إعاقة التقدم البشري: تعمية العلم وتوجيهه لخدمة القلّة
يتمتع العلم بإمكانية هائلة للتحرر، ولكن يجب أن يتم إنقاذه من أيديولوجياته المعادية للديمقراطية. بالنسبة لأعظم «الناطقين» باسم العلم أيديولوجياً منذ أيام فرانسيس بيكون فصاعداً، لطالما كان العلم بلا حدود، ومجاله: «التأثير في كلّ شيء ممكن». إنّ الفضول البشري في نهاية المطاف لا حدود له، ويبدو أنّ الأسئلة بشأن الطبيعة لا نهاية لها.
لأنّ العلم لا يدور حول كشف مستور الطبيعة فقط، بل أيضاً حول تطوير طرق تغييرها، وتحويل العالم عبر الابتكارات التقنية، فإن جزءاً من هؤلاء المدافعين عن أيديولوجية العلم يقدمون لنا نظرة جذابة عن العالم والطبيعة، ومن ضمنها الطبيعة البشرية، فيقولون: إنّ العلم موجود لتلبية احتياجات البشر.
العلم والمصالح الطبقية
لكن يمكننا فقط عندما نلقي نظرة أقرب على رؤى العلم هذه، التي تدعي بأنّها تعبّر عن عالمية الظروف البشرية، وتسعى لتلبية احتياجاتهم دون مصلحة خاصة، أن نرى حقيقة، أنها لا تعبّر إلّا عن فئة محددة. فقد بات واضحاً أنّ عالميتها التي يُراد إظهارها كأسس للفضول وكطرق لتقدير العالم، إنّما تعبّر عن طبقة وعرق وجنس محددين هم الذين صنعوا هذا العلم وبذروا أسئلته منذ أيام فرانسيس بيكون.
قرابة نهاية الحرب العالمية الثانية، عرض، فانيفر بوش، الذي «كرّس» حياته للعلم على الرئيسين روزفلت وترومان ما يدعى «العلم، الجبهة التي لا تنتهي» كرؤية لكيفيّة توسيع عظمة وقوّة الولايات المتحدة لأجلٍ غير مسمّى. وفي بريطانيا ألهمت التقاليد الماركسية لبيرنال رئيس الوزراء، هارولد ويلسون، في 1964 للحديث عن «بناء الاشتراكية في أوج انفعال الثورة العلمية والتكنولوجية»، والتي أصبحت محرّكاً للنمو في الاتحاد السوفييتي، عوضاً عن السياسة والصراع الطبقي.
ونادت حركة «مناهضة العلم» في العقود الماضية، وذلك في مواجهة دعاوى الفضول غير المقيّد للبشرية وتهليل السياسيين للتكنولوجيا، بعدد من المطالب، من ضمنها: مقاطعة «العبث بالطبيعة» عبر الصناعات النووية والعسكرية، ووقف تحصيل المعرفة عبر التشريح غير النهائي للحيوانات إلى جزيئات والجزيئات إلى عواملها الأولية، وكذلك التوقف عن إجراء التجارب التي لا تهدأ، والتي تنطوي على استخدام المنهج العلمي كطريقة لمعرفة الكون، وذلك بدلاً من الاعتماد على المعرفة التأملية التي تقدمها لنا الأنظمة الفلسفية البديلة.
أنا لا أؤيد «مناهضة العلم» هنا ولا في أيّ مكانٍ آخر، لكنني أريد أن أجادل بأننا غير قادرين على فهم العلم أو الحديث عن حدوده أو عدم محدوديته هكذا بشكل مجرّد. فالحديث عن «العلم لأجل العلم» اقتداءً بكلمة صامويل بتلر عن الفن، وكأنّ العلم يحوي على «غرض ذاتي داخله»، هو أمر يُعمي العلم ويربك عمل العلماء. لكنّ هذه التعمية، وهي التي لا تزال غالبة على شفاه أيديولوجيي العلم، تعمل على تبرير مصالح وامتيازات محددة. ولهذا علينا بدلاً من ذلك أن ننظر إلى العلم في سياق المجتمع. لا بدّ لي من القول: إنّ العلم محدود بالضرورة، وحدوده يصوغها مزيج من عاملين هامين، الأول: مادي. والثاني: أيديولوجي. وسنتحدث عن كليهما.
