المنظومة الرأسمالية... والحدود حصار الفقراء واستغلالهم
بقلم: جوان كيسادا  تعريب وإعداد: عروة درويش بقلم: جوان كيسادا تعريب وإعداد: عروة درويش

المنظومة الرأسمالية... والحدود حصار الفقراء واستغلالهم

يحاول، ريس جونز، في كتابه «الحدود العنيفة» الإجابة عن السؤال التالي: لماذا الدول حول العالم مهتمة بشكل كبير بمسألة الحدّ من حركة الفقراء؟ وللإجابة عن هذا السؤال، انتقل الكاتب خلال بحثه من أسوأ العواقب للأشكال المختلفة من العنف التي تُمارس عند الحدود الوطنية، إلى التحليل النقدي لنشوء الحدود واستخدامها المعاصر.

 

كتب جونز: «يجب أن يُنظر إلى الحدود بوصف العنف متأصلاً فيها، وبوصفها تولد عنفاً منهجياً للناس وللبيئة». ولا يعود هذا فقط إلى العنف المباشر الذي تمارسه دوريات حرس الحدود، أو مافيا النقل والإتجار بالبشر، على المهاجرين الذين يحاولون عبور الحدود الوطنية، بل أيضاً إلى الدور المركزي للحدود والذي صاغه يوهان غالتونغ بأنّه عنف «هيكلي»: أي: نوع العنف الموجه ضد الفقراء عبر حرمانهم من الوصول إلى الموارد والثروة.
العنف على الحدود
عبر هذا التمييز بين العنف المباشر و«الهيكلي»، يحدد جونز خمسة أنواع للطرق التي تؤذي الحدود فيها الطبقات الأكثر ضعفاً بين سكان العالم، وهي: العنف العلني الذي يمارسه حرس الحدود، والبنية التحتية للحدود، وخطر الإصابة الشديدة والموت عند عبور المهاجرين لمناطق عبور خطرة، والعنف المستمرّ اتجاه أولئك الذين لا يحملون ثبوتيات ملائمة– الترحيل مثلاً- والعنف «الهيكلي» المتصل بنسيج الموارد وبالحدود بين الدول، وعدم كفاية التشريعات البيئية المطبقة عالمياً.
ويبدو التقسيمان الأول والثاني واضحين، عبر أعداد الوفيات في صفوف المهاجرين واللاجئين في الأعوام الماضية، والذين كانوا يحاولون عبور الحدود. ففي مدّة تناهز العقد، كان العنف على الحدود مسؤولاً عن عشرات الآلاف من حالات الموت، بما يقدر بحوالي أربعين ألف ضحية بين عامي 2004 و2015، حيث مات 23700 شخص أثناء محاولتهم عبور الحدود إلى الاتحاد الأوربي وحده. وفي عام 2016 فقط، كان عدد الضحايا خمسة آلاف شخص.
أمّا في الولايات المتحدة، فقد عُثر على ما مجموعه 6029 جثة مهاجر على الحدود مع المكسيك بين نهاية 1997 ونهاية 2014، مع إنقاذ 300 مهاجر على الأقل بشكل سنوي منذ بداية القرن. مع العلم أنّ هذه الإحصاءات لا تتضمن آلاف الضحايا الذين يموتون سنوياً أثناء الرحلة إلى ما يسمّى «الحدود العامودية»، وهي الدرب عبر المكسيك الذي يسلكه المهاجرون، بدءاً من الحدود الغواتيمالية الجنوبية إلى الحدود الأمريكية الشمالية، فوفقاً لجونز، مات بين عامي 2007 و2013 ما يقدر بـ 47 ألف من هؤلاء المهاجرين.
ورغم أنّ بعض القتلى سقطوا على يد حرس الحدود، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، فإنّ أغلب من ماتوا عند الحدود، سقطوا نتيجة البنية التحتية المدعمة للحدود. ففي حين أنّ نقاط العبور السهلة قد تمّ تدعيمها وحراستها بشكل جيد عبر الكاميرات والنقاط والطائرات بدون طيار والجدران...إلخ، تحوّل المهاجرون إلى المناطق الأكثر خطورة سعياً لتخطي الحدود: مثل: المياه المفتوحة للبحر المتوسط أو صحاري أريزونا وغرب تكساس، حيث لاقى معظم المهاجرين حتفهم هناك في الأعوام الأخيرة.
