رسالة وجهها أوليغ شينين للرأسماليين الروس قبيل ترشحه لرئاسة روسيا.. أيها الرأسماليون: أنْتُمُ الأكثرُ حاجةً لنا! - 1 -
مثلما كان أوليغ شينين في حياته الحزبية خصماً عنيداً لانقلاب الثورة المضادة، الذي قاده خونة الشعب غورباتشوف ويلتيسن وأتباعهما، كذلك هي مواقفه الفكرية والسياسية التي أعلنها منذ الانقلاب عام 1991 وحتى قبوله فكرة الترشح لمنصب الرئاسة مازالت تعري وتفضح حقيقة الرأسماليين الجدد في روسيا ومختلف جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. وعندما وجه شينين رسالته إلى الرأسماليين الروس وخدم الرأسمالية العالمية، أظهر كذلك جذرية عدائه للرأسمالية العالمية كنظام استنفذ دوره التاريخي، ووضع لنفسه هدفاً - بعد رفض الشيوعية - هو الجشع وعدم الشبع الأبله والبهائمي.
أيها الرفاق الرأسماليون وخَدَمُ الرأسمال! مَنْ أنا وما هي حاجتي لكم؟
أنا سيميونوفيتش – رئيس الحزب الشيوعي للإتحاد السوفييتي ورئيس اللجنة الدولية «من أجل الاتحاد والحزب الشيوعي للاتحاد» والسكرتير السابق وعضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي. وبإمكانكم معرفة بقية التفاصيل عني إذا كانت لديكم رغبة في ذلك. أتوجّهُ إليكم نظراً لأنَّ رفاقي قد اقترحوا عليَّ المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في روسيا.
لماذا تجلبون المتاعبَ لأنفسكم؟
لنبدأ من بعيدٍ قليلاً مع العلم أنه يتوجب على أيِّ شخصٍ أن يفكِّرَ في ما سوف أقوله.
أنا شيوعي، وبالطبع، ضدَّ الرأسمالية، ليس لأنه لا توجد في الرأسمالية أبسطُ مظاهر العدالة الإنسانية (علماً أنَّ هذا السبب وحده كافٍ تماماً)، بقدر ما هو بسبب أنَّ الرأسمالية تجعل حياة الإنسان عديمة المعنى. فعلى سبيل المثال، أنتم تتخبطون وتتخبطون وتتخبطون. ولكن لماذا؟ وفي سبيل ماذا؟
في بداية حياتي ترأستُ شركات بناءٍ عملاقة. وباعتقادي أنَّ القلائل منكم يستطيعون اليوم امتلاك أو إدارة مثل هذه الشركات. كنتُ أدور كالسنجاب في الدولاب، ولكنني كنت أعرفُ في سبيل ماذا ولأيِّ هدف: لقد كنتُ أبني الشيوعية. فالشيوعية هي مجتمع المساواة الاجتماعية الكاملة. ولهذا السبب كانت حياتي ذات معنى. صدِّقوني، لقد كان هناك الكثيرون من أمثالي من حولي وبين صفوف مرؤوسيَّ ورؤسائي، وكانوا يعرفون هدفهم في هذه الحياة. الحياة هي الحياة والناس هم الناس. وكان يوجد بين مرؤوسيَّ مَنْ لم يحبُّني أو كان يخافُ مني فقط، إلا أنَّ الأغلبية كانت تحترمني بكل صدق.
هل تعرفون ما معنى أن يحترمك الناسُ من صميم قلوبهم؟ ليس لأنك صاحب سلطة، وليس لأنك تمتلكُ الكثير من المال، وإنَّما لأنك أنتَ كما أنتَ.
