لماذا لم تنضمّ البرازيل حتّى الآن إلى «الحزام والطريق»؟
تعدّ زيارة الرئيس البرازيلي لولا إلى الصين في نيسان، وحضوره تنصيب ديلما روسيف رئيسة لبنك تنمية بريكس الجديد، وصولاً إلى زيارته معهد هواوي للأبحاث في شنغهاي من الزيارات المليئة بالرمزية والرسائل للداخل والخارج البرازيلي. وعندما التقى بالرئيس الصيني أصدر معه «بياناً رسمياً حول تعميق الشراكة الإستراتيجية الشاملة» شمل 49 بنداً، و«والبيان الصيني-البرازيلي المشترك حول ظاهرة الاحتباس الحراري» الذي شمل 14 بنداً، ليفتح البيانان مساحة جديدة شديدة الاتساع لنمو العلاقات بين البلدين. لكن رغم ذلك، لم تنضمّ البرازيل بعد إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية. التقت صحيفة «شبكة المراقبين» بالبروفسور جواو وينونغ مدير مركز الأبحاث البرازيلية-الصينية في جامعة فارغاس لمناقشة هذه التغيرات. إليكم أبرز ما جاء في اللقاء:
ترجمة: قاسيون
- أصدرت البرازيل والصين بياناً خاصاً بالتعامل مع الاحتباس الحراري، ما أشار إلى أنّ الاحتباس الحراري أولوية بالنسبة للبرازيل، وليس الأزمة الأوكرانية الروسية، وليس الاستثمار في البنية التحتية عبر الانضمام لمبادرة الحزام والطريق. أنت كنت تتبّع تطوّر مبادرة الحزام والطريق، فكيف تفهم عدم الانضمام إليها من وجهة نظر البرازيل؟
كان الاحتباس الحراري قضيّة هامة جداً عندما تمّ انتخاب لولا، خاصة أنّ البرازيل واحدة من ثماني بلدان فيها غابات الأمازون. لقد تمّ تدمير الأمازون على مرأى من أنظار الحكومة السابقة. غابات الأمازون هي «أصول» للسياسة الخارجية البرازيلية، يمكن استخدامها لكلا الخير أو الشر. العالم بأسره قلق من كون البرازيل قد تدمّر غابات الأمازون، ولهذا وبوصفها أصولاً برازيلية يمكن استخدامها للتعاون مع البلدان الراغبة بمقارعة الاحتباس الحراري. ولهذا يعدّ تركيز البرازيل على مسألة الاحتباس الحراري عند زيارة الصين انتصاراً لسياسة الحكومة الخارجية.
لكن بالرغم من ذلك أرى بأنّ عدم توقيع البرازيل لأيّة اتفاقية تركّز على مبادرة الحزام والطريق هو فشل دبلوماسي. يعتبر الربط بين البنى التحتية أحد المجالات ذات الأولوية لبناء «الحزام والطريق»، وقد استثمر «صندوق تمويل طريق الحرير» 40 مليار دولار عند إنشائه، لتضيف الحكومة الصينية فيما بعد 100 مليار يوان إلى الصندوق، ورغم ذلك لم تستفد البرازيل من هذه الميزة أثناء زيارة لولا إلى الصين.
جاء في مذكرة التفاهم أنّ «الجانبين اتفقا على أنّ البلدين لديهما إمكانات كبيرة للاستثمار والتعاون في مجال البنية التحتية للنقل، بما في ذلك السكك الحديدية، وقررا أنّ التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة تعتمد على بنية تحتية للنقل تتسم بالكفاءة، وتعميق التعاون في مجال الموانئ والاستثمار والتعاون خاصة في تطوير البنية التحتية وتحسين عمليات الموانئ». لكن بالرغم من ذلك علينا أن ندرك أنّ البرازيل لم تتوصل إلى خطة إستراتيجية لتطوير البنية التحتية.
في الأسابيع الماضية، كان هناك العديد من المناقشات في البرازيل حول ما إذا كان ينبغي الانضمام إلى مبادرة «الحزام والطريق»، لكن لا يوجد حتّى هذه اللحظة إجماع داخل الحكومة البرازيلية حول الانضمام إلى الحزام والطريق، لذلك قد يكون هذا هو السبب في عدم توقيع اتفاقية تتعلق بالمبادرة خلال زيارة لولا. من هنا أقول بأنّه بإمكان البرازيل أن تفعل المزيد في مجال الاستثمار في البنية التحتية مستفيدة من الصين في ذلك.
