روسيا بين العمل وحيدة و«الفرسان السود»
إيفان تيموفيف إيفان تيموفيف

روسيا بين العمل وحيدة و«الفرسان السود»

إنّ مفهوم «الفارس الأسود» قد تمّت تغطيته بشكل جيد في الأدبيات الخاصة بالعقوبات. المفهوم العام له أنّ دولة تستمر بالتعاون مع دولة مفروض عليها عقوبات – رغم العقوبات. في نهاية المطاف يساعد هذا الدولة المعاقبة على التأقلم مع الوضع، ويقلص الأضرار الناجمة عن القيود ويعينها على تخطي عواقب العزلة عن اقتصادات الدول التي فرضت العقوبات.

ترجمة: قاسيون

في 2022 أصبحت روسيا هي الهدف الأكبر على الإطلاق للقيود الاقتصادية، سواء الكميّة أو النوعية. امتنعت «غالبية العالم» عن الانضمام إلى هذه القيود، ولكن تسمية هذه الدول «الفرسان السود» لا يزال يحتاج إلى بعض الوقت. الشركات في البلدان الصديقة لروسيا حذرة للغاية وتخشى العقوبات الثانوية أو المقاضاة من قبل السلطات الأمريكية وحلفائها.
علاقات روسيا بـ «فرسانها السود المحتملين» يتمّ تقريرها وفقاً لهيكل العقوبات المفروض ضدّها، حيث يمكن تقسيمها إلى ثلاث كتل. الأولى هي العقوبات المالية. وهي تنطوي على تضييق حاد في المعاملات المالية مع الأطراف المقابلة الأجنبية بسبب حظر العقوبات المفروضة على البنوك المحلية وما يشبهها من العقوبات الأخرى على الكيانات والأفراد. يمكن أن يشمل ذلك أيضاً فصل عدد من المؤسسات المالية عن SWIFT، والعقوبات المالية القطاعية، والحظر على الاستثمار، وحظر استيراد العملة من قبل عدد من الدول الغربية...إلخ. الكتلة الثانية هي التحكم في الصادرات. نحن نتحدث عن حظر توريد مجموعة واسعة من المعدات الصناعية والإلكترونيات والمنتجات ذات الاستخدام المزدوج والسلع الاستهلاكية إلى روسيا، وتهدف هذه القيود بشكل أساسي إلى كبح التحديث الصناعي والعسكري الروسي. ينطبق هذا الحظر أيضاً على دول ثالثة، أي إنها لا تستطيع في كثير من الأحيان نقل منتجاتها إلى روسيا في حالة وجود صلة لها مع الاختصاص القضائي للبلدان التي قامت بفرض العقوبات «التراخيص، والتكنولوجيا، والمعدات...إلخ». الكتلة الثالثة هي كبح الواردات، أي فرض حظر على تصدير السلع الروسية إلى البلدان التي تستوردها، مثل النفط ومنتجاته والفحم والحديد والصلب والذهب ...إلخ. الهدف هو حرمان روسيا من عائدات التصدير. يمكننا أن نضيف إلى هذه الكتل الثلاث المقاطعة غير الرسمية للشركات الروسية، وكذلك مئات عمليات التسليم الغربية المتوقفة.
لم تعتمد روسيا على مساعدة «الفرسان السود» وبذلت جهوداً حثيثة للتكيّف مع القيود الجديدة. بدأت الاستعدادات الروسية لأسوأ سيناريو قبل وقت طويل من بدء العملية العسكرية. تمّ إطلاق عملية إلغاء الدولرة في التجارة الخارجية، وإنشاء البنية التحتية المالية لروسيا «هذا ما أنقذ الاقتصاد الروسي من الانهيار المالي في الأسابيع الأولى من تسونامي العقوبات»، وكان استبدال الواردات عملية متسارعة. مع ذلك كان من الواضح أنّ نطاق العقوبات بعد شباط قد تجاوز توقعات أسوأ الأحوال، وكان لا بد من اتخاذ العديد من الإجراءات السريعة أثناء عملية الانتقال. لقد تضمنت عمليات استيراد موازية ومنح امتيازات محددة للأعمال، وجرى البحث السريع عن أسواق وموردين جدد. ساعدت العلاقات مع الدول الصديقة روسيا على التكيّف، لكن لكلّ حالة حدودها وخصوصياتها.

