كارثة الإحسان الرأسمالي وتنميته... تشكيل الأجندة والتأثير على السياسات
جينس مارتينز وكارولين سيتز تعريب وإعداد: عروة درويش جينس مارتينز وكارولين سيتز تعريب وإعداد: عروة درويش

كارثة الإحسان الرأسمالي وتنميته... تشكيل الأجندة والتأثير على السياسات

خلال العقدين الماضيين، تنامى قطّاع الإحسان من حيث: عدد المؤسسات الخيريّة، وحجم هباتها السنويّة، ومجال نشاطها. وفي حين أنّ معلومات تفصيليّة دقيقة عن إنفاقهم الكلي في التنمية الدولية غير متاحة للعموم، فإنّ التقديرات تتراوح ما بين 7 مليار إلى 10 مليار دولار سنوياً. نقدم فيما يلي خلاصة لدراسة طويلة وتفصيليّة عن هذا الموضوع.

 

يتركز إنفاق المؤسسات الخيرية على قطّاعات محددة، وخاصة في قطّاع الصحة، بينما تبقى قطاعات أخرى ذات تمويل ضئيل. في عام 2012 أنفقت أكبر ألف مؤسسة خيريّة أمريكيّة حوالي 37% ممّا تخصصه للهبات الدولية على مشاريع القطّاع الصحي، و11% على مشاريع بيئيّة، و4% على مشاريع في مجال حقوق الإنسان.
سطوة الإحسان الرأسمالي
في الوقت ذاته، أصبحت المؤسسات الخيريّة منخرطةً بشكلٍ متزايدٍ في مقاربات وأولويات نظام مشاريع الأمم المتحدة. ففي نيسان 2013، أقامت الأمم المتحدة حدثاً خاصاً بدور الإحسان ومنظماته في إعداد جدول تنمية ما بعد 2015. وبالتزامن معه لخّص المنظمون:
«تنشط المنظمات الخيريّة في التعاون التنموي الدولي أكثر من أيّ وقت مضى، وقد أدركت القيمة الكبرى للتشارك مع بعضها البعض ومع غيرها من حاملي الأسهم. ففي حين يصعب تقدير مساهمتهم بشكل كلي بالأرقام، فإنّ المنظمات الخيريّة مؤهلة بشكل جيد لتلعب دوراً هاماً أكبر في معالجة تحديات التنمية المستدامة، وذلك عبر مقاربات خلّاقة. وعليه، فإنّ هذه المنظمات تملك فرصةً لتلعب دوراً حاسماً في تنفيذ جدول أعمال التنمية ما بعد 2015».
تلعب مؤسسة «بيل وماليندا غيتس» دوراً خاصاً في هذا المجال، حيث تتخطّى أصولها ومنحها السنوية بكثير مؤسسات خيريّة أخرى. وكذلك هنالك مؤسسة «الأمم المتحدة الخيريّة»، وذلك تحديداً بسبب علاقتها الخاصة بالأمم المتحدة، وعلاقتها القريبة من مجلس أمن الأمم المتحدة.
ومن المهم أن ندرك، أنّ هذه المشاركة الزائدة قد تمّ الترحيب بها وتشجيعها بكل تأكيد، وليس من قبل مجلس أمن الأمم المتحدة ورؤساء وكالاتها الأخرى وحسب، بل أيضاً من قبل العديد من الدول الأعضاء فيها، ليبدو ذلك إقراراً منهم بعدم قدرة الحكومات وحدها على حلّ مشاكل العالم. وبكل تأكيد، ترى بعض هذه الدول في الأمر وسيلة لتخفيف الضغط عن ميزانيات التنمية لديها، أثناء الاستمرار في السياسات الضريبية والاستثمارية، التي تعطي الأفضلية للأثرياء. حتّى الملياردير الأمريكي وارن بوفيه، صاحب مؤسسة «بوفيه» الخيريّة، تطرّق لهذا الأمر أثناء لقاء أجراه مع صحيفة النيويورك تايمز عندما أعلن:
«في حين أنّ معظم الأمريكيين يكافحون ليعيشوا بأجورهم لآخر الشهر، نستمرّ نحن الأثرياء جداً بالحصول على اقتطاعات ضريبيّة مذهلة. بعضنا مدراء استثمار يجنون المليارات من عمالتهم اليوميّة، ولكن يُسمح لنا بأن نصنف مداخيلنا بأنّها ذات «فائدة محمولة»، فنحصل بذلك على صفقة بضرائب بمعدل 15%. يملك آخرون أسهماً مستقبليّة لمدّة 10 دقائق ليجدوا بأنّ عليهم دفع ضريبة بمعدل 15% عن 60% من أرباحهم إن تحولوا إلى مستثمرين طويلي الأمد. هذه الهبات وغيرها تمطر علينا من مشرّعي واشنطن، الذين يشعرون بأنّهم ملزمون بحمايتنا، كما لو أننا ننتمي إلى البوم أو إلى غيره من الأنواع المهددة بالانقراض. لقد تمّ تدليعنا أنا وأصدقائي لفترة طويلة من الكونغرس صديق المليارديرية».
