روسيا وإيران وافتتاح ممرّ تجاري قد يتحوّل إلى «تكتّل»

روسيا وإيران وافتتاح ممرّ تجاري قد يتحوّل إلى «تكتّل»

كنتيجة للحرب في أوكرانيا، حيث أصبح بحر آزوف بحراً داخلياً لروسيا، محاطاً بشبه جزيرة القرم ومصب نهر الدون، باتت شبكات البحر وسكك الحديد تمتدّ إلى المراكز الإيرانية على بحر قزوين لتصل في النهاية إلى المحيط الهندي. يبدو أنّ هذا الممر التجاري الذي تبنيه روسيا وإيران سيصبح في مركز صدارة مشاريع كسر العقوبات في كامل المنطقة، والأكثر من ذلك أنّه قد يصبح مركزاً لتفرّع شبكات تجارية تجمع الاقتصادات الإقليمية ينشأ عنه تكتل تجاري ضخم.

علّق الرئيس الروسي بوتين على أهمية الممر بالقول: «سيزود الشركات الروسية بفرص جديدة للدخول في أسواق إيران والهند والشرق الأوسط وإفريقيا، وسيسهّل وصول الواردات من هذه الدول». وكما قدّرت ماريا شاغينا، خبيرة الشؤون الخارجية الروسية، فروسيا وإيران تستثمران قرابة 25 مليار دولار في الممر التجاري الداخلي، لتساعد في تدفق البضائع التي يريد الغرب أن يوقفها، الأمر الذي أخاف الأمريكيين ودفع أوبراين، كبير مسؤولي العقوبات في الإدارة الأمريكية إلى القول تعليقاً على الممر بأنّهم يراقبون عن كثب وهم «مهتمون بأيّ جهد يسمح لروسيا بتفادي العقوبات».
الشهر الماضي تمّ بالفعل شحن 12 مليون طن من القمح الروسي إلى الهند لتعبر إيران. لقد حان وقت عمل ممر التجارة الداخلي المعروف باسم «ممر نقل الشمال-الجنوب الدولي INSTC»، والذي أطلق في عام 2000 للوصل بين بحر البلطيق والمحيط الهندي. المثير للسخرية أنّ «عقوبات الجحيم» الغربية ضدّ روسيا هي من أعطت الحياة لممر INSTC. تقوم روسيا اليوم بوضع اللمسات الأخيرة على القواعد التي من شأنها أن تمنح السفن الإيرانية حقّ المرور على طول المجاري المائية الداخلية على نهري الفولغا والدون.
تمّ تصميم INSTC الممتد على طول 7200 كيلومتر ليكون شبكة نقل متعددة الوسائط تشمل البحر والطرق البرية والسكك الحديدية، لنقل البضائع بين روسيا وآسيا الوسطى ومنطقة قزوين وإيران والهند. هذا المشروع في جوهره هو روسي إيراني، وهما الدولتان ذات المصلحة في مواجهة تسليح الغرب للعقوبات.
لكن هناك في الحقيقة عوامل مشتركة ومصالح متطابقة تتخطى العقوبات، لتصبح العقوبات هنا حافزاً للبحث عن تنمية مثلى للاقتصاد مع تحوّل تركيز كلّ من روسيا وإيران إلى الأسواق الآسيوية. وفي هذه العملية تتشكل كتلة تجارية جديدة خالية تماماً من الوجود الغربي. وكما كتبت صحيفة بلومبرغ عن الأمر: «الهدف هو تحصين الروابط التجارية من التدخل الغربي وبناء روابط جديدة مع الاقتصادات الضخمة سريعة النمو في آسيا».
سيعتمد تعزيز INSTC في المدى القريب على بعض المشاريع الكبيرة، مثل الذي تحدث عنها ألكسندر نوفاك وهي شبكة طاقة تضم روسيا وإيران وآسيا الوسطى ومنطقة جنوب آسيا. قال: «التدفق المستمر للعملات الوطنية يعطي الثقة للسوق. في بداية العام الماضي واجهنا موقفاً لم يكن واضحاً فيه ما يجب فعله بهذه العملات، في الوقت الحالي يتم تداولها في أسواق المال لتضمن دوران التجارة المتبادلة.. إذا تأرجح دولاب التوازن في الأشهر الأولى بشدة، فخلال عدّة أشهر ستصبح مألوفة لنبدأ بالإتجار بشكل مستقر باستخدام العملات الوطنية». عملية إلغاء الدَّولرة ستكون دعامة لنجاح INSTC، ولكن هذا فقط شيء واحد.

