إفريقيا تسهّل قيام عالم متعدد الأقطاب
سلمان رافي شيخ سلمان رافي شيخ

إفريقيا تسهّل قيام عالم متعدد الأقطاب

سرّع الصراع العسكري بين روسيا والغرب- في أوكرانيا- حدوث بعض التغييرات الهامة للغاية في الاقتصاد السياسي الدولي. ففي الوقت الذي دفع فيه هذا الصراع أوروبا– التي تؤدي أعمالها تحت ضغط هائل من الولايات المتحدة– إلى وقف شرائها للنفط والغاز من روسيا، وسمح ذلك أيضاً لروسيا بتحويل مواردها، المادية وغير المادية، إلى مناطق كانت في السابق على هامش قائمة أولوياتها. بعبارة أخرى، بينما اعتقد الغرب أنّه سيكون قادراً على «عزل» روسيا عن طريق قطعها عن أوروبا، أدّى هذا «الارتداد» إلى دخول كبير ومظفر لروسيا في أماكن أخرى من العالم. يتجلى هذا بشكل واضح وكبير جداً في إفريقيا، حيث تبرز موسكو اليوم كلاعب كبير. خلال القمة الروسية الإفريقية التي عقدت مؤخراً في موسكو، قام فلاديمير بوتين بالتأكيد على أنّ موسكو قد أعادت توجيه بوصلة أولوياتها ناحية القارة الإفريقية.

ترجمة: قاسيون

كانت القمة حدثاً ناجحاً للغاية، حيث ستعقد القمة القادمة في الفترة من 26 إلى 29 حزيران في سانت بطرسبورغ، ما يشير إلى الوتيرة الفعلية للتكامل بين روسيا ودول القارة الإفريقية. يشعر الغرب بكل تأكيد بجنون العظمة عندما ينظر إلى ما يحدث، فهو يرى بأنّ التوسع الروسي في القارة الإفريقية يأتي على حساب نفوذه التقليدي فيها.
لكن ما يثير قلق الغرب أكثر من ازدياد بصمة موسكو بشكل متسارع في إفريقيا، هو واقع أنّ الجغرافية السياسية التي تحكم هذا التأثير المتزايد، والتي تصبّ في صالح الشراكة الروسية الإفريقية. بالنسبة لروسيا «وكذلك بالنسبة لحلفائها، بما في ذلك الصين»، يمكن أن تكون القارة الإفريقية أحد رائدي العالم متعدد الأقطاب الذي تحاول كلّ من روسيا والصين بناءه للتخلص من الهيمنة الأمريكية أحادية الجانب. في الواقع أوصل بوتين هذه الرسالة لضيوفه من إفريقيا بوضوح شديد عندما قال: «نحن على استعداد لتشكيل جدول الأعمال العالمي بشكل مشترك، والعمل معاً على تعزيز العلاقات العادلة والمتساوية بين الدول، وتحسين آليات التعاون الاقتصادي الذي يخدم المنفعة المتبادلة لأطرافه».
تمثّل رسالة بوتين تناقضاً واضحاً مع الكيفية التي يرى فيها الغرب واقع الحال في إفريقيا، وخاصة القوى الاستعمارية السابقة، المصابة باستياء واسع النطاق.
ما أشار إليه تقرير صدر العام الماضي 2022 في نيويورك تايمز، هو مثال جيّد، حيث أشار: «على مدى السنوات القليلة الماضية كان هناك ارتفاع حاد في انتقاد فرنسا من قبل مستعمراتها السابقة في إفريقيا، حيث هناك شعور متجذر لدى شعوب هذه الدول بأنّ الممارسات الاستعمارية والمواقف التي تسعى للسيطرة لم تنتهِ أبداً».
على العكس من ذلك، فروسيا تعرض التجارة بدلاً من الهيمنة الاستعمارية التي يحاول البعض إدامتها منذ «فترة ما بعد الاستعمار». بصرف النظر عن كونها أكبر مصدّر للأسلحة إلى القارة لسنوات عديدة، فقد زادت موسكو أيضاً من صادراتها من النفط إلى إفريقيا، خاصة منذ بداية العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. أرسلت روسيا 214 ألف برميل يومياً من المنتجات البترولية المكررة إلى إفريقيا في شهر كانون الأول 2022، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف الكمية التي كانت تصل من روسيا إلى إفريقيا في كانون الأول 2021.
يتجه كمّ كبير من النفط الروسي إلى دول غرب إفريقيا، مثل: غانا، وذلك لأول مرة منذ عام 2018. زادت دول شمال إفريقيا، مثل: المغرب، من مشترياتها من النفط الروسي. كما زادت المغرب من وارداتها من الديزل الروسي، حيث زادت من حوالي 600 ألف برميل لكامل عام 2021، إلى مليوني برميل في كانون الثاني 2022. تونس بدورها، وهي التي لم تستورد أيةّ منتجات نفطية من روسيا تقريباً في عام 2021، حصلت على 2,8 مليون برميل من المنتجات النفطية الروسية في كانون الثاني الماضي، واستوردت قرابة 3,1 ملايين برميل أخرى في الشهر الأول من هذا العام.

