حلفاء أمريكا هم أعداؤها الحقيقيون الذين لا يمكنها ترويضهم
مايكل هدسون - ترجمة: قاسيون مايكل هدسون - ترجمة: قاسيون

حلفاء أمريكا هم أعداؤها الحقيقيون الذين لا يمكنها ترويضهم

الولايات المتحدة من الضعف اليوم لدرجة أنّ أكبر ما تسعى إليه هو ألّا تسمح «لحلفائها» بالإتجار مع الصين وروسيا. فتحركات الناتو اليوم ونظام العقوبات الأمريكي يهدف إلى منع حلفاء الولايات المتحدة من الانفتاح على المزيد من التجارة والاستثمار مع روسيا والصين. ليس الهدف عزل روسيا والصين، بل إبقاء هؤلاء الحلفاء محبوسين ضمن مدار الولايات المتحدة الاقتصادي. تريد الولايات المتحدة من حلفائها أن ينسوا منافع استيراد الغاز من روسيا والبضائع من الصين، وأن يديموا الهيمنة الأمريكية رغم فقدانها أعمدتها ومقوماتها، وأن يشتروا من الولايات المتحدة الغاز المسيّل وبقية الصادرات، وأن يتوجوا كلّ ذلك بصفقات السلاح الأمريكي. لكن مع مراقبة هؤلاء «الحلفاء» للكثير الذي يمكن لروسيا والصين أن يقدماه، يكون السؤال الأساسي هنا: إلى متى ستتمكن الولايات المتحدة من إجبار حلفائها على فعل ذلك؟

ما يزعج ويقلق النخب الأمريكيين أنّ دول الناتو، وعلى رأسهم ألمانيا، يفهمون منافع التعاون مع مبادرة الحزام والطريق، والانفتاح على التجارة السلمية والاستثمار. يخشى الأمريكيون أن ينظر الأوروبيون إلى الناتو كحمل ثقيل لا حاجة له، فإن لم تكن روسيا ترغب باجتياح أوروبا، ولا الصين بتفجيرها، فلماذا عليهم تحمّل أعباء الناتو؟ أليس هذا ما جال بخاطر الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي استدعى أشباح شارل ديغول بحثّ أوروبا على إدارة ظهرها للناتو والدعوة للتخلي عن تحالف الحرب الباردة «الميت دماغياً»، والقطع مع الترتيبات التجارية الأمريكية التي تفرض تكاليف أعلى على أوروبا وتحرمها من المكاسب المحتملة للإتجار مع أوراسيا. ماذا عن ألمانيا التي تخشى التجمّد في الشتاء القادم إذا ما أوقفت استيراد الغاز الروسي. يقف الإستراتيجيون الأمريكيون حائرين وقد فشلوا في خلق تهديد روسيّ صينيّ حقيقي. تدرك جميع بلدان العالم أنّ العالم قد وصل إلى نقطة لا يوجد فيها اقتصاد صناعي لديه القوة البشرية والقدرة السياسية لتعبئة جيش دائم بالحجم الذي يكون مطلوباً لغزو أو حتّى شنّ معركة كبرى مع خصم كبير. 