مبادلة مبتكرة

الأمر الآخر الذي أعلن عنه نوفاك أنّ روسيا وإيران قد تتوصلان إلى اتفاقية لتبادل إمدادات النفط والغاز بحلول نهاية العام، حيث قال: «إن أردنا أن نتحدث من حيث المبدأ، فهذا يشمل صادرات الغاز إلى أفغانستان وباكستان – سواء باستخدام مشاريع البنية التحتية الخاصة بآسيا الوسطى، أو عبر تبادل من أقاليم إيران. على هذا النحو سنتلقى الغاز منهم [إيران] من جنوب البلاد، ونبادله مع توريداتنا من الغاز في الشمال إلى زبائنهم.. نتوقع قرابة 5 ملايين طن من النفط سنوياً، وما يصل إلى 10 مليارات متر مكعب من الغاز في المرحلة الأولى». باكستان مهتمة جداً بالحصول على واردات الغاز الروسي. كما أنّ أذربيجان كما أشار نوفاك قد تكون وجهة النقاش التالية لاتفاقية تبادل بعد أن تزيد إنتاجها من الغاز.
جميع الدول المشاركة في INSTC، باستثناء الهند، هي من الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وباكستان على رأسها. في مرحلة ما، لن تكون بعيدة، سيتم على الأرجح وصل الميناءين الإيرانيين المشاركين في INSTC: بندر عباس وتشابهار، مع ميناء جوادار الباكستاني، وهو بوابة الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني CPEC الذي يصل إلى تشينغيانغ، وهو أيضاً ميناء هام في مبادرة الحزام والطريق.
من الواضح أنّ INSTC سينتج شبكة من الممرات الاقتصادية الدولية. ستصبح إيران بموجبه مركزاً للمصالح الإستراتيجية المتقاربة ذات البعد الاقتصادي الهام، ما سيؤدي إلى تحالفات جديدة ويؤثر على الجغرافيا-السياسية لجنوب وغرب آسيا في القرن الحادي والعشرين.
تشنّ الولايات المتحدة اليوم حرب معلومات شديدة لإفشال الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني عبر إذكاء مشاعر العداء له في أذهان عموم الباكستانيين. لكن جهودها ستكون أصعب بكثير بل مستحيلة عند الحديث عن INSTC التي لا يمكنها أن تصوّره كمشروع جيوسياسي وغير عملي يهدد دول المنطقة، فالممر طريق تجارة عابر للقارات ولا يمثل امتيازاً لدولة واحدة. ففي نهاية المطاف كيف للأمريكيين أن يعاقبوا «كتلة تجارية».
الوقائع تتحدث بنفسها عن INSTC، فتجارب نقل الحاويات من مومباي إلى سانت بطرسبورغ باستخدام الممر التجاري قادرة على تقليل وقت تسليم البضائع من 45 إلى 25 يوماً، وبتكلفة أقلّ بـ 30٪ من النقل عبر قناة السويس، ما يبرر الآمال في تحسين الاتصال ونفع الممر. من الواضح أنّ إمكانات INSTC أكبر من الذي يمكن التنبؤ به.
بأيّة حال، روسيا وإيران مصممتان على فصل الغرب. كما قال لافروف: «لم يعد بإمكاننا الاعتماد على هؤلاء الناس. لا شعبنا ولا التاريخ سيسامحنا إن فعلنا... لقد قمنا بحسن نية وانفتاح بوضع أملنا في التطمينات التي سمعناها في أوائل التسعينيات حول الوطن الأوروبي المشترك والحاجة إلى تقسيم عمالة دولي يعتمد على الأداء الأفضل وميزات المنافسة لدى كلّ دولة، وبأننا عبر وضع جهودنا بعضها مع بعض والحفاظ على الموارد، سنكون قادرين على تحقيق النتائج الأفضل والأكثر فاعلية من ناحية التكاليف. تبيّن أنّ كلّ هذا هراء».
تحدثت الكثير من التقارير عن أنّ إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي يشمل روسيا وبيلاروسيا وكازخستان وقرغيزستان، قد أوشكوا على إنهاء شروط اتفاقية تجارة حرة تضم أكثر من 7500 نوع من البضائع. إن سوقاً كبيرة بحجم 700 مليار دولار ستنفتح على الأرجح أمام المنتجات والخدمات الإيرانية بدءاً من هذا العام 2023.
إن اتفاقية حرة بين هذه الدول ستشجع حرية حركة السلع والخدمات، وتنص على سياسة مشتركة في مجال الاقتصاد الكلي والنقل والصناعة والزراعة والطاقة والاستثمار والتجارة الأجنبية والجمارك والتشريعات التقنية والمنافسة والتشريعات المناهضة للاحتكار. إنّ مثل هذه الاتفاقية ستطلق تغييراً دراماتيكياً بالنسبة لممر INSTC، فتحوّل ديناميكيات السلطة في أقاليم الخليج وأوراسيا هائلة المساحة. تشير INSTC إلى تمحور إستراتيجي بين روسيا وإيران مبني حول ممر تجاري يؤدي إلى تكتل تجاري غير غربي مكون من دول إقليمية حرة الحركة لها مصالح مشتركة في مقاومة الهيمنة الغربية.

بتصرّف عن:
Russia and Iran Are Building a Trade Route That Defies Sanctions

Russia, Iran open a trade route heralding a bloc

معلومات إضافية

العدد رقم:
1104
آخر تعديل على الأحد, 08 كانون2/يناير 2023 22:21