صدمة أيلول..أم «نظرية مؤامرة» محتملة؟
رغم المرتبات الباهظة للمدراء التنفيذيين في الولايات المتحدة، والأرباح القليلة التي يجري تسجيلها في «وول ستريت»، إلا أن أعداداً متزايدة من خبراء التنبؤ الاقتصادي باتوا يحذرون بشدة من أن وراء هذا الشعور الإيجابي، تكمن الحقيقة المماثلة للشعور الإيجابي إزاء طبقةٍ جديدة من الطلاء الذي يستخدمه الوكلاء لإخفاء الحقيقة بأن محرك السيارة معطوب تماماً.
إعداد وترجمة: رنا مقداد
عبر المساحة الشاسعة من المواقع الإلكترونية، والغالبية الكاسحة من الاقتصاديين المحترفين، فضلاً عن المنظرين السياسيين والاقتصاديين، يجري اليوم دق ناقوس الخطر الذي يشي بأن الشهر المقبل سوف يحمل مفاجآت قبيحة للاقتصاد العالمي
في الواقع، فإن العديد من الخبراء باتوا يؤكدون أن السيارة البالية، أمريكية الصنع، سوف تعاني شهوراً قبل أن يبدأ الانهيار الكبير. من هؤلاء، جيرالد كيلنتي، مؤسس بحوث الاتجاهات السائدة في الاقتصاد، والذي تنبأ بـ«الذعر من عام 2008»، وهو يقول اليوم أن الزلزال الاقتصادي سوف يتردد صداه في أنحاء العالم جميعها. «نحن في طريقنا لنرى انهياراً في سوق الأسهم العالمية» يقول كيلنتي في حديثٍ مع وكالة «The king World»، ويضيف: «ستحدث حالة من الذعر في الشوارع، من وول ستريت إلى شنغهاي، ومن المملكة المتحدة وصولاً إلى البرازيل.. نحن ذاهبون لنرى سوقاً تلو الأخرى تبدأ بالانهيار».
قطار الملاهي.. والمرور بالجحيم
أما دوغ كيسي، المستثمر الناجح ورئيس مركز أبحاث «Casey Research»، فيرى مشهد المناخ الاقتصادي الحالي بشكلٍ أكثر «تفاؤلاً»: «مع هذه الحكومات الغبية التي قامت بطباعة تريليونات وتريليونات من وحدات العملة الجديدة، تكون قد انتهت من بناء كارثة ذات أبعاد تاريخية»، في إشارة منه إلى برامج التيسير الكمي التي أجراها المصرف الاحتياطي الفدرالي، ناصحاً بعدم حفظ الكثير من المال في أية مؤسسة مالية «لأن معظم البنوك في العالم ستكون مفلسة»..
في محادثة جرت مؤخراً بين المحللين المشهورين، لاري إدلسون، ومايك بورنيك، مدير مركز «Weiss Research»، قدَّم إدلسون تنبؤاً مذهلاً، محدداً تاريخ ما وصفه بـ«ركوب قطار الملاهي والمرور بالجحيم»..!
كما لم يعرفه جيل
يكشف إدلسون أنه، و«في السابع من تشرين الأول عام 2015، سوف تؤدي أول دورة اقتصادية عظمى منذ عام 1929 إلى أزمة مالية عالمية ذات أبعادٍ أسطورية. سوف تُجثي أوروبا واليابان والولايات المتحدة على ركبها، سوف ترسل ما يقرب من مليار إنسان لركوب قطار الملاهي والمرور بالجحيم على مدى السنوات الخمس المقبلة، ركوبه كما لم يركبه جيلٌ من قبل. أنا واثق بنسبة 100% أن الأزمة ستصل في غضون الأشهر القليلة المقبلة».
هناك العشرات من مثل هذه التوقعات المروعة، التي تتحدث عن مستقبل الاقتصاد العالمي، إنها التوقعات التي تخلف الشعور بالدوار واليأس.. شيءٌ كما مشاهدة موجة المدّ تقترب، وسط معرفتك التامة بأنه ليس هناك أي أملٍ بتجاوزها.
الاقتصاد الأمريكي يفقد «سطحه اللامع»
في الوقت نفسه، انخفضت ثقة السكان الأمريكيين بشكلٍ حاد في اقتصاد الولايات المتحدة، ووصل في شهر تموز الماضي إلى أدنى مستوى له في عام 2015 وفقاً لتصنيف الولايات المتحدة ضمن المؤشر الجديد الصادر عن مؤسسة «Gallup» في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر.
