منتدى «فالداي»: النظام العالمي يتحوَّل
ركَّز الاجتماع الثالث عشر لمنتدى «فالداي» على مناقشة تحول النظام الدولي العالمي والتفاعل بين القوى العالمية الثلاث: الولايات المتحدة وروسيا والصين. إن تشكيل «عالم الغد» هو الموضوع الرسمي لمنتدى فالداي، والذي بدأ يوم 25 تشرين الأول في مدينة سوتشي الروسية.
إن كنا لا نتفق بشكل كلي مع الآراء الواردة فيما يلي، نشير بدايةً إلى أن الأزمة الرأسمالية وعمقها سيكون لهما عواقب تتجاوز مسألة تعدد الأقطاب فقط، ما يجعل من قرارات السياسيين عوامل ثانوية- وليست أساسية كما يرد في بعض الآراء- بالمقارنة مع ما تفرضه الظواهر الموضوعية.
بقلم: فلادي كوروف
بشكل تقليدي، يجمع «فالداي» الخبراء والأساتذة والمسؤولين السابقين والدبلوماسيين من أنحاء العالم المختلفة، وينظر إليه على أنه إحدى منصات المناقشة الأكثر نفوذاً في روسيا. أما الموضوع العام لاجتماع «فالداي» الـ13 هذا العام يأتي في الوقت المناسب تماماً، في وقت يخضع العالم فيه حالياً لعملية تحول.
هناك تحرك في الحدود الدولية، وتحول في إدارة المؤسسات العالمية المسيطرة، وتغيير في التحالفات ومراكز القوى العالمية. خلال الجلسة الأولى في «فالداي»، ناقش المشاركون: المشاكل التي تنتج عن هذه التحولات، والهيكل المتغير لـ«عالم الغد». ووافق معظم المشاركين في المنتدى على أنه هناك ثلاث قوى في العالم: الولايات المتحدة والصين وروسيا. واللاعبون الثلاثة لديهم رؤاهم الخاصة حول آلية تغيير النظام العالمي الحالي. ولأن موضوع «عالم الغد» هو أحد أهم الأسئلة في الشؤون العالمية، فإن السؤال يبرز كذلك اليوم هو: كيف ستكون العلاقة بين هذه الدول الثلاث؟
وهذا يشمل: العلاقات الأميركية الروسية، والصينية الروسية، والصينية الأميركية، والتي سيكون لها أثر كبير مباشر على شكل التحول لهذا النظام العالمي الحالي، والذي سيحدد بشكل أوسع كيف سيبدو «عالم الغد».
الولايات المتحدة
متنت التحالف الروسي الصيني
وحسب رؤية البروفيسور، جون ميرشماير، من جامعة شيكاغو، والمعروف برؤاه الواقعية الجديدة للنظام العالمي، والذي يرى أن حالة الشؤون العالمية التي تنتقل من وحيد القطب إلى متعدد الأقطاب والرؤى حول عودة القوى السياسية الكبرى، فإن السنوات الأخيرة أجبرت الولايات المتحدة على مواجهة تحديين لهما بعد كبير، روسيا والصين اللتان تضعان بشكل طبيعي قيوداً على قواها العالمية، بحيث سيكون لهذه القيود تأثير على شكل النظام العالمي الجديد.
في الحقيقة، فإن ميرشماير يدفع بالقول إلى أن العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين سيتم تحديدها من خلال العلاقات الأميركية الصينية والعلاقات الأميركية الروسية، حيث أن الصين تنمو بشكل قوي جداً وتستثير نظام التنافس العالمي مع الولايات المتحدة. ويجري هذا التنافس في ظل تنامي الشحن الجاري في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، فبشكلٍ أساسي، قامت الولايات المتحدة باستفزاز النخب في روسيا، الأمر الذي أدى إلى فشل في تقدير جهود روسيا المشروعة، والدفع بحلف «الناتو» إلى التوسع شرقاً. هذا الأمر أدى إلى تغيير في ديناميكية الأمن.
وفي كل خطوة استفزازية قامت بها الولايات المتحدة، كانت تدفع، من حيث تدري أم لا، إلى تمتين العلاقات الروسية الصينية بشكل واضح، حيث أن حالة الاستعداء التي كانت تبديها واشنطن إزاء إحدى الدولتين، كانت تنعكس بشكل آلي إلى روابط أوثق فيما بينهما.