ولا تقتصر النكبات على الحدود بين الدول الغربيّة الثريّة وجيرانهم الفقراء، فعنف الحدود مألوف في أماكن أخرى أيضاً، ففي الهند ما بين عامي 2000 و2015، قتلت قوات حرس الحدود أكثر من ألف مهاجر بنغلاديشي يحاولون الدخول للبلاد. وحتّى بنغلاديش قامت بمنع دخول لاجئي الروهينغا من جارتها ميانمار. وينطبق كذلك الأمر على أستراليا، حيث تبيّن قاعدة بيانات مصلحة الحدود موت 1974 مهاجراً: «كانوا يحاولون الهرب من تيمور إلى جزر الميلاد الأسترالية» ما بين كانون الثاني 2000 وتشرين الثاني 2015.
تعطي هذه الأرقام فكرة عن البعد العالمي للعنف على الحدود، وهي ظاهرة لا تقتصر على عدد قليل من البلدان الثريّة في الشمال العالمي. وتقبع وراء هذه الأرقام والبيانات الإحصائية المجردة، مأساة بشر حقيقيين يفرون من الحروب والاضطهاد والفاقة في بلدانهم.
ونحن بغنىً عن القول: أنّ العالم كله يشهد تشديداً للإجراءات التي تمنع المهاجرين من دخول البلاد، والتي تمتدّ حتّى إلى التشديد على الواصلين وترحيلهم. فقد بدأت الإدارة الأمريكية بتشديد إجراءات الترحيل منذ عهد أوباما، لا ترامب. فكما كتبت صحيفة لا فانغارديا: «قبل عام 1986، لم تتخط حالات الترحيل عشرين ألف حالة سنوياً، وقد وصل هذا الرقم في منتصف العقد الماضي إلى أربعمئة ألف سنوياً. لقد تمّ ترحيل المهاجرين واللاجئين من الولايات المتحدة أثناء رئاسة أوباما أكثر من أيّة إدارة سابقة. ويبيّن جونز بأنّ الترحيل، رغم كونه أسوأ حالة عنف من بين التقسيمات الخمسة، فهو ليس الوحيد المتبع ضدّ من لا يحملون أوراقاً ثبوتية ملائمة.
العنف من خلال الحدود
إن نظرنا أبعد من العنف المباشر وغير المباشر، فإنّ أبرز الحقائق حول الحدود الوطنية، هي: أنّها تخلق فجوات اقتصادية وتشريعية صارخة بين الدول، تتماشى مع حركة البضائع والمخدرات والسلاح والأعمال والنقود والناس عبر الحدود. من هذا المنظور، فإن الحدود ونظام الدول الوطنية العالمي الذي يساعد على تحديدها، هو أمر أساسي لسيادة صِيغ الإمبريالية المعاصرة.
ففي عصر يسود فيه اعتقاد واسع النطاق، بأنّ الدول الوطنية تفقد مكانتها الجغرافية لصالح المؤسسات فوق- الوطنية مثل: الاتحاد الأوربي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، يرى جونز: أنّ العكس هو الصحيح هنا، حيث إنّ السياسات الحدودية الحالية تثبت أنّ الاتجاه القائم هو تعزيز سلطات الدولة الوطنية. دعونا نتوسع في هذا:
من ناحية، صحيح أنّ منظمة التجارة العالمية والكثير من اتفاقات التجارة الحرة متعددة الأطراف التي انتشرت في العقود الأخيرة، قامت بتعزيز تحرير تدفق رأس المال والبضائع العابرة للحدود من التشريعات الوطنية، فارضة نظاماً معولماً يسمح بمرور الشركات متعددة الجنسيات العملاقة. لكن من ناحية أخرى، اعتمدت هذه البنى فوق الوطنية ذاتها، بل وعززت حتّى التشريعات المحلية المتعلقة بالضرائب والأجور والمعايير الصناعية وغيرها الكثير، وهي التشريعات المسؤولة في الحقيقة عن إبقاء الفجوة القانونية بين البلدان، وهي التشريعات ذاتها التي تستغلّها الشركات العملاقة من أجل تحقيق أكبر قدر من الأرباح.