اسألوا أنفسكم: هل يحترمُكم أحدٌ اليوم؟ الذي يخافكم، نعم، يحترمُكم. وكيف لهم ألا يخافوكم لطالما بإمكانكم أنْ تقطعوا عنهم لقمة عيشهم أو أنْ تُخفِّضوها لهم. غير أنَّ نتيجة الخوف ليس الاحترام وإنَّما الحسد. نعم، إنَّهم يتملَّقون لكم، وليس لديهم خيارٌ آخر لطالما بإمكانكم أنْ تعطوا لِمَنْ يتزلَّفُ أمامكم المالَ على شكل صدقةٍ أو برطيل. غير أنَّهم وبمجرد أنْ يستلموا منكم المالَ يبدؤون فوراً باحتقاركم. إنَّهم أذكياء لأنَّهم استفادوا على حسابكم، ولا يهمهم مَنْ تكونون سواءً كنتم رجال أعمال أو موظفين حكوميين أو مصرفيين أو رجال قانون أو ندلاء. الجميع يضحك لكم، ولكن في أعماقهم يزدرونكم.
نعم! ولكن مقابل ذلك لديكم أموالٌ كثيرةٌ. ولكن ما حاجتكم للمال الوفير؟ هل أنتم بحاجةٍ لشراء شيءٍ ما؟ وهل ينقصكم شيء ما لكي تعيشوا حياةً طبيعيةً؟ هل لم تتذوقوا بعد مراراً كافة أنواع الطعام ولم تُجرِّبوا بعد مراراً كافة أنواع اللباس؟ وهل يوجد شيء لم تشتروه بعد؟ هل لم تشتروا بعد أفخر ماركات السيارات، ولم تبنوا بعد أفخر الفِلل لكي تستطيعوا ذرَّ الرماد في عيون الآخرين؟ وهل كلُّ هذه الأشياء تستحقُّ العمل من أجلها؟ ما حاجتكم للأموال التي تُكدِّسونها وتجلسون عليها؟ عندما تموتون أعطوا الأوامر لكي يرسلوها لكم إلى القبر.
آه! نعم! يوجد لديكم أبناء! وأنتم تُكدِّسون الأموال لهم. ألا تعتقدون بأنَّ أبناءكم سوف يكونون أكثر سعادةً فيما لو شقُّوا بأنفسهم طريقهم في الحياة ولم يتحولوا إلى دواب تحرق ما كدَّستموه؟ نعم! سوف يتذوق الجميعُ ملذَّات الحياة الفاسدة، ولكن ماذا بعد؟ بعد ذلك سوف يكون طريقهم بلا شك، نحو المخدرات. أم أنكم لم تسمعوا بأمثلةٍ في وسط ما يُسمى بالشباب الذهبي؟ هل تظنون أنكم بأموالكم سوف تستطيعون جلب السعادة لأبنائكم إذا لم يحصلوا هم عليها بجهودهم كما فعلتم أنتم على أقل تقدير؟
الجبن والخيانة... والمستقبل
ويبقى السؤال هو: في سبيل ماذا أنتم تتخبطون؟ لأنَّ الجميع من حولكم يتخبطون؟ إنهم ينظرون إليكم. أم لأنَّ الوضع في العالم أجمع كذلك؟ لقد جُنَّ العالمُ وأصبحَ يسيرُ على غير هدى لأنَّه رفض الشيوعية، ووضع لنفسه هدفاً في هذه الحياة هو الجشع وعدم الشبع الأبله والبهائمي.
في بداية آب 1991م، كان من الممكن إنقاذ البلد وتحقيق رغبة الشعب في المحافظة على الإتحاد السوفييتي لولا جُبْنِ البعض وسفالة البعض الآخر وخيانة آخرين... علماً أنَّ الجميعَ أقسمَ يمينَ الوفاء. الأمرُ مرعبٌ، ولكن هذه هي الحقيقة. لقد انتسب العديدُ من أعضاء المكتب السياسي وموظفي الجنة المركزية طواعيةً إلى اللجنة تصفية الحزب الشيوعي السوفييتي.
