التعاون الروسي الصيني المتصاعد... نحو تحالف إستراتيجي شامل
سيلفانا ماله سيلفانا ماله

التعاون الروسي الصيني المتصاعد... نحو تحالف إستراتيجي شامل

يأخذ التقارب السياسي والاقتصادي مكانه بين روسيا والصين في عدد من المجالات: الطاقة وإنتاج الأسلحة واستعمال العملات الوطنية في التجارة والمشاريع الإستراتيجية في مجال النقل ودعم البنى التحتية. وقد تعزز هذا التعاون نتيجة الأفعال والسياسات الغربية، ومن بينها: العقوبات. يساعد استهداف السياسات الصينية الأسواق الأوربية عبر إحياء «طريق الحرير» هذا التطوّر.

تعريب: عروة درويش

يتمّ تقديم «الحزام والطريق» كبديلٍ أو إضافةٍ للطرق البحرية التي باتت غير آمنة بسبب الاضطرابات بين البلدان المجاورة، والإجرام والسيطرة شبه المؤكدة على البحار من قبل الولايات المتحدة. في حين أنّ روسيا تعزز البنى الاستثمارية، وتتجه شرقاً لتنمية المناطق الحدودية مع الصين في أقصى شرق روسيا، فإنّ الصين تتوسع غرباً للاشتراك في مفاوضات مرهقة مع بلدان وسط آسيا، وفي استثمارات مكلفة في البنى التحتية والخدمات اللوجستية.

أفق التعاون
إن كلا البلدين، ورغم المنافسة السياسية والاقتصادية والخوف من فقدان السيطرة، لديهما المصلحة في التعاون برغم الصعوبات والبطء. يمكن للتعاون الاقتصادي أن يتطوّر لتحالف استراتيجي يشمل الدفاع، كما نوقش في ضوء التدريبات العسكرية المشتركة، وبيع الأسلحة والتخطيط لتوسيع أفقه، والدخول في منظمة أمنٍ جماعي، وعبر منظمة «شنغهاي للتعاون»_ والتي تحوي بين أعضائها الهند وباكستان_ وعبر رابطة دول جنوب آسيا. إنّ هذا الدرب وعر ومشوب بمصالح أعضائه المتضاربة، لكن لا ينبغي استبعاد حصول نتائج إيجابية.
بعد عقود من تحول البلدين إلى اقتصاد السوق، لا تزال علاقات المتجاورين الصين وروسيا أبعد بكثير عن الروابط التجارية التي تربط كلاً منهما ببقيّة العالم. والآن فقط بدأت الحركة ناحية تعاون وتقارب اقتصادي في عدد من المجالات، وهو الأمر الذي يصعب تقييم أهميته في ذاته ومدى تنميته المحتملة. ويراقب البعض هذه التطورات باهتمام، مع نشوء شكوك بين الروس والخبراء الأجانب، يبررها التاريخ لهم.