ومع ازدياد انخراط المحسنين، وتحديداً المؤسسات الخيرية الكبرى، في العملية التنموية، أصبحت التنمية أكثر تعقيداً، بإعطاء تلك المؤسسات حقّ الدخول والتأثير في العديد من القطاعات والبرامج. مع القليل، هذا إن وجد، من أطر المراقبة على آليات أدائها والرقابة على النتائج التي حققتها. فقد تبيّن لنا من الفحص المفصّل لاثنتين من أكبر المؤسسات الخيرية: مؤسسة «غيتس» ومؤسسة «روكفيلر»، في مجالات الصحّة والقضاء على الأوبئة، والجوع، والغذاء والزراعة، أنّ مسألة كيف عملوا وماذا حققوا تستحق إيلائها قدراً أكبر بكثير من الانتباه. فهي تشكل خطراً كما يلي:
أولاً: يمكننا أن نلاحظ غياب أيّ إطار لقياس النتائج، ولا أقصد هنا مدى تلبية البرنامج لأهداف المتبرعين، بل بمدى تلبيته لأهداف البرامج الأوسع والأطول مدى: مثل: تحسين الحصيلة الصحية، أو ضمان التغذية للجميع. يجب حقاً أن نعيد النظر في اتفاقات المتبرعين من أجل سدّ هذه الثغرة.
ثانياً: لاحظنا مشاركة هذه المؤسسات المتزايدة بالبرامج وأهدافها بنفسها وبشكل مباشر، وبالتالي زيادة قدرتها على التأثير في تصميم هذه البرامج ونتائجها، وبالتالي المزيد من الاعوجاج الخطير في هذه المهام.
ثالثاً: هنالك ما يتعلق بالتأثير على الحكم العالمي. فخلق ودعم الشراكة مع حاملي الأسهم المتعددين، بات يضعف دور الحكومات والهيئات الحكومية في وضع المعايير، وتشكيل جدول الأعمال التنموي المناسب لها، وهو ما يقوّض المسؤولية العمومية عن صناعة القرار، ويضعف بالتالي الحكم الديمقراطي.
تأثير «المحسنين» الرأسماليين على السياسات
يمكن للمؤسسات الإحسانيّة، أن تمارس نفوذاً هائلاً على سياسات صنع القرار، وعلى وضع البرامج. ويبدو هذا الأمر جليّاً واضحاً في حالة مؤسسة «غيتس» ودورها في سياسات الصحّة العالمية. فعبر عمليّة هندسة المنح، والإجراءات الواجب توافرها كي تكون مخوّلاً بالحصول على التمويل، ونشاط المؤسسة كمستشار، أثّرت مؤسسة «غيتس» على أولويات «منظمة الصحة العالميةWHO » وعلى النقلة السياسية ناحية تمويل صحي هرمي، من أعلى إلى أسفل.
باتت أولويات وعمليات منظمة الصحة العالمية ملزمة بهذا القدر الكبير من تأثير مؤسسة «غيتس» نتيجة التغييرات في نمط المنح التقليديّة التي اعتمدت في السابق على الدول. فقد عانت منظمة الصحة العالمية في السنين الأخيرة من نقص حاد في الموارد، وقاد عدم التوازن بين المساهمات والاحتياجات، بمنظمة الصحّة العالميّة إلى: جذب مانحين جدد والسعي لإيجاد موارد تمويل جديدة. ومع ازدياد تأثير هذا النوع من الموارد، ازدادت الفجوة في قدرة منظمة الصحة العالمية على الاستجابة كما ينبغي لحالات الطوارئ الصحيّة حول العالم: ويبدو ذلك جليّاً في استجابتها لتفشي جائحة «الإيبولا» عام 2014.
