التضخم العالمي.. «مسقط رأس الدولار» والأزمة العالمية العظمى الأولى
بدأت مناقشة النواحي المختلفة للأزمة العالمية المحدقة تأخذ ملامح واضحة. يُناقَش موضوع الركود في الولايات المتحدة الأمريكية بالتوازي مع التضخم المالي العالمي. أدخل بروفسور علم الاقتصاد في مدرسة رجال الأعمال في جامعة نيويورك نورييل روبين مصطلح «التضخم الراكد»، وهو ينذر متنبئاً بأن هذا ما ينتظر الاقتصاد العالمي بالتحديد. ويناقش المفكرون الاقتصاديون مسألة «مسقط رأس الدولار».
مصدر الضغط التضخمي
عند تعداد مصادر الضغط التضخمي من غير الجائز التخلي عن أية صيغة منطقية كانت، يؤثر على التضخم العالمي بالدرجة الأولى ضعف الدولار وهبوط الثقة بالدولار. من غير المجدي نفي وجود أية علاقة لـ«مسقط رأس الدولار» بالتضخم العالمي، كما أنّ لمكانة الدولار «الداخلي» و«الخارجي» علاقة مباشرة بالتضخم العالمي، وكذلك الأمر انضمام عملات مختلف دول العالم إلى سجل بورصات البضائع العادية.
التضخم العالمي ـ هو، بالدرجة الأولى، نتاج تناسب كتلة البضائع مع كتلة النقود في المقياس العالمي.
كتلة البضائع وكتلة النقود
يبين باول فريتس أنّ: «علاقة (نسبة) الأسعار، على الصعيد العالمي، بين البضائع والنقود وصلت اليوم إلى مستوى الحد المسموح به. تشكل هذه النسبة 1.25 وتتابع الزيادة. يمكن تحقيق التوازن فقط عن طريق ارتفاع أسعار البضائع الصاعق. ينهار الدولار عبر التضخم الزائد، وتنهار معه المنظومة التجارية والمالية العالمية، وتنهار أهرامات الائتمان». يرى الاقتصاديان الروسيان غ.ليبيدوف، وس.تيموفييف أنّه: «لن يمر وقت طويل حتى تبدأ فترة عصيبة بالنسبة للدولار، ستبدو (صدمة نيكسون) عام 1971 المرتبطة بضخ رزمة كبيرة من الدولارات في دول أوربا، مجرد لعبة أطفال، تبدأ لعبة مالية كبرى، تهدف إلى خلق حالة توازن بين كتلة البضائع وكتلة النقود على حساب تقليل الكتلة النقدية.. سيهز التسونامي المالي العالم، سيوجد رابحون وخاسرون، سيربح بالدرجة الأولى، أولئك الذين يخططون لتحويل العملة العالمية إلى اليورو، والذين يعرفون كل أسرار تفاصيل العملية».
يثبت آ.فيلتشينكو، جواباً على سؤال «أين يظهر تضخم العملة العالمية؟» العلاقة المتبادلة بين كتلة البضائع وكتلة النقود: «في الأسواق العالمية، حيث يعربد كل شيء بلا استثناء، ترتفع اليوم بحدة جميع أسعار بضائع البورصات (وليس أسعار النفط فقط). هذه ليست حالة الأسواق، بل تغير مقياس الأسعار نتيجة التضخم. وببساطة ستتم تغطية كتلة من البضائع بالنقود». س.مالتسيف واثق من أنّ «العلاقة بين البضائع والنقود على الصعيد العالمي وصلت اليوم إلى المستوى الحدي المقبول. تشكل هذه العلاقة نسبة 1.25 وتتابع الارتفاع. يمكن أن يتحقق التوازن فقط عن طريق ارتفاع أسعار جميع البضائع بشكل صاعق». يمكن إضافة مايلي إلى ما ورد أعلاه: «يتم الحصول على حوالي 80 % من إجمالي أرباح البنك السويسري الضخم (UBS) نتيجة العمل في سوق العملات المالي العالمي، وفقط 20 % من مجمل الأرباح تشكل دخولاً من قروض الائتمان، والتجارة بالأوراق الثمينة» (يو.أوفسيانكوف). يقدم رئيس البنك العام ألفريد هيغوزن مقاساً جديداً: «97 % من عمليات المصارف العالمية تحصل نتيجة دوران كتلة الأوراق، وفقط 3 % تعكس وتخدم العملية الإنتاجية». يعتقد إي.آلكتفاتر أنّ «1 % فقط من الـ1000 مليار دولار الداخلة في التداول يومياً، ضرورية لتغطية التجارة العالمية».
