«إفريقيا تنهض» أكذوبة رأسمالية ...نهضة القارة بيد شعوبها!
لا يخفى على أحد بأن إفريقيا، الغنية بالثروات، هي أحد أبرز ضحايا المنظومة الرأسمالية، والتي أصبحت رمزاً للفقر والاستغلال. والقول: أن إفريقيا تشهد نهضة اقتصادية، وهو ما ساد في الأوساط الرأسمالية خلال السنوات الأخيرة، إنما يهدف إلى زيادة ربط هذه القارة بدول المركز، من أجل الإمعان في نهب ثرواتها، الأمر الذي تظهره الحقائق الواردة في المقال التالي...
تعريب: عروة درويش
قبل بضع سنوات، وفي الوقت الذي توقّف فيه الناتج المحلي الإجمالي في إفريقيا عن الزيادة السريعة لأعوام 2002-2011، سادت أسطورة في أوساط «النخب» السياسيّة والاقتصاديّة، شعارها «إفريقيا تنهض». ادّعى جينس ويدمان، رئيس مصرف «دويتشه بوندزبانك»، في حزيران 2017، خلال مؤتمر في برلين: «إفريقيا تقف على أهبة الاستعداد من أجل الاستفادة من اقتصاد عالمي مفتوح. إنّها مشرفة على مرحلة اقتصاديّة إيجابيّة».
كان وزير الماليّة الألماني، وولفغانغ شوبل، هو من نظّم هذا المؤتمر من أجل تعزيز اتفاق «مجموعة العشرين» مع إفريقيا، والذي «يهدف بشكل رئيس إلى تخفيض مستوى المخاطر أمام الاستثمارات الأجنبيّة». لكنّه حرص أثناء الانتخابات الألمانيّة، بالاشتراك مع أنجيلا ميركل، أن يُظهرا أنّ هذه الاستراتيجيّة سوف تقلل من تدفق اللاجئين الأفارقة إلى أوروبا. وتجدر الإشارة إلى أنّ جنوب إفريقيا هي الدولة الوحيدة الإفريقيّة العضو في مجموعة العشرين، والتي كانت حاضرة في لقاءات الرؤساء العاصف في هامبورغ. والتي رغم إبداء رئيسها، جاكوب زوما، انزعاجه بشكل اعتيادي من التصريحات الغربيّة، لم يستطع لا هو ولا ميركل أن يوقفا تهديدات ترامب للصفقات التجاريّة مثل: «قانون النموّ والفرص»، أو التخفيضات الكبيرة في ميزانيّة المساعدات الخارجيّة، ومن بينها: الغذاء والدواء لإفريقيا، أو نوايا عدم الاستمرار في دعم برنامج الأمم المتحدة للبيئة الخضراء.
في الواقع، بعد الوصول عام 2011 إلى ذروة دورة إنتاج البضائع، وتحطّم الأسعار الذي تبعها، كان من غير المنطقي بكل بساطة أن يتمّ التصريح بأنّ إفريقيا تزدهر في «اقتصاد عالم مفتوح»، نظراً لأنّ الكثير من اقتصادات القارّة تعتمد على إيداعات النفط والمعادن، الذي تهيمن على احتكاره شركات متعددة الجنسيات، والمتأرجحة أسعاره دون ثبات منذ عام 2002. لم يؤدي الانتعاش البسيط في أسعار السلع الأساسيّة عام 2016، ولا السقوط المستمر لقيمة معظم العملات الإفريقيّة، إلى إفساح المجال لتجديد المنافسة أو الثقة بالأعمال، أو استثمارات الشركات متعددة الجنسيات، بل قامت بدلاً عن ذلك بتحفيز جولة أخرى من الأزمات الماليّة، وإلى عجز شديد في الحسابات، وإلى تخلّف عن سداد الديون السياديّة، وإلى الاحتجاجات الشعبيّة.
