جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

من سيملأ الفراغ الذي سينشأ عن الانحسار التدريجي للهيمنة الأمريكية؟ حميدي العبد الله لـ«قاسيون»: يجب الرِّهان على الشارع العربي لأنه هو من صنع المقاومة!

مع تفاقم الأزمة الكبرى للرأسمالية العالمية، الأمريكية منها على وجه الخصوص، بدأت تظهر على أطرافها، في الدول ذات الإمكانات الكبيرة في الشرق المرتبطة بها تاريخياً، مؤشرات أولية لمحاولة ملء الفراغ الذي راح ينشأ بشكل تدريجي بسبب انشغال المأزومين بأزمتهم وتراجع قدرتهم على التحكم بالشكل السابق.. ولعل هذا أبرز ما يطبع السياسات الجديدة لكل من السعودية وتركيا في الوقت الحاضر.. هل توافقون على هذا التحليل، وما هي سقوفه استراتيجياً؟

ملء الفراغ
 قبل التطرق إلى العوامل التي تدفع ببعض الدول الإقليمية المؤثرة التي كانت جزءاً لا يتجزأ من الإستراتيجية الأمريكية إلى تبني سياسات فيها نوع من الاستقلال والابتعاد النسبي عن الإستراتيجية الأمريكية، نتعرف على أمرين أساسيين: الأمر الأول مرتبط بالقوى الإقليمية، والأمر الثاني مرتبط بالولايات المتحدة، في الأمر الأول نقول إن دوافع وأسباب التحول في الموقف التركي مختلفة عن دوافع وأسباب التحول في الموقف السعودي، فالسياسة التركية سجلت تمايزاً عن السياسة الأمريكية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عشية اجتياح واحتلال العراق بعد احتلال أفغانستان، بينما الانعطاف في السياسة السعودية برز عندما منيت السياسة الأمريكية بالفشل وتعثرت مخططات الولايات المتحدة، وحدث جدال داخلها حول جدوى السياسة السابقة، وهو ما أدى لوصول أوباما والخطاب الذي تبناه.. جاء التحول في الموقف السعودي كنتيجة للتحول في الموقف الأمريكي، بينما التحول في الموقف التركي كان نتيجة عوامل أخرى أهمها: متغيرات كانت تتراكم في تركيا منذ الخمسينيات باتجاه العودة عن سياسة التغريب انطلاقاً من حراك جماهيري بالدرجة الأولى، ورغبة تركيا بالانضمام للاتحاد الأوربي، وتوفير معايير محددة يفرضها الدخول إلى الاتحاد الأوربي، والذي قلّص رغبة المؤسسة العسكرية بالقمع، ونتيجة هذا الحراك أصبحت الحكومة التركية أقرب إلى الرأي العام، والسياسة التركية الرسمية الآن هي صدى للموقف الشعبي في تركيا، فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن أكثر من 80% من الأتراك، بمعزل عن انتمائهم، أي غالبية الجماهير التركية، ترفض السياسة الأمريكية، وتدعو إلى معارضتها.
الأمر الثاني مرتبط بعوامل انحسار السياسة الأمريكية، فمن المعروف أنه بعد الحرب العالمية الثانية نشأت قوتان: قوة الفكر التحرري الاشتراكي ممثلاً بالاتحاد السوفيتي ومنظومة التحرر الوطني العالمية، وقوى الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة. داخل هذه القوى الرأسمالية وبعد الحرب العالمية الثانية حصلت تحولات.. فقد انحسرت الإمبراطوريات الاستعمارية التي فرضت سيطرتها على العالم لحساب شكل جديد للسيطرة والهيمنة الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة، واستمر هذا الوضع بالصعود إلى أن أدى إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، فاندفعت الولايات المتحدة لإحياء الاستعمار التقليدي بدلاً من الاستعمار الجديد بعد غزوها أفغانستان واحتلال العراق، والنتيجة التي ترتبت على هذا الاحتلال اليوم أن هناك إجماعاً يُستثنى منه المحافظون الجدد الذين ما زالوا متمسكين بالأطروحات التقليدية، يقول إن الولايات المتحدة قد خسرت..
والحقيقة أن الخط البياني باتجاه انحدار القوة الأمريكية بدأ منذ حرب فيتنام، فالولايات المتحدة استنزفت منذ تلك الفترة، ففي الحرب العالمية الثانية كانت قوة صاعدة، ولكن عندما تورطت في حرب فيتنام وتوسعت إلى ما يسمى بالهند الصينية، خسرت لاسيما على الصعيد الاقتصادي، وتراجعت حصة الولايات المتحدة من إجمالي الناتج العالمي من 60% إلى 20%.
هذا العامل الأول الذي أدى إلى تراجع وتقهقر القوة الأمريكية، والعامل الثاني هو الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالولايات المتحدة، وهي ثمرة النهج الاقتصادي المعتمد غير العقلاني، والذي بدأ واقعياً في أوائل الثمانينيات حين عزل أحد أهم أبرز الشخصيات التي كانت تدير الاحتياط الفيدرالي لأنه حاول أن يقنع الساسة الأمريكيين بعدم اعتماد السياسة المعتمدة آنذاك.
إن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالولايات المتحدة هي نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية: عامل تبني نهج نيوليبرالي، كان في فترة الاتحاد السوفيتي مقبولاً لأنه كان هناك نموذج منافس للنموذج الرأسمالي، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي تم تكريسه أكثر رغم أنه كانت هناك تحذيرات، تتوقع الأزمة بتفاصيلها، وتتحدث عن خطورة العوامل المالية التي طورت الناتج الأمريكي 60 مرة عن الناتج الحقيقي أو الثروة الفعلية.
العامل الثاني: وهو مهم جداً، فلأول مرة بالتاريخ حدث نهوض قوى اقتصادية جديدة عملت على انتزاع حصة السوق الدولية والموارد من العالم الغربي الذي شكل النظام الرأسمالي، وعلى رأس هذه القوى الصين، فآخر إحصائية صدرت تبين أن إجمالي تصدير الصين تريليون و200 مليار دولار عام 2009.
ومن حيث المبدأ فهذا الأمر اقتطع حصة كبيرة جداً من إجمالي الناتج الأمريكي، وقلص قدرات الولايات المتحدة الأمريكية.
العامل الثالث الذي كرّس الأزمة، هو نهوض عالم متعدد الأقطاب بسبب التعددية الاقتصادية وتحول ثقل الرأسمالية الغربية من الغرب إلى الشرق، إلى مناطق آسيا، فأثر على التوازن في العلاقات الدولية. نهوض روسيا المستعدة لاستعادة نفوذها التقليدي، على الأقل في جمهوريات الاتحاد السابق وأوربا الشرقية، وكذلك الصين، وكل منهما لا يقبلان أن يعاملا كدول تابعة، بالإضافة لامتلاكهما السلاح العسكري الذي يوازي سلاح الولايات المتحدة، وخاصة روسيا التي تتحكم أيضاً بالطاقة كونها من أهم الدولة المنتجة.. هذا كله خلق توازنات دولية جديدة.
 
