عندما تتحوّل العقوبات الغربية إلى «نعمة»!
يوري ألكسيف يوري ألكسيف

عندما تتحوّل العقوبات الغربية إلى «نعمة»!

يتحدث كاتب المقال المنشور في صحيفة « القرن» Столетие الروسية عن التطورات الملموسة التي حصلت في 2022 في قطاع الزراعة الروسي، ليرسم صورة واضحة عن القدرة على عدم السماح للعقوبات الغربية بالتأثير على الاقتصاد الزراعي المحلي عندما تدعم الدولة هذا الاقتصاد وتضع في حسبانها هدف «الاستقلال الاقتصادي». لا يمكن بالطبع أن ننسى القدرات الزراعية الهائلة لروسيا والتي تمكنها من مقاومة العقوبات بفعالية أكبر، ولكن يكفينا أن نتذكر السنوات السوداء التالية لانهيار الاتحاد السوفييتي ومدى ما كان يمكن أن يحدث لو أنّ الأمور في روسيا تُدار بالطريقة ذاتها.

ترجمة: قاسيون

بسبب العقوبات كان من الضروري تغيير الإرشادات المعتادة، لكن هذا لم يؤثر على دخل المزارعين. تمكنت الشركات المحلية من الضغط على المنافسين الأوروبيين والأمريكيين في أسواق آسيا والشرق الأوسط، التي تأثرت بالجفاف والأسمدة باهظة الثمن. هذه ليست مبالغة، فقد تمكنت روسيا من تحقيق نجاحات كبيرة وهي الآن مصدر رئيسي للقمح باعتراف وزير الزراعة الأمريكي سوني بيرديو. يجب أن نفترض أنّ أيام «أرجل بوش المعطرة برائحة المبيضات» التي تمّ توريدها إلينا في التسعينيات بأعداد لا تصدق، هي شيء من الماضي ولا ينبغي أن يحدث مرة أخرى. تمكنت روسيا من تقليص استيراد المنتجات الزراعية بنسبة 80٪، لكن كيف؟ يعتقد بعض الاقتصاديين أننا غير قادرين على إطعام أنفسنا والآخرين، وتحقيق السيادة الكاملة في قطاع الغذاء.
هل يمكننا التحدث عن الاستقلال الاقتصادي إذا كنا لا نزال نشتري الماشية والدجاج بعمر يوم واحد والبيض ومكملات الفيتامينات والشتلات والبذور من الخارج؟ حتّى أننا نستورد مستنبت الكريمة الحامضة. نعم بالطبع فالقطاع الزراعي لا يمكنه الاستغناء بشكل كلي عن المشتريات الأجنبية، ولكن في الوقت نفسه تمّ تقليص المواد المستوردة بشكل كبير.
إنّ الزراعة التي بقيت لسنوات عديدة في قبضة الاستيراد، بدأت بشكل نشط تعكس هذا النموذج. صحيح أنّ الانتقال إلى أن يكون كلّ شيء في الزراعة محلياً، يتطلب وقتاً أطول من بقيّة القطاعات «السلالات الحيوانية الجديدة والنباتات المتنوعة لا تظهر في عام واحد»، لكن يستمرّ عمل الإكثار المحلي المضني دون توقف. بلغ حجم البذار المحلية المستخدمة اليوم 60٪.
قررت الدولة أخيراً عقد صداقة مع العلوم الزراعية. تمّ إنشاء مجلس البحث العلمي في مجال الإنتاج الزراعي والصناعي والتنمية الريفية. بأمر من حكومة الاتحاد الروسي تم نقل 11 معهداً كانت تعمل في مجال إكثار وإنتاج البذار في مناطق حساسة من وزارة التعليم والعلوم إلى وزارة الزراعة. يعني هذا أنّ تربية الماشية وإكثارها وإنتاج الشمندر السكري والذرة والبطاطا وفول الصويا وعباد الشمس سيكون تحت مراقبة دقيقة من هؤلاء الذين سيتولون إدخالها في الإنتاج. هناك 375 ألف نوع بذار في مجموعة معهد «جميع الروس لإنتاج المحاصيل»، وأصناف الكتان وحدها 7 آلاف. في أوسيتيا الشمالية، في موقع مثالي على ارتفاع 2500 متر، تمّ وضع بنك وراثي لأصناف البطاطا الصحية. هذه خطوة هائلة إذا ما أخذنا بالاعتبار أنّ سنوات «اقتصاد السوق» في روسيا أدّت إلى تقليص حصة الإنتاج من بذار البطاطا المحلية إلى نسبة حرجة تبلغ 7٪، والشمندر السكري إلى 1.8٪.
حتّى الآن نربي فقط 1,7 إلى 2٪ من دجاجنا. قبل ثلاثة أعوام قررت وزارة التعليم والعلوم إنشاء 150 مختبراً جينياً جديداً. أطلق المركز العلمي الفدرالي لتربية الدواجن في موسكو خطّاً «خالصاً» للدجاج البيّاض من سلالة «Smena-9» ونطوّر اليوم إنتاج الدجاج المحلي. أعلن رئيس الهيئة الاتحادية للإشراف البيطري والصحة النباتية روسيل خزندار Rossel_khoznadzor مؤخراً عن تقليص واردات بيض التفقيس بقرابة النصف بسبب نمو الإنتاج المحلي. في السنوات القادمة سيتم تقليص استيراد الخنازير والأبقار، وسنكون قادرين على إطعام أنفسنا بشكل كلي من خلال سلالات المواشي المحلية. نوقش هذا الأمر مؤخراً من قبل علماء الأكاديمية الروسية للعلوم في اجتماع حول استبدال الواردات الزراعية.