لقد أدخلوني السجن في سن الرابعة والخمسين. وبالمناسبة، في كانون أول 1958، عندما كان عمري 21 سنة، حكمت عليَّ المحكمة السوفييتية بالحبس لمدة سنة ونصف بتهمة الإخلال بقواعد الأمن، وفي ذلك الحين كَبُرَ في عائلتنا كلٌّ من أوليا وأندريه. في الحقيقة حدثت حادثةٌ مفجعةٌ أثناء أعمال البناء. توفي شخصان. وحينها كنت أنا المسؤول عن تنفيذ أعمال البناء. وبهذا الشكل دخلتُ إلى ما يُسمَّى بالمعسكرات الستالينية التي نسجوا حولها الكثير من الحكايات والأساطير المرعبة الملفَّقة.
لم يَعُدْ ي. ف. ستالين ضمن عداد الأحياء، غير أنَّ الأنظمة بقيت على حالها. أستطيعُ القول وبكامل المسؤولية إنَّه لم تكنْ هناك أية أعمالٍ وحشيةٍ في هيئة السجون، ولم يكن هناك أي أثرٍ لحالات تعذيبٍ أو إهانة للمحكومين أو ما شابه ذلك، ولم يكنْ هناك جوعٌ أيضاً. وبالنسبة للذين لم يكن يكفيهم التعيين المقرر للمعسكر كان يوجد على الطريق المؤدية إلى المطعم برميلان: على اليمين برميل مليء بالسمك المكبوس وعلى اليسار برميل مليء بالخبز.
بالطبع، السجن هو سجن. ولم أجلس هناك بلا أي عمل. قمتُ أنا وشريكٌ لي بوضع مخططٍ لمحطة ضخ، وجهَّزنا في المعسكر (صندوق بريد د. ف. – 9/3) شبكةً للتخلص من مياه المجاري. وبالنتيجة تمَّ الإفراج عنِّي قبل انقضاء المدة في أيلول 1959م.
وبناءً على مسيرة حياتي هذه أستطيع القول دون أي تواضع كاذب إنَّ حياتي إن لم تعادل حياة خمسة أشخاص، فهي تعادل حياة ثلاثة أشخاص. كان بإمكاني منذ مدةٍ طويلةٍ أن أُعلن عن نفسي أني سجين النظام التوتاليتاري (الشمولي) أو ضحية الاضطهاد السياسي، غير أنني بقيتُ وفياً للقضية التي أناضلُ من أجلها. واليوم، وأنا في سن التاسعة والستين، أحزنُ لأنَّ كلّ شيء كنت قد بنيتهُ قد هُدِمَ تقريباً. لقد هُدِمَ تعبُ عِدَّةِ أجيالٍ وتعبُ آبائنا وأمهاتنا الذين بنوا أقوى دولة. ومن بين أترابي الذين أعرفهم جيداً هناك القليل جداً الذين مازالوا أوفياء لقضيتهم. إنهم أوفياء بالكلام فقط أما بالفعل فلا.
أنا أستغرب لماذا لا يُقلقُ الكثيرَ منهم مصيرُ أحفادهم وأبناء أحفادهم الذين سوف يُحْرَمون من الطفولة ومن الصعب التكهن كيف ستكون فترة شبابهم وحياتهم بشكل عام. فالطفل دون مرافقة الكبار لا يستطيع التنزه أو اللعب بالكرة أو الهوكي كما كانت عليه الحال في الزمن السوفييتي. أين سوف يفرِّغُ الأطفالُ الطاقةَ الموجودة لديهم؟ وأين سوف يزيلون توتراتهم؟ فها قد ظهر ملايين الأطفال المشردين والمتسكعين الذين يتعاطون المخدرات ويلعبون القمار. لا يمكنني رؤية كلَّ هذا وأبقى هادئاً. والآن الكثيرون يرون أنَّ الحياة في الغرب الملعون هي الحياة الطبيعية. ما هي حاجتنا لها؟
في الاتحاد السوفييتي كانت السلطةُ في خدمة الشعب. استطاع من يُسمُّون أنفسَهم بالديموقراطيين كيل الاتهامات الكاذبة للسلطة السوفييتية وتشويه معتقدات الناس. غير أنَّ أعيادنا، وكذلك أفلامنا وأغانينا التي نراها ونسمعها اليوم ولو بشكلٍ نادر، تُذَكِّرُنا بأنَّ الحياة آنذاك كانت طبيعية وإنسانية وليست حيوانية كما هي الحال الآن. عندما كانوا يرشِّحون شخصاً لمنصبٍ ما كانوا يعرضون سيرة حياته النضالية على شاشات التلفزة وعلى صفحات الجرائد. الآن هذا الشيء غير معمول به. لماذا؟ لأنه لا يوجد لدى قادة البلد الحاليين ما يُقدِّمونه للرأي العام سوى ما يتفوهون به هم أنفسهم من أكاذيب. وقد قال هذه العبارة بطلُ الكاتب فاسيلي شوكشين في فيلم «الصحافي».