هل العملة بضاعة بورصة؟
هل يمكن اعتبار العملة بضاعة عادية في البورصة؟ بين آ.بانارين في نهاية القرن العشرين مايلي: «تبلغ كتلة العملة التجارية السنوية في الوقت الحالي أكثر من 400 تريليون دولار، وهو ما يزيد بـ80 مرة عن التجارة العالمية بالبضائع». يعتقد الاقتصادي الروسي كاندينسكايا أن: «سوق العملة الأجنبية غير موجود بالمعنى الذي يوجد فيه، لنقل، سوق الأوراق الثمينة. إنّه السوق الذي لا يغلق أبداً، ولا توجد لديه حدود قومية، وهو، إذا أخذنا بالمعنى العام، لا يخضع لسلطة مراقبة الحكومة. إنّ سعة اهتزاز العملات المالية في الوقت الحالي، أكبر بكثير مما كانت عليه سابقاً. وهذا جزئياً نتيجة الحركة المستمرة باتجاه اللبرلة المالية، وجزئياً هو نتيجة أن المشاركين في هذا السوق أصبحوا يعدونه مصدراً وافراً للحصول على الربح، وليس فقط السوق الذي يخدم التجارة، وضامن للمغامرات. تتركز تجارة العملات الأجنبية في ثلاثة مراكز عالمية: لندن، نيويورك، وطوكيو، التي تؤمن العمليات التجارية طوال 24 ساعة، متناوبة الواحد وراء الآخر على مدار الوقت خلال اليوم. يحصل ثلثا دوران سوق العملات الأجنبية العالمية عبر هذه المراكز الثلاثة». إن العالم الأذربيجاني آ.حسانوف على ثقة بأنّ: «ليس برميل النفط يساوي 75 دولار، بل الدولار يساوي 1/75 من برميل النفط». يعتقد السيناتور الجمهوري ريتشارد لوغار أنّ «النفط والغاز أصبحا عملة، والتي من خلالها تدعم الدول الغنية بموارد الطاقة من مصالحها في العلاقة مع الدول المرتبطة بالاستيراد، مؤيداً بذلك تصور حسانوف النظري. وإذا أصبحت العملات في بداية القرن الواحد والعشرين بضاعة عادية في البورصات، فهل سيكون لذلك أية مضاعفات على سوق العملات المالي العالمي»؟
الدولار «الداخلي» و«الخارجي»
يرتبط إدراك وظيفة الدولار في الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها بموضوع التضخم مباشرة: «سيبقى الدولار ينتعش حتى ذلك الحين الذي يضع فيه المجتمع الدولي قيد المعالجة مسألة ضمان الكتلة الدولارية الواقعة خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية. بدءاً من زمن إلغاء نظام تأمينه، أصبح الدولار وعداً وعهداً على النظام الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية لتسديد الدين، عهد صيغ على شكل تعهدات ورقية أو إلكترونية من دولارات الولايات المتحدة الأمريكية. علماً بأنّ نظام الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية ليس له أية علاقة بحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، باستثناء مديونية الحكومة تجاهه» (غ.ليبيديف، وس.تيموفييف). يبين الاقتصادي الروسي آ.أنسيموف: «أين كانت مكامن ضعف نموذج بريتون ـ فودسكي؟ في تراكم كمية ضخمة من الدولارات خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية، التي أخذ مالكوها يعرضون استبدالها بالذهب. ورفض الأمريكيون دفع ذهب مقابل دولاراتهم، بعدئذ حلت موجة من التضخم العالمي، التي حطمت في سبعينيات القرن العشرين احتياطي الدولارات في المصارف المركزية للدول الأخرى. لم ينفكوا عن تكرار هذا التصرف الفعال في الظروف الجديدة أيضاً».