ولنفصّل أكثر: تتربح الشركات من الفروقات بين التشريعات العمالية والبيئية، وهي التي تسمح لهم عند جمعها مع إبطال الرسوم الجمركية، وغيرها من القيود على التجارة العالمية والاستثمار، بتصنيع البضائع أو نقل الخدمات في دولٍ ذات أجور أقلّ بكثير، وتشريعات أكثر تهلهلاً، من دول الاستهلاك حيث يتمّ في نهاية المطاف بيع البضائع والخدمات. تشكّل هذه الآلية العالمية لزيادة أرباح الشركات، عبر تقليل تكاليف العمالة والتشريعات، الوسيلة الرئيسة للتحكم في تدفقات رأس المال والبضائع والخدمات عبر الحدود.
يتطلّب الحفاظ على هذه الآلية الإبقاء على حوض العمالة الرخيصة في مكانه تماماً، وهذه هي مهمة الحدود. وعليه، فلا يجب للاتفاقيات التجارية أن تتطرق لمعايير العمل، بحيث تكون كلّ دولة حرّة بتشكيل وتطبيق - أو عدم فعل ذلك- تشريعاتها الخاصة. إن لم يتم هذا، كمثال: سيكون من الصعب على رابطة منتجي ومصدري الألبسة البنغلاديشية أن تعلن على موقعها الإلكتروني عن «قوى عمالة كبيرة ذات أجور منخفضة»، بوصفها إحدى أكبر عوامل جذب الشركات الأجنبية. ورغم ارتفاع أجور العمال البنغلاديشيين بعد حادثة انهيار مجمع مصنع «رانا بلازا» من 39 دولار شهرياً إلى 68 دولار - وهو الأمر الذي حثّ رغم تفاهته الشركات العملاقة وعلى رأسها H&Mعلى البحث عن أماكن أخرى في آسيا وإفريقيا (المترجم)- فإنّ الأجور المنخفضة ليست المشكلة الوحيدة. فكما ذكر تقرير منظمة «رقابة حقوق الإنسان» عام 2015: «يهدف مالكو المصانع لتعظيم أرباحهم، ويقومون بذلك عبر عدم الإنفاق على عوامل الأمان والتنفس والصحة والتعقيم. ولا يدفعون للعمل الإضافي ولا لصندوق مساعدات بحالة الإصابات. ولا يبنون مخارج حريق ولا يزودون المكان بمطافئ. يعاملون العمال لديهم كما لو كانوا عبيداً».
الحدود والبيئة
هنالك أيضاً فجوة أساسيّة تنشأ عن اختلاف القوانين البيئية بين الدول. فبشكل طبيعي، الدول التي لديها قوانين تقيّد التلوث واستخدام الطاقة الملوثة وانبعاثات الكربون...إلخ، هي أماكن ذات تكلفة إنتاج أقل من تلك التي فيها معايير بيئية أعلى. ومع ذلك، فإنّ تأثير ضوابط الدولة يتجاوز بكثير هذه الاختلافات في تكاليف الإنتاج المتعلقة بالعوامل البيئية الخارجية السلبية. فكما أشار جونز بوضوح:
«بالطريقة نفسها التي استُخدمت فيها الحدود من أجل خلق مجموعة من أحواض العمالة التي تحتوي على عمال قابلين للاستغلال، فهي تُستخدم من أجل السيطرة على البيئة عبر خلق أحواض موارد قابلة للاستغلال، تطبق فيها قواعد استخراج ووصول مختلفة عبر الأقاليم. تسمح هذه المستوعبات الحدودية للبعض باستخدام موارد الأرض، بينما تمنع وصول معظم الآخرين لهذه الموارد. يعني: تقسيم الأرض إلى صلاحيات سياسية منفصلة بحيث أنّ مستوى السيطرة واتخاذ القرار«الدولة» لا يجاري مستوى النظام «العالم»، وهو ما يمكن عبره إنتاج إفراط في الاستغلال وكذلك مفاقمة تحدي إيجاد سبل لمعالجة المشاكل العابرة للحدود».
يقود هذا إلى أكثر مساهمات جونز أصالة، في فهمنا للتوتر بين العولمة الاقتصادية ونظام الدولة الوطنية: أي: دور الدولة الوطنية الحديثة بوصفها توسعاً في التسوير الرأسمالي المبكر للمشاعات.