وحسب مارشماير، فإنه من المقدر للعالم أن يكون مكاناً للتنافس الدائم بين القوى الكبرى في العالم، وهذا أمر لا مفر منه، وسيجري التعاون بين هذه القوى بالاعتماد بشكل كبير على رجاحة عقل قادة البلدين، والقرارات التي يتخذونها، حسب تقدير الباحث.
العودة إلى «مجموعة العشرين»؟
في المقابل، يقول رئيس الوزراء الأسترالي السابق، كيفين رود: أن لعبة محصلتها صفر ليست حتمية والتعاون بين القوى العالمية هو ممكن- ولكن ذلك يعتمد إلى حد كبير على الزعماء وقراراتهم.
وقال أنه لا يتفق مع ميرشماير، وكلامه حول استحالة التوفيق بين مصالح القوى العظمى التي تتعارض مع بعضها البعض، ويؤكد: أن القادة لديهم القدرة على التوفيق، وبالتالي تغيير الوضع الراهن.
ويشير رود إلى أن الزعماء قادرون أن يختاروا طريقة الأداء، «فمقدار أوجه الشك تجاوزت مقدار الأمور الأكيدة»، مما جعل النظام القائم أقل أمناً واستقراراً. ويقترح رود: أنه يمكن تثبيت هذا الوضع، حيث يشير إلى أن أحد الاحتمالات لجعل العالم يعمل بشكل أفضل، من خلال دور أكبر لمجموعة العشرين، حيث يعمل اللاعبون الأساسيون على تطوير اتفاقيات استراتيجية حول أداء النظام العالمي.
تقليم المخالب الأمريكية
بدوره، يرى عميد كلية الاقتصاد العالمي والشؤون الخارجية للمدرسة العليا للاقتصاد البروفيسور، سيرجي كراكانوف: أن عالم الغد سوف يعتمد على شروط الاقتصاد حيث سيادة الدول ووحدة أراضيها متضمنة مع أخذ مصالحها بعين الاعتبار.
ويقول أيضاً: إن النظام العالمي الجديد الذي ينشأ حالياً سيتسم بالتعددية السياسية، وحق كل دولة في اختيار نهجها الخاص في التنمية. وحسب كراكانوف، هذا ما قامت به روسيا والصين في السنوات الأخيرة- تغيير نظام العالم وحيد القطب المفروض من قبل الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة مع موسكو، ومعالجته بصلابة. وفي الواقع، إن ظهور التكتلات الاقتصادية والسياسية الضخمة، مثل تلك التي يتم تشكيلها حالياً من قبل روسيا والصين في أوراسيا، فإنها تساهم في هذا التغيير.
ومن أجل اعتماد خيار يهدف إلى كبح مخاطر أية مواجهة كبرى بين القوى الكبرى في المستقبل، فقد اقترح كراكانوف: تعزيز دور وأهمية الأسلحة النووية في النظام العالمي الجديد لأنه، وبحسب كراكانوف، فإن هذا الاتجاه هو الذي أنقذ البشرية من كارثة خلال فترة الحرب الباردة، وهذا الأمر مازال يعمل على إنقاذ العالم اليوم، بوصفه عامل ردع.
الصين لن تمارس سلوكاً أمريكياً
من جهتها، تفسر رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشعب الوطني الصيني، السيدة فو ينغ، «إحجام الصين» عن اتخاذ موقف أكثر تشدداً على الصعيد العالمي بالقول: «ترى الصين أن هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي تعتبر نوعاً من الفوضى، ولذلك فهي تظهر عدم الرغبة في تبني ذلك. فلماذا يتعين على الصين أن تكرر الأخطاء التي قامت بها الولايات المتحدة؟ من هنا نتبين أن رؤية الصين لعالم الغد تحمل العديد من القواسم المشتركة مع روسيا».
وتلمح ينغ إلى أن الصين عموماً، تدعم النظام العالمي القائم حالياً، مع دور مؤسساتي رائد للأمم المتحدة فيه. وفي الوقت ذاته، تشير ينغ إلى أن هذا الأداء يحتاج إلى تحسين. وهي ترى سبباً مفتاحياً لهذا التحسين من خلال جعل النظام الحالي أكثر شمولاً، وجعله مكاناً تؤخذ فيه مصالح الدول جميعها بالاعتبار.