لايعد موضوع الدولار «الداخلي» و«الخارجي» جديداً. إليكم كيف يصف الأديب آ.نيكونوف أحداث عام 1971 برونق بهيج. «كانت تلك كارثة. تم في أمريكا التي تعرضت لهجوم دولاري أوربي تجميد الأجور والأسعار بشكل لايمت للسوق بصلة. انخفض احتياطي الذهب في البلاد مرتين. انخفضت قيمة الدولار. أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنّها تفسخ جميع التزامات القروض من جانب واحد وتكف عن استبدال ذهبها بدولاراتكم. أجبر الرئيس نيكسون على التصريح علانية بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك 52 مليار دولار، وفي بقية دول العالم يوجد ـ 132 مليار». ما علاقة الدولار «الداخلي» بـ«الخارجي» اليوم؟ نتصور بأنّه سيتم استيعاب موضوع الدولار الداخلي والخارجي من علماء العديد من الدول انطلاقاً من الواقع الجديد.
مسقط رأس الدولار
يناقش في شبكة الانترنت، دائماً، الوضع المميز للولايات المتحدة الأمريكية. ويجري التأكيد دائماً على أنّ «مسقط رأس الدولار هو الولايات المتحدة الأمريكية». إنّ الاقتصادي الروسي المعروف س.غلازيف مقتنع في متانة المنظومة المتشكلة: «هذا هرم مالي نموذجي، تخدمه المنظومة الاحتياطية الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق تسريع عمل آلة الطباعة. تعمل آلة الطباعة في العام الأخير بوتيرة 2$ مليار يومياً، أما في آب (أغسطس) من عام 2007، ولمعالجة آثار مشاكل قروض الرهن العقاري، ازدادت عملية إصدار سندات الائتمان عملياً حتى بضع عشرات المليارات من الدولارات». كما تمت مناقشة موضوع طباعة الدولارات في الولايات المتحدة أيضاً: «إذا أخذ بيرنانانكي بطباعة العملة بسرعة أكبر مما يفعل الآن، فسيواجهنا هبوط حقيقي. سينهار الدولار وسوق سندات القروض. سنواجه العديد من المشاكل»، كما قال جيم روجر شريك ج.سوروس منذ مدة ليست بعيدة. ويتعامل العالم بمجمله مع حالة الدولار في إطار الصيغة النظرية الأمريكية المكثفة والمعرفة: «عملتنا ـ مشكلتكم». (آ.كوبياكوف).
يبرز الاقتصادي ف.يورفيتسكي الصيغة التالية: «إنتاج النقود»: «لايمكن أن يوجد اقتصاد عالمي دون وجود نقود عالمية. وهذه النقود هي نقود الولايات المتحدة الأمريكية ـ الدولار، التي تقوم بوظيفة النقود العالمية، وتحصل الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة قيام الدولار بهذه الوظيفة على دخولٍ كبيرة. لايوجد ما هو أكثر ربحاً من إنتاج النقود، لأن ذلك يتلخص في الوقت الحالي بإضافة وتسجيل بعض الأرقام إلى ميزان منظومة الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة. ومقابل هذا «التسجيل» تحصل الولايات المتحدة على منتجات حقيقية، الناتجة عن هذه التسجيلات كرساميل مالية تضخ في جميع بلدان العالم. حوالي نصف ثروات الولايات المتحدة الأمريكية مرتبطة بعملية طبع الدولارات للاستخدام خارج حدودها. يبلغ حجم كتلة الدولارات الموجودة خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية عشرات ترليونات الدولارات، وبالتالي فإلغاء وظيفة النقود العالمية عن الدولار تعني بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية الانهيار التام الاقتصادي، والسياسي، وجميع أشكاله الأخرى. لهذا السبب تهتم ببقاء الدولار يقوم بوظيفة النقود العالمية». يؤكد م.هازين أيضاً هذه الصيغة: «من وجهة نظري، في هذا الصدد يكفي إيراد رقمين: يشكل الإنتاج العام في الولايات المتحدة الأمريكية (ليس الصناعي فقط بل العام) 20 % من الإنتاج الإجمالي العالمي، وهي تستهلك 40 %. هذه الأرقام ليست دقيقة بشكل مطلق، لكنّها تقريبية، لكن من المهم ملاحظة أن الولايات المتحدة الأمريكية تستهلك أكثر بكثير مما تنتج. على حساب ماذا؟ على حساب إنتاج أكثر بضاعة مربحة في العالم ـ الدولار، العملة الحسابية والاحتياطية العالمية، ومقياس القيمة الوحيد، والتي تتحكم بإصدارها المنظومة الاحتياطية الفيدرالية الأمريكية. من الواضح أنّ مثل هذا الإنتاج الثابت من الدولارات سيؤدي إلى زيادة الكتلة النقدية التي يتم التعبير عنها في النقود العالمية. وأن شيئاً ما يجب فعله».