التسوير والخرائط
وفقاً لجونز، فإنّ تسوير الأراضي المشاع الذي بدأ تنفيذه في إنكلترا وأماكن أخرى منذ القرن السابع عشر، كان فقط الخطوة الأولى ناحية نظام جديد من استغلال الموارد، مبني على تقييد حقّ الوصول إلى الأرض وغيرها من «السلع الطبيعيّة». فقد منع هذا التسوير الفلاحين من الدخول إلى الأراضي المشاع، وقاد إلى تأسيس نظام الملكية الرأسمالي المعاصر، وكانت الخطوة التالية المتزامنة تقريباً هي رسم حدود قانونية وطنية.
إنّ بدعة هذه المعاهدات، مثل التي حصلت في ويستفاليا عام 1648، أنّها أسست نظاماً «للدولة ذات السيادة التي تفرض سلطة مطلقة على كامل الأرض والموارد والناس، في منطقة معتمدة، بحدود تمّ رسمها على الخرائط. وتماماً مثل التقنيات الخرائطيّة التي سمحت بتعيين العقارات المملوكة للّوردات وتخيلها كمساحات محصورة، فإنّ رسم الخرائط بدّل كيفيّة تخيل الدولة لأرضها والسيطرة على معالمها». نشر الاستعمار الأوربي نظام الدول ذات السيادة هذا في بقية العالم، وأسس لحدود وطنية بقيت على حالها إلى حدّ بعيد في حقبة ما بعد الاستعمار.
وكانت المرحلة الأخيرة من هذه العملية الطويلة لتضمين الموارد هي «قانون البحار» الذي أُعدّت مسودته في مؤتمر الأمم المتحدة عام 1982، وعُمل به لأول مرة عام 1994 بعد أن صدقت عليه ستون دولة عضوة في الأمم المتحدة. لم يقم قانون البحار بتوسيع «المياه الإقليمية» بدءاً من الخط الساحلي من ثلاثة أميال إلى 12 ميلاً فقط، بل خلق أيضاً ما يسمّى بمناطق الاقتصاد الحصري التي تمتدّ من اثني عشر إلى مئتي ميل بحري بعيداً عن الشاطئ، وتضمّ الصيد والمعادن والوقود الأحفوري. كانت النتيجة زيادة توسيع النظام الاقتصادي والسياسي العالمي الذي: «يسعى للحفاظ على الامتيازات والفرص في الوصول المقيد إلى الموارد، وحركة الآخرين».
الهجرة والعمل والبيئة
يمكن تلخيص رؤية جونز لنظام السيطرة العالمي على الأراضي هذا كالتالي: لقد أدّى التقييد الأخير للحدود دوراً حاسماً في «السباق نحو القاع» حول العالم، حيث تنتج الشركات في أزهد الأماكن الممكنة، وتتربح من التفاوتات في تشريعات العمالة والبيئة. وبدلاً من أن تعمل المنظمات الدولية القائمة كمؤسسات للحكم العالمي، تقوم بحماية الدول وسطوتها وتمنحها «الحقّ السيادي في استغلال مواردها الخاصة وفقاً لسياساتها البيئية والتنموية». ففي الوقت الذي نحتاج فيه إلى نظامٍ عالميّ للسيطرة الإقليمية والموارد أكثر من أيّ وقت مضى، فإنّ بنية السياسات العالمية تجعل من تخطي عوائق الدولة من قبل الحكم العالمي أمراً مستحيلاً.
وفي الوقت ذاته، وفي المجال الإيديولوجي، تصاعد التيارات العنصرية والقومية والإقليمية في الكثير من دول الغرب الثريّة، يعوق الجهود لعلاج الجذور التي سببت الهجرة والتشريد، وتعزز السياسات الحمائية المصممة للحفاظ ولتدعيم الفروقات القائمة بين الدول. كما يقول جونز: «ينتشر التمييز بين الداخل والخارج، وبين الأصليين والأجانب في الخطاب السياسي في الدول حول العالم، لأنّه جزء من تشكيلة الدولة بوصفها مؤسسة. باتت النسخة الإنسانية القائمة على الأمكنة تلعب دوراً قوياً في الخطاب العام المعاصر في العديد من البلدان، والذي يشكّل المهاجرون فيه تهديداً للنظام الاقتصادي والثقافي والسياسي للدولة».
