما تظهر لقطات الفيديو - تشاجرت معه وطلبت منه المغادرة. تقول إنّ الجميع، باستثناء اليمينيين، كانوا موضع ترحيب في المسيرة. ومع ذلك، تقول كل من داغديلين وفاغنكنيخت إنّ حزبهما السابق – دي لينكه – حاول عرقلة المسيرة وتشويه صورتهما بسبب تنظيمها. وفقاً لداغديلين: «يهدف التشهير إلى بناء عدوٍّ في الداخل. يهدف التشهير بالاحتجاجات السلمية إلى إبعاد الناس وفي الوقت نفسه حشد الدعم لسياسات الحكومة البغيضة، مثل توريد الأسلحة إلى أوكرانيا».

جزء من الجدل الدائر حول فاغنكنيخت يتعلّق بآرائها بشأن الهجرة. تقول بأنّها تدعم حق اللجوء السياسي وتقول إنه يجب توفير الحماية للأشخاص الفارّين من الحرب. لكنّها ترى أن مشكلة الفقر العالمي لا يمكن حلها عن طريق الهجرة، بل عن طريق السياسات الاقتصادية السليمة وإنهاء العقوبات المفروضة على دول مثل سورية. وتقول إنّ اليسار الحقيقي يجب أن ينتبه إلى «نداء الإنذار» من المجتمعات التي تطالب بإنهاء الهجرة وتنتقل لدعم حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف.

قالت فاغنكنيخت: «خلافاً لقيادة حزب دي لينكه، نحن لا ننوي شطب ناخبي حزب [البديل من أجل ألمانيا]، ونكتفي ببساطة بمراقبة التهديد اليميني في ألمانيا وهو يتزايد. نريد استعادة ناخبي [حزب البديل من أجل ألمانيا] الذين ذهبوا إلى هذا الحزب بسبب الإحباط واحتجاجاً على عدم وجود معارضة حقيقية تتحدث باسم المجتمعات».

وأضافت إن الهدف من سياساتها ليس معاداة الهجرة بقدر ما هو مهاجمة موقف «حزب البديل من أجل ألمانيا» المناهض للمهاجرين في الوقت نفسه الذي سيعمل فيه حزبها مع المجتمعات المحلية لفهم سبب إحباطهم وكيف أن إحباطهم ضد المهاجرين غالباً ما يشكل إحباطاً أوسع نطاقاً بسبب التخفيضات في الرعاية الاجتماعية، وتخفيضات تمويل التعليم والصحة، والسياسة المتعجرفة تجاه الهجرة الاقتصادية. وقالت: «من المثير للاهتمام أنّ أشدّ الهجمات علينا تأتي من الجناح اليميني المتطرف». وتشير إلى أنهم لا يريدون أن يحوِّل الحزب الجديد الحجَّة بعيداً عن التركيز الضيق على مناهضة المهاجرين إلى السياسة المؤيدة للطبقة العاملة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1159