يهدد الضغط الأمريكي الدائم على حلفائها بالتسريع في إخراجهم من فلكها. لأكثر من ٧٥ عاماً، لم يكن هناك أمامهم بدائل عملية للولايات المتحدة، لكنّ هذا يتغيّر اليوم. لم تعد أمريكا تمتلك القوة النقدية وفائض التجارة وميزان المدفوعات الذي مكنها يوماً من وضع قواعد التجارة والاستثمار العالمي في ١٩٤٤-١٩٤٥. التهديد الذي يخنق الأمريكيين هو قدرة الصين وروسيا على تقديم فرص تجارية واستثمارية أفضل من التي يمكنها عرضها على حلفائها، ما يجعل طلبها منهم بالولاء والتضحية لأجلها غير منطقي.
المثال الأكثر وضوحاً هو الدافع الأمريكي لمنع ألمانيا من تشغيل خطّ أنابيب السيل الشمال ٢ للحصول على الغاز الروسي في الطقس البارد القادم. اتفقت ميركل مع ترامب على إنفاق مليار دولار لبناء ميناء جديد للغاز الطبيعي المسال، لضمان اعتماد ألمانيا على الغاز الأمريكي مرتفع السعر «تمّ إلغاء الخطّة بعد أن غيرت الانتخابات كلا المسؤولين». لكن ألمانيا لا تملك ترف عدم استخدام الغاز الروسي لتدفئة منازلها ومباني مكاتبها أو تشغيل مصانعها وشركات الأسمدة لديها. لهذا يعمل دبلوماسيو الولايات المتحدة بكلّ طاقتهم لحشر روسيا في الزاوية لدفعها للقيام بأيّ عمل عسكري يبرر المناداة بمقاطعتها وإيقاف السيل الشمالي ٢.
تصيب العقوبات التجارية التي تفرضها الولايات المتحدة على خصومها، حلفائها بمقتل. اضطرّت ليتوانيا التي يمزقها التقشّف إلى التخلي عن سوق الأجبان والمنتجات الزراعية الروسي، ومنع خطّ السكك الحديدية المملوك للدولة من نقل البوتاس البيلاروسي إلى ميناء كلايبيدا على بحر البلطيق. اشتكى مالكو الميناء من أنّ «ليتوانيا ستفقد مئات ملايين الدولارات من إلغاء الصادرات البيلاروسيّة عبر كلابيدا… وقد تواجه مطالب قانونية بالتعويض تبلغ قيمتها ١٥ مليار دولار كجزاءات عن العقود الملغاة». حتّى أنّ ليتوانيا قد انجرّت وراء مطالب الولايات المتحدة بالاعتراف بتايوان، ما أدّى إلى رفض الصين استيراد المنتجات الألمانيّة أو غيرها التي تحوي مكوناتٍ مصنوعة في ليتوانيا.
تطلب الولايات المتحدة من أوروبا أن تنفذ عقوباتها على الروس على حساب تحملها لتكاليف طاقة ومنتجات زراعية أعلى ثمناً، ومنح الأولوية للواردات من الولايات المتحدة والتخلي عن الروابط الروسية والبيلاروسية وغيرها من الروابط خارج منطقة الدولار. يبدو أنّ سيرجي لافروف قد أصاب: «عندما تعتقد الولايات المتحدة أنّ شيئاً ما يناسب مصالحها، يمكنها أن تخون أولئك الذين كانت صديقة معهم، والذين تعاونت معهم، والذين تبنوا مواقفها في جميع أنحاء العالم».