وينطبق الشيء ذاته على التأثير الذي تمارسه مؤسسة «روكفيلر» على السياسات الزراعية، وذلك ضمن ذات سياق سياسات «منظمة الثورة الخضراء» ومؤسسة «غيتس»، بالدفع نحو التكنولوجيا الزراعية: ويشمل ذلك الدفع نحو البذور المعدّلة وراثياً في البلدان الإفريقية، رغم القلق العام المتنامي والمبرر بشأن الأغذية المعدلة وراثياً. وتقوم تلك المؤسسات أثناء ذلك بتقويض المقاربات التي تستهدف الفقراء في القاع، وأيّة مفاهيم بديلة يمكنها التصدي لأزمة الغذاء العالمي، ولبرامج الغذاء الصناعي. فالمقاربة الوحيدة الممكنة وفقاً لهذه المؤسسات، وللسياسات التي تتبعها، هي: طريق التنمية التكنولوجيّة.
وتمارس هذه المؤسسات تأثيرها ليس عبر هندسة المنح وحسب، فمؤسسة «الأمم المتحدة الخيريّة» على سبيل المثال، تساهم في تشكيل الخطاب العام للأمم المتحدة، عبر الدعم الاستشاري لوكالات الأمم المتحدة، وعبر عقد الاجتماعات غير الرسمية مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وتزويدها بدعم اتصالاتي وإعلامي مركز. لقد لعبت مؤسسة الأمم المتحدة الخيريّة دور القوّة الدافعة لقضيّة الشراكة مع حاملي أسهم متعددين، مثل: حركة «كلّ امرأة كلّ طفل».
من المهم جدّاً أن نتعلم من تجربة مؤسسة «الأمم المتحدة الخيريّة»، والتي بدأت كأداة لقبول المساهمات لمرّة واحدة، وعلى سنين متعددة من تيد ترنر، من أجل دفع قضايا الأمم المتحدة قدماً. لقد وسعت هذه المؤسسة نشاطاتها بطرق عدة، وباتت تجمع الأموال من مصادر خاصّة وعامّة، وتدير بها البرامج تحت راية الأمم المتحدة، ولكن خارج نظام الأمم المتحدة.
مؤسسة «الأمم المتحدة الخيريّة»
قام الملياردير الأمريكي، ومؤسس قناة «سي.ان.ان»، تيد ترنر في بداية عام 1998 بإنشاء «مؤسسة الأمم المتحدة الخيريّة». أعلن ترنر عام 1997 عن نيته منح الأمم المتحدة هبة قدرها مليار دولار لدعم قضاياها. بأية حال، لم يمنح هذا المبلغ على شكل نقدي، بل على شكل 18 مليون سهم في شركة «تايم وارنر» الإعلامية.
وبعد وقت قصير من إعلان ترنر عن هبته للأمم المتحدة، هبطت أسهم شركة «تايم وارنر» بشكل كبير. ومن أجل أن يحافظ ترنر على وعده البالغ مليار دولار، أعلنت مؤسسة الأمم المتحدة الخيريّة عن جمعها للموارد من متبرعين آخرين. في نهاية عام 2013، وصلت المخصصات التراكميّة للمؤسسة إلى 1,3 مليار دولار، منها 450 مليون دولار من ترنر، و850 مليون دولار من مساهمات مالية لمتبرعين آخرين.
قسم كبير من التبرعات الأخرى التي تلقتها المؤسسة، أتت من مؤسسة «بيل وميليندا غيتس» الخيريّة. بين عامي 1999 و2014، منحت مؤسسة غيتس مبلغ 231 مليون دولار لمؤسسة الأمم المتحدة، وكانت مركّزة بشكل رئيس على مجالات الصحّة والثقافة الزراعية.
وفي سبيل توسيع قاعدتها التمويلية، سعت مؤسسة الأمم المتحدة إلى اتباع طرق جديدة في الحصول على التمويل، من الحكومات بشكل مباشر. تلقت المؤسسة في العقد الماضي تمويلاً مباشراً من عدد من الحكومات، ومن الهيئات الحكوميّة، مثل: وكالة التنمية الكندية، وقسم التنمية الدولية في المملكة المتحدة، والمفوضية الأوربية، ووكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية.
بالإضافة للحكومات، تسعى مؤسسة الأمم المتحدة الخيريّة حالياً بشكل نشط، لإيجاد فرص لبناء ما يسمّى «الشراكات الراسية» مع الشركات متعددة الجنسيات ومع المؤسسات الخيريّة، بوصفها عنصراً مهماً في «استراتيجيات التنمية المستدامة». تثور المخاوف في الأمم المتحدة من نشاطات هذه المؤسسة، ومن المخاطر المحتملة لتلويثها سمعة الأمم المتحدة. فمؤسسة الأمم المتحدة تحوي في قائمتها الصادرة عام 2015 على شركاء، مثل: «إكسون موبيل» و«شيل» و«غولدمان ساكس» و«بنك أميركا».