النهب الهائل
حتّى قبل ذروة السلع عام 2011، والانهيار عام 2015، ألحقت الاستراتيجيّة النيوليبراليّة الموجهة نحو التصدير ضرراً كبيراً بالتطوّر البشري، وبالمساواة بين الجنسين، وبالبيئة المحيطة. رغم أنّ معدلات الفقر والوفيات والأمراض والتعليم قد تحسنت في مرحلة ما، خاصّة بعد قيام مجموعة السبعة الكبار بتخفيض عبء الديون عام 2005، وهو ما سمح بالتخلّص التدريجي من رسوم الخدمات الأساس التي كانت مفروضة، فإنّ ظروف إعادة الحياة اليوميّة لم تحدث، وخاصّة منذ بداية الركود العالمي عام 2008. لقد ارتفعت مستويات الناتج المحلي الإجمالي في إفريقيا بشكل مطّرد منذ عام 1998 وحتّى الأزمة العالمية، لكنّ الثروة الناجمة عن النمو لم تقطر من أعلى إلى الأسفل إلّا قليلاً جدّاً.
أدلى مثولي نكوبي، كبير الاقتصاديين في «البنك الإفريقي للتنمية African Development Bank» بادّعاء كاذب أنّ: «واحداً من كلّ ثلاثة أفارقة هو من الطبقة الوسطى». وأعاد البنك مجدداً عام 2017 القول أنّ: «أحد العوامل الرئيسة في زيادة الطلب على السلع الاستهلاكيّة في إفريقيا هو الزيادة في عدد السكان، البالغ مليار نسمة حالياً، والتوسّع في الطبقة الوسطى، المقدرة عددها بـ 350 مليون». لكنّ نكوبي قد عرّف «الطبقة الوسطى» بأنّهم أولئك الذين ينفقون ما بين 2 و20 دولار في اليوم. لكنّ 20% من هؤلاء ينفقون ما بين 2 إلى 4 دولار، و13% ينفقون ما بين 4 إلى 20 دولار. إنّ كلتا الفئتين تمثلان طبقة فقيرة في معظم المدن الإفريقيّة، حيث إنّ مستويات الأسعار في هذه المدن تجعلها من الأكثر غلاءً في العالم. علاوة على أنّ_ كما تكشف معلومات نكوبي نفسه_ الفئة القادرة على إنفاق أكثر من 20 دولاراً في اليوم هي أقلّ من 5% وهي لا تزال تتقلّص.
من الأسباب الرئيسة للتفاوت بين الحديث الرسمي عن «نهوض إفريقيا»، وبين الفقر العميق لمعظم شعوب القارّة، هو: النهب الهائل كالتدفقات الماليّة غير المشروعة، والتدفقات الماليّة القانونيّة نحو الخارج، على شكل أرباح تُعاد إلى مقرّات إدارة الشركات متعددة الجنسيات. وأكثر القنوات الاستغلاليّة للاستثمارات الأجنبيّة المباشرة، هي تلك التي تأتي بحثاً عن المواد الخام.
أزمة رأس المال
بعد انهيار السلع، انخفض تدفّق الاستثمارات الأجنبيّة المباشرة اتجاه إفريقيا بنسبة 15% ما بين عامي 2008 و2016 وترافق هذا مع زيادة الصناعات الاستخراجيّة القائمة بضغطها على الناس وعلى البيئة، حيث أدّت أزمة الشركات إلى قيامها بزيادة الإساءة في مواقع العمل، وإلى التدهور البيئي، وإلى الاستغلال الاجتماعي، وإلى استغلال العمّال.