الدول الإفريقية تتخّذ موقفاً غير محايد

ما يبرز حقاً في هذه المرحلة، أنّ العديد من الدول الإفريقية تثور ضدّ تأثير أسيادها الاستعماريين السابقين، وبدلاً من ذلك ترتبط بروسيا. إنّ إفريقيا كما هو واضح من السياسة الدولية الحالية هي بعيدة عن أن تنضمّ للولايات المتحدة في محاولتها تشكيل تحالف عالمي ضدّ روسيا. بل على العكس من ذلك، فإفريقيا تتبع سياسة تخدم مصالحها على أفضل وجه، حيث تستمر في شراء النفط الروسي على الرغم من تهديد العقوبات الأمريكية. من الواضح أنّ هذه لمحة سريعة عمّا ستبدو عليه السياسة الدولية في بيئة متعددة الأقطاب.
من هنا يمكننا أن ندرك، أنّ دور إفريقيا في خلق عالم متعدد الأقطاب ليس دوراً ضئيلاً، فهي تلعب دوراً هاماً فيه من خلال علاقاتها العميقة مع الصين أيضاً. فبالنظر إلى أنّ مبادرة الحزام والطريق الصينية هي بمثابة تحرّك مضاد ضد الخطط الجيوسياسية الأمريكية لاحتواء الصين، فليس هناك من ينكر أنّ المشاركة النشطة لإفريقيا في مبادرة الحزام والطريق الصينية هي قاعدة لهزيمة سياسة الاحتواء الأمريكي، وتسهيل لصعود الصين كقوة عالمية.
تعدّ الصين اليوم أكبر مستثمر أجنبي في إفريقيا، حيث بلغت التجارة الثنائية 254 مليار دولار أمريكي في عام 2021، و282 مليار دولار أمريكي في عام 2022. بلغت حصّة الصادرات الصينية إلى إفريقيا من هذا المقدار 165 مليار دولار أمريكي، بينما استوردت الصين بضائع من إفريقيا بقيمة 117 مليار دولار أمريكي. على الرغم من أنّ الميزان التجاري تميل كفته لصالح الصين، فقد مكّنت الصين عشرات الدول الإفريقية بالفعل من البدء في تصدير بعض السلع المعفاة من الرسوم الجمركية الصينية. تشمل السياسة الصينية الجديدة أكثر من 8800 سلعة، حيث تهدف إلى زيادة الواردات من إفريقيا إلى ما قيمته 300 مليار دولار بحلول عام 2025، وبهذا يمكن لإفريقيا أن تستفيد للحدّ الأقصى من علاقتها مع الصين.
نظراً لكون روسيا هي أكبر مورّد للسلاح إلى إفريقيا، ولكون الصين هي المستثمر الأكبر في القارة، فمن الواضح أنّ إفريقيا مرتبطة جيداً بما تسميه الولايات المتحدة «بالقوى التعديلية» العازمة على تفكيك النظام العالمي أحادي القطب الذي يهيمن عليه الأمريكيون. إفريقيا هي واحدة من القارات التي يتمّ فيها تفكيك نظام العالم القديم بنشاط من خلال التحالف بين القوى الإفريقية المحلية والقوى الخارجية. بالنسبة للعديد من الدول الإفريقية التي بدأت بالفعل بتمزيق رايات مستعمريها السابقين، فالعلاقات مع الصين وروسيا هي إحدى الآليات الحاسمة التي يمكن أن تساعدهم في تجنّب عبء الاستعمار الجديد بشكل أكثر فاعلية ممّا كانت عليه الحال حتى الآن. بالنسبة لروسيا والصين، كلما زادت مواقف هذه الدول الإفريقية حزماً ضدّ مستعمريها السابقين، كان ذلك أفضل للعالم متعدد الأقطاب الذي يحاولون بناءه.

• رافي سلمان شيخ: باحث ومحلل باكستاني في العلاقات الدولية والشؤون الخارجية.

بتصرّف عن:
How Africa is facilitating Multipolar World

معلومات إضافية

العدد رقم:
1117
آخر تعديل على الخميس, 13 نيسان/أبريل 2023 11:07