لقد تغيّرت مهمّة مؤسسة الأمم المتحدة الخيريّة وعلاقتها مع الأمم المتحدة بشكل جذري في الأعوام الخمسة عشرة الماضية. بدأت المؤسسة عام 1998 بشكل رئيس كمؤسسة لجمع التبرعات لصالح الأمم المتحدة. ومنذ ذلك الحين تحول تركيزها أكثر فأكثر ناحية إطلاق مبادراتها الخاصة بمعزل عن الأمم المتحدة: مثل: «تحالف الطاقة المستقبلية». إنّها تلعب الآن دور الوسيط بين المتبرعين، وبين الوكالات المنفذة، داخل أو خارج نظام الأمم المتحدة، وتقيم الحملات بدعم من مجلس أمن الأمم المتحدة، لتطبيق أولوياته واستراتيجياته، بما فيها الهدف المعلن: «تعزيز قدرة الأمم المتحدة على المشاركة في الشركات المتعددة مع القطاع الخاص، والمجتمع المدني والمحسنين، والأوساط الأكاديميّة...».
لقد أصبح ممثلو مؤسسة الأمم المتحدة الخيريّة مستشارين مقربين من مجلس أمن الأمم المتحدة، وهم يشاركون بشكل اعتيادي في اللقاءات الداخليّة التي يعقدها مجلس الأمن. إضافة لذلك، باتت مؤسسة الأمم المتحدة الخيريّة تغطي الاعتمادات المالية لتعيين مختلف موظفي الأمم المتحدة، وهو ما منحها سطوة على الموظفين الكبار. مثال: غطت مؤسسة الأمم المتحدة الخيريّة اعتماد «فريق دعم الاتصالات والإعلام والمدراء» لمشروع «النساء» الذي أطلقته الأمم المتحدة بشكل رسمي في شباط عام 2011.
تمّ في عام 2014 إعادة النظر، وإجراء بعض التعديلات في الاتفاق بين الأمانة العامة للأمم المتحدة، وبين مؤسسة الأمم المتحدة الخيريّة. وبدلاً من أن يسمح الاتفاق الجديد بمزيدٍ من الشفافية في مراقبة عمل المؤسسة وفاعليتها، فقد دعم الاتفاق الجديد، الحصريّة والتفضيليّة في العلاقة بين المؤسسة والأمانة. أعدّت مسوّدة هذا الاتفاق خلف أبواب موصدة دون أيّة شفافية أو رقابة مشتركة مع الحكومات، وخلافاً للاتفاقين السابقين، لم يسمح للعموم بالاطلاع عليها.
نقص الشفافيّة وآليات المحاسبة
إنّ المؤسسات الإحسانيّة، وتحديداً مؤسسة «غيتس» و«روكفيلر» ومؤسسة الأمم المتحدة، ليسوا ممولين كبار وحسب، بل هم أيضاً قوّة دافعة للعديد من الشراكات المتعددة لحاملي الأسهم. في الحقيقة، الكثير من هذه الشراكات، مثل: «مبادرة تلقيح الأطفال» و«تحالف تي.بي» و«تحالف غافي» و«تغذية سون» هي نتاج مباشر لهذه المؤسسات.
لكنّ النموّ السريع لهذه الشراكات العالمية، وللتمويل الهرمي الرأسي، وتحديداً في قطّاع الصحة، أدّى إلى حلول معزولة ونادراً ما تكون متسقة. لقد ساهمت هذه المبادرات في إضعاف الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، لكنّها أيضاً قوضت تطبيق وإنجاز استراتيجيات تنمية متكاملة على المستوى الوطني.
لقد انتقدت مؤسسة «غيتس» بشدّة ضعف وهشاشة نظام التغذية العالمي، ولهذا ساهمت بشكل فعال في إنشاء حركة «سون». لكنّ «سون» لم تعمل لتتخطى هذه الهشاشة، بل زادت الانتشار السريع للشراكات التي أدّت أساساً لتعزيز مشاكل الأمن الغذائي العالمي والتغذية، لتنضم إلى مثيلاتها «gain» و«MI» و «FFI» و«تحالف أمن الغذاء والتغذية» وغيرها الكثير. وفي هذه الأثناء، تبقى «لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بالتغذية UNSCN»، وهي الهيئة المسؤولة عن تنسيق سياسات الغذاء والتغذية ضمن إطار الأمم المتحدة، ضعيفة وغير ممولة كما يجب.