بدت أزمات الشركات هذه بشكل واضح عام 2015 فقد هبطت أسهم شركة التعدين البريطانيّة «لونمين لندن» من أعلى سعر لها عند 427,800 سنتاً للسهم الواحد عام 2007إلى سعر 41 سنتاً عام 2016 وقد حدث هذا السقوط في غالبه أواخر عام 2015 حتّى أنّه كان أسرع وأكثر حدّة من السقوط الذي تلا مجزرة الشركة التي وقعت عام 2012 والتي أدّت لمقتل أربعة وثلاثين عاملاً مضرباً عن العمل في مناجم البلاتين في ماريكانا في جنوب إفريقيا. وقد تراجعت قيمة الشركة الأنغلو_أميركيّة، وهي الشركة المشتركة بين شركتي «جي بي مورغان» و«إرنست أوبنهايمر» منذ عام 1913 والتي كانت أكبر شركة في قارّة إفريقيا في معظم القرن العشرين، بنسبة 93,6% من 3540 عام 2008إلى 227 عام 2016. وهو ما دفعها إلى تسريح نصف العمّال، والبدء ببيع أصولها. حتّى أكبر شركة تجاريّة في العالم «غلينكور» سقطت بنسبة 86% ما بين عام 2011 عند سعر 532 للسهم، إلى 74,14 للسهم.
استنزاف القارة مالياً!
بينما كان مالكو الأسهم يضغطون من أجل استعادة ثرواتهم، تسببت ظروف الأزمة هذه بزيادة الضغط على الاستخراج ليصبح أكثر كثافة. وقد صدرت منتصف عام 2017_ عن مجموعة «العدالة العالميّة» المتمركزة في لندن بالشراكة مع عدّة حلفاء_ دراسة قام بها مارك كورتيز، قدّرت بأنّ ثمانٍ وأربعين دولة واقعة جنوب الصحراء الكبرى الإفريقيّة هي «دائنة صافيّة بشكل جماعي اتجاه بقيّة العالم، بمبلغ 41,3 مليار دولار في عام 2015». فوفقاً لكورتيز:
«تلقّت البلدان الإفريقيّة 161,6 مليار دولار عام 2015 وأغلبها على شكل قروض، وتحويلات شخصيّة ومساعدات من المانحين. لكن تمّ في المقابل أخذ 203 مليار دولار من إفريقيا، إمّا بشكل مباشر عبر أرباح الشركات التي تخرجها من هناك، أو عن طريق نقل المال بشكل غير قانوني من القارّة، أو عبر التكاليف التي يفرضها بقيّة العالم من خلال التغيّر المناخي. وتتلقّى البلدان الإفريقيّة حوالي 19 مليار دولار من المساعدات على شكل منح، ولكن أكثر من ثلاثة أضعاف هذا المبلغ، أي: حوالي 68 مليار دولار، يتمّ إخراجها عبر تهريب رأس المال، والشركات متعددة الجنسيات هي من تقوم بذلك بشكل متعمّد، عبر تزوير قيمة صادراتها أو وارداتها بهدف تخفيض الضرائب. وفي حين أنّ الأفارقة يتلقون سنوياً حوالي 31 مليار دولار من الخارج على شكل تحويلات شخصيّة، فإنّ الشركات متعددة الجنسيات العاملة في القارّة، تخرج منها مبلغاً مشابهاً، تحديداً 32 مليار دولار، على شكل أرباح كلّ عام. وتلقّت الحكومات الإفريقيّة 32,8 مليار دولار على شكل قروض عام 2015 ولكنّها دفعت 18 مليار دولار كفوائد على هذا القروض، ناهيك عن قيم الدفعات الأصليّة، مع ارتفاع مستوى الدين العام بسرعة. ويقدّر بأنّه تتمّ سرقة 29 مليار دولار سنوياً من إفريقيا عبر النشاطات غير المشروعة كقطع الأشجار وصيد السمك والإتجار بالحياة البريّة وبالنباتات».
الربح الأقصى بأي ثمن!