التعاون في آسيا الوسطى
إنّ وضع مشاريع طموحةٍ لتنمية المناطق الشرقية المتخلفة هي استراتيجية اعتمدتها روسيا منذ عام 2012، وهي تتطلع كذلك إلى الدعم الاقتصادي الصيني. ومجال التعاون الأكثر إشكاليّة هو «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي EAEU». فروسيا هي التي سعت في الأصل إلى الاندماج الاقتصادي في أوراسيا، دون أن تكون هنالك مصالح و/ أو اهتمامٍ مباشرٍ به من قبل الصين. ويبدو واضحاً أن كلا البلدين قد طوّرا مصالح قويّة لهما في الإقليم.
وفي حين أنّ كلا البلدين يتابعان مشاريع مستقلّة في آسيا الوسطى، حيث إنّ كليهما موجودان اقتصادياً، ومتنافسين لحدّ بعيد، فقد تكون مشاريع البُنى التحتية المشتركة ملائمة لكلا البلدين. يمكن للصين وروسيا إمّا أن تقررا السعي ضدّ بعضهما من أجل تحقيق الأسبقية في المنطقة، أو التراجع والانخراط في عملية من التعاون المتشابك. وبالحكم على قوتهما المقارنة والاقتصاد_ الجغرافي لهما، فلن يكون أحدهما هو الرابح منطقياً، وكلاهما سيكونان خاسرين بالنسبة للخارج. وقد تكون المساومات هي الطريق الوحيد على المدى القصير والمتوسط.
أوروبا وطريق الحرير
تسعى الصين للوصول إلى الأسواق الأوربية بشكلٍ مستقلٍ من خلال مشروعها «الحزام والطريق» العابر لآسيا الوسطى. يتضمن هذا المشروع الذي يعتمد على منافع_ التكلفة الحالية والمرتقبة، عدداً من بنى النقل التحتية البديلة والطرقات المستوحاة من طريق الحرير الأسطوري.
بالنسبة للصين، ليس من الواجب على المسار أن يعبر روسيا، فجميع بلدان المنطقة تطمح لإدخال طرقات نقل المركبات المتعددة عبرها. لقد كانت الصين بالفعل تبني أو ترمم طرقات النقل التي تصل حدودها الغربية ببلدان آسيا الوسطى. لكن من خلال إثارة احتمالية وجود مناطق تجارة حرّة بين «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي» والصين، وهو الذي يعكس مقترحات كازخستان في وقت سابق، وتتوق روسيا لوضع إطار تفاوضٍ مع الصين يكون أكثر ملاءمة لمصالحها، وربّما أسهل للسيطرة. ومع ذلك، ففي ضوء المصالح المتنوعة والمتضاربة في كثير من الأحيان في إقليم معرّض للعداء العرقي، وعدم الاستقرار الحكومي، والتشظي الاجتماعي، فهنالك احتمال أن تكون النتيجة إشكاليّة جداً.

نحو تحالف استراتيجي
تشير التطورات، إلى أنّ الانفصال طويل الأمد بين التعاون الشامل ومسائل الدفاع على وشك الانتهاء. ويمكن أن تكون التدريبات العسكرية المشتركة والجهود المبذولة للوصول لموقف منسق من الصراعات الإقليمية بمثابة مقدمة للتعاون الإستراتيجي في المستقبل. ومن السابق لأوانه التكهن فيما إذا كانت روسيا والصين سوف تنتقلان من التعاون الاقتصادي إلى التحالف الإستراتيجي الشامل. لكن ورغم نقص الأدلّة لتأكيد ذلك، فلا يجب استبعاد حدوث ذلك بناء على التاريخ فقط. ففي حين أنّ روسيا تتجه شرقاً مديرة ظهرها لأوروبا المعادية لها عموماً، فإنّ تحركات الصين غرباً تتجاوز آسيا وتستهدف أسواقاً أخرى، ومن بين أهدافها تبدو أوروبا الثريّة عاملاً جاذباً مهماً.
وإن اتفقت روسيا والصين، في ظلّ الضغوط التي تقودها الولايات المتحدة من أجل احتوائهما، على حكمة سون تزو القديمة بأنّ أفضل المعارك هي التي لا تشهد قتالاً، فستأخذ علاقاتهما منحى جديداً. ضمن سيناريو متفائل، وقد تقدم أوراسيا لكليهما الحافز لإنشاء أطر عمل مؤسساتية مستقرة. وعلى المستوى العملي، قد تصبح الأجهزة الاستشارية بين دول المنطقة أكثر فاعلية، عبر اتخاذ إجراءات سياسية مشتركة للحفاظ على الاستقرار ضدّ التهديدات الشائعة.

