غيتس والمنظمات غير الحكومية...تعزيز الاحتكارات بذرائع التنمية

غيتس والمنظمات غير الحكومية...تعزيز الاحتكارات بذرائع التنمية

غالبية المنظمات غير الحكومية تحمل بنيوياً مخاطر مرعبة. هذا ربّما أقل ما يمكن أن نقوله عنها، معتمدين في ذلك على الدلائل والدراسات المتزايدة عن ارتباطاتها الهيكلية بالرأسمال الاحتكاري. ولكن ربّما الجزء الأخطر هنا هو تسويق هذه المنظمات لنفسها على أنّها منظمات تنموية غير ربحية، مغطين على هدفهم الرئيس المتمثل بتعزيز أجندة الشركات الاحتكارية متعددة الجنسيات. وقد تكون مؤسسة غيتس هي إحدى أهم الأمثلة على هذه المنظمات، وسنرى في المقال التالي مدى الأثر التدميري للأموال التي تخصصها وتروّج لها باسم محاربة الفقر والتنمية.

كولين تيدهنتر
تعريب: عروة درويش

تأسست منظمة بيل وميليندا غيتس في عام 2000 وتملك أصولاً بقيمة 46,8 مليار دولار «2018»، وهي تتبرع وتوزع المساعدات أكثر من أيّة حكومة في العالم. وهدفها المعلن: تعزيز الرعاية الصحية حول العالم وتقليص الفقر الشديد.
في 2016، تم اتهام المنظمة بالقيام بشكل خطر وغير مسؤول بتشتيت اتجاه التنمية العالمية، وذلك في تقرير مشترك لعدّة مجموعات وجامعات. وقد ذكر التقرير بأنّ إستراتيجية مؤسسة غيتس الرئيسة تعتمد على تعميق اعتماد الجنوب العالمي على الشركات العابرة للحدود. وكما قالت بولي جونز، رئيسة حركة العدالة العالمية وأحد معدِّي التقرير: «المؤسسة تعزز دون هوادة مبادرات الشركات الكبرى مثلما يحدث في القطاع الزراعي وقطاع الرعاية الصحية والتعليم الخاصين. وهذه الأعمال تؤدي إلى تفاقم مشاكل الفقر وعدم الوصول إلى الموارد الأساسية التي يفترض أن تقوم المؤسسة بالتخفيف منها لا مفاقمتها».
تعمل مؤسسة غيتس بشكل وثيق مع شركة كارغيل متعددة الجنسيات المتخصصة بالإتجار بالمواد الزراعية على مشروع بقيمة 8 ملايين دولار «تطوير سلسلة قيمة الصويا» في إفريقيا الجنوبية. كارغيل هي اللاعب العالمي الأكبر في إنتاج الصويا وتجارته، ولديها استثمارات هائلة في أمريكا الجنوبية، حيث تسببت الزراعة الأحادية للصويا المعدلة وراثياً وما يتبعها من مواد كيميائية بالكوارث للسكان الريفيين وأدت إلى مشاكلات صحية وضرر بيئي.
إنّ المشروع الممول من مؤسسة غيتس سيسمح لشركة كارغيل غالباً بالسيطرة على سوق الصويا الإفريقي غير المستغل حتى الآن، وسيؤدي في نهاية المطاف إلى نشر الصويا المعدلة وراثياً في القارة الإفريقية. كما تقوم مؤسسة غيتس بدعم شركات بذور ومواد كيميائية أخرى، ومنها دوبونت وسنجنتا وباير. إنّها تعزز بفاعلية نمطاً معيناً من الإنتاج الزراعي، وهو النمط الذي يستخدم البذور والمواد الكيميائية التي تمتلك شركات متعددة الجنسيات براءات اختراعها، وكذلك نمط خصخصة الخدمات والتركيز على الزراعة الأحادية.
إنّ ما تفعله مؤسسة غيتس ليس أكثر من المساهمة في جهد ما يسمى بمبادرة «التحالف لأجل ثورة خضراء في إفريقيا AGRA»، والتي تعتمد على خطاب أنّ الجوع وسوء التغذية المنتشرة في إفريقيا يسببها بشكل رئيس النقص في التكنولوجيا والأسواق الفاعلة. إنّ «AGRA» تستثمر بكثافة وبشكل مباشر في تشكيل السياسات الحكومية في إفريقيا فيما يخص القطاع الزراعي، مثل المتعلقة بتوزيع الحبوب والأرض وفتح الأسواق الإفريقية أمام الشركات الزراعية الأمريكية.
أكثر من 80% من واردات الحبوب في إفريقيا تأتي من قيام ملايين المزارعين الصغار بتدوير وتبادل البذور من عام إلى آخر. لكنّ «AGRA» تسعى إلى تعزيز الإنتاج التجاري للبذور كي تدعم إنشاء أنظمة بذور تجارية تعتمد على المواد الكيميائية، الأمر الذي ستكون نتيجته تمكين الشركات الكبرى التي تسيطر على أبحاث البذور وتطويرها على الإنتاج والتوزيع.
إنّ مراجعة للقوانين الوطنية والتغيرات الحاصلة في مجال مراقبة الدول المحلية للحبوب على مدى العقدين الماضيين، والذي تمّ بدعم من صندوق المساعدات الأمريكي ومجموعة الثماني الكبار، ومعهم مؤسسة غيتس وآخرون، ستكشف فتح الباب واسعاً أمام الاستيلاء المتنامي للشركات على عملية إنتاج الحبوب، ومن ضمنها القيام بالاستحواذ على أيّة شركة خاصة وعامة لديها كمية معتبرة من الحبوب في إفريقيا.