مفعول عكسي

المثير للسخرية أنّ العقوبات ضدّ روسيا والصين لم تؤذهما بل ساعدتهما. فمن البدهي أن تجبر العقوبات الدول على الاعتماد على نفسها وإيجاد طرق لتجنّب ضررها. كمثال: بعد حرمان الروس من الجبن الليتواني، بدأوا بإنتاج أجبانهم الخاصة، ولم يعودوا بحاجة لاستيرادها من دول البلطيق. يهدف التنافس الاقتصادي الأساسي للولايات المتحدة إلى إبقاء الدول الأوروبية والدول الآسيوية المتحالفة معها ضمن مدارها الاقتصادي المحمي. طُلب من ألمانيا وليتوانيا وحلفاء آخرين فرض عقوبات موجهة ضدّ رفاهيتهم الاقتصادية من خلال عدم الاتجار مع دول خارج منطقة نفوذ الدولار الأمريكي.
باتت تكاليف الانصياع للولايات المتحدة مرتفعة جداً بالنسبة للأوروبيين، وذلك حتّى إذا ما استثنينا الأضرار المستقبلية التي قد تنجم عن أيّة عمليات عسكرية. كانت هذه التكاليف مقبولة فيما مضى لكونها الثمن لتلقي الدعم المالي والتجاري والأمني والعسكري للولايات المتحدة. لكننا اليوم نشهد ظهور بديل شديد الأهمية يدفع «الحلفاء» للتفكير مرتين: منافع مبادرة الحزام والطريق الصينية، ورغبة روسيا بالاستثمار الأجنبي للمساعدة في تحديث منظومتها الصناعية التي وُعدت بها قبل ثلاثين عاماً في ١٩٩١.
تمكنت الولايات المتحدة بسبب قوتها المالية من الاستمرار في السيطرة على الدبلوماسية الغربية، وذلك رغم تخليها عن معيار الذهب منذ ١٩٧١. احتفظت الدول الأجنبية باحتياطاتها النقدية الدولية بالدولار الأمريكي- من خلال سندات الخزينة الأمريكية والحسابات المصرفية الأمريكية والاستثمارات المالية الأخرى في الاقتصاد الأمريكي. يُلزم معيار سندات الخزانة البنوك المركزية الأجنبية بتمويل عجز ميزان المدفوعات الأمريكي، وذلك على حساب الاقتصاد والفائض التجاري الذي تحققه الدول التي تتعامل بالدولار.
لا تحتاج الولايات المتحدة إلى هذه العملية فهي قادرة إعادة طباعة الأموال متى تشاء، لكنّها تحتاج إلى تدوير الدولارات الموجودة في البنوك المركزية لموازنة مدفوعاتها الدولية ودعم سعر صرف الدولار. إن انخفض سعر الدولار، ستجد البلدان الأخرى أنّه من الأسهل عليها دفع ديونها الدولية بالدولار باستخدام عملاتها المحلية. سترتفع عندها تكاليف واردات الولايات المتحدة، وسيكون من المكلف أكثر بكثير بالنسبة للمستثمرين الأمريكيين أن يشتروا الأصول الأجنبية. سيخسر الأجانب أموالهم التي يدّخرونها بالأسهم والسندات الأمريكية المقومة بعملاتهم المحلية، ما سيؤدي إلى سقوطها. قد تتكبد البنوك المركزية على وجه الخصوص خسارة في سندات الخزينة (الدولار) التي تحتفظ بها في احتياطاتها النقدية- وستسعى إلى حيث مصلحتها: الخروج من منظومة الدولار. إذاً ميزان مدفوعات الولايات المتحدة وسعر الصرف مهددان بالإنفاق العسكري المفرط في جميع أنحاء العالم، لكن الدبلوماسيين الأمريكيين يحاولون دفع سعر الصرف للاستقرار عبر تصعيد التهديد العسكري إلى مستويات الأزمة.
إنّ المحاولات الأمريكية لإبقاء محمياتها الأوروبية والشرق آسيوية محبوسة ضمن مجال نفوذها، يهدده ظهور الصين وروسيا بشكل مستقل عن الولايات المتحدة، المتزامن مع التراجع الاقتصادي الأمريكي عن التصنيع نتيجة لخيارات النخب السياسية المتعمدة. عبّدت الديناميكية الصناعية التي جعلت من الولايات المتحدة مهيمنة منذ أواخر القرن التاسع عشر حتّى السبعينات من القرن الماضي، الطريق أمام الأمولة النيوليبرالية، الأمر الذي جعلها ضعيفة أمام الصين الاشتراكية التي يفوق نموها نمو الولايات المتحدة، وتوفّر ترتيباتها التجارية المزيد من الفرص لتحقيق مكاسب مشتركة.
يدور النقاش الجدي اليوم حول المدة التي يمكن فيها للولايات المتحدة منع حلفائها من الاستفادة من النمو الاقتصادي الصيني. متى ستسعى ألمانيا وفرنسا ودول الناتو الأخرى إلى الازدهار الخاص بدلاً من ترك منظومة الدولار والتفضيلات التجارية الأمريكية تسحب فائضهم الاقتصادي؟