يعكس التدفق المالي غير المشروع الكثير من طرق الفساد، التي تسحب الثروة من إفريقيا، ومعظمها يجري في القطّاع الاستخراجي. تستخدم الشركات متعددة الجنسيات عدداً لا يحصى من التكتيكات الملتوية في هذا الصدد، بما في ذلك إدخال فواتير مزورة، وتسعير التحويلات، وغيرها من التحايلات التجاريّة، والتهرّب من الضرائب، والمراوغة في العائدات، والرشوة، وسرقة الأرباح بشكل كلّي. وهنالك أمثلة كثيرة: ففي جنوب إفريقيا، ذكرت سارة براكينغ وخديجة شريف، بأنّ شركة «دي بيرز» قد زوّرت فواتير ألماس بقيمة 2,83 مليار دولار على مدى ستّ سنوات. وأظهر تقرير صادر عن «مركز المعلومات والتطوير البديل» في كيب تاون، بأنّ شركة «لونمين» للبلاتين قد حوّلت مئات ملايين الدولارات بشكل غير شرعي إلى برمودا منذ بداية الألفيّة. وقد تفاخر الرئيس التنفيذي لشركة «فيدانتا»، في اجتماع في مدينة بانغالور عام 2006 أنّه: لم ينفق إلّا 25 مليون دولار لشراء منجم كونكولا في زامبيا، وهو المنجم الأكبر في إفريقيا كاملة، وبأنّه كان يجني منه أرباحاً صافية لا تقلّ عن 500 مليون دولار سنوياً، وذلك بشكل واضح عبر عمليات الاحتيال المحاسبيّة.
ولا يقتصر هذا النهب على الصناعات الاستخراجيّة، وإن كان لها القسط الأوفر منه. فقد نشرت «لجنة إفريقيا الاقتصاديّة» التابعة للأمم المتحدة، تقريراً رسمياً في منتصف عام 2015، قدّرت فيه بأنّ التدفق المالي غير المشروع من إفريقيا يتجاوز 50 مليار دولار سنوياً في القطاعات كافة.
حتّى عند اعتماد أرقام مؤسسات مقرّبة من الشركات والحكومات الغربيّة، وهي التي تعتمد طرق حساب أكثر ممالاة للشركات، من التي تعتمدها المؤسسات الرسمية، يبقى النهب مرتفعاً جدّاً. فقد قدّر بنك «التنمية الإفريقي» في تقريره الاقتصادي: أنّه قد تمّ نهب 319 مليار دولار من إفريقيا ما بين 2001 و2010 حيث بلغت السرقة «في قطّاع المعادن 84 مليار دولار، وفي النفط 79 مليار دولار، وفي الغاز الطبيعي 34 مليار دولار، وفي الصخور المعدنيّة 33 مليار دولار، وفي الفحم 20 مليار دولار، وفي المحاصيل الزراعيّة 17 مليار دولار، وفي المنتجات الغذائيّة 17 مليار دولار، وفي الآلات 17 مليار دولار، وفي الملابس 14 مليار دولار، وفي الصلب والحديد 13 مليار دولار». تؤكّد هذه البيانات من جديد: أنّ الرأسماليّة تحوّل إفريقيا إلى «مورد ملعون».