نقطة التحول
تغيّر اهتمام روسيا بالصين بعد الانهيار الاقتصادي الذي سببته أزمة 2008 والانهيار المتتالي لأسعار السلع والطاقة. وقد أصبحت الصين منذ عام 2008 هي الشريك التجاري الأول لروسيا، مستبدلة بذلك ألمانيا. وزاد التعافي البطيء وغير المستقر بعد الأزمة من إدراك صانعي السياسات لمدى الهشاشة الاقتصادية.
كان تأثير أزمة 2008-2009 على روسيا مثل تأثير حمام بارد في العراء المتجمد. فلم يقتصر الأمر على مجرّد مقاطعة النمو السنوي البالغ 7% والذي استمرّ من عام 2000 إلى منتصف عام 2008 والذي عُلقت عليه آمال مضاعفة الاقتصاد خلال عشرة أعوام، بل ما ثبت في التطورات اللاحقة من صعوبة استعادة النمو، ما لم يتم إحداث تغييرات جذرية قادرة على تحسين وتنويع الهيكل الاقتصادي. فمع إعادة النظر في سياساتها الكبرى التي أجبرتها عليها الأحداث والخيارات المتناقضة فيما يتعلق بالأولويات، اكتسب التحول الروسي إلى الشرق زخماً هائلاً. فالمراسيم التي أصدرها الرئيس الروسي في 7 أيار 2012 هي دلالة واضحة على البدء بنهج جديد للتطوير والتنمية، حيث تمّ التركيز ضمن هذا النهج على الصين بوصفها شريكاً متميزاً في التجارة والاستثمار.

الابتعاد عن الغرب
هنالك اعتباران جوهريان وراء التحوّل في السياسات الروسية، وكلاهما مرتبط بالانفتاح الكبير لروسيا على الغرب. ونحن هنا لن نناقش تفاصيلهما، ولكنّهما يستحقان أن نعرضهما بوصفهما علامة على بزوغ نظام اقتصادي جديد وعلاقات سياسية لا تزال تتشكل باستمرار.
الأول: أدرك صانعو السياسات للمرة الأولى، بأنّ الاعتماد الروسي الشديد على اقتصادات جيرانهم الغربيين، وخاصة الاتحاد الأوربي، قد يضرّ بالتنمية الاقتصادية بشكل خطير، إذا ما انعكست الاتجاهات السائدة. فقد تعرضت روسيا لاضطرابات اقتصادية أخرى في وقت سابق، وتحديداً في الأزمة المالية عام 1998، لكنّها أرجعت حصولها لسياساتها وإخفاقاتها الذاتية. لكن في عام 2008 كانت الأزمة المالية عالمية، والذي تسبب بالأزمة الاقتصادية التي ضربت روسيا، هو: سقوط التجارة الخارجية وانفتاح المصارف والشركات الروسية الكبرى على القروض الأجنبية التي سهلها عدم وجود سيطرة على حركة رأس المال، وهو الأمر الذي لم تتخلَّ الصين عن السيطرة عليه. وتحول الانفتاح الاقتصادي المفيد للنمو من 1999 وصاعداً إلى كابوس أظهر مدى هشاشة كامل البنية الاقتصادية.
الثاني: كانت القيادة على علم، من خلال الأحداث المترابطة التي ظهرت على المشهد العالمي، بأنّه رغم ضمّ البلاد إلى الأندية الدولية الرئيسة، مثل: الثمانية الكبار ومنظمة التجارة العالمية، فلا يزال الغرب يعامل روسيا على أنّها دخيل، أو مجرّد ضيف على طاولة القوى العالمية الكبرى. فقد ساد الاعتقاد بأنّ روسيا لا ضمانات كافية لديها بألّا تجري عمليات ارتداد عن المراحل التي وصلت إليها والتي كانت ضدّ مصلحتها.
ازداد عدد النزاعات الإقليمية التي بدأت أو تتابعت دون أخذ اعتبار لموقف أو مخاوف روسيا منها، منذ أواخر التسعينيات وصاعداً. لقد انتقلت الحروب التي أشعلها الناتو أو ساعد بها من يوغسلافيا السابقة في 1999 إلى العراق في 2003 إلى ليبيا وسورية في 2011. وفي كلّ واحدة من تلك الحالات تمّت شرعنة القيام بالعمل العسكري بشكل انتقائي، بناء على حالات تمرد ضد القوى الموجودة، مدعين أنّ وحشية النظام والاشتباكات المدنية تهدد بالتحول لحرب أهلية. وبغض النظر عن الخصوصيات الأساسية للاضطرابات، أو التشظيات الاجتماعية في كل بلد، فقد استغلّ مؤيدو الغرب هذه المشاكل بوصفها مطالبات بالديمقراطية.
لقد أظهر الزمن، أنّ الغارات الأجنبية ضدّ سلطة الدولة ليست وحدها التي كانت محكومة بالفشل، وهو ما يؤكد وجهة نظر روسيا، بل أيضاً أنّ الأدلّة التي استخدمت لتبرير التدخلات كانت بلا أساس حقيقي، كما هو الأمر في أسلحة الدمار الشامل لدى العراق، أو الأمور التافهة الأخرى التي كان يمكن التعامل معها بممارسة بعض الضغوط بشكل أجدى من إثارة حرب.