الحدود المادية للعلم
العنصر المادي هو ذاك المتعلق بالتأكيد بالموارد. العلم مكلف مالياً، فهو يستهلك في الدول الاقتصادية المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة حوالي 2 إلى 3% من المنتج القومي الإجمالي (GNP). كان العلم يتوسع ما بين عام 1945 والستينيات بمعدلات هائلة، وذلك بنموّ أسّي متضاعف لمدّة عشرة إلى خمسة عشر عاماً تقريباً. أشار مؤرخ العلوم، ديريك دي سولا برايس، إلى أنّ معدل التضاعف كان ثابتاً ومستمراً منذ القرن السابع عشر. كان من الرائج في الستينيات القول: أنّه في نهاية القرن العشرين سيكون كلّ رجل وامرأة وطفل وكلب على وجه الأرض عالماً، وبأنّ الورقات البحثية التي ستنشر لن تتسع لها الأرض. لكن مثله مثل النمو السكاني، لا يمكن ترك النمو العلمي دون تفحص.
شيء ما يجب أن يتوقف، وهذا ما حدث. فمنذ أواخر الستينيات باتت حصّة النمو العلمي من المنتج القومي الإجمالي، إمّا متباطئة، أو منقطعة، أو حتّى معكوسة كما حصل في بريطانيا. والأهم من ذلك: أنّ تمويل الأبحاث العلمية ليس محدوداً فقط، بل هو موجّه أيضاً. فمن بين نسبة الـ 2 إلى 3% التي أنفقتها بريطانيا على العلوم منذ الخمسينيات في القرن العشرين، فإنّ أكثر من نصفها قد ذهب إلى الأبحاث العسكرية. النسبة في وقت كتابة المقال هي 53%، وهي الأعلى منذ أعوام، وكذلك أعلى من إنفاق أيّة دولة أخرى باستثناء الولايات المتحدة، وذلك بالمقارنة مع فرنسا 35% وألمانيا 12% واليابان أقل من 5%. وإن كنت راغباً بمعرفة سبب تخصيص كلّ هذه الموارد للأبحاث العسكرية، فعليك أن تسأل عن كيفية اتخاذ القرارات السياسية. لكن ممّا لا شكّ فيه أنّ تركيز توجيه الأبحاث ناحية العسكرة وناحية أولوية تحقيق الأرباح في الصناعات، هو الذي صاغ المسار الذي يتبعه العلم اليوم.
قد يجادل المدافعون عن نقاء العلم - رغم أنّ علم الفيزياء في أنقى حالاته هو من أخرج لنا القنبلة النووية- بأنّ هذا الأمر هو تكنولوجيا محضة، وبأنّ العلم الحقيقي لا يتأثر بمثل عمليات التوجيه هذه. لكنّ جدالهم المعتمد على التفريق بين العلم والتكنولوجيا مهترئ. فقد ابتكر الكيميائي الأمريكي البارز، لويس فيزر، أسوأ الأسلحة التقليدية: «النابالم»، وهو يقوم بتجاربه في ملاعب جامعة «هارفارد» أثناء الحرب العالمية الثانية، كتب فيما بعد عن ابتكاره في كتاب مذهل اسمه ببساطة «المنهج العلمي». إنّ الجدال بأنّ العلم النقي منزه عن التوجيه ليس إلّا لغواً وهراءً.
لنأخذ مثالاً: التقدم في البيولوجيا الجزيئية في العقود الماضية. لطالما كان هنالك تقليدان متناقضان إلى حدّ كبير في علم الأحياء: الاختزالي أو التبسيطي من جهة، والشامل أو الأكثر تركيبيّة من جهة ثانية. تمّ تقديم التقليد الأخير في الثلاثينيات عبر بيولوجيين تطويريين ونظريين، مثل: نيدهام وودجر ووادينغتون. وكان هنالك اقتراح لإنشاء معهد رئيس للبيولوجيا النظرية في كامبريدج من شأنها أن تجمع كامل الحقل، لكن التمويل كان عن طريق، روكفيلر، الذي قرر بإرشاد من، وارن ويفر، بأنّ المستقبل يجب أن يكون للكيمياء. ولهذا تمّ دعم الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الحيوية عوضاً عن الخطّة الأصلية. وكانت البنية الحلزونية للحمض النووي وما تبعها منذ 1953 نتاجاً مباشراً للقرار التمويلي.
