السيل الجنوبي يعود إلى الواجهة: على أوروبا أن تقلق؟
من المقرر أن يلتقي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، الأسبوع القادم، في سان بطرسبرغ. وقد أكد الكرملين التخطيط لهذا الاجتماع في وقت سابق. ومن المحتمل أن أحد المواضيع الرئيسية للمحادثات سيكون استئناف مشروع بناء خط أنابيب غاز «السيل الجنوبي»، الذي تم تأجيله بعد تدهور العلاقات بين البلدين.
إعداد: رنا مقداد
ينظر الاتحاد الأوروبي بعدم رضى إلى مثل هذه التوقعات، على افتراض أن مشروع «السيل الجنوبي» سيعزز الموقف القوي بالفعل لشركة «غازبروم» في الاتحاد الأوروبي. ويخشى مسؤولون أوروبيون الوقوع في فخ «الإدمان التركي» في حال تم تنفيذ المشروع. الجانب الأوكراني، في المقابل، يأمل بأن الاتحاد الأوروبي سيظهر إرادة سياسية كافية لمنع تنفيذ مشروع الغاز هذا- على سبيل المثال، عبر فرض عقوبات جديدة ضد روسيا.
استقبل الاتحاد الأوروبي تصريحات موسكو وأنقرة حول الاستئناف المحتمل لبناء خط أنابيب غاز «السيل الجنوبي التركي»، بقلق، لأن تنفيذه سيزيد من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. ووفقا لأحد مسؤولي الاتحاد بعد إطلاق المشروع، فإن روسيا لن تحتاج إلى استخدام خطوط نقل الغاز الأوكرانية إلى أوروبا، كما سيتم وقف الإمدادات الأخرى من الغاز من منطقة بحر قزوين.
استعادة العلاقات لم تكن متوقعة
جاءت مخاوف المسؤولين الأوروبيين بعد أن كررت تركيا اهتمامها بتنفيذ مشروع «السيل الجنوبي التركي». وقال وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكتشي، الأسبوع الماضي، إن القرارات السياسية حول المشاريع المشتركة الروسية- التركية (محطة الطاقة النووية «أكويو»، وخط أنابيب الغاز «السيل التركي») قد تم اتخاذها بالفعل، وسيتم إعطاء الإشارة النهائية لبناء خط أنابيب الغاز في اجتماع الرئيسين الروسي والتركي، المقرر إجراؤه يوم 9/آب، في سان بطرسبرغ.
كما أكد وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك في نهاية الأسبوع الماضي، عودة البلدين إلى مناقشة بناء خط أنابيب الغاز «السيل التركي». وأوضح الوزير في حديث لقناة «روسيا 24» التلفزيونية أن «تركيا مهتمة باستلام الغاز بشكل مباشر، متجاوزة بلدان العبور الأخرى. وكجزء من مشروع السيل التركي، سيتم توفير خط أنابيب واحد على الأقل للمستهلكين الأتراك، بقدرة 15,75 مليار متر مكعب من الغاز». والخط الثاني من أنابيب الغاز سيتم تخصيصه للمستهلكين الأوروبيين. وهذا الخط يمكن أيضاً أن يمر بقاع البحر الأسود وعبر أراضي تركيا.
خط أنابيب الغاز الجديد، في النهاية سيجعل تركيا مركزاً في طريق نقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا. وقال نوفاك «بشكل عام، هناك في تركيا عدد كبير من المشاريع المختلفة (مثل خط أنابيب TANAP لنقل الغاز من أذربيجان). ويمكننا القول أن تركيا ستلعب دوراً أكبر باعتبارها بلد عبور لضمان وصول الغاز للمستهلك الأوروبي».
ومن الواضح، أن هذا العامل قبل كل شيء يثير قلق الاتحاد الأوروبي. إذ أنه ربما لم يتوقع الاتحاد الأوروبي مثل هذه الخطوات من قبل موسكو وأنقرة، أو أنه لم يتصور أن دفء العلاقات يمكن أن يحدث بهذه السرعة. ويبدو الأمر كما لو أن المحللين الدوليين لم يتوقعوا استئناف التعاون الاقتصادي بين البلدين. على وجه الخصوص، لم ينظر استشاريو الاتحاد الأوروبي وحلف «شمال الأطلسي» والأمم المتحدة وحكومة ألمانيا في احتمال حدوث المفاجآت التي يمكن أن تقدمها روسيا للعالم في المستقبل القريب. إذ أنهم تعمقوا في سيناريوهات غريبة للغاية، تصل إلى «الغزو المسلح لكازاخستان»، ولكنهم لم بتمكنوا من توقع ما كان ظاهراً على السطح.