الغاز والسلاح والمال
يشمل التعاون المتصاعد بين روسيا والصين المجالات الإستراتيجية: الغاز وتجارة السلاح ونظام الدفع بالعملات الوطنية. وقد يأخذ التعاون صيغاً مختلفة: دولة مع دولة، وأقساماً مع أقسام، وشركات مع شركات. وقد تتغير الأولويات تبعاً للحاجة: من الهيدروكربون «النفط والغاز» إلى أقسام أخرى ومنتجات متميزة. فسيجد المرء في كلّ مستوى من التعاون أهدافاً مختلفة لها مناصروها النسبيون. وفي حين أنّ الإستراتيجيات القومية على مستوى الدولة تحتل أهمية كبيرة، فإنّ المصالح الاقتصادية هي التي تسود عندما يتعلق الأمر بالأعمال. ورغم أنّ كلا البلدين يملكان اقتصادات سوقية، فقد لا تتطابق آفاق اللاعبين المختلفين هنا. وكذلك هنالك أهمية متمايزة لوسائل التحقيق وللقيود.

صفقة الغاز
كتب الكثير عن صفقة الغاز التي تمّت المصادقة عليها في أيار 2014، والتي وقعت في وقتٍ لاحقٍ من ذلك العام. ففي ظلّ تلك الصفقة التي تبلغ قيمتها 400 مليار دولار تحصل الصين على مؤونة سنوية من الغاز بمقدار 38 مليار متر مكعب، عبر تطوير حقول شرقي سيبيريا حول كوفيتكا، ولأكثر من 30 عاماً تبدأ من 2018.
ووفقاً للسلطات الصينية، فسيغطي الغاز أكثر من 10% من استهلاك الطاقة بحلول 2020، وذلك مقارنة بنسبة 6% في عام 2014. وقد ساد الافتراض بأنّه حال بداية التسليم، ستحلّ الصين محل ألمانيا كأكبر سوق للغاز الروسي. لكن رغم افتتاح مشروع «سيلا سيبيري» المرتبط بالصفقة في أيلول 2015، فقد ظهرت عدّة عقبات، منها: تلك المرتبطة بالتمويل وبالتباطؤ الاقتصادي الصيني، أخرت إتمام عمليات الحفر في عدّة آبار وعمليات التنقيب المرتبطة بها. وتبعاً للانهيار الهائل في أسعار النفط، والذي ترتبط به أسعار الغاز، فلن يكون من المفاجئ قيام الطرفين تحت ضغط صيني بإعادة مناقشة شروط الاتفاقية، وبالتالي حدوث تأخيرات في تنفيذ المشروع. وفي السياق ذاته، من المتوقع أن تحاول روسيا إدخال اليابان وكوريا الجنوبية في مفاوضات حول خطوط أنابيب إضافية تنقل الغاز إلى الساحل.
ورغم كلّ ذلك فهنالك نقطة واحدة جليّة الوضوح: فبالرغم من جميع العقبات والتأخيرات، لا يزال المشروع قائماً ولا تزال روسيا إلى حدّ كبير في موقع السيطرة. وقدمت الصين في شهر آذار 2016 قرضاً بقيمة 2,2 مليار دولار لشركة «غازبروم» من أجل المساعدة على إتمام المشروع. وفي تلك الأثناء دخلت روسيا في مفاوضات مع ألمانيا من أجل مضاعفة خطّ «السيل الشمالي» المخطط أن يمر تحت بحر البلطيق من خلال أوكرانيا والذي سيكتمل في 2019. وقد واجه المشروع_ قبل إقراره من ألمانيا العام الحالي_ معارضة الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة ولمصالحها، لكنّه إشارة على أنّ تحوّل روسيا إلى الشرق لا يعني خضوعها الاضطراري للشراكة الجديدة مع الصين.
وتشمل الشراكة الاقتصادية كلتا المخرجات المدنية والعسكرية، فهنالك في كلتا الحالتين حاجة للبنى التحتية من أجل النقل والاتصال. لقد أثيرت في روسيا مسألة: إن كان يجب الاعتماد على المنتجات العسكرية حيث روسيا أقوى منها من مجال الأعمال المدنية، من قبل خبراء الدفاع الذين لديهم اطلاع على الصين. لطالما كانت الصين تاريخياً أحد زبائن البضائع العسكرية الأساسيين. وقد يتوقع المرء في سياق العلاقة الجيوسياسية بين البلدين أن تتعمق صيغ التعاون بينهما في هذا المجال.