وبهذا الشكل جئتم أنتم ووجدتم كلَّ شيءٍ جاهزاً سلفاً (على البارد والمُبَرَّد)، وتحاولون إظهار أنفسكم على أنكم كبار، ولكنكم لا تستطيعون تقديم أيِّ شيءٍ للشعب سوى ما تتفوهون به من أكاذيب.
اعمل لنفسِك دولة.. دَعك من كل هذا!
قد يقول ذلك الكثيرون منكم. لقد أودعنا أموالنا الغالية منذ فترةٍ طويلةٍ في بنوكٍ موثوقةٍ في الخارج، وإذا ما حدث أيُّ شيءٍ نطيرُ على وجه السرعة إلى هناك إلى تلك البلدان المتحضِّرة.. الفكرة جيدة جداً، ولكن للوهلة الأولى فقط.
لنبدأ بالسؤال التالي: هل هم بحاجة لكم هناك؟ الغربُ ينهبُ الاتحاد السوفييتي، وهم بحاجةٍ ماسَّةٍ لكم هنا، في روسيا تحديداً، لكي تساعدوا الغربَ على سرقة ثرواتها. نعم، هم مازالوا يتحمَّلون وجودَكم هناك في الغرب، ولكن ترى هل لفترةٍ طويلة؟
هل أنتم بحاجةٍ للتواجد هناك في وسط أناسٍ ذوي قيمٍ ووجهات نظرٍ في الحياة مختلفةٍ تماماً؟ كان يبدو أنَّ اليهودَ هم شعبٌ بلا وطن، وأنتم تذكرون كيف كانوا في السابق يتشوقون للذهاب إلى «إسرائيل»، أما الآن فإنَّ نسبة اليهود الذين يعودون سنوياً إلى موسكو من «إسرائيل» تزيد عن نسبة اليهود الذين يذهبون إلى هناك من كافة أنحاء روسيا. إذاً حتى أنَّ كلمة وطن ليست مجرد اسم لا معنى له، فما بالك بالوطن.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أصبحَ رجلُ الكاوبوي السمين دون رأس سيدَ العالم. الآن لا يجوز حتى تسمية الولايات المتحدة الأمريكية بالدولة. فهي في حقيقة الأمر تعيش على حساب طباعة الأوراق الخضراء المرسوم عليها صور رؤسائها. نعم! إنَّ العديد من حكومات بلدان العالم بما في ذلك الحكومة الروسية، هي عبارة عن عبيد لدى الولايات المتحدة الأمريكية. ومهما كانت العلاقة مع هذه الحكومات فإنَّه لا يوجد في العالم رئيس مثل بوش. لقد أكَّدَ الطِّبُ أنَّ بوشَ لا يصلح حتى لأن يكون سائق باص في نيويورك من حيث مستواه العقلي. من هنا نستنتج أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية وكل العالم الذي تتشوقون إليه مقودٌ من رجلٍ أبلهٍ. أليس كذلك؟
تصوَّروا ماذا كان سوف يحدث في شركةٍ ما لو كان يديرها شخصٌ غبيٌ دون عقل، ولا يفهم كيف، وماذا يحدث لديه في هذه الشركة؟ في هذه الحالة سوف يديرُ الشركةَ الشخصُ الذي يعرفُ كيف يرفعُ إلى ذلك الشخص الأهبل للتوقيع الوثيقة اللازمة.