البديل الأوفر تكلفةً
يذكر أن مشروع «السيل التركي» قد حل محل مشروع «ساوث ستريم» المغلق سابقاً. وهو يهدف لبناء خط أنابيب للغاز من روسيا إلى تركيا تحت البحر الأسود عبر الأراضي التركية إلى الحدود مع اليونان. وبالنتيجة، سيتم إيصال الغاز فقط إلى حدود الاتحاد الأوروبي، وبالتالي، من الناحية النظرية، لا تنطبق على الشحنات قواعد الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من اهتمام الجانبين، لم يتم التوقيع على الاتفاق بشأن خط أنابيب الغاز الجديد، وبعد وقوع حادث الطائرة الروسية «سو 24»، تم إيقاف المشروع تماماً. في الوقت نفسه، تعد تركيا أكبر سوق مبيعات لشركة «غازبروم» بعد ألمانيا. في العام 2014، صدّرت الشركة القابضة الروسية 27.4 مليار متر مكعب من الغاز إلى تركيا.
وتربط وزارة الطاقة الروسية اهتمام تركيا ببناء خط الأنابيب، بتصريحات كييف الأخيرة، التي كشفت فيها عن خطط لزيادة تكلفة نقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا. وقال نوفاك: «إذا كانت تكلفة النقل ستكون أعلى، كما قال زملاؤنا في أوكرانيا، فهذا سيزيد تكلفة النقل وأسعار الغاز النهائية للمستهلكين في تركيا».
ويبقى عقد عبور الغاز الروسي مع شركة «نفتوغاز أوكرانيا» ساري المفعول حتى نهاية عام 2019، ورسوم النقل الحالية هي 2.5 دولار لكل ألف متر مربع لمسافة 100 كم. وقد أعلنت شركة «غازبروم» مؤخراً أن تعرفة نقل الغاز عبر خطوط أنابيب أخرى تتجاوز أوكرانيا- «نورد ستريم»- هي 2.1 دولار لكل 1000 متر مكعب لكل 100 كم.
وقد استقبلت أوكرانيا- بلد العبور الرئيسي للغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي- فكرة استئناف مشروع «السيل التركي» بخيبة أمل بالغة. على وجه الخصوص، تحدث رئيس مجلس إدارة «نفتوغاز أوكرانيا»، أندري كوبوليف، عن تهديدات نتيجة لبناء خط أنابيب «السيل التركي» لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي. وقال كوبوليف إن «تأثير البناء سيكون سلبياً» وأضاف «بالنسبة لأوكرانيا، هذا المشروع يحمل بعض التهديدات. نحن سنفقد جزءاً من كميات العبور. تلك الكميات من الغاز، التي تمر عبر أراضي أوكرانيا وتجلب المال للاقتصاد، ستذهب إلى مكان آخر».
الآفاق الواعدة للسيل التركي تشق طريقها
ويأمل رئيس «نفتوغاز» أن «موقف الاتحاد الأوروبي في هذه الحالة، سيكون صلباً كما كان الأمر مع مشروع ساوث ستريم». ولا يستبعد كوبوليف أن «يعلق الاتحاد الأوروبي المشروع أو حتى يوقفه تماماً».
ووفقاً له، فإن الأدوات الحقيقية التي يمكن أن توقف عملية بناء «السيل الجنوبي التركي» بسيطة إلى حد ما. وأضاف «لا تركيا ولا روسيا لديهما تكنولوجيا بناء خط أنابيب في المياه العميقة. يمكنهما فقط فعل ذلك بواسطة الشركات الأجنبية، وفي حال وجود رغبة قوية، بإمكان الاتحاد الأوروبي والدول الغربية من خلال العقوبات إيقاف المشروع. والسؤال هو هل ستكون هناك إرادة سياسية لفعل ذلك؟».
ويمكن الافتراض أن أي إجراء بشأن المشروع من قبل بروكسل، سيأتي بعد اجتماع الرئيس بوتين مع نظيره التركي. إذ قال نائب رئيس المفوضية الأوروبية، ماروس شيفتشوفيتش «نحن نتابع عن كثب التطورات في تركيا».
ويوافق عدد من الخبراء أيضاً على أن «السيل التركي» مشروع خطير للاتحاد الأوروبي. ويقول رئيس مجلس إدارة شركة «2K» الهندسية، إيفان أندرييفسكي إن «تنفيذ مشروع السيل التركي سيؤدي إلى حقيقة أن أنقرة ستستحوذ على الجزء الأكبر من إمدادات الغاز إلى جنوب وشرق أوروبا. ونتيجة لذلك، بدلاً من إدمان الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي أو القزويني، سيكون هناك إدمان على الغاز التركي».
ووفقاً للخبراء، أصبحت آفاق «السيل التركي» اليوم، أكثر بكثير مما كانت عليه قبل الخلاف بين الاتحاد الروسي وتركيا.