الدور الأمريكي.. أي مستقبل في آسيا الوسطى؟
سامي السالمي سامي السالمي

الدور الأمريكي.. أي مستقبل في آسيا الوسطى؟

لا تعد زيارة كيري الوحيدة من نوعها للمنطقة، إذ عرفت آسيا الوسطى توافداً متصاعداً لمختلف اللاعبين الدوليين خلال الأشهر القليلة الماضية، بدءاً من زيارة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في حزيران الماضي، والتي ركزت على «الشق الحقوقي» في المنطقة، مروراً بزيارة رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، في تموز الماضي، وصولاً للجولة المهمة التي قام بها رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، أواخر شهر تشرين الأول.

انطلقت أولى جولات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، من قيرغيزستان، حيث افتتح السفارة الأمريكية في بيشكيك، وتبعها بزيارته لكل من كازاخستان، وتركمنستان، وطاجيكستان. غير أن المحطة الرئيسية والمهمة تمثلت في اجتماعات مجموعة «c5+1» التي قادها كيري برفقة نظرائه من جمهوريات آسيا الوسطى، في سمرقند بأوزبكستان، والتي تمخضت عنها نقاط مهمة.

أبعاد أمنية واقتصادية استراتيجية

من الناحية الأمنية، أكدت مجموعة «c5+1» على «ضرورة التنسيق لمجابهة مختلف المعضلات الأمنية، بما فيها الإرهاب، والجريمة العابرة للحدود، والإتجار في المخدرات»، فيما شكَّل «الانسحاب الأمريكي التدريجي من أفغانستان، وتصاعد خطر «داعش»، والحركات المتشددة في آسيا الوسطى»، أهم النقاط المحورية المتعلقة بالجانب الأمني، حيث خلصت الدول المجتمعة إلى «تبني آليات للتنسيق الأمني والاستخباراتي».

من الناحية الاقتصادية، رحبت المجموعة بفكرة «التعاون الاقتصادي المبني على أساس المنفعة المشتركة»، وتبني «مشاريع للنهوض بالبنية التحتية والطرق والمواصلات، بما يتيح ذلك من فرص للاستفادة والتعاون»، حيث أكد كيري أن «التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة وآسيا الوسطى نتاج تاريخ مشترك»، وهو تصريح ذو دلالات مهمة، يندرج ضمن المنظور الأمريكي لـ«طريق الحرير الجديد» الذي تسعى واشنطن إلى إرساء دعائمه في المنطقة.

آسيا الوسطى في التفكير الأمريكي

لا يخفى على أحد الأهمية القصوى التي تشغلها منطقة آسيا الوسطى (أوزبكستان، وتركمنستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وكازاخستان) في التفكير الاستراتيجي الأمريكي، بموقعها الجغرافي المتميز، ولاسيما أنها محاطة بقوى إقليمية، وفاعلين رئيسيين على الساحة الدولية (روسيا، الصين، تركيا، إيران)، مما يجعل منها منطقة رئيسية للتحكم في طرق المواصلات والتجارة بأوراسيا، وبين شمال وغرب آسيا وجنوب شرقها، علاوة على احتياطاتها من المعادن في بحر الآرال، والبترول والغاز الطبيعي في كازاخستان وتركمنستان على بحر قزوين الذي يحتوي على ثاني أكبر احتياطي عالمي من النفط والغاز.

يرى المستشار السابق لدى الأمن القومي الأمريكي، زبيغنيو بريجنسكي، في كتابه «رقعة الشطرنج» أن الرهان الرئيسي للولايات المتحدة هو السيطرة على المنطقة الأوراسية، انطلاقاً من غرب أوروبا، مروراً بجمهوريات آسيا الوسطى ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى، وصولاً إلى الصين، وهو ما يبرز الدور الكبير الذي تلعبه آسيا الوسطى كحلقة وصل، ونقطة ارتكاز في الاستراتيجية الأمريكية.

وعليه، تمثل هذه المنطقة مسرحاً رئيسياً للصراع حول الطاقة في العالم، في ظل التقاء مشاريع تكاملية كالاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والحزام الاقتصادي «طريق الحرير»، بعد توقيع الصين وروسيا بياناً للتعاون المشترك لإنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والحزام الاقتصادي «طريق الحرير» في 8/5/2015، وسط رغبة أمريكية جامحة لتأسيس «طريق حرير جديد»، وفق المنظور الأمريكي، وقواعد «التجارة الحرة»، وبأجندة سياسية، تهدف أساساً لاختراق الحديقة الخلفية لموسكو، واحتواء النفوذ الصيني المتصاعد، والتحكم في أحد أهم مصادر الطاقة تجاه بكين.