غيتس والمبيدات والصحة العالمية

مؤسسة غيتس ناشطة أيضاً في مجال الصحة، الأمر الذي يثير السخرية نظراً لتعزيزها للزراعة التجارية واعتمادها الجوهري على الكيماويات الزراعية الضارة بالصحة. لم يفت هذا الأمر ناشطة البيئة الطبيبة روزماري ميسون.
أشارت ميسون مراراً إلى أنّ مؤسسة غيتس من الدافعين الكبار نحو الكيماويات الزراعية والبذور المحفوظة ببراءات اختراع. وأضافت إنّ غيتس تتعاون مع شركة باير لتعزيز ما يسمى «المناهج الكيميائية الجديدة» و«حماية المحاصيل البيولوجية» عبر تشجيعها لمبيعات الكيماويات الزراعية والبذور المعدلة وراثياً على نطاق واسع في الجنوب العالمي.
بعد قراءتها للتقرير المشترك بين منظمتي الصحة العالمية واليونيسيف بعنوان «مستقبل أطفال العالم»، لاحظت ميسون الغياب الواضح للحديث عن المبيدات، كان هناك ذكر للحاجة للمزيد من التشريعات بخصوص التبغ والكحول والحليب المجفف والمشروبات المحلاة بالسكر، لكن لا ذكر للمبيدات الزراعية.
لكن لم يجب على ميسون أن تشعر بالغرابة، فأغلب الباحثين البالغ عددهم 42 «إن لم نقل جميعهم» والموجودة أسماؤهم في التقرير هم بطريقة أو بأخرى يعتمدون من خلال منظماتهم على التمويل الذي يتلقونه من مؤسسة غيتس. ولا يغيب عنا أنّ مؤسسة غيتس هي من الممولين الكبار لمنظمة الصحة العالمية ولمنظمة اليونيسيف. غيتس هي المساهم الأكبر بميزانية منظمة الصحة العالمية في الأعوام الماضية، فقد زودتها في عام 2015 مثلاً بنسبة 11% من ميزانيتها، أي قرابة 14 ضعفاً مما تساهم به الحكومة البريطانية.
هذا يفسر سبب عدم ذكر تقرير بهذا الحجم لتأثيرات المبيدات الزراعية. وكما قال خبير الأمم المتحدة باسكوت تونكاك في مقالٍ له في عام 2017: «أطفالنا ينمون ويتعرضون لمزيج من السموم من مبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية ومبيدات الفطور. توجد هذه السموم في غذائهم ومياههم، بل ويتجرعونها بشكل كبير في حدائقهم وساحات لعبهم. لا تزال بعض الحكومات تصرّ على أن تكون معايير حمايتنا من هذه المبيدات مرتفعة، لكن وبوصفي عالماً ومحامياً متخصصاً في الكيماويات وآثارها في خرق حقوق البشر، فأنا أتوسلكم لمنعها. الشهر الماضي تمّ تصنيف الغليفوسات، وهو أكثر المبيدات الحشرية شيوعاً في العالم، بأنّه آمن. لقد كان أمراً صادماً صدور مثل هذا القرار، خاصة وأنّ وكالات الصحة الأوروبية قد نسخت معلوماتها ولصقتها من صفحة الشركة المصنعة للكيماويات مونسانتو».

