محمد رياض محمد رياض

ما يحدث في إيران صراع طبقي!

ما إن ظهرت النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية الإيرانية معلنة فوز أحمدي نجاد بفارق كبير عن أقرب منافسيه مير حسين موسوي (تقريباًَ 65% لنجاد مقابل 33% لموسوي) حتى اندفع الكثيرون من الكتاب والإعلاميين العرب للحاق بركب الحملة الإعلامية الشعواء التي يقودها رموز ما يعرف بالتيار (الإصلاحي) في إيران.

فبين من يدعي أن ما يحدث هو ثورة الجماهير الشابة ضد الدكتاتورية والتزوير، وبين من يستهجن وقاحة الرئيس الإيراني المزور لإرادة شعبه، وبين من يصور الأمر على أنه بداية نهاية نظام الملالي، الى اّخر ذلك من تحليلات..
المثير للإستهجان بل وللغثيان حقاًَ، أن الكثير من هؤلاء الكتبة كانوا هم أنفسهم أعضاء شلل المطبلين والمزمرين والمدندنين لدكتاتوريات عربية فازت وتفوز دائماًَ بنسة 99.9% من أصوات الناخبين..

ما الذي يحدث حالياًَ في إيران؟
ما يحدث هو صراع طبقي بكل ما في الكلمة من معنى، فهنالك الطبقة البرجوازية الثرية والتي تتمركز في شمال العاصمة طهران، وقد ارتبطت تاريخياًَ بنظام الشاه المخلوع، وفقد معظم أبناء هذه الطبقة الكثير من امتيازاتهم الاجتماعية ومصالحهم الاقتصادية بعد ثورة 1979، مما دفع بالكثيرين منهم للهجرة خارج البلاد حيث تمركز معظمهم في ألمانيا والولايات المتحدة، ثم ما لبثت أعداد كبيرة منهم أن رجعت في أوائل التسعينات حيث كانت الحرب العراقية الإيرانية قد انتهت، ووصل أحد أبناء هذه الطبقة وهو رجل الأعمال المتدين وصاحب الثراء الفاحش علي أكبر هاشمي رفسنجاني إلى سدة الرئاسة، فانتهج سياسة تشجيع رأس المال الإيراني على العودة والاستثمار في الوطن، ثم خلفه رجل الدين الليبرالي الثري أيضاًَ محمد خاتمي الذي تابع وتوسع في انتهاج سياسة رفسنجاني الرأسمالية.
المهم، عاد من كان يطلق عليهم في السنوات الأولى للثورة بالمستكبرين إلى الوطن، وقاموا بتأسيس صحف ونواد ومحافل ليبرالية استطاعت مع مضي الوقت استقطاب أعداد متزايدة من الشباب الطامح بالوصول إلى مراكز اجتماعية واقتصادية مرموقة في الدولة، وبالتالي الانتماء ولو بالتظاهر إلى صفوف الطبقة الراقية، وهكذا نشأت ظاهرة (المحسوبين على الطبقات الثرية)، وهم من خريجي الجامعات الجدد الذين استطاعوا تأمين وظائف في  المؤسسات الخاصة، وينفقون كل مرتبهم الشهري لمجرد سداد قسط السيارة الفاخرة وإيجار شقة في شمال طهران، ويقلدون في تصرفاتهم وسلوكهم الاجتماعي أبناء الطبقات المرفهة.
عرف (المستكبرون) العائدون أن الطريق لاسترجاع أمجاد الماضي الشاهنشائي ليس معبداَ بالزهور، فهناك الحرس الثوري والجيش والمخابرات التي تخضع بشكل مباشر لسيطرة (مرشد الثورة) خامنئي، وهناك كذلك رجال الدين المحافظون وأنصارهم من أبناء الطبقات الوسطى والفقيرة الذين مازالوا ينظرون للعائدين من أنصار النظام السابق بعيني الريبة والشك.
ولهذا كان لابد  كوسيلة وحيدة آمنة للتغلغل في السلطة، تأسيس تحالف مع بعض رجال الدين ممن تم تحجيمهم من  خصومهم ومنافسيهم في النظام الحالي لأسباب متعددة، وتكوين تيار سياسي جديد عرف فيما بعد بتيار (الإصلاحيين).
وهكذا تتضح الصورة فتيار (الإصلاحيين) في إيران يمثل مصالح طبقة رجال الأعمال وكبار التجار والملاك، ومعظمهم من الطبقات التي تحالفت تاريخياًَ وارتبطت مصالحها عضوياًَ في السابق بنظام الشاه، وتتركز مطالب هذا التيار في التسريع في الخصخصة والانفتاح الاقتصادي والاجتماعي على الغرب.
وهناك في المقابل ما يعرف بتيار (المحافظين) وهو يمثل مصالح رجال النظام التقليدين، الذين يشعرون أن أتباع الشاه قد رجعوا ليشيعوا الفساد في البلاد، ويسحبوا البساط تدريجياًَ من تحت أيديهم في سعيهم للإطاحة بنظام الملالي جملة وتفصيلاًَ. ويستمد هذا التيار تأييده من الطبقات الشعبية الفقيرة والمتوسطة وفئات الفلاحين والعمال.
وهذا يفسر لماذا جن جنون سكان مناطق شمال طهران حين ظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة بينما عمت الأعراس والاحتفالات المناطق الشعبية جداًَ في جنوب العاصمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
410