يقيم س.رودينوف مشاكل روسيا بمقياس إمكانية تحويل العملة: «تتاجر روسيا بالمواد الخام بشكل أساسي، وهي ترتفع باستمرار، ولايخفي أحد الآن أن سبب ذلك عملية تحويل الدولار الزائدة ـ ببساطة آلة الطباعة الأمريكية. يعيش الأمريكيون كمايلي: أنت تطبع النقود، فتحصل على المواد الخام (من روسيا الفيدرالية) وعلى البضائع (من الصين)، وبما أن البنوك المركزية في هاتين الدولتين تدعم عملتهما الوطنية، فإنّ جزءاً من الدولارات سيعود إلى الاقتصاد الأمريكي على شكل استثمارات. ياللروعة! من المفيد أن نتذكر كيف قيم كوزنيتسوف مفهوم الاستقلال: «النضال الحالي» في «سبيل الاستقلال» هو النضال في سبيل آلة طباعة النقود الخاصة. لكن أي مالك حديث العهد لآلة طباع النقود سيفهم بسرعة، أنّ الاقتصاد العالمي يمكن أن يوجد من غير وجود آلته». يعتقد الاقتصادي آ.أيفانوف أن «الأمريكيين سيستمرون بطباعة النقود غير المغطاة، وسيعتز ويفتخر الهرم المالي بأنه لايستطيع التوقف: إنهم سيطبعون ذلك الكم من النقود اللازم لإطفاء التزاماتهم المالية». يبين العديد من الاقتصاديين الفعل المنعكس اللاإرادي الذي يقوم به قادة عدد من الدول من خلال محاولتهم تحويل جزء من احتياطاتهم الذهبية من العملة الأمريكية إلى عملة اليورو وغيرها من عملات الدول الأخرى. ويصبح تدني الثقة بالدولار أمراً ملموساً أكثر فأكثر.
ضعف الدولار وتدني الثقة به
يربط الباحث الروسي المعروف في مجال الأزمات م.هازين التضخم العالمي بطباعة الدولارات في الولايات المتحدة الأمريكية: «يوجد دائماً في الولايات المتحدة الأمريكية (عملياً، بعد الحرب العالمية الثانية) مستوى استهلاك عال كإظهار التحدي للاشتراكية، ويبدو هذا المستوى واضحاً اليوم من الفرق بين الإنتاج العام في الولايات المتحدة الأمريكية (حوالي 20 % من الناتج الإجمالي العالمي) واستهلاكها (نحو 40 % من الناتج الإجمالي العالمي). كيف يتم تحقيق وضمان هذا الفرق؟ عن طريق طباعة الدولار. وهذا مايسبب تضخم الدولار في الأسواق العالمية، التي نلاحظها في السنوات الأخيرة. وينتصب سؤال طبيعي: ولماذا لم يكن هذا التضخم موجوداً سابقاً؟ لأنّ منطقة الدولارات استمرت في التوسع في الاقتصاد العالمي حتى أواسط تسعينات القرن العشرين، مما ساعد على توسيع حجمها دون حصول تضخم. وفي السنوات العشر السابقة لم يبق مكان تتوسع فيه، وبدأت المشكلة». كما أنّ آ.نيكولايف متشائم بخصوص الدولار: «تبدو آفاق الدولار في الوقت القريب مثيرة للشك بشكل ملحوظ. إذا كان بالإمكان الحصول على مداخيل جذابة باليورو والفونت (مع الأخذ بعين الاعتبار معادل تكافؤ القدرة الشرائية، الذي يعمل في صالح تدعيمهما)، فإنّه يبقى على الدولار أن يتوكل على العبارة المقدسة: In God We Trust نحن نؤمن بالله». وبالمقابل فإن عدد الذين يودون الحصول على أوهام يتناقص باستمرار. يجب عرض نسبة عالية من الفائدة للمقرضين كي يتم جذب الحجم الضروري من التمويل، للتعويض عن الدولار الضعيف، والبحث عمن يدفع، في نهاية المطاف لقاء زيادة جائزة خدمة الدولار. ويجد موقف الاقتصاديين الروس البراهين الثابتة.