1057-5

الصين ورفض التحوّل لشركة أمريكية

تراجعت الولايات المتحدة عن التصنيع بشكل متعمّد بهدف خفض تكاليف الإنتاج، حيث سعت إلى العمالة ذات الأجور المنخفضة في الخارج، وبشكل خاص في الصين. لم يكن يُنظر في ذلك الحين إلى هذا التحوّل كتنافس مع الصين، بل كان يُنظر إليه كشراكة ذات نفع متبادل. كانت الخطّة أن تؤمّن البنوك والمستثمرين الأمريكيين السيطرة على أرباح الصناعة الصينية. كان التنافس بين أرباب العمل الأمريكيين والعمّال الأمريكيين في أشدّه، وكان سلاح الحرب الطبقية هو نقل الصناعات إلى الخارج، وأثناء ذلك تخفيض الإنفاق الاجتماعي الحكومي.
لكن على غرار ما فعلته روسيا بالإبقاء على تجارتها للنفط والأسلحة والمنتجات الزراعية مستقلة عن سيطرة الولايات المتحدة، قامت الصين بالحفاظ على أرباح تصنيعها في الداخل، والاحتفاظ بملكيّة الدولة للشركات الكبرى، والأهم من ذلك كلّه الحفاظ على سيطرة الدولة على النقد والبنك المركزي الصيني بوصفهما أداة عامة لتمويل خلقها رأس المال الخاص بها، بدلاً من السماح للبنوك الأمريكية والسماسرة الأمريكيين بتزويدها بالمال وسحب فائضها على شكل فوائد وأرباح ورسوم إدارية. الأمر الوحيد الذي قدمته الصين لأصحاب المال والشركات الأمريكية هي مساعدتهم في قمع الأجور الأمريكية ومنعها من الارتفاع من خلال توفير مصدر منخفض الثمن للعمالة، ليمكّن الشركات الأمريكية من الاستعانة بمصادر خارجية للاستمرار بعمليات إنتاجها.
بدأت الحرب الطبقية ضدّ النقابات الأمريكية منذ أيام كارتر، وزادت وتيرتها بشكل كبير أيام إدارة كلينتون الذي فتح الحدود الجنوبية عبر اتفاقية نافتا. تمّ افتتاح سلسلة من المصانع زهيدة الثمن على الحدود مع عمّال زهيدي الأجور يشغلونها وينتجون فيها. كانت المصانع في الجنوب العالمي مراكز ربحية فائقة النجاح للشركات الكبرى، ما أدّى إلى الضغط على كلينتون لقبول الصين في منظمة التجارة العالمية في ٢٠٠١ في آخر شهر من ولايته. كان الحلم الأمريكي بتحويل الصين إلى مركز لأرباح المستثمرين الأمريكيين، بحيث تنتج لصالح الشركات الأمريكية وتموّل استثمارات رأس مالها، وكذلك كانت الآمال بأن تقترض بالدولار الأمريكي وأن تنظم صناعتها في سوق البورصة، على غرار ما فعلته روسيا بين ١٩٩٤و١٩٩٦، فتتحول بذلك إلى المزوّد الرائد لأرباح رأس المال المالي للمستثمرين الأمريكيين وغيرهم من المستثمرين الأجانب. 
نظمت وول مارت، وآبل، والكثير من الشركات الأمريكية منشآت الإنتاج في الصين، الأمر الذي عنى حتمياً نقل التكنولوجيا وإنشاء البنية التحتية الفعّالة للتجارة والتصدير في الصين. قاد غولدمان ساكس التوغل المالي في الصين، وساعد سوق البورصة في الصين على الارتفاع، فقد رأت الولايات المتحدة بأنّ هذه مسائل ملحّة.
لكن أين أخطأت الولايات المتحدة  في حلمها النيوليبرالي؟ باختصار: لم تتبع الصين سياسات البنك الدولي التي وجهت الحكومات للاقتراض بالدولار من أجل استخدام شركات أمريكية تهندس بنية تحتية للتصدير. قامت الصين ببناء قدراتها الصناعية بالطريقة ذاتها التي تحوّلت فيها الولايات المتحدة وألمانيا للتصنيع في القرن ١٩: عبر الاستثمار العام المكثف في البنية التحتية لتوفير الاحتياجات الرئيسية بأسعار مدعومة، وذلك بدءاً من الرعاية الصحية والتعليم والنقل والاتصالات، وذلك بهدف تقليص تكاليف المعيشة للعمّال الذين على المصدرين أن يدفعوا لهم أجورهم. الأهم من ذلك هو تجنّب الصين خدمات الديون الخارجية عبر خلق مالها الخاص والاحتفاظ بأهم منشآت الإنتاج تحت سيطرتها الوطنية.