من ثم، فقد ازداد اهتمام واشنطن بهذه المنطقة كأحد أهم مسارح السياسة الدولية، وسط الانكفاء الأمريكي الواضح من منطقة الشرق الأوسط، بعد فك الارتباط بها من ناحية الطاقة، في ظل الاقتناع التام لصانعي القرار بالبيت الأبيض بأن أهم أهداف الفترة الحالية تتمثل في عدم سيطرة أي قوة على نفط وغاز الخليج.

أهداف استراتيجية في آسيا الوسطى

تتمثل أهم أهداف الاستراتيجية الأمريكية في آسيا الوسطى في: 

أولاً: مزاحمة النفوذ الصيني المتصاعد، واختراق الحديقة الخلفية لروسيا عن طريق التأسيس لمشروع طريق الحرير، وفق المنظور الأمريكي، والعمل على تشييد شبكات للطرق والموصلات، وأنابيب للغاز في اتجاه بحر قزوين.

ثانياً: تقييد سياسات الاتحاد الأوروبي، والصين، وبدرجة أقل، اليابان، الباحثة بدورها في آسيا الوسطى عن مصادر طاقة بديلة لمنطقة الشرق الأوسط.

ثالثاً: دعم استقرار المنطقة بالتأسيس لتعاون أمني واستخباراتي للقضاء على عناصر تأزمها، وخصوصا الإرهاب المتصاعد في حدودها مع أفغانستان.

رابعاً: توسيع مجالات التعاون الاقتصادي مع دول المنطقة، وتسهيل عملية الاندماج في السوق، وبناء شراكة اقتصادية عن طريق إبرام عقود استخراج النفط والغاز، واستغلال فرص الاستثمارات الواعدة في المنطقة، بما فيها السعي لمد شبكة خطوط كهربائية تربط باكستان، وأفغانستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، مع العمل على تنويع مصادر الطاقة تجاه الحليف الغربي (الاتحاد الأوروبي) لمحاولة فك ارتباطه الكبير بالنفط والغاز الروسيين.

خامساً: دعم «التحول الديمقراطي» في آسيا الوسطى وفق التصور الغربي، وضمان «استقلالية» المنطقة عن المظلة الروسية، ودفعها لرفض أي مشروع روسي فيها.

حدود النفوذ الأمريكي

يقف التوجه الأمريكي للهيمنة على آسيا الوسطى أمام معضلات معقدة تشكل عائقاً أمام تحقق أهدافه الاستراتيجية في المنطقة. فمن ناحية، لا يعد انفتاح دول آسيا الوسطى على الولايات المتحدة تحولاً استراتيجياً في سياساتها، بقدر ما هو خيار تكتيكي للعب على الحبال، وتوسيع الخيارات، باستغلال ورقة واشنطن الباحثة عن موطئ قدم في المنطقة، في ظل ما يمثله البعد الجغرافي من عامل مساعد لاختراق الأخيرة المنطقة.

حسابات ضيقة  تحكم واشنطن

يواجه مشروع «طريق الحرير الجديد» الأمريكي في المنطقة تحديات كبيرة، بفعل تقاطعه مع مشروع «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي»، و«الحزام الاقتصادي» لطريق الحرير، في ظل التعاون الرسمي بين موسكو وبكين للربط بين المشروعين الأخيرين، وهو ما تجلى في الاتفاقية التي وقعها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الصيني، شين جين بينغ، في الثامن من أيار 2015. 

كما تعمل كل من بكين وموسكو على مواجهة الاختراق الأمريكي لآسيا الوسطى، والتنسيق للحد من الفجوة التي أحدثتها الحالة الأفغانية، للحفاظ على نهج سياسة خارجية تدعو لتعدد الأقطاب، وتناهض الهيمنة الأمريكية. وفي هذا الإطار، تستغل موسكو علاقاتها التاريخية التي تجمعها بدول آسيا الوسطى، لتحييد الأخيرة عن مسار السياسات الأمريكية، وهو ما تجلى بشكل واضح في رفض كل من أوزبكستان وقيرغيزستان إعادة فتح القاعدتين العسكريتين: «خان أباد»، و«ماناس» في وجه القوات الأمريكية.

تبقى الاستراتيجية الأمريكية في آسيا الوسطى رهينة حسابات ضيقة مرتبطة بمدى تفاعل دول المنطقة، وحدود التأثير الأمريكي في سياساتها، في ظل تنامي المحفزات الداخلية والإقليمية لبحث تلك الدول عن إطار حمائي يتجاوز مدى النفوذ الأمريكي، وسط تنسيق روسي- صيني أظهر فعالية كبيرة في معالجة مختلف التحديات.

عن مجلة «السياسة الدولية» المصرية.. بتصرف