عندما يقترح رأس المال الحل
اقترحت «مجموعة العشرين» في اجتماعها هذا العام ما يدعى بـ«الميثاق مع إفريقيا» من أجل ضمان دعم الدول لما يُدعى بالشراكة بين القطاعين العام والخاص في أنحاء القارة جميعها، وذلك من أجل جذب المستثمرين بضمانات حكوميّة. وقد شرح المحلل المالي هيلموت ريزن الأمر: «بالنظر إلى قاعدة الأصول المترقبة، وهي 100 ترليون دولار بحلول 2020 فإنّ الشركات المستثمرة، وصناديق التقاعد والتمويل والتأمين على الحياة والثروة السياديّة، يجب أن تستثمر 1% من تدفقاتها السنوية الجديدة من أجل تمويل الفجوة في البنية التحتيّة الإفريقيّة، والمقدّرة بـ 50 مليار دولار سنوياً». ولكنّ هذه الاستراتيجيّة تعني، كما صاغتها «مجموعة مراقبة المجتمع المدني C20» بأنّها ستشكّل:
«تكاليفاً أعلى على المواطنين، وخدمات أسوأ، وأمناً أسوأ، وتضييعاً للتأثير الديمقراطي، وتعريضاً للخطر المالي، بالنسبة للشعوب. علاوة على أنّ الشركات متعددة الجنسيات المشتركة، تطلب أن يتمّ نقل أرباحها خارج القارّة بالعملة الصعبة، حتّى لو كانت العقود النموذجيّة تسمح بدفع التكاليف والإيرادات بالعملات المحليّة، وهذا من شأنه أن يرفع مستويات الديون الإفريقيّة الخارجيّة، والتي وصلت بالفعل إلى أعلى مستوياتها في الكثير من الدول. ويسكت الميثاق أيضاً عن المشاكل التي ستنشأ عن شروط حماية الشركات من المقاومة الشعبيّة، مثل: البند المبهم المسمّى «المعاملة المناسبة» في اتفاقات الاستثمار، وفي حلّ النزاعات الناجمة عنه».
وقد صرّح كلّ من المنتدى الإفريقي، وشبكة الديون والتنمية، وشبكة التبادل التنموي الإفريقي، المتمركزون في هاراري بتصريحات نقديّة لاذعة أكثر: «يثير ما حصل خوفنا من أنّ الاستعمار والعبوديّة عائدان بقوّة. فاستخدام المال العام من أجل حماية الاستثمارات الخاصّة سيكون بمثابة الهزء من الشعب الإفريقي. لا يمكن لهذا أن يُفهم إلّا من خلال منظور الاستعمار أو الاستغلال النيوليبرالي. هذا أمرٌ خطير جدّاً، عندما نعلم بأنّ بعض القادة الأفارقة يملكون ثرواتٍ خارج بلدانهم في المصارف الغربيّة صاحبة المصلحة».
حتّى قيام «مجموعة العشرين» بالتركيز على سبع دول إفريقيّة موالية للغرب «تونس وإثيوبيا والمغرب ورواندا والسنغال وغانا وساحل العاج»، كان الافتراض العام بأنّ دعم المانحين الأكبر سوف يُخصص لصالح «برنامج الاتحاد الإفريقي من أجل تطوير البنية التحتيّة في إفريقيا PIDA». وهو المشروع الذي تبلغ تكلفته ترليون دولار، والذي يهدف بشكل رئيس إلى تدعيم الصناعات الاستخراجيّة. تمّ تخطيط إشادة طرقات جديدة وسكك حديديّة وأنابيب نفط وجسور، لكنّها جميعاً تصل بشكل مباشر بين المناجم وحقول النفط والغاز، وبين الموانئ مباشرة. وينحاز توليد الكهرباء بشكلٍ كبيرٍ لتلبية احتياجات مشاريع التعدين والصهر.
استنزاف الموارد الطبيعية
تعتبر ترتيبات التمويل التي يحفزها الاعتماد المستمرّ على الاستثمار الأجنبي المباشر، والتوجّه أساساً إلى الاستخراج، مسؤولين عن استنزاف الموارد غير المتجددة بشكل سريع للغاية في إفريقيا. فالاستنزاف الذي يجري، يحدث دون حتّى اللجوء إلى طرائق تعويضه البسيطة المُستخدمة في النرويج وأستراليا وكندا، والتي تعتمد اقتصاداتها أيضاً على الموارد.
لقد أدّى هذا الاستنزاف للموارد غير المتجددة دون تعويضها، إلى انخفاض الثروة الصافية في القارّة بشكل سريع منذ عام 2001 حتّى البنك الدولي يعترف بأنّ 88% من بلدان جنوب الصحراء الإفريقيّة عانت من تراكم سلبيّ في الثروة الصافية عام 2010 كما أنّ البنك يعترف بأنّ استنزاف الثروة هذا قد بلغ 12% «163 مليار دولار» من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 1,36 ترليون دولار، وذلك عام 2010 فقط. وسيصبح الرقم أكبر بكثير إذا أدرجنا ضمنه البلدان الغنيّة بالنفط في شمالي إفريقيا.