لكلّ حالة خصوصيتها

أصبحت الصين أكبر وأكثر شريك واعد لروسيا من بين الدول الصديقة. خلال 2022 نمت التجارة الصينية الروسية بأكثر من الثلث. ازدادت حصة اليوان من تسويات الصادرات الروسية بشكل هائل من أقلّ من 0,5٪ في كانون الثاني إلى 16٪ في كانون الأول 2022. لا يزال من المبكر الحديث عن تحول اليوان ليصبح الوسيلة العالمية للمدفوعات الروسية لدول ثالثة، لكن بأيّة حال ومع ازدياد الضغوط الغربية على القطاع المالي المصرفي، لدى اليوان فرصة كبيرة لتعزيز دوره في التبادلات الروسية، سواء مع الصين أو أطراف أخرى. لكنّ البنوك الصينية تخشى العقوبات الثانوية الأمريكية أو خسارة الأسواق الغربية، ولهذا لن يكون من السهل على الأفراد الروس المعاقبين أن يقوموا بالتسويات مع بلدان ثالثة، حتّى لو كان ذلك بمساعدة اليوان. تمّت ملاحظة هذا الحذر حتّى قبل بدء العملية العسكرية الروسية، فنظام المدفوعات الصيني UnionPay يبدو أنّه يتجنّب التحويلات التي تشمل كيانات روسية معاقبة.
الوقائع السياسية الجديدة تخلق ظروفاً تفضيلية غير مسبوقة للأعمال الصينية في السوق الروسية، لكن حتّى الآن الصينيون بالكاد يمكنهم أن يعملوا – في العلن على الأقل – بوصفهم «فارساً أسود»، ويتحدون التشريعات الأمريكية والأوروبية والغربية الأخرى.
نمت العلاقات الروسية الهندية إلى مرحلة أكبر حتّى. فبالمقارنة مع 2021، تضاعفت التجارة الثنائية ثلاث مرات. لكن قيمة التجارة الروسية مع الهند مجرّد عُشر قيمتها مع الصين. النمو حدث بشكل رئيسي من قبل موردي النفط الروس. هذه الخطوة بحدّ ذاتها هي خطوة للأمام خصوصاً مع حظر النفط الروسي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، لكن هناك مشكلة في التوازن الجديد. يجعل عدم التوازن في الصادرات من الصعب استخدام الروبل والروبي في التسويات المشتركة. كما أنّ الأعمال الهندية بدورها شديدة الحذر بالتعامل مع نظرائهم الروس. السوق الهندية هامة لروسيا، ولكنّ الهند بنفسها – مثل الصين – بالكاد يمكن اعتبارها «فارساً أسود» بعد.
يمكن قول المثل عن تركيا. أظهرت قيم التجارة نمواً هائلاً، لتصبح تركيا مركزاً هاماً لتوريد البضائع إلى روسيا عبر الشركات التي تركت البلاد، وكذلك لإعادة تصدير البضائع الروسية. جربت البنوك التركية التعامل بنظام مدفوعات MIR الروسي، لكن هنا ظهرت المشكلات. في أيلول 2022 جذبت البنوك التركية، وكذلك المؤسسات المالية لدول صديقة مثل كازخستان وأرمينيا وأوزبكستان وغيرها، انتباه وزارة الخزانة الأمريكية التي حذرت من عقوبات محتملة ضدّ من يستخدم نظام مير لصالح الكيانات الروسية المعاقبة. الخوف من تهديد السلطات الأمريكية لا يزال عنصراً حاسماً في تعامل بنوك البلدان الصديقة. ستبقى تركيا شريكاً هاماً لروسيا في توريد البضائع والتحويلات التي لم يتمّ عقابها بعد من الولايات المتحدة، لكن توسيع العقوبات قد يؤثر في الأعمال التركية، رغم أنّ مدى هذا التأثير لا يزال صعب التقدير.
الشريك الطبيعي لروسيا هي إيران، والتي تعاني من العقوبات منذ فترة طويلة. هنا أيضاً هناك مؤشرات على تزايد حجم التجارة. من الواضح أنّ الإيرانيين هم من تمكنت روسيا من المضي قدماً معهم في تطوير نظام تسويات مالية متبادل. العمل جارٍ اليوم على البنية التحتية لمشروع «شمال جنوب» الطموح. لكن هنا أيضاً توجد مشكلة، فغرفة طهران للتجارة تحديداً قد حذرت مجتمع الأعمال الإيراني وأوصته بالحذر عند العمل مع روسيا.
خلاصة القول: إنّ الدول الصديقة لروسيا لعبت دوراً مهماً في إعادة توجيه الصادرات الروسية واستبدال الواردات المتوقفة. التجارة مع البلدان الصديقة ساعدت على تخفيف آثار العقوبات، لكن الكثير من المشكلات باقية. كمثال: نقل منتجات النفط الروسي إلى الأسواق الآسيوية سيكون أصعب بالمقارنة مع المتاجرة بالنفط الخام. سيكون استبدال الواردات الغربية في قطاع المستهلك أسهل من استبدال المعدات الصناعية أو السلع عالية التقنية. الأهم أنّه من غير المرجح أن تكون الدول الصديقة مستعدة للعمل «كفرسان سود» بالشكل الذي كان مقبولاً في القرن العشرين، ما يعني أنّ على روسيا أن تعتمد في تخطيطها قبل كلّ شيء على قدراتها الخاصة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1116
آخر تعديل على الخميس, 13 نيسان/أبريل 2023 11:45