هل يمكن إدارة خطر المبيدات؟

رفض تونكاك مؤخراً الفكرة المروج لها عن القدرة على إدارة خطر المبيدات الكيماوية عالية السميّة. كتب في مقالٍ له عن عدم وجود شيء يمكنه الحد بشكل مستدام من خطر الاستخدام واسع النطاق للمبيدات الحشرية شديدة السميّة.
«في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وهي أكثر معاهدات حقوق الإنسان المصادق عليها في العالم «الولايات المتحدة فقط ليست عضواً بها»، أعلنت صراحة أنّ على الدول التزامات بحماية الأطفال من التعرض لأيّة كيماويات سامّة، ومن الغذاء والمياه الملوثين، وضمان قدرة حصول جميع الأطفال على أعلى مستويات الصحة الممكن تحقيقها. لكنّ هذه الحقوق ينتهكها نظام المبيدات الزراعية الحالي. إنّ هذه الكيماويات موجودة في كلّ مكان وغير ظاهرة».
أضاف تونكاك ما أشار إليه أطباء الأطفال من أنّ تعرض الأطفال للمبيدات الزراعية يخلق «جائحة صامتة» من الأمراض وعدم الاستقرار. أشار لأنّ تعرض الحوامل والأطفال لهذه المبيدات متصل بعيوب الولادة وبالسكري والسرطان، وأعلن بأنّ الأطفال تحديداً، ضعفاء عند التعرض لهذه الكيماويات السامة لكونها تخلق عندهم آثاراً لا يمكن عكسها.
لكن ورغم ذلك، يبدو بأنّ مصنعي الكيماويات الزراعية لا يعبؤون بالأطفال والبشر، بل بالربح فقط. ففي تقرير مشترك حديث بقيادة مجموعة «العين العامة»، تبيّن بأنّ أكبر خمس شركات تصنيع مكملات زراعية في العالم تجني أكثر من ثلث أرباحها من المنتجات الكيماوية ذات السميّة الشديدة على الصحة والبيئة.
كما أشارت ميسون إلى التحليل الكبير لقواعد البيانات لأكبر منتجي هذه الكيماويات لعام 2018، والذي أظهر أنّ شركات المكملات الزراعية تعتمد ضمن مبيعاتها على نسبة 35% من هذه الكيماويات شديدة السمية على البشر والحيوانات والنظام البيئي، المنتجات التي تعتبرها أغلب الأنظمة التشريعية الصحيّة المتطورة من المسببات الرئيسة للسرطان وفشل الإنجاب.
وهذا التحليل لم يشمل أكثر من 40% من سوق المبيدات الزراعية العالمي البالغ 57,6 مليار دولار وفقاً لتقديرات عام 2019. وبالعودة إلى مؤسسة غيتس، فهي تعزز نموذجاً زراعياً كثيفاً من استخدام هذه المبيدات، يتوافق مع احتياجات وسلاسل قيمة الشركات الزراعية العملاقة.
أشارت ميسون في رسالتها إلى البروفسور أنطون كوستيلو، المشرف على دراسة منظمة الصحة العالمية واليونيسيف، إلى التأثيرات المباشرة المرتبطة بالغليفوسيت والمذكورة في أكثر من تقرير علمي سابق، وذكرت دراسات محكّمة وإحصائيات رسمية تشير إلى كون الغليفوسيت يؤثر على الأمعاء الدقيقة ومسؤولاً عن أزمة الاستقلاب العالمي المؤدية لجائحة البدانة. وقد أوردت دلائل على أنّ الغليفوسيت يتسبب بتغييرات جينيّة لدى البشر والحيوانات، وأمراض عابرة للأجيال.
اعتاد الخطاب السائد على لوم الأفراد على اعتلالهم وظروفهم بحجة أنّها ناتجة عن «نمط حياتهم» غير الصحي. لكنّ الدعاوى التي رفعها 42,700 شخصاً على شركة مونسانتو ومالكتها شركة باير بسبب الإصابة بسرطان الليمفوما اللاهودجكينية، والتي قامت الشركة بحلّها بشكل سري خارج المحكمة، يجب أن تجعلنا نعيد النظر في الخطاب السائد للإعلام.
أشارت ميسون إلى أنّ الازدياد المطّرد السنوي في أعداد السرطانات الجديدة والزيادة في معدلات الموت من ذات السرطانات، مع عدم قدرة الحالات الشافية على تغيير الأرقام، يجعل من عدم البحث عن التأثيرات الكيماوية للمبيدات الزراعية المرتبطة بالأمراض ضرباً من الجنون.
إننا بتعرضنا على طول عمرنا إلى آلاف الكيماويات الصناعية التي تلوّث دمنا وبولنا والتي ظهرت في كلّ شخص خضع للفحص تقريباً، تجعلنا أمام «عملية تسميم جماعية عالمية».