قد يجادل الكثيرون بأنّه كان قراراً صائباً وربّما أوافق معهم، لكنّ الحقيقة أنّ مسار البيولوجيا قد تغيّر عبر فعل سياسي متعمد. وفي هذا السياق يمكننا مقارنة قرار روكفيلر بالقرارات الروتينية التي تتخذها الحكومات ووكالات التمويل الخيرية، عندما يقررون أيّ المجالات لها أولوية الدعم، وأيّ المجالات يجب التوقف عن دعمها. وأحد الأدلّة الواضحة على هذه الحقيقة هي الجهود المشتركة لريتشارد نيكسون، وجيم واتسون في السبعينيات من أجل «علاج» السرطان في نهاية العقد عبر البيولوجيا الجزيئية، إذا ما أخذنا بالاعتبار أنّ البيولوجيا الجزيئية الرائعة هذه لم تقربنا حتّى من السيطرة على السرطان، وهو المرض الذي تترسب معظم أسبابه في البيئة الكيميائية لمجتمعنا الصناعي. ورغم ذلك فقد وجّه نيكسون صناديق التمويل الهائلة ليصبح لدينا المزيد والمزيد من البيولوجيا الجزيئيّة.
الحدود الأيديولوجية للعلم
دعونا ننتقل من الحدود المادية للعلم إلى الحدود الأيديولوجية. إنّ ما أريد إثباته هنا ليس فقط أننا نحصل على العلم الذي ندفع لأجله، بل الولوج إلى مستوى أعمق، إلى ماهيّة هذا العلم، وما هي الأسئلة التي يعتبرها العلماء هامّة، وتستحق أن تُسأل في أيّ وقت. بكل تأكيد، تتشكّل الطريقة التي يؤطرون فيها الأسئلة بعمق عبر السياق التاريخي والاجتماعي الذي نؤطر فيه نظرياتنا، وندرك فيه تجاربنا. دعوني أتحدث بهذا الشأن على مستويات ثلاثة.
أولاً: يمكننا فقط أن نطرح الأسئلة التي نستطيع تأطيرها: فلم يكن من الممكن التساؤل عن دور الكروموسومات في استنساخ الخليّة والانتقال الجيني حتّى أصبح الميكروسكوب قويّاً كفاية لنستطيع رؤية هذه الكروموسومات، وكذلك النظرية الوراثية التي يجب اختبارها، فقد جاءت التكنولوجيا والنظرية معاً في بداية القرن الماضي.
ثانياً: ليس لجميع الحقائق العلمية القيمة ذاتها. هنالك لا نهائية، بالمعنى الصارم للكلمة، في الأسئلة التي يمكن للمرء طرحها عن العالم المادي، ومدى صلة هذه الأسئلة بالمطلق، هو أمر مشروط بالصرامة التاريخية. دعونا نأخذ مثالاً: نشر سانغر في 1956 التسلسل الكامل للأحماض الأمينية لأحد البروتينات، وكانت هي المرّة الأولى التي يفعلها أحدٌ ما. لقد استغرقه الأمر عشرة أعوام. لقد كان الأنسولين هو الذي أتى بمحض الصدفة، وليس غيره من المائة ألف بروتين بشري فردي الأخرى، أو من آلاف الملايين من بروتينات الطبيعة الأخرى التي تحدث بشكل طبيعي. تصادف وجود جزيء صغير نسبياً كان متاحاً بكميات كبيرة. وفي غضون بضعة أعوام ظهرت الكثير من التسلسلات للعديد من البروتينات الأخرى، وكانت تحظى كلّ مرة بضجة كبيرة، ولكن بأهمية متناقصة.