ولعلَّ تهافت الأخبار فائقة السلبية بدون توقف (جميعها، ابتداءً من المأساة اليونانية، وصولاً إلى انخفاض قيمة العملة الصينية) قد خلقت شعوراً عند الأمريكيين بأن الاقتصاد العالمي قد انتهى في دخوله إلى المنطقة الخطرة. في الواقع، لقد خُدِش السطح اللامع لاقتصاد الولايات المتحدة، أما التآكل والصدأ فقد بديا واضحين على الفور.
في موازاة ذلك، يؤكد جيف برويك، رجل الأعمال الكندي المعروف ورئيس تحرير مجلة «The Dollar Vigilante»، في حديثٍ صحافي: «إنه من الكافي بالنسبة لي أن ندخل في شهر أيلول لنرى الأشياء الغريبة والمقلقة والعصية على التصديق التي ستحدث».
تقاطعات مثيرة للجدل
«Jade Helm 15»: هي التدريبات والمناورات العسكرية الأمريكية بالغة السرية (جداً، إلى ذلك الحد الذي لا يسمح لوسائل الإعلام بتغطيتها)، في سبع ولايات في الجنوب الغربي للبلاد، والتي من المتوقع أن تنتهي في الخامس عشر من شهر أيلول. وعلى مقربة من التدريبات، هناك مخاوفٌ جدية من أن مرافق ومنشآت مترامية الأطراف سوف تكون قادرة على التحول إلى نوعٍ من مراكز الاعتقال في أعقاب الانهيار.
وكذلك، فإن الاحتياطي الفدرالي الأمريكي سوف يعقد اجتماع «لجنة السوق المفتوحة الاتحادية» في 16-17 أيلول، حيث من المتوقع أن تعلن رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي، جانيت يلين، عن رفع سعر الفائدة، وهو الأول منذ سنوات، حيث يؤكد الخبراء أن ذلك سيسبب الهلع الاقتصادي.
ومهما يكن، فإن الأمريكيين يعيشون حذراً متزايداً في ظل الخاصرة الضعيفة لاقتصادهم، ويستعدون للألعاب النارية في أيلول القادم. ولكن، حتى إذا لم يحدث شيء، فإن كل الاستعدادات والتخزينات ستعزز، بلا شك، من الأداء الاقتصادي في المجالات جميعها..! وعند هذه النقطة، يستطيع الاقتصاد الأمريكي توظيف كل العون الذي سيأتيه، حتى ولو جاء عن طريق «نظرية مؤامرة» مفترضة..!
تعقيب من المحرر
تعتمد فكرة «صدمة أيلول»، أو تشرين الثاني حسب بعض الاقتصاديين، على تنبؤات مرَّ الكاتب على بعضها سريعاً. وهي التنبؤات التي يأتي في مقدمتها ما عرضه كلٌّ من الاقتصاديين المثيرين للجدل، مارتن ارمسترونغ، ولاري إدلسون، حول اندلاع أكبر أزمة مالية في تاريخ العالم، ابتداءً من 7 تشرين الأول 2015، وذلك استناداً على دراستهما لنظرية الدورة الاقتصادية العظمى.
وعلى الرغم من تأكيد العديد من الاقتصاديين للفكرة القائلة بأن كارثة مالية ضخمة جداً ستحل على الاقتصاد العالمي، في نهاية هذا العام، إلا أن تيارات عديدة من هؤلاء تعتقد أن التركيز على أن الأزمة ستقع في شهر أيلول تأتي في سياق محاولات الإدارة الاقتصادية والمتنفذين الاقتصاديين لخلقٍ طلب واسع في السوق الأمريكية.
وإن كانت التقاطعات المذكورة في نهاية المقال، تؤكد على بدء الاستعدادات الأمريكية للأزمة المتفاقمة أصلاً، فإن ذلك يتجاوز منطقياً محاولات حصر التراجع الأمريكي بـ«ساعةُ صفرٍ» مفترضة للانهيار الاقتصادي الأمريكي المرتقب.
*كاتب وصحافي اقتصادي روسي
عن «RT.com» بتصرف..