ما الذي يمكن عمله حِيال ذلك؟ يقترح جونز السعي نحو ثلاثة مبادئ رئيسة: حرية تنقل الأشخاص بين الدول، وشروط عمل معيارية على مستوى العالم، وقواعد عالمية لحماية المناخ وتقييد الملكية الخاصة. إنّ الآثار السريعة لتقليل الحواجز أمام حرية الحركة هي أن تتوقف أعداد القتلى على الحدود. كما أنّها ستساعد على التقليل من اللامساواة الهائلة في الأجور بين البلدان والمناطق الثريّة والفقيرة. ومن أجل معالجة الخوف من أنّ مثل هذا التغيير سيطلق طوفاناً من المهاجرين إلى بضعة بلدانٍ ثريّة، يشير جونز إلى دخول بلدان أوروبا الشرقية في الاتحاد الأوربي، والذي أثار بوقته مخاوف مماثلة. فكتب بأنّة لا شيء من المخاوف التي كانت تساق حصلت بالفعل. ففي نهاية المطاف: «فضّل أغلب الناس البقاء في مكان مريح ثقافياً لهم» طالما هم قادرين على العيش وكسب رزقهم.
ولاحظ جونز عندما أوجز اقتراحه بشأن معايير العمل العالمية، بأنّ «معظم المكاسب التي جناها العمّال في الولايات المتحدة وأوروبا في منتصف القرن العشرين، تمّ تقويضها حالياً بسبب نقص الحماية للعمّال في أجزاء أخرى من العالم». وبدلاً من تدعيم الخلافات بين الدول عبر تعزيز نظام عالمي لدول معزولة، كما تناشد بعض منظمات القوميين المعادين للأجانب في أوروبا، ينبغي للعمال في أنحاء العالم جميعها أن ينضموا إلى بعضهم في معركتهم المشتركة من أجل «حدود دنيا عالمية للأجور، ومعايير عالمية لظروف العمل، وشبكات أمان اجتماعي عالمية المعايير للفقراء... الخ».
أمّا بخصوص مبدأ جونز الثالث، المتعلق بقوانين عالمية تحارب التدهور البيئي والارتفاع الحراري، فهو تذكير في وقته لكون مستقبل البشرية نفسه قد بات على المحك. فممّا يدلّ على الاستهتار ترك إجراءات الحماية البيئيّة في يد الدول التي تستخدم مثل هذه التشريعات كوسيلة لإغراء الاستثمار الأجنبي. وهنا أيضاً على مستوى صنع القرار أن يجاري المستوى الخطير للمشكلة: «ربما يجب خلق بنية تحتية مؤسساتية مكرسة للبيئة، تملك القدرة الكلية على إلغاء قرارات الدول السيادية التي تؤثر على البيئة العالمية». وليست التأثيرات البيئية وحدها من يجب مراجعتها على مستوى نظام الدولة، بل أيضاً العواقب الضارة للحق بامتلاك الأرض الحالي من أجل استغلال الملكيات دون رادع أو حدود. علينا أن نجد مفهوماً جديداً للمِلكية، مفهوماً يقدّم المصالح الاجتماعية على المصالح الخاصة. علينا ببساطة أن «نتحرك» ونتخطى «الحدود».
الحدود والاستغلال الطبقي
إن النظام العالمي ورأس المال العابر للحدود يحتاج كي يكون فاعلاً، لعدم منح العمال القدرة على السعي لفرص أفضل في أماكن أخرى، مثل: السماح لهم بالهجرة إلى بلدان أخرى بحثاً عن أجور وظروف عمل أفضل. هنا يأتي دور السيطرة على الحدود وسياسات الهجرة. حتّى في معاهدة الأمم المتحدة للاجئين، التي تتحدث عن حماية الفارين لدواعي عرقية ودينية ووطنية، ليس هنالك أيّ ذكر للفارين من العنف «الطبقي»: «كالفرار من المناطق الفقيرة المزدحمة الخطيرة القذرة التي تجتاحها الأوبئة، والتي لا يملكون فيها خياراً سوى العمل لساعات طويلة في أماكن استغلالية وبأجور منخفضة». فحركة هؤلاء «المهاجرين الاقتصاديين» تعتبر أمراً «طوعياً»، وهي بالتالي تخضع لشروط قانونية صارمة، حيث يجبر فيها المهاجرون عادة على الاختيار بين العودة إلى بلادهم، أو العيش في خطر دائم والقبول بما تمنحهم إياه أوضاع المقيمين «غير الشرعيين».