التجارة العسكرية
ترجع التجارة العسكرية مع الصين إلى أيام الاتحاد السوفييتي. وتشير صفقات بيع الأسلحة عالية التطور لعدم تشكيل المخاوف السياسية عائقاً أمام توسيع نطاق ونوعية الصفقات التي كان يتمّ استبعادها بسبب المخاوف الأمنية. وقعت روسيا عام 2015، أي: بعد أكثر من أربعة أعوام من المفاوضات، عقداً مع الصين لتزويدها بستِّ بطاريات صواريخ «S400» المضادة للطائرات بقيمة إجمالية 1,9 مليار دولار. وتلا هذه الصفقة أخرى كبيرة ومفاجئة لبعض الخبراء، تقضي ببيع الصين 24 طائرة من طراز «Su-35» بقيمة 2 مليار دولار. ورغم جدول التسليم عدم المستقر والذي تمّ حتى الآن على دفعتين واحدة في 2017 والأخرى في بداية 2018، يمثل هذا الأمر صفقة كاسرة للمسارات بسبب تأثيراتها الإستراتيجية في تخطي معارضة بعض الدوائر لمبيعات أنظمة الأسلحة المتطورة. ومن الجدير بالذكر، أنّ الصين هي أوّل شارٍ مسموح له باقتناء كلا النظامين.

