روبرت شـير / ترجمة: أ. ج  روبرت شـير / ترجمة: أ. ج 

عبثية حرب أوباما في أفغانستان

صحيح أن باراك أوباما لايشبه ليندون جونسون بشيء إلا من حيث طريقة تعاطيه مع أفغانستان، غير أنه مهدد بالغوص في مستنقع قد يغرق رئاسته. والأفكار التقدمية ملأت رأس جونسون أيضاً، وأولها حربه على الفقر، غير أنها سرعان ما خبت بسبب التكلفة الباهظة والانشقاق الداخلي، الناتجين عن حرب عبثية بدت آنذاك لا نهائية في فيتنام.

«العبثية» هي الصفة الملائمة لحرب أفغانستان بالقدر نفسه، ذلك أن محاولاتنا الحثيثة لإخضاع هذا البلد لا علاقة لها بالهدف المعلن «حماية أمننا القومي». ومثلما أن فيتنام لم تكن يوماً دمية في يد الصين الشيوعية أو الاتحاد السوفييتي، ليست حركة طالبان وكيلاً لتنظيم القاعدة. في كلا المثالين تورطت الولايات المتحدة في صراع أهلي لم تستطع التحكم بتوتره وحِدّته، كما عجزت عن ضبط النزعة العسكرية.

وكما لم يكن شيوعيو فيتنام يوماً يمثلون امتداداً لعدو شيوعي دولي يتعذر اجتناب مواجهته، والدليل على ذلك أن فيتنام والصين الشيوعيتين أقرب شركائنا التجاريين في هذه الآونة، فلا يجوز النظر إلى حركة طالبان باعتبارها امتداداً لتنظيم القاعدة الشرق أوسطي المنشأ، الذي جندته الولايات المتحدة أساساً كي يتوجه إلى أفغانستان لقتال السوفييت.

أولئك العناصر المجندون، بمن فيهم خالد شيخ محمد العقل المدبر المزعوم لهجوم 11/9، وصاحب رأس المال أسامة بن لادن، اجتمعوا في أفغانستان ليخلع عليهم رونالد ريغان، بكثير من المغالاة، لقب «مقاتلو الحرية». وجدير بالذكر هنا، أن حركة طالبان ذات التمويل الأعلى والنسبة الأكبر من العرب بين مقاتليها حتى الآن، وباعتبارها حليفاً مؤقتاً للولايات المتحدة، تمكنت من الوصول إلى سدة السلطة بفضل دعم المخابرات المركزية الأمريكية غير المفهوم، وتدخلها غير المضبوط.

وحتى هذه اللحظة، لا يوجد أي دليل جدي على أن حركة طالبان حرضت على القيام بهجمات 11/9، أو أنها كانت على علم مسبق بها.

علاوة على ذلك، إن الإصرار الدائم على ضرورة سحق طالبان بالوسائل العسكرية كشرط لازم لهزيمة تنظيم القاعدة، يمثّل إنكاراً تاماً لعالمية إرهاب القاعدة الذي ينشط بفعالية في دول مثل الصومال وإندونيسيا وإنكلترا وباكستان وغيرها.. في حين أن حصار تنظيم كهذا لا يتطلب أكثر من نشاط لقوات الشرطة والأمن، بدل النشر الاستعراضي الواسع للقوات العسكرية الرسمية على أمل إيجاد أو ابتداع حرب يمكن إحراز النصر فيها. هذا الأمل الباهت هو الدافع الكامن خلف كل الجهود المضنية في أفغانستان، وما أنتج إلا استعراضاً للقوة النارية في حرب مع الأشباح (علماً أن الشهرين الأخيرين هما الأكثر كلفة من حيث عدد القتلى الأمريكيين).

وبينما تُعد حركة طالبان ميليشا تقليدية تملك هامش مناورة واسعاً في مواجهة الجيوش النظامية، يصر جنرالات الميدان مرة أخرى أنه يمكن قلب الأوضاع السيئة إذا أرسلت الولايات المتحدة عدداً أكبر من القوات، وحتى لو ارتفع عديد القوات الأمريكية إلى 68 ألفاً ضمن جيوش التحالف البالغ عددهم 110 آلاف، إذ يؤكد الجنرال ستانلي ماك كريستال أن «الوضع في أفغانستان خطير جداً...»، ثم يتابع قائلاً «لكن بإمكاننا إحراز النجاح»!

لكن، لحسن الحظ، ألقى وزير الدفاع روبرت غيتس بعض ظلال الشك حول هذه النقطة، باعتبار أن حجم القوات الأمريكية يتناسب طرداً مع السلبيات الناتجة عنه: «أبديت بعض القلق سابقاً من حجم البصمة الأمريكية، حجم بصمة قدم القوات الأجنبية المتواجدة في أفغانستان، وبالتأكيد عليّ الاهتمام بهذه المسائل. وكلما فكرنا بحجم قواتنا، علينا التفكير في التكاليف».

ولقد استخدمت تعبير «لحسن الحظ» لأنه لو توفرت هذه الرؤية لدى وزير الدفاع الآخر، روبرت ماكنمارا، أثناء الاستعداد للحملة على فييتنام، ما كان حرّض على ما أقر بخطئه بعد عقود من الخسائر الكارثية في الأرواح والأموال: 59 ألف قتيل أمريكي، ونحو 3.5 مليون قتيل هندو-صيني، غالبيتهم العظمى من المدنيين. كنت مراسلاً في فييتنام إبان بدء تجهيز الحملة، آنذاك كما الآن، التفاؤل السائد لم يكن مبنياً على أساس الحقائق على الأرض. آنذاك كما الآن، ارتبطت الحرب بانتخابات ودعم سياسيين محليين بهدف كسب قلوب وعقول أبناء الشعب الذي نقصفه. وآنذاك كما الآن، تبين استفحال فساد حلفائنا من الزعماء المحليين، الحالة التي يستثمرها بسهولة ويسر من نطلق عليهم لقب «أعداء».

يتعين على أولئك المتحمسين لتصعيد الحرب الأفغانية الاعتراف قبل كل شيء بكلفتها المرجح تصاعدها. وإذا كان قد فشل الـ110 آلاف جندي، فهل سنحتاج إلى نصف المليون الذين أرسلناهم ذات يوم إلى فيتنام ذات التضاريس الصعبة؟ وهل بمقدورنا رفع القوات إلى هذا الحد دون إعادة النظر بأسس الخطط دستورياً؟

آن للديمقراطيين أن يتذكروا أن حزبهم هو الذي دفع الولايات المتحدة إلى أكثر المغامرات العالمية تدميراً، وأن يبادروا على الفور إلى نشل رئيسهم من لجة الهاوية قبل فوات الأوان.

 

■ المصدر: www.Truthdig.com