لا تراجع عن الاستقلال الاقتصادي

أولئك الذين يعتقدون أننا لا ننتج آلاتنا الزراعية الخاصة مخطئون بشدة. لأول مرة منذ 30 عاماً تمّ تجميع 4300 جرار «كيروفيتس» في الحجرة الرئيسية لمصنع جرارات سانت بطرسبورغ، ليعمل في أكثر من ألفي حقل. معداتنا مفضلة في عشرة بلدان أجنبية. ناقل الحركة الأتوماتيكي، والغطاء الخارجي والرفارف وسقف الكابينة والتابلوه الداخلي المصنوع من بلاستيك شديد التحمل، كلّ هذا من إنتاجنا الخاص. العام الماضي اختبر إقليم أوريول أقوى آليّة حصاد شاملة: توروم TORUM 785 المصنّعة من قبل شركة Rostselmash. أكّد عمل الآلة القياسي أنّ حلول المصممين الروس يمكن أن تكون أفضل من الحلول الأوروبية.
تمّ العام الماضي إطلاق محطة حبوب العابرة لبايكال، وهي أول وأقوى محطة روسية والأولى في العالم. يمكن عبرها شحن الحبوب إلى آسيا والصين والشرق الأوسط. وهذه قائمة غير كاملة لما تمكنا بالفعل من القيام به عبر استبدال الواردات.
يعزى التقدم الكبير في الزراعة إلى حقيقة أنّ مجلس الوزراء اضطرّ العام الماضي إلى مراجعة إستراتيجية تطوير مجمعات القطاع الزراعي ومصائد الأسماك حتّى 2030. ووضع هدفاً طموحاً لتحقيق معدل نمو متوسط قدره 3٪ سنوياً حتى 2030. للتمكن من ذلك سيكون من الضروري تخصيص حوالي 900 مليار روبل سنوياً لاحتياجات المزارعين. في المستقبل القريب، نحتاج إلى بناء 40 سفينة جديدة لنقل المنتجات الزراعية، وإشراك ملايين الهكتارات في التحول الزراعي، وزيادة إنتاج الآليات الزراعية بشكل كبير، وبناء مجمعات كبيرة للألبان وتربية الأغنام، وتطوير السلالات المحلية وقاعدة البذار، ممّا يؤثر بشكل مباشرة في أمننا الغذائي.
كان مثل هذا الدعم للقطاع الزراعي في روسيا الجديدة مجرّد حلم. لا نزال بحاجة المزيد – كما هي الحال في أوروبا – لكنّ هذه الإجراءات كافية لزيادة الإنتاج الزراعي بمقدار 30٪ بحلول 2030. والقيمة الزائدة سترتفع بمقدار 6.5 ترليون روبل. عندها يمكن المضي قدماً في استبدال الواردات الزراعية بشكل كلي.
الحكومة تعلن استعدادها لسداد ما يصل إلى نصف تكاليف بناء وتحديث مراكز الإكثار والبذار «هناك حاجة لعشرات منها». كما تعلن استعدادها لتعويض 20٪ من تكاليف تحديث مؤسسات إنتاج أعلاف الأحياء المائية. لم تكن نتيجة هذا الدعم تحتاج إلى مستقبل طويل للمسها: في كانون الأول 2022 تمّ افتتاح 11 شركة كبيرة وجديدة وحديثة يرتبط عملها بالتصنيع الزراعي باستثمارات رأسمالية كبيرة. ولم يتم نسيان مؤسسات الإنتاج الصغيرة، فبالنسبة للعاملين لحسابهم الذين يديرون مزارع فرعية خاصة، تتوفر اليوم القروض الميسرة بفوائد 1 إلى 5٪ سنوياً لكلّ من القروض قصيرة الأجل والاستثمارية طويلة الأجل الممتدة لـ 12 عاماً.
على الدولة أن تضع خططاً لإحياء المناطق الريفية، وذلك يبدأ مع إنشاء تجمعات زراعية «حقول مع مراكز معالجة». اتبعت بعض مصانع معالجة اللحوم الكبيرة هذا المسار: بناء مزرعة مع حقل تسمين، وورشة لحصاد العلف، ومسلخ، ووحدات معالجة نفايات، وحصاد العلف والرعي. يمكن أن تتطور وتتحوّل هذه التجمعات إلى مراكز ثقافية ومدارس ومنازل ريفية جيدة للقرويين، وهي التي شهدت روسيا ظهورها على طول البلاد خلال الحقبة السوفيتية. ستساعد هذه الممارسة على تسريع حلّ المشكلات الريفية.
لم نعد اليوم نضع خطة لأنفسنا – كما فعلنا ذات مرة – اللحاق بالركب وتخطي الولايات المتحدة. لكن هذا سيحدث إن لم تنحرف الدولة عن المسار المخطط له.

بتصرّف عن:
Прокормим и себя, и других

معلومات إضافية

العدد رقم:
1109