علاوة على ذلك، وبما أنّ الشراكات تعطي المشتركين جميعهم حقوقاً متساوية، يتمّ تهميش الهيئات العامّة التي تحوز بشكل قانوني وديمقراطي على موقع خاص وشرعي. تخفض الشراكات المتعددة لحاملي الأسهم بشكل ضمني قيمة دور الحكومات والبرلمان والهيئات الحكومية المشتركية في صنع القرار، وتعظم من قيمة دور القطاع الخاص. ومن ضمن هذا القطاع الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات الخيريّة وبعض الأفراد الأثرياء حتّى مثل: بيل غيتس وتيد ترنر.
في الوقت التي تملك فيه مؤسسات مثل: غيتس وروكفلر تأثيراً هائلاً على سياسات التنمية، فهذه المؤسسات ليست محلّ محاسبة «المستفيدين» من نشاطاتها، سواء أكان المستفيدون حكومات أم منظمات دولية أم وحدات اجتماعية محلية. فهذا المؤسسات ليست مسؤولة سوى أمام مجالس إدارتها أو أمنائها. وهذه المجالس تتكوّن عادة من عدد قليل جداً من الأشخاص، مثل: مؤسسة غيتس المكوّن من ثلاثة أفراد عائلة، ووارن بوفيه الذي يعمل رئيساً لمجلس الإدارة، ومجلس الأمناء في مؤسسة بوفيه. إنّ المؤسسات الخيريّة لا تضع بيانات منحها ونتائجها وخلافه للعموم إلّا ما ندر، وإن فعلت فهي تعلن عن البيانات الرئيسة فقط، مثلما تفعل مؤسسة غيتس ومؤسسة هيوليت. وهذا يجعل مسألة الرقابة عليها وعلى تقدير مدى فاعلية مشروعاتها في تحقيق الأهداف المنشودة أمراً مستحيلاً.
«منصة الإحسان» ما بعد 2015
في سبيل تمكين القطّاع الإحساني من لعب دور أكثر نشاطاً في تخطيط وتنفيذ «الأهداف التنموية المستدامة»، ولتطويبها كشريك استراتيجي للأمم المتحدة، وللحكومات حول العالم، تمّ إطلاق منصة الإحسان ما بعد 2015 بالتزامن مع لقاء الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ 69 في نهاية 2014. كان «برنامج الأمم المتحدة للتنمية» مع «مركز المؤسسات الخيريّة» ومستشارو مؤسسات «روكفيلر»، «فورد»، «كونراد هيلتون»، و«ماستر كارد» الخيريّة، هم المبادرون لإنشاء هذه المنصة، ولحشد الدعم العالمي لها.
في جلسات الجمعية العامة الخاصة بجدول أعمال تنمية ما بعد 2015، شرحت نائبة رئيس مؤسسة «روكفيلر» ومستشارته هيذر غريدي توقعاتهم على الشكل التالي:
«لا نريد أن نكون مجرّد «قطّاع غير حكومي» آخر، قطّاع لا يتم ذكره ضمن المجموعات الكبرى. ونحن نرى بأنّ الاعتراف بنا من أعلى مستويات سياسيّة، والشراكات العالمية من أجل تنمية فاعلة، كخطوة إيجابيّة في هذا الطريق... أولاً: يجب على الأمم المتحدة والحكومات أن تفتح أيديها لنا، وتخلق بيئة أكثر تمكيناً للمؤسسات المحسنة، سواء ضمن نطاق محلي أو بشكل عابر للحدود».
الاعتماد الخطر على الإحسان الرأسمالي
أحد الميزات الرئيسة لأكثر المؤسسات الخيريّة الخاصة، هي ممارساتها في تطبيق الأعمال والمقاربات السوقية على مسائل التنمية. وهي تضع متلقي المنح تحت ضغط لإظهار نتائج تكون إيجابيّة، وفقاً لتعريف المانحين، وعليه، فإنّ التركيز على مقاربات الربح السريع، مثل: تطوير لقاح، أو نشر المبيدات الحشرية، والناموسيات المعالجة كيميائيّاً، يجعلها تهمل العوائق البنيوية والسياسية، أمام التنمية، مثال: أنظمة الصحّة العامّة المهلهلة. بأية حال، بما أنّ المؤسسات الخيريّة تستثمر معظم أصولها في أسواق المال، فإنّ دخلها المتأتي عن فوائد وأرباح الأسهم، يعتمد بشكل كلي على الوضع الاقتصادي العام، وبالتالي هباتها تعتمد على ذلك. أثناء الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة، هبط التمويل الدولي الذي تمنحه أكبر 1300 مؤسسة خيريّة أمريكية بشكل كبير جداً، بنسبة 32% بين عامي 2008 و2010. وعليه فليست المنح الإحسانية غير ثابتة وحسب، بل كذلك تميل للانخفاض في أكثر الأوقات التي يكون الناس بحاجة إليها.