التضخم الكبير حسب لاروش
إنّ الاقتصاديين ر.فريمن، وج.هيفلي مقتنعان بأنّ «تزايد الدين الحكومي الأمريكي باستمرار يخلق الظروف الملائمة لحصول الانفجار التضخمي الكبير داخل الولايات المتحدة ذاتها وفي العالم أجمع». يعتقد الاقتصادي الألماني باول فيرتس أنّ «الدولار يتحطم عبر التضخم الكبير. وتتحطم معه التجارة العالمية، والمنظومة المالية العالمية. تنهار أهرامات سندات الائتمان».
يقدم ليندون لاروش معلومات مثيرة للفضول وللاهتمام، يقول: «قدم زميلي ريتشارد فريمان أدلة موثوقة وعامة مفادها أنّ استخدام الحكومة الألمانية في نهاية تموز (يوليو) عام 1923 آلية التضخم النقدي كي تبقى قادرة على الاستمرار في تسديد التزاماتها، المرتبطة بإعادة ترحيل الأسرى، أدى إلى قفزة دورية كبيرة في نسبة وتائر إصدار العملة إلى الدين المالي غير المسدد. وبهذا الشكل انفلت لولب كبير من التضخم في أسعار البضائع، مما قاد إلى تحطيم العملة ذاتها بعد مرور ثلاثة أشهر. تشبه السياسة التي يعتمدها رئيس الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية ألان جرينسبين والأمين الحالي للخزانة الفيدرالية لاري ساميرسن التي سببت قفزة دورية كبيرة في التقييمات النقدية والمالية تشبه ذلك النموذج الذي حصل في الحالة الألمانية في تموز ـ آب عام 1923. إنّ التضخم الشامل لأسعار بضائع الدرجة الأولى وأولها النفط والمنتجات الغذائية، فضلاً عن الثابتة، يعكس القفزة الحالية المستمرة باتجاه انهيار الدولار الأمريكي ومنظومة النقد العالمي وفق سيناريو فيمارسك». يبرز لاروش التالي: «للتأكيد على تلك الحالة بأنّه منذ حصول ذلك الخطأ المأساوي لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية في تشرين الأول (أكتوبر) عام 1998 عشية مؤتمر واشنطن حول السياسة النقدية المالية، لم تكتف الحكومة الأمريكية برفض مبادراتها السابقة لإعادة تنظيم المنظومة النقدية المالية، لكنها تنوي، بل أججت بدل ذلك لولباً عالمياً من التضخم الكبير، شبيهاً بالتضخم الكبير على البضائع في فيمارسك الألمانية في الفترة ما بين آذار وتشرين الثاني 1923».
أسئلة غير حديثة
يمكن اليوم رؤية ثلاثة مؤشرات مستقبلية في إطار التضخم العالمي. هي التضخم الكبير، والتضخم الراكد، والمستقبل الواعد المطمئن وغير المأزوم أو «لجم التضخم العالمي». يأمل الكثيرون بحصول المؤشر الثالث. لكن فرص حصوله تقل أكثر فأكثر يوماً بعد يوم.
بيّن الاقتصادي الروسي س.غلازيف أن: «التدفق غير المتحكم به للاستثمارات الأجنبية الاحتكارية يقود إلى الأزمة المالية الذاتية. إنّ المستثمرين الاحتكاريين الكبار، وحسب ديناميكية سوق المال، يمتلكون إمكانيات أكبر بكثير مما يمتلكه المستثمرون الصغار للخروج في الوقت المناسب هرباً من الخسائر. إنهم يحددون بحكم مواقعهم لحظة حصول عدم الاستقرار، التي يبدأ عندها خروج رأس المال بشكل غير ملحوظ لدى بقية المشاركين في السوق في الفترة الأولى، وعندما يصبح ذلك واضحاً للجميع تبدأ الفوضى، وسيخسر اللاعبون الآخرون في هذه الحالة الحتمية من الانهيار المالي جزءاً من رساميلهم. تحصل عملياً خلال الأزمة إعادة توزيع الرأسمال الداخل في الاستثمارات المالية في مصلحة اللاعبين الكبار، الذين يحددون ديناميكية هذه العملية». يهزأ الاقتصادي الآخر آ.ليفشيتس قائلاً: «أنا لاأوافق الرأي حول جزيرة الاستقرار. جزيرة الاقتصاد العالمي الوحيدة هي كوبا، أما الباقي فهو جزء من أرض اقتصادية يابسة واحدة، وإن حصل هناك تيار هواء فسيلفح الجميع».
عن موقع: polit.nnov.ru
المادة منشورة كاملة على موقع قاسيون