مشهد مؤسسة غيتس السريالي

كجزء من إستراتيجية الهيمنة، تصرّح مؤسسة غيتس بأنّها تريد أن تضمن الأمن الغذائي العالمي وأن تحسّن الصحة والتغذية.
لكنّ مشاريعها في الواقع تقوم فقط بزيادة الدخل الصافي لشركات الكيماويات والأدوية. فالبرامج الصحية التي تدعمها تقاس فقط بمقاييس محددة تسهّل عملية بيع المنتجات التي تبيعها شركات الأدوية الكبرى التي تكون المؤسسة شريكة لها. يشرح الباحث جاكوب ليفيش بأنّ مؤسسة غيتس لا تسهّل إجراء الاختبارات السريرية منخفضة التكاليف وغير الأخلاقية في الجنوب العالمي «والتي تترك المشتركين فيها في حالة مدمَّرة» وحسب، بل تساعد أيضاً في خلق أسواق جديدة لمنتجات «مشبوهة» تنتجها الشركات الصيدلانية.
وبما يخص الأمن الغذائي، كانت المؤسسة تقوم بفعل أفضل لو أنها تدعم نماذج الزراعة البيئية «الخالية من الكيماويات»، والتي وفقاً لتقارير عدة صادرة عن الأمم المتحدة قد ساهمت في ضمان أمن غذائي عالمي عادل. لكن مثل هذا الفعل سيترك المزارعين الصغار دون مساس وغير معتمدين على الرأسمال الغربي، الأمر الذي يناقض هدفي الشركات متعددة الجنسيات التي تدعمها المؤسسة: الاستحواذ والاعتماد السوقي.
وهذان الهدفان ليسا جديدين بل لطالما كانا جزءاً من إستراتيجية مُستخدمة لعقود، حيث شاهدنا تدعيم نظام الغذاء العالمي المعتمد على الواردات الزراعية، وعلى الزراعة الأحادية، المتصلَين بالديون السيادية ودفعات الديون والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وعمليات التكييف الهيكلي. وقد كانت حصيلة كل ذلك تشريد الفلاحين المنتجين للغذاء، وتقوية احتكارات الشركات الزراعية الغربية وتحويل الكثير من الدول من الاكتفاء الغذائي الذاتي إلى مناطق عجز غذائي.
وفي الوقت الذي تنشغل فيه مؤسسة غيتس في دعم وتقوية هيمنة احتكارات الشركات الزراعية الغربية في إفريقيا تحت ستار ضمان «الأمن الغذائي»، فمن المريح بالنسبة لها تجاهل حقيقة أنّ إفريقيا في وقت إنهاء الاستعمار في ستينات القرن العشرين، لم تكن مكتفية ذاتياً غذائياً وحسب، بل كانت صادراتها الصافية من الغذاء هي قرابة 1,3 مليون طن سنوياً بين عامي 1966 و1970.
بينما اليوم، تستورد القارة 25% من غذائها، حيث تحوَّلت كلّ دولة إفريقية تقريباً إلى مستورد صافٍ لغذائها. وبشكل أكثر عمومية، كانت الدول النامية تنتج فائضاً غذائياً بقيمة مليار دولار سنوياً في السبعينات، أمّا اليوم ووفقاً للإحصاءات منذ 2004 فهي تستورد ما قيمته قرابة 11 مليار دولار سنوياً.