الفرصة متاحة

 كيف يمكن لدول العالم الثالث عموماً، ولدول منطقتنا خصوصاً الاستفادة من تداعيات الأزمة الرأسمالية، على الأقل من الناحيتين الاقتصادية والسياسية؟
أستحضر على هذا الصعيد مثالين تاريخيين: الأول من روسيا البلشفية، حيث انتصرت ثورة أكتوبر في ظل الصراع الاستعماري، ونهوض الصين بعد الحرب العالمية الثانية، ولولا هذه الصراعات لما أمكن لكلا النموذجين الحياة والاستمرار.
عندما تنتفي هيمنة دول معينة ويسود نظام متعدد الأقطاب، يعود فيأتي، نتيجة تضارب المصالح، القانون الذي يحكم الأنظمة الرأسمالية، وخاصة عندما يشتد التنافس على الموارد والأسواق. الآن نحن في مرحلة اشتداد التنافس على الموارد والأسواق. في موجة الاستعمار الأولى كان التنافس على الموارد فقط، فالأسواق كان تأثيرها محدوداً في الحرب العالمية الأولى والثانية، وكان المحرك الرئيسي هو النفط والاستيلاء عليه. ويعود من جديد هذه المرة الصراع على الأسواق، بمعنى الآن نهوض الصين مرتبط بالتصدير، ونهوض الولايات المتحدة أو استمرارها على عرش القيادة الاقتصادية، مرتبط بالتصدير أكثر من السوق المحلية، ولذلك كل التنازلات التي قدمتها الولايات المتحدة كانت سعياً لكسب السوق الصيني، حيث يبلغ عدد سكانها مليار و300 مليون نسمة.
عودة الصراع الآن على الموارد والأسواق، واقتسام الأسواق بقوة موازية لقوة الصراع على الموارد، يجعل إمكانية التفاهم بين الدول الرأسمالية والمعسكر الآخر احتمالاً ضعيفاً. وفي ظل هذا الوضع تنشأ ظروف تجعل إمكانية كبيرة للدول الصغيرة أن تنهض وتحافظ على استقلاليتها أكثر مما كانت عليه في القرن العشرين.
منظرو السياسة والاقتصاد الأمريكي مثل بريجنسكي وريتشارد هاوس تحدثوا عن أنه في ظل تقهقر مكانة الولايات المتحدة ونشوء نظام دولي متعدد الأقطاب، هناك فراغ سوف ينشأ في منطقة الشرق الأوسط. وعندما تحدث عن القوى التي ستملأ هذا الفراغ قال إنه سيكون لكل دول العالم.. الآن هناك مباحثات بين الصين والسعودية لرفع التبادل إلى مستوى 40 مليار دولار، وهذا الرقم يوازي رقم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والسعودية، أيضاً من القوى التي ستملأ هذا الفراغ القوى الإقليمية، والحديث هنا عن دولتين: إيران وتركيا، تركيا بحجمها وموقعها واستقلالية قرارها السياسي في الفترة الأخيرة، إضافة إلى أنها بدأت تتطور لدرجة أن الميزان التجاري بين تركيا وروسيا 40 مليار، وتتحرك تركيا بقوة كبيرة لفتح مزيد من الأسواق والشركات، والحصول على الموارد الأولية، وتثبيت موقعها على خطوط نقل النفط والغاز، ودخول الاستثمار في العراق.
هناك قوى إقليمية تمتلك مقومات النهوض وتستفيد من الوضع والتوازن الدولي الجديد وتقهقر القوة الأمريكية كقوة استعمارية مهيمنة. لكن للأسف الشديد، الجانب المظلم في هذه العملية هو الوضع العربي، فهو في حالة تفتت وترد..
 
 على هذا المستوى ماذا يلزم دول المنطقة لتحسن من ظروفها وحضورها؟ هل يلزمها قرار سياسي مستقل نسبياً على سبيل المثال؟
بكل تأكيد، هذا عامل مهم جداً، وهو الذي عطّل قدرة العرب، فتركيا متى نهضت؟ عندما كانت جزءاً من الحلف الأطلسي، وسياستها هي سياسته، ورغم الدعم على مواجهة الحركة الشيوعية العالمية، اتسم الوضع فيها بالفقر الشديد والتفاوت الطبقي الحاد والفساد والاستبداد. اليوم تركيا بدأت تتحول إلى نمر اقتصادي، وأخذت تحل مشكلاتها الداخلية عن طريق الحوار، وليس عن طريق القوة. باتت لاعباً إقليمياً مهماً جداً.. هذا التوجه ما كان ممكناً لولا الاستقلالية.. والكلام نفسه ينطبق على البرازيل.
 