فَمَنِ الذي يقودُ رجلَ الكاوبوي دون رأس هذا؟ ماذا يريد وماذا ينوي أن يفعل مَنْ يمتلكُ فعلياً السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل سوف يَدُسُّ لذلك الرئيس المعتوه تلك الوثيقة اللازمة نفسها؟ ألنْ تتضمن هذه الوثيقة مرسوماً يقضي بمصادرة الممتلكات العائدة لكم في الخارج؟
ألا تعلمون أنَّ الأمريكيين أناسٌ يختلفون عنَّا تماماً! أنتم تذكرون شاه إيران الذي أحبَّ الأمريكيين كثيراً، وهم أيضاً كانوا يتظاهرون بحبهم له. هم أحبُّوا الشاه ومن ثم أطاحوا به. ثم ذهب الشاهُ ليلحق بأمواله معتقداً بأنَّه سوف يستمرُّ في سلطته. إلا أنَّ الأمريكيين أخذوا أموالَه وصادروها. فالشاهُ لم يَعُدْ شاهاً، وهم الآن ليسوا بحاجةٍ لخدماته. أما الفلوس فهي فلوس أينما كانت. وهم بحاجةٍ لها دائماً. نعم! الأمريكيون يصرخون على كلِّ العالم متشدِّقين بقدسية الملكية الخاصة، ولكن ينبغي أنْ نركِّز الانتباه عن أية ملكيةٍ خاصةٍ يتحدثون. إنهم يقصدون بذلك ملكيتهم الخاصة فقط. إنَّ الولايات المتحدة الأمريكية منذ زمنٍ بعيدٍ إمبراطورية الكذب، ولهذا السبب لا يثق بها ولا يرغب بالعيش فيها إلا الأغبياء فقط.
ومثال آخر. كانت هناك حربٌ في فيتنام. وكان هناك سكانٌ محليون خانوا شعبهم. بعد ذلك اضطر الأمريكيون للرحيل عن فيتنام، وكان من المفترض أن يهتمَّ الأمريكيون بهؤلاء الفيتناميين. ولكن إذا تمَّ ترحيلُ هؤلاء الخونة إلى الولايات المتحدة الأمريكية حينها يتوجب على الأمريكيين تدبير شؤونهم ودفع رواتب تقاعدية لهم وإلى ما هنالك، ولهذا السبب لم يرفض الأمريكيون إجلاء الخونة الفيتناميين إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقط، لا بل لم يُتلفوا قوائم أسماء عملائهم في سايغون. ومن الواضح أنَّ الشعب الفيتنامي نَفَّذَ الحكمَ اللازمَ بحق هؤلاء الخونة. وعلى حساب ذلك حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على فوائد اقتصادية كبيرة. أما الخونة فلا أحد يحبهم، ولا مكان لهم بين الشعب.
أين إذاً المخرج؟ إنَّ المخرج وحيدٌ، وهو أنَّ روسيا يجب أن تكون دولةً قويةً بحيث لا تتجرأ دول الناتو على النظر في وجهها. أريد أن أذكِّركم بأنَّ روسيا كانت في أوج قوتها عندما كانت ضمن قوام الاتحاد السوفييتي. لقد كانت قويةً عندما كانت تبني الشيوعية. يقول المثل: «لا تستطيع أن تدخل مرتين إلى ماء النهر نفسه»، ولا يجوز أن تفعل ذلك أصلاً. غير أنَّ هدفكم ليس هو إنشاء على أراضي الاتحاد السوفييتي دولةً أقوى من الناحيتين العسكرية والاجتماعية من هذه الدولة.
هذا هو الهدف الذي يجعلكم بشراً محترمين في الداخل وفي الخارج.
بشأن الملكية الخاصة
أسمعُ البعضَ منكم يَرُدُّ عليَّ بالقول: «دعكَ منهُ! هل سنخدمُ الوطن معكَ! إنَّكَ ما إنْ تصل إلى السلطة حتى تُصادرَ كلَّ ممتلكاتنا».