المقاومة الشعبيّة
هنالك طرقٌ عدّة لقياس المقاومة، منها: تقارير الشرطة، والتقارير الصحافيّة، والدراسات الاستقصائيّة التنفيذيّة للأعمال. وفقاً لدراسة أجراها باحثون من جامعتي «سوسكس» و«تكساس»، فقد ارتفعت حوادث الاحتجاج بشكلٍ كبيرٍ في عامي 2010 و2011 وبقيت مرتفعة على نحو ملحوظ في العديد من المدن الإفريقيّة.
في عام 2010 سجّلت قاعدة بيانات مشروع «معلومات أحداث ومواقع النزاعات المسلحة» احتجاجات_ خاصّة تلك التي تحوّلت إلى العنف والتي واجهت قمع الشرطة_ في القاهرة والإسكندريّة ومقديشو ونيروبي والمدن على خليج غينيا، وخاصة نيجيريا، والمدن الكبرى في جنوب إفريقيا: يوهانسبرغ وبريتوريا وكيب تاون ودوربان وبورت إليزابيث. وقد انفجرت المئات من المظاهرات في هذه المدن عام 2011، وشهدت مئات التظاهرات.
في عامي 2015 و2016 شهدت القارّة المزيد من المظاهرات الأكثر حدّة في أنحاء شمال إفريقيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا جميعها. إضافة إلى ذلك، شهد الجنوب الإفريقي مستويات عالية من المقاومة في هاراري وفي كينشاسا وغوما في جمهوريّة الكونغو وفي زامبيا ومدغشقر. في حين أنّ العواصم، مثل لوساكا أنتاناناريفو، قد سـجّلت زيادة كبيرة في الاحتجاجات مقارنة بعام 2011 شهد شرق إفريقيا والقرن الإفريقي عدداً من المظاهرات في نيروبي وكامبالا وبوجمبورا والخرطوم وأديس أبابا، وفي المدن المحيطة. قاد النيجيريون الاحتجاجات في غرب إفريقيا، لكن كان هنالك العديد من المواقع المتفرقة التي شهدت اضطرابات في خليج غينيا.
الانعتاق الإفريقي الموعود
شهد عام 2016 جولةً جديدةً من الاحتجاجات في شمال إفريقيا. ورغم أنّ الثورة المضادة قد سادت في معظم تلك البلدان منذ ذلك الحين، فهذا لم يردع المحتجين عن التعبير عن سخطهم. تكثّف قمع الدولة في العديد من البلدان كردٍّ على تزايد الاحتجاجات. لكن مع تباطؤ نموّ الناتج المحلي، ليصل إلى 1,4% فقط عام 2016 ومع انخفاض مستويات استثمار الشركات متعددة الجنسيات، التي تسعى بشدّة إلى استغلال القارّة، فإنّ تناقضات إفريقيا الحاليّة قد تؤمّن الشرارة لانفجارات اجتماعيّة_ سياسيّة. لطالما كانت المقاومة الاجتماعيّة ضدّ التحول إلى السوق نشطة في إفريقيا، منذ التقشّف الذي فرضه صندوق النقد الدولي، وما تلاه من اضطرابات في أنحاء القارة جميعها في الثمانينيات، والذي لم يستطع تغيير الواقع بشكل كبير. لكن مع غنائم الأسواق السلعيّة، التي حصلت عليها «النخب» غير الخاضعة للمساءلة، بدأت موجة أخرى عام 2011 والتي أشعلت شرارتها في شمال إفريقيا المظالم الاقتصاديّة الملحّة المتزايدة.