 كلما تفاقمت الأزمة، ستزداد شراسة الولايات المتحدة في التعامل مع الشعوب ومع القوى والدول المقاومة أو الممانعة.. كيف سينعكس ذلك على المنطقة؟ وهل ستكون هناك حرب عدوانية أخرى في المدى المنظور خاصة وأن هناك تصعيداً في أكثر من مكان: اليمن، باكستان...؟ ما هي الخطوة التالية بالنسبة لإمبراطور جريح يتهاوى؟؟
 يتجاذب  السياسة الأمريكية تياران: تيار لا يزال هو المهيمن على السياسة الأمريكية حتى في ظل إدارة أوباما الحالية، وهذا التيار امتداد لسياسة بوش، وهو يريد الاحتفاظ بهيمنة الولايات المتحدة، وكأن شيئاً لم يكن، يتصرف على أساس أن الهيمنة في القرن الواحد والعشرين يجب أن تكون للولايات المتحدة. وهناك تيار آخر يعتقد جازماً أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على ذلك، ولا تملك الوسائل للاستمرار في هذه السياسة، وعليها أن تتكيف مع الواقع الجديد. أعتقد أن السياسة الأمريكية ستستمر في الصراع بين التيارين، في الحقبة الأولى ستكون الغلبة للتيار الأول الذي سيحاول أن يجدد قدرات أمريكا السياسية والثقافية وقدراتها العسكرية من أجل استمرار السياسة نفسها، معتمداً على وسائل متنوعة من الاحتلال العسكري وهو الأسلوب الاستعماري التقليدي، إلى ما يسمونه بالقوة الذكية التي بدؤوا ينظرون لها في الفترة الأخيرة.
إذا كانت الولايات المتحدة قد فشلت أمام مجموعات مقاومة صغيرة ومتفرقة، وبرغم أن العراق خرج من حرب عاصفة الصحراء وحصار 13 سنة، وحرب مهلكة مع إيران، فمقاومته استنزفت الولايات المتحدة، ويتكرر الأمر في أفغانستان، فهل تستطيع أمريكا أن تتحدى روسيا والصين، وتتجاهل مصالح أوربا إذا قررت ألا تكون تابعة لها؟
الجناح المتطرف الذي لا يزال يراهن على اعتماد السياسات القديمة ليس أمامه خيارات كثيرة، والإصرار على هذه السياسة سيعرض أمريكا إلى المزيد من الاستنزاف، ومزيد من القوى المنافسة، ولم يعد لديها مخرج كما كان في السابق، أشعلت فتيل الحرب العالمية، أنهكت الأوربيين، دمرت أوربا وسعت لتحل محلها. خاضت حرباً أخرى، الحرب الباردة، واستطاعت أن تهزم الاتحاد السوفيتي.
السؤال المطروح: هل الولايات المتحدة مهيأة لخوض حرب مع أوربا؟ لا. هل أوربا مهيأة لخوض حرب داخلية؟ لا. هل هي مهيأة لخوض حرب ضد الصين؟ المخارج مغلقة. الانحدار الأمريكي شبيه بالانحدار الذي واجهته بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت إمبراطوريتها في القرن التاسع عشر أوسع وأكبر من الإمبراطورية الأمريكية، ومع هذا فخلال فترة معينة انهارت.
السياسة الأمريكية ستستمر على ما كانت عليه في السابق، سياسة بوش والسياسة التي كانت في عهد كلينتون، لكن هذه السياسة ستعمم مأزق الولايات المتحدة..

آفاق الصراع العربي - الاسرائيلي

 في ظل هذا الظرف العالمي غير المؤاتي للدولة الصهيونية، المتسم بالتقهقر النسبي للسياسة الأمريكية ومشاريعها في المنطقة، كيف يمكن أن نستشرف مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي؟
 هناك مفارقة تحكم الصراع العربي الإسرائيلي، إسرائيل تخسر إستراتيجياً وتربح تكتيكياً، العرب يربحون استراتيجياً ويخسرون تكتيكياً، لأول مرة بتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي تصمد المقاومة في لبنان وفلسطين. تستطيع المقاومة اللبنانية أن تهدد العمق الإسرائيلي. وفي حرب غزة فشلت إسرائيل رغم شراسة الحصار الإسرائيلي ومشاركة مصر فيه بشراسة، ورغم أن الفلسطينيين منهكون بصمودهم ضد الاحتلال منذ عام 1967.. رغم ذلك كله لم تحقق إسرائيل أية إنجازات، ومن الناحية الإستراتيجية اعترف الإسرائيليون لأول مرة بتغير موازين القوى. في الـ67 ألحقت إسرائيل الهزيمة بثلاثة جيوش عربية، بل كل الجيوش العربية. إسرائيل الآن تفشل أمام المقاومة اللبنانية والفلسطينية رغم ظروفهما الصعبة.
منذ قيام إسرائيل لليوم كانت إسرائيل تحظى بتأييد إقليمي من أكبر دولتين إقليميتين إيران الشاه وتركيا الناتو، اليوم إيران وتركيا هم استراتيجياً أقرب إلى قوى المقاومة.
الغرب كان دائماً موالياً لإسرائيل بشكل أعمى.. واليوم الوضع مختلف نسبياً..
هذا الجانب الإستراتيجي الجيد الذي يفترض أن نربحه، لكن الوجه الثاني هو الوضع التكتيكي. الآن المقاومة توقفت على كل الجبهات. لا يوجد استنزاف لإسرائيل، لا على جبهة لبنان الذي كان من الـ82 حتى الآن، ولا على جبهة فلسطين التي كانت من الـ67 حتى الآن، اليوم هناك سلطة فلسطينية تخطط وتتعاون مع إسرائيل لقمع المقاومة. اليوم مصر تنخرط في الصراع لمصلحة إسرائيل، وتنتقل من التعاون والتنسيق إلى التحالف ضد العرب، هذه التحولات التكتيكية ليست في مصلحة الصراع العربي الإسرائيلي،
لذلك الآن آفاق الصراع العربي الإسرائيلي ستدخل مرحلة انتقالية، ريثما يخلق مناخ يمكّن قوى المقاومة من استئناف عملها الهجومي ضد إسرائيل.. في مثل هذه الوضع يمكن وصف المعطيات الإستراتيجية لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، بأنها لمصلحة العرب، لكن المعطيات التكتيكية لمصلحة إسرائيل.
 