ولكن عدم اقتصار التعاون على المجالات التقليدية أمر جيد، فتوسيع فئات التصدير هو بالفعل واحد من بنود خطط عمل البرازيل، ويجب عليها لذلك أن تعمل بجد لإضافة منتجات ذات قيمة مضافة عالية إلى سلة منتجات الصادرات الصينية. ومع ذلك فالسؤال هو ما نوع المنتجات ذات القيمة المضافة العالية التي تمتلكها البرازيل والتي تتميز بتقنية عالية ورخيصة ويمكن تصديرها إلى الصين ويمكنها منافسة المنتجات الصينية؟ يمتد اعتماد الاقتصاد البرازيلي على السلع إلى عدة سنوات. كان بولسنارو قد قال، وحتى لولا لم ينأى بنفسه عن هذا الرأي خلال الحملة الانتخابية، بأنّ الصين تشتري البرازيل. لكنّ المشكلة ليست في أنّ البرازيل تعتمد على السوق الصينية، بل في كون البرازيل تعتمد على نوع محدد من السلع. لهذا فالمشكلة الحقيقية أمام مستقبل النمو البرازيلي هو أيّ نوع من السياسات ستعتمد عليها الحكومة البرازيلية والتي ستتمكن من تغيير الواقع الحالي.
- خلال زيارة لولا إلى الصين، وقّع البلدان اتفاقيات كثيرة ومتنوعة. برأيك، كيف يمكن للرئيس لولا تنسيق مصالح جميع الأطراف لضمان التطبيق الفعّال لهذه الاتفاقيات؟
حققت زيارة لولا إلى الصين الكثير، لكن أنا شخص واقعي وبرأيي أنّ البرازيل يمكنها المضي أبعد من ذلك. المشكلة أنّ البرازيل لا تملك بعد صورة واضحة عن أولوياتها في التنمية.
القطاع الزراعي البرازيلي بشكل محدد متطور جداً، والشركات العاملة فيه قوية وثريّة وقادرة على عقد الأعمال مع البلدان الشريكة بغضّ النظر عن سياسة البرازيل الخارجية. لهذا قلت من قبل بأنّ للقطاع الزراعي البرازيلي «وزارته الدبلوماسية» الخاصة. لنأخذ حكومة بولسنارو كمثال، كانت غير ودودة إطلاقاً مع الحكومة الصينية، ولكن بالرغم من ذلك استمرّت الصادرات البرازيلية الزراعية إلى الصين بالنمو.
لذلك تحاول حكومة لولا أن تفتح المزيد من الأبواب من خلال العلاقات الثنائية، وليس فقط فيما يخصّ القطاع الزراعي والصناعات المرتبطة بهذا القطاع، فلديهم القوانين ودعم السياسة الخارجية وأقسام الأبحاث وكلّ شيء. تريد البرازيل أن تبدأ التعاون في مجالات الصحة وتخفيف الفقر والاقتصاد الرقمي. القطاع الزراعي ليس مهتماً بهذا، فلديهم أرباحهم ولا حافز لبدء المزيد من التعاون. لهذا فلولا ولأنّه شديد الذكاء أدرك هذه المشكلة والحاجة لتشجيع التعاون في مجالات متنوعة لجعل التنمية البرازيلية أكثر تنوعاً.
بالطبع علينا أن نأخذ بالحسبان سلوك جميع المجموعات في البرازيل، ففي البرازيل لا يعتمد كلّ شيء على الحكومة. ففي بعض الأحيان تتجه الحكومة شرقاً، بينما رواد الأعمال يتجهون غرباً. التنسيق بين مصالح المجموعات المختلفة في البرازيل هو تحدٍّ هائل أمام حكومة لولا.
الحكومة البرازيلية هي تحالف مكوّن من معسكرات مختلفة من الأحزاب اليسارية واليمينية. هذه المعسكرات تتقاتل سراً وعلناً. أصبح الكونغرس محافظاً أكثر فأكثر. على لولا أن يوازن بين مصالح جميع الأطراف إن أراد تطبيق سياساته. هذه مشكلة، فالمجتمع البرازيلي يصبح محافظاً، أكثر مع 20٪ من الناخبين قد صوتوا لليمين المتطرّف، وهو التيار الذي فشل لولا في التعامل معه في أوّل دورتين رئاسيتين له. علاوة على ذلك فالوضع الاقتصادي في البرازيل سيء أكثر من أيّ وقت مضى، ولهذا يواجه لولا اليوم تحديات أكبر من التي واجهها في دورتيه الرئاسيتين السابقتين.
في العموم، لقد وقّع 15 اتفاقية خلال وجوده في الصين، ما يمثّل تطوراً إيجابياً للعلاقات الثنائية. هذه بداية شديدة الأهمية، ولكن علينا أن نكون واقعيين وأن نعلم أنّ كلّ شيء سيبدأ بالتغيّر، ولكنّها لا تزال البداية فقط.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1119