يمكن اليوم لأيّ أحد أن يفعلها باستخدام آلة أوتوماتيكية، لكن هل يريد أيّ أحد أن يحدد بنى جميع البروتينات التي تحدث بشكل طبيعي، أو حتّى جميع البروتينات البشرية؟ ينطبق هنا قانون تناقص المنفعة، والذي يتماشى مع كلّ شيء عدا جامعي الطوابع وطلاب الدكتوراه في بعض الأحيان. ولهذا فإنّ الوصول لحقيقة جديدة (تسلسل بروتين آخر هنا)، ليست مثيرة للاهتمام مثلما كانت الحقائق الأولى عن البروتين. هنالك حدود لكميّة الحقائق المرغوبة، وفي هذه الأيام نادراً ما تحصل مشاريع تسلسل بروتين ما على منحة بحثية.
ثالثاً: على مستوى أكثر عمقاً من المستويين السابقين، هنالك قضيّة الاختزاليّة وبدائلها. إنّ نمط التفكير الذي اتسمت به حقبة نشوء عقول العلم منذ القرن السابع عشر هو اختزالي. تعتبر الاختزالية أنّ فهم العالم يتطلب تفكيكه إلى الأجزاء المكونة له، وبأنّ هذه الأجزاء هي بطريقة ما أكثر جوهرية من المجموع الكلي الذي تشكله. فمن أجل فهم المجتمعات، عليك دراسة الأفراد، ولفهم الأفراد عليك أن تدرس أعضاءهم، ولفهم أعضائهم عليك أن تدرس خلاياهم، ومن أجل الخلايا عليك بجزيئاتها، ومن أجل الجزيئات عليك بالذرات...إلخ. وهكذا حتّى تصل إلى أكثر الجسيمات الفيزيائية «جوهريّة». تلتزم الاختزالية بالادعاء بأنّ هذا الأمر هو المنهجية العلمية، وبأنّ معرفة قوانين حركة الجسيمات في نهاية المطاف سيمكننا من فهم كلّ شيء من صعود الرأسمالية إلى طبيعة الحب، وحتّى من سيفوز في سباق للعدائين.
يجب أن تكون مغالطات مثل هذه الاختزالية واضحة. لا يمكننا فهم الموسيقى التي يولدها شريط مسجل ببساطة عبر تحليل السمات الكيميائية والمغناطيسية للشريط، أو طبيعة التسجيل، أو العازفين، وذلك رغم أنّهم سيشكلون جزءاً من أيّ تفسير من هذا القبيل. بالنسبة لريتشارد دوكينز يجب تفسير الدوافع الطيبة للبشر عبر تحليل الحمض النووي لديهم، وبالنسبة لجيم واتسون: «ماذا هنالك غير الذرات؟». والجواب ببساطة هو: العلاقات التنظيمية بين الذرات، والتي لا يمكن استنتاجها حتماً عبر سمات الذرات نفسها. ففي النهاية لا يمكن لفيزياء الكم حتّى أن تتعامل مع تفاعلات أكثر من جزيئين في وقت واحد، أو حتّى التنبؤ بخصائص جزيء بسيط، مثل: الماء عبر سمات مكوناته. فقد باتت هذه البداية كطريقة لاكتساب معرفة جديدة وحقيقة حول العالم (من بنية الجزيئات إلى حركة الكواكب) تشكل عقبة أمام التقدم العلمي.
طالما يتمّ تبسيط العلم (في الأسئلة التي يطرحها والأجوبة التي يقبلها) بمصطلحات اختزالية وحتمية، فسيكون فهمنا للظواهر المعقدة مخيباً للآمال. أنا أرى أنّ العلم الاختزالي لا يمكنه أن يدفع المعرفة بوظائف الدماغ قدماً، أو أن يحلّ أحجية العلاقة بين مستويات وصف الظواهر مثل «مشكلات العقل- الدماغ»، وهي التي لا يستطيع العلم الغربي تصورها إلّا عبر الثنائيّة الديكارتية أو التعبيرات المادية الميكانيكية. لا يمكن للاختزالية أن تتماشى مع الأنظمة البيئية المفتوحة والثريّة والمترابطة بشكل لا يفصم، أو مع الدمج بين إدراكاتها العلمية في اللحظة الحالية وبين الاعتراف الديناميكي بأنّ الحاضر جزء من الدفق التاريخي، سواء أكان ذلك من أجل تطور الأفراد أو من أجل تطور الأنواع
تلجأ الاختزالية، تبعاً لفشلها في مقاربة تعقيد مثل هذه الأنظمة، إلى تبسيط مبتذل. وهو التبسيط الذي يتشظى ليدافع عن الوضع القائم في صيغة «الحتمية البيولوجية»، فيدّعي بأنّ النظام الاجتماعي الحالي، مع كلّ ما فيه من لا مساواة في المكانة والثروة والسلطة بين الأفراد والطبقات والجنسين والأعراق، هو أمر محتّم علينا جينياً.
