«بريكس» + ألمانيا..!
بيب إسكوبار بيب إسكوبار

«بريكس» + ألمانيا..!

قال ونستون تشرشل في إحدى المرات: «أشعر بالوحدة بدون حرب»، وكذلك، فقد اشتكى بشدة من فقدان الإمبراطورية. يواجه خليفة تشرشل- «إمبراطور الفوضى» الأمريكي- الآن المشكلة نفسها: بعض الحروب، كما في أوكرانيا وعبر وكيل له، لا تسير على ما يرام.

إعداد وترجمة: رنا مقداد

 

يتجلى فقدان الإمبراطورية على نحو متزايد في تحركات لا تعد ولا تحصى من قبل لاعبين محددين هادفين إلى عالم متعدد الأقطاب. لذلك، لا عجب في أن تفكير الولايات المتحدة كـ«مالك لهذه الأرض» بات أحمقاً. أما الكثير من التمنيات الإمبراطورية، فقد صارت أداة لتمرير القليل من الوقت، ولإطالة أمد الهيمنة بعض الشيء.
صحيح، يواجه تحالف «بريكس» مشاكل متعددة. فالبرازيل في الوقت الحالي فيها شيءٌ من الشلل: حيث تدافع البرازيل عن نفسها ذاتياً عبر عملية طويلة ومعقدة، في مقابل بعض المحاولات لتغيير النظام من قبل بعض أتباع «إمبراطورية الفوضى» الأمريكية. إن الأمر سيستغرق وقتاً، لكن البرازيل إلى انتعاش.


«التمحور» والبلطجة

من شأن بعض التباطؤ في «بريكس» أن يترك «RIC» (روسيا والهند والصين)، بوصفها المحرك المفتاحي للتغيير في المنظومة. ففي التناقضات المتشابكة جميعها، تتفق هذه الدول على أنها لا تحتاج إلى تحدِّ مباشر للهيمنة الأمريكية، في مقابل ثبات الهدف حول إقامة نظام جديد متعدد الأقطاب.
أما بنك «التنمية الجديد» الذي أنشأته مجموعة «بريكس»- بوصفه بديلاً رئيسياً لصندوق النقد الدولي يسعى إلى تمكين البلدان النامية للتخلص من الدولار الأمريكي كعملة احتياط- فقد باشر إجراءات الانطلاق في عمله هذا العام.
في هذا الصدد، لا يقوى مشروع «التمحور حول آسيا» الذي أطلقته وزارة الدفاع الأمريكية سابقاً، إلا للتحول إلى: البلطجة في جنوب شرق آسيا، وجنوب آسيا، وكذلك محاولة إخضاع دول شرق آسيا كاملة لتصبح خدماً عند «إمبراطورية الفوضى»، فضلاً عن الاعتقاد المخبول بإمكانية التعويل على اليابان لـ«احتواء الصين».


الدولار خارج الحساب الصيني

كما شرعت الصين سابقاً في تغيير وتبديل معقد لنموذجها في التنمية الاقتصادية، من خلال احتكار الصناعات المنخفضة للغاية، فإنها تهاجر، من خلال هذا، عبر العالم النامي، وخصوصاً حول حوض المحيط الهندي، وهذا ما يعد خبراً ساراً للجنوب العالمي- وهذا يشمل جميع الدول الإفريقية مثل كينيا وتنزانيا، وأجزاء من جنوب شرق آسيا، وصولاً إلى أمريكا اللاتينية. وبطبيعة الحال، فإن الولايات المتحدة لن تخرج بشكلٍ كامل من آسيا. لكن أيامها، بوصفها قوة مهيمنة في آسيا، ومروجة عروض «الحماية» الغوغائية، قد ولت.
بدأت الصين في اعتماد سياسة «التوجه غرباً» (المقصود إلى وسط آسيا وأوراسيا) في أوائل عام 1999. وذلك اعتماداً على قوتها الاقتصادية، فمن أكبر عشرة موانئ للحاويات في العالم، تستحوذ الصين على ما لا يقل عن سبعة..! فيما نجحت الخطة الخمسية الثانية عشرة في تحقيق تقدم الصين في مجالات التكنولوجيا السبع التي كانت تريد أن تتبوأ فيها مناصب قيادية عالمياً، وفي بعض الحالات نجحت في أن تحل محل القوى الاقتصادية القديمة في هذه المجالات.
وعلى هذا النحو، فإن أكبر دولة تجارية في العالم، وثاني أكبر اقتصاد، لا يمكنه ببساطة أن يرتكز على عملة واحدة، حيث تعرف بكين جيداً الدور الذي يلعبه ارتباط عملتها بالدولار في تضخيم أية صدمات خارجية قد يتعرض لها الاقتصاد الصيني لاحقاً.


الولايات المتحدة ومنطق «سايكس- بيكو»

تبرز في العالم اليوم مقولات عدة، من بينها من يحاول أن يرسم الصورة وكأن سايكس الجديد هو أوباما، فيما شريكه بيكو الجديد هو بوتين. إن ذلك خاطئ تماماً. فالولايات المتحدة هي من يتصرف في الواقع على أساس «سايكس بيكو» جديدة، بشكلٍ مباشر وغير مباشر لإعادة تشكيل «الشرق الأوسط الكبير».
في الآونة الأخيرة، «كشف» الجنرال السابق في حلف «الناتو»، ويسلي كلارك، ما كان الجميع يعرفونه بالفعل: يجري تمويل تنظيم «داعش» الإرهابي من حلفاء مقربين من الولايات المتحدة، كالسعودية وقطر وتركيا و«إسرائيل». وعلينا مقارنة ذلك مع تصريحات موشيه يعالون، وزير الحرب «الإسرائيلي»، الذي اعترف بأن «داعش لا تمثل تهديداً لمصالحنا»، لنستنتج بأن ما يفعله «داعش» هو عمليات