مطالب الولايات المتحدة تنفّر حلفاءها

كما هو الحال في مأساة يونانية كلاسيكية، فالسياسة الخارجية للولايات المتحدة تحقق تماماً النتيجة التي تخشاها بنفسها. يبالغ الأمريكيون في جهودهم وضغطهم على حلفائهم، محققين السيناريو الذي كان يرعب كيسنجر: دفع روسيا والصين إلى الوقوف صفاً واحداً. فبينما يُطلب من حلفاء أمريكا تحمّل تكاليف العقوبات الأمريكية، تستفيد روسيا والصين من خلال اضطرارهما إلى التنويع وجعل اقتصاديهما مستقلين عن الاعتماد على موردي المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية الذين يخضعون للولايات المتحدة. توفّر عمليّة «اللا دولرة» هذه بديلاً لحقبة أحادية الولايات المتحدة في منح ائتمان أجنبي يعتمد على سندات الخزينة الأمريكية ومنظومتها للاحتياطات النقدية العالمية. 
مع تخلّص المزيد من الدول الأجنبية والبنوك المركزية  من الدولار، ما الذي سيبقى لدعم الدولار؟ بدون الائتمان الذي توفره البنوك المركزية، والذين يعيد بشكل تلقائي عبر تدويره الإنفاق العسكري وغيره من النفقات إلى الاقتصاد الأمريكي «مع الحدّ الأدنى من العائدات». كيف يمكن للولايات المتحدة موازنة مدفوعاتها الدولية وهي لم تعد تملك التصنيع؟ لا يمكن للولايات المتحدة أن تعكس ببساطة عملية نقل التصنيع إلى الخارج والاعتماد على العمالة الصينية والآسيوية الأخرى من خلال إعادة الإنتاج إلى أراضيها. بنت نفقات ريعية مرتفعة جداً في اقتصادها لن تسمح لعمّالها بالمنافسة دولياً، وذلك تبعاً لتكاليف الإسكان والصحة وخدمة الديون والتعليم والتأمين وخدمات البنية التحتية المخصخصة.
ليس أمام الولايات المتحدة إلّا سبيلٌ واحد للحفاظ على توازنها المالي الدولي: احتكار تسعير أسلحتها وصادرات الأدوية وتكنولوجيا المعلومات المحمية ببراءات اختراع، وشراء السيطرة على قطاعات الإنتاج الأكثر ربحية والتي يمكن أن يستخرج منها الريع. أي بعبارة أخرى: نشر السياسة الاقتصادية النيوليبرالية في جميع أنحاء العالم، بطريقة تُلزم الدول الأخرى على الاعتماد على القروض والاستثمارات الأمريكية.
لكنّ السياسة الاقتصادية النيوليبرالية ليست وسيلة تنمو فيها الاقتصادات الوطنية، والبديل لها هو السياسات الصينية. تخلّت الولايات المتحدة عن السياسة الصناعية التقليدية منذ الثمانينات، وفرضت على اقتصادها السياسات النيوليبرالية التي تراجعت عن التصنيع، والتي بدأت في تشيلي بينوتشيه. ثمّ في بريطانيا تاتشر والجمهوريات السوفييتية السابقة، ودول البلطيق وأوكرانيا منذ 1991. يستند الازدهار ضمن هذه السياسة على الديون وتضخيم أسعار العقارات وأسعار الأوراق المالية وخصخصة البنية التحتية.
أدّت هذه النيوليبرالية إلى أن تملك الولايات المتحدة اقتصاداً فاشلاً، بل وأن تصبح دولة فاشلة مضطرة للمعاناة من انكماش الديون، وارتفاع أسعار المساكن والإيجارات، فضلاً عن التكاليف الباهظة للرعاية الصحيّة، وغيرها من التكاليف الناتجة عن خصخصة البلدان الأخرى. 
أدّى النجاح الذي حققته السياسات الاقتصادية الصناعية الصينية، وسيطرة الدولة على النظام النقدي والائتماني، إلى تخوّف النخب الأمريكية من إيجاد اقتصادات أوروبا الغربية وآسيا مصالحها في الاندماج بشكل أوثق مع الصين وروسيا. لا تملك الولايات المتحدة أيّ خيار تردّ فيه على هذه الجاذبية الصينية إلّا فرض العقوبات الاقتصادية وزيادة التوتير العسكري. لكنّ موقف الحرب الباردة الجديدة هذه مكلف، والدول الأخرى مترددة في تحمّل تكاليف صراع لا يفيدها ويؤدي إلى زعزعة استقرارها ونموها الاقتصادي واستقلالها السياسي. وهنا تُصاب الإمبريالية الأمريكية بمقتل.

بتصرّف عن:
https://www.counterpunch.org/2022/02/11/americas-real-adversaries-are-its-european-and-other-allies/

معلومات إضافية

العدد رقم:
1057
آخر تعديل على الإثنين, 14 شباط/فبراير 2022 01:56