مسألة الأخلاق
يتضح ممّا قلته بأنّ لديّ ردّاً معقداً على المقاربة المجردة للأخلاق. فبالنسبة لي تعدّ مسألتا الأيديولوجيا والموارد أساسيتين، وجميع المسائل المتعلقة بالأخلاق تضمحل في نهاية المطاف لتدور حول الأولوية والأيديولوجيا. مثال: ساد الكثير من الهرج والمرج حول أخلاقية التلقيح الاصطناعي (هل يجب السماح به أم منعه؟). يبدو السؤال بالنسبة لي مطروحاً بشكل خاطئ، فعلى المرء أن يسأل أولاً (ويفترض أنّ تقنيات التلقيح الصناعي قادرة على الإجابة): كيف بإمكاننا زيادة عدد الأطفال الأصحاء المرغوبين؟ فإن سألت هذا السؤال فعليّ كذلك أن أسأل عن السبب الذي يحرم الأطفال الأصحاء المرغوبين من النجاة.
لقد لاحظت بأنّ إمكانية عدم نجاة الأطفال تتضاعف عدّة مرّات إن ولدوا لأمّ فقيرة أو منتمية لطبقة العمّال اليدويين، مقارنة بالأطفال الذين يولدون لأمهات ثريات أو منتميات إلى الطبقة الوسطى- الأعلى. وأستنتج من هذا بأننا عندما نرغب في إنقاذ الأطفال، يمكننا القيام بذلك بأفضل شكل عبر تطبيق تحسينات اجتماعية واقتصادية وصحيّة في المناطق الجغرافية التي فيها طبقات محرومة. إنّ سبل الإخصاب الصناعي مفيدة لعدد صغير نسبياً من النسوة القادرات على تحمل كلفتها، ولهذا فإنّ منطق الأولوية يقول: أنّ علينا ألّا نتحمس كثيراً لمثل هذه التقنيات حتّى نعالج مشاكل كيفيّة إنقاذ الأطفال الذين نعلم إحصائياً بأنهم سيموتون لعدم تطبيق أبسط معايير الرعاية الصحية والوقائية.
الأخلاق والتغيير الجذري
إن الأمر هو مسألة أخلاقية، لكنّه كذلك مسألة اقتصادية وسياسية. مثال: رغم أنّ العلماء قد يتخذون موقفاً أخلاقياً بعدم المشاركة في أبحاث ممولة بشكل كلي أو مشترك من المؤسسات العسكرية، فلن يكون هذا الأمر كافياً لأنّ المجتمع العسكري قادر على الاستفادة من أيّ شيء بحثي لخدمة الأغراض العسكرية. ولهذا فإنّ كنّا لا نريد أبحاثاً موجهة عسكرياً، لن تكون القرارات الأخلاقية الفردية كافية، بل سنحتاج إلى قرارات سياسية تقضي بعدم تمويل أبحاث الحرب. وينسحب على ذلك بقيّة الأشياء. إن اتبعنا الطرق الصحيحة، والتي تقضي بالمشاركة الديمقراطية في صناعة القرارات بشأن أيّ العلوم يجب إنجازها، فأؤمن بأننا لن نتجاوز مشكلة الأولويات والحدود المختلفة فقط، بل سيكون بإمكاننا البدء برؤية بزوغ علوم أقلّ اختزالية وأكثر شمولية، يكون مركزها البشر.