هجر الدولار
يشمل تعاون البلدين الإطار التمويلي الجديد لهما، والهادف لتقليل الاعتماد على الدولار ووسائل التمويل الغربية. ويعمل عدد من الاقتصادات الناشئة، ومن بينها الصين، على إتمام هذا الهدف لخوفها من الإمساك برقبتها في حرب عملات، سواء بسبب التناقص في قيمة الدولار المستمر منذ بضعة أعوام بعد الأزمة العالمية، أو بسبب تناقص قيمة اليورو وغيره من العملات الاحتياطية التي تحاول التأقلم. ورغم قدرة الاقتصادات الناشئة على الرد عبر إنقاص قيمة عملاتهم الخاصة، كما فعل العديد منها، فهي لا تزال عرضة للضرر سواء عن طريق بناها التجارية أو مستوى ديونها الخارجية الكبير. واستخدمت الصين هذا الأمر لمصلحتها، أولاً عبر إنقاص قيمة اليوان، ثمّ عبر تعزيز الإجراءات الهادفة إلى تحسين استخدام اليوان في التحويلات الدولية.
تمّ في نهاية عام 2015 اعتماد اليوان الصيني كعملة احتياطية في صندوق النقد الدولي، وفي بنك روسيا المركزي. وكانت المقايضات بين روسيا بالروبل والصين باليوان قائمة بالفعل، بما يعادل 25 مليار دولار أمريكي منذ نهاية 2014، ممّا سمح بالتحويل المباشر بين البلدين. ويتم منذ ذلك الحين تعزيز هذا الاتجاه بين الصين وروسيا، وعددٍ من البلدان الأخرى، بلدان «بريكس» ومنظمة «شانغهاي للتعاون» بشكل رئيس، ومن بينها إيران وباكستان والهند ومنغوليا. ومنذ 2015 وشركة «غازبروم» تقبل بالدفعات باستخدام اليوان.
وقد أنشأت كلتا الدولتين نظامهما الوطني للمدفوعات، وعززتاه مع إتمام الصين بشكل كلي له من جهتها، وذلك خوفاً من محاولة خنقهما عبر النظام المصرفي الغربي. وقد تحققت مخاوف روسيا من ذلك في آذار عام 2014 عندما تمّت مقاطعة مدفوعاتها عبر بطاقات فيزا تبعاً للعقوبات. وقد أطلقت روسيا في نهاية 2015 بطاقاتها الائتمانية الوطنية «مير Mir» لمنافسة فيزا وماستركارد.
ومن المثير في أفق نجاح هذا التعاون لكسر الاحتكار الغربي، أنّه من بين 12,1 مليار دولار التي تمّ تخصيصها في نيسان 2016 من أجل تمويل مشروع القطب الشمالي «yamal LNG» من قبل بنك «الصادرات_ الواردات» الصيني وبنك «التنمية الصيني» الذي تملك شركة «نوفاتيك» 51% منه، تمّ تحويل أكثر من 1,38 مليار دولار باستخدام اليوان (9,8 مليار يوان).
ورغم أنّ المؤسسات الغربية التي يهيمن الدولار عليها، تحاول أن تعطينا الانطباع بأنّ هذا الأمر لا قيمة ولا تأثيرات حقيقية له، فمن الواجب التذكير أنّ الدولار الأمريكي حلّ محلّ الجنيه الإسترليني في مدّة زمنية تقلّ عن 40 عاماً. ففي عام 1913 كان الجنيه الإسترليني يحتلّ المركز الأول كعملة احتياطية حول العالم: أي: بما قيمته 425,4 مليون دولار مقابل ما قيمته 275,1 مليون فرنك و136,9 مليون مارك و55,3 مليون من العملات الأخرى المختلفة، لكن في عام 1945 تغيّر كلّ هذا.

التعاون مصلحة للبلدين في مواجهة التهديدات
في النهاية، لا هيدركربون روسيا ولا منتجات الصين الصناعية يمكنها أن تضمن تعاوناً اقتصادياً مستداماً. فانخفاض أسعار النفط آذى روسيا، وارتفاع تكاليف العمالة أسقط الصين من احتلالها لدور «ورشة التجميع العالمية». إنّ الميزات التقليدية النسبية تتهاوى، ولذلك يجب على البلدين أن يواجها هذه التطورات بحزمٍ، وذلك عن طريق مقاربات للتعاون أكثر اتساقاً، بحيث تبنى على المخاطر والتهديدات التي يواجهها كلا البلدين بشكل مشترك. وهذه التهديدات التي بدأت بالعقوبات على روسيا، وعلى الشركات الصينية، ومحاولة إشعال حرب تجارية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها لن تتوقف عند هذا الحد. وذلك بالطبع مع عدم إغفال الخطوات الإيجابية التي تحققت على طول الطريق بين الدولتين.