السؤالُ، طبعاً، شيقٌ. وسوف أردُّ عليه. وهل هذا سوف يكون ظلماً بالنسبة لكم؟ إنَّ خُدَّامَ النظام الحالي الذين يؤمِّنون هذه الإمكانيات يسرقون ما بُنيَ بعرق وكدح الأجيال السابقة من الشيوعيين، ويُرَدِّدون على ألسنتهم المثل القائل «يوجد لدينا ملكية خاصة، ولكن ليست شريفة».
غير أنني إنسان شيوعي، وكلمة شيوعي مشتقَّة من كلمة كومونة أي العموم، عام، عمومي. بالنسبة لي لا توجد عدالة مجرَّدة، أي عدالة منعزلة عن مصالح المجتمع والكومونة. ولهذا السبب يمكنكم الاسترخاء، وجرِّبوا أن تفهموني.
يوجد مفهومٌ اسمه الثورة، أي تَغَيُّر المجتمعات على شكل وثبات، أي الانتقال من نظام اجتماعي – سياسي قديم إلى آخر جديد يتم فيه، في حالتنا هذه، مصادرة الملكية الخاصة على وسائل الإنتاج وتأميمها فوراً. وفي هذه الحالة سوف يكون أصحابُ الملكية الخاصة السابقون غير راضين عن هذه المصادرة، وسوف ينظمون مقاومةً عنيفةً. وأنتم تذكرون جيداً كيف أنَّ التدخل الأجنبي سَبَّبَ حرباً أهليةً. وكما تعرفون أنه في الحرب تختبئ الأشياء الوسخة في الخلف، وفي المعارك يستشهدُ أفضلُ الناس من كلا الطرفين. فهل يريدُ المجتمعُ أنْ يَفْقِدَ خيرةً أبنائه؟
تعالوا لنشغِّل عقلنا ونفكِّر سويةً. هل من الممكن تلافي المواجهة بين الرأسماليين والشيوعيين من أجل مواطنينا ومن أجل مجتمعنا؟
ما الشيء الذي قد يكون سبباً لهذه المواجهة؟ نزعُ الملكية الخاصة عن وسائل الإنتاج. وما الحاجة لفعل هذا؟ هل لكي تصبح وسائلُ الإنتاج هذه في خدمة المجتمع بالكامل. وهل الهدف النهائي من كلِّ هذا هو وسائل الإنتاج؟ وهل الهدف هو نزع الملكية الخاصة أم جعل هذه الملكية في خدمة المجتمع؟ أعتقدُ أنكم تفهمون جيداً أنَّ الهدف هو أنْ تصبح هذه الملكية في خدمة المجتمع، أما التأميم فما هو إلا واسطة لذلك.
نعم! هناك الكثيرون مِمَّنْ يسمُّون أنفسهم بالشيوعيين، وهم في حقيقة الأمر رومانسيون يائسون. هم يعتقدون بأنَّ التأميمَ هو الوسيلة الوحيدة ولا يوجد من وسيلةٍ أخرى سواها. لنفترض أنَّ مالك وسائل الإنتاج لا يخدم أطماعَه وجشعَه وإنما يخدمُ المجتمعَ، فهل من الضروري نزع ملكيته على وسائل الإنتاج؟
هل اقتراحي هذا بشأن السلام يدلُّ على ضعفي أو جبني؟ أنا، نعم، أخاف، ولكني أكثرَ ما أخافهُ هو أن أموتَ قبل أنْ أفعل كلَّ ما أستطيعً فِعله من أجل وطني ومن أجل الشيوعية. وإذا كان الشيءُ الوحيدُ المتبقي لي هو أنْ أموتَ على متاريس الثورة فإني مستعدٌّ له، ويا مرحباً بالموت، وبإمكانكم ألا يكون لديكم أدنى شكٍّ في هذا. فيا ليت أنْ يكون لديكم مثلُ هذا الاستعداد للموت من أجل أملاككم مثل استعدادي للتضحية بنفسي من أجل الشيوعية.
أوليغ شينين - ترجمة قاسيون
• يتبع..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 413