تعزز مؤسسة غيتس نمط الزراعة التجاري- الشركاتي الذي يشكّل جزءاً من النظام الرأسمالي العالمي الذي يتميز بكونه غير عادل في سياساته التجارية وبتهجيره السكان واستحواذه على أراضيهم «الأمر الذي تدعوه مؤسسة غيتس بمصطلح ملطّف: حركيّة الأرض land mobility»، ويعتمد نظام المحاصيل الأحادي، ويشوّه البيئة والتربة، ويسبب الأمراض والحميات سيئة التغذية، ويضيّق أفق الزراعة ويؤدي لنقص المياه والتلوّث والقضاء على التنوع الحيوي.
مؤسسة غيتس، وغيرها من المنظمات الشبيهة، تساعد الشركات الكبرى على مواءمة وتسليع المعرفة. فعلى سبيل المثال، تتلقى «المجموعة الاستشارية لأبحاث الزراعة الدولية CGIAR» مع مراكزها الخمسة عشر من مؤسسة غيتس تمويلاً بمقدار 720 مليون دولار منذ عام 2003. ذكرت فيندانا شيفا في مقال لها أنّ هذه المراكز تسرّع تحويل الأبحاث والبذور لتخدم الشركات، ما يسهل تسجيل الملكية الفكرية لهذه البذور ويشكل الاحتكارات التي تدعّمها قوانين الملكية الفكرية ووسائل إنفاذها.
وقد ذكرت شيفا بأنّ مؤسسة غيتس بالتعاون مع مؤسسة روكفلر، بالإضافة إلى كونهما تسيطران وتستحوذان على البذور من المزارعين عبر العالم ووضعها في بنوك «CGIAR» للحبوب وتسجيلها ببراءات اختراع، فهما تستثمران بشدّة في جمع البذور وتخزينها في منشأة سفالبارد في القطب الشمالي، أو ما يسمّى بقبو يوم القيامة.
كما تموّل المؤسسة «DivSeek»، وهي مبادرة دولية تسجل براءات اختراع لمجموعات البذور عبر إعادة هندستها وراثياً. هناك اليوم قرابة سبعة ملايين غلّة محصولية في بنوك البذار العامة، ووجود أمثال هذه المبادرة تسعى إلى سرقتها وتسجيلها كتعديلات جينومية لبراءات اختراع وإتاحتها فقط للشركات الاحتكارية الكبرى، الأمر الذي يحرم الفلاحين الذين طوَّروا هذا التنوع من ثمار عملهم، ويمنعهم حتى من إعادة إنتاجه بعد تسجيله.
إن مؤسسة غيتس دوماً جزء من المشكلة بما تدعمه. فكما كتب آشوك كومبامو مؤخراً: الهدف الرئيس من دعم التكنولوجيا الحديثة– سواء البذار المعدلة وراثياً، أو الكيماويات الزراعية أو المعرفة التي تم تسليعها– على نطاق واسع هو جعل المخرجات والمدخلات الزراعية سلعاً بجوهرها، ممّا يخلق اعتماداً يجعل كلّ العمليات الزراعية ضمن النطاق الرأسمالي.
كي نفهم المنظمات أمثال مؤسسة غيتس، علينا أن نتخطى الأهداف المعلنة المتمثلة بالإحسان والتنمية، وأن نفهمها كذراع إيديولوجيّة لإنتاج الموافقة، ومنع أو تهميش أيّة ثورة زراعية جذرية يمكنها أن تغيّر في بنى السلطة القائمة، بحيث تخرج عن نطاق خدمة المصالح الرأسمالية. وعليه لا يمكن لأيّ نشاط لمؤسسة غيتس أن يخرج عن هذا الإطار، ومن هذه الزاوية فقط يمكننا النظر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
956
آخر تعديل على الأربعاء, 11 آذار/مارس 2020 13:52