مشروعان متناقضان

على المستوى العربي، يوجد مشروعان لا يمكن أن يلتقيا بحكم مرجعيتهما. فهل هناك أي أفق يمكن أن ينفتح باتجاه إعادة الروح للتضامن العربي على أساس مواجهة التحديات المتزايدة؟
 حتى هذه اللحظة هذا غير متوفر، والعقبة الرئيسية هو موقف النظام المصري الذي انتقل من التعاون مع إسرائيل إلى التحالف معها! هناك عوامل موضوعية لا تعمل في مصلحة الموقف المصري، أولاً تقهقر مكانة الولايات المتحدة، ورغبة الأوربيين في حل الصراع العربي الإسرائيلي خوفاً من تداعياته في المستقبل، والتحول الذي حصل على المستوى الإقليمي، أي الموقف التركي الذي يشكل تعرية للموقف المصري، وأعتقد أنه نتيجة هذه التحولات جاء انتقال السعودية وفك ارتباطها مع معسكر الاعتدال، إلى موقع وسط مع معسكر الممانعة، وأنا اعتقد أن النظام العربي بدأ يتحول، وعبرت عن هذا قمة الدوحة للتضامن مع غزة، بمعنى نصف النظام العربي الرسمي صار مع سورية.
وأعتقد أن هذا التحول الحاصل في قمة قطر هو الذي دفع بعد أسبوع الملك السعودي عبد الله لإطلاق مبادرته في قمة الكويت. أنا متشائم من إمكانية الوصول إلى تضامن عربي حالياً، ولكن أعتقد أن عوامل التغيير دولياً وإقليمياً تعمل في مصلحة عودة هذا التضامن في مدى زمني أبعد، ولكنه أفضل من السابق، فسابقاً كان التضامن العربي بقيادة الأنظمة المعتدلة، بينما التضامن العربي المقبل سيكون بقيادة دول الممانعة الداعمة للمقاومة.
 وهذا سينعكس بالضرورة فلسطينياً، كون الانقسام الفلسطيني انعكاس لانقسام عربي بين مشروعين متناقضين..
 بكل تأكيد، حالياً الصراع بين فتح وحماس ليس خلافاً على السلطة، هناك مشروع يراهن على السياسة الأمريكية في المنطقة ويتناغم مع معسكر الاعتدال، ومشروع يراهن على المقاومة، فجوهر هذا الخلاف يجعل استحالة حله بالمصالحة. الولايات المتحدة ومصر تتمسكان بألا تحدث المصالحة، لأن أية مصالحة على قاعدة القواسم التي صاغتها القوى الوطنية الفلسطينية، تعني تحوُّل السلطة الفلسطينية من استطالة للمشروع الغربي إلى حركة وطنية من جديد، هذا الأمر يفسد كل الخطط الإسرائيلية والأمريكية وهذا صعب، والسلطة الفلسطينية لا تملك القدرة على التحرك لأنها سلطة موجودة تحت الاحتلال.
 
الرهان على الجماهير
 أين الشعب العربي من كل هذه المتغيرات؟ وهل ترى إمكانية في الرهان على العامل الجماهيري رغم الظروف السيئة للجماهير العربية؟!
 أعتقد عكس كل الشائع، أن العامل الحاسم هو الشارع العربي، المقاومتان الفلسطينية واللبنانية تنتميان للشارع لا للنظام العربي، هذا الشارع ورغم الأنظمة القمعية نزل من المغرب بالملايين عندما احتُل العراق.. ليس المطروح الآن أن تقوم ثورة شعبية في كل بلد عربي، لكن المعادلة الجديدة التي هزمت الولايات المتحدة، وهزمت أنظمة الاعتدال العربي، هي من صنع الشارع العربي بقواه المقاومة، ولولا هذا الشارع العربي بمقاومته، بغضبه، ما كان بإمكان سورية أن تصمد في وجه الضغوط التي مورست ضدها.
التقليل من أهمية الشارع العربي هو محاولة لتيئيس الناس وخلق الإحباط، ودفعهم إلى الاستسلام، ورفع الراية البيضاء تحت عنوان: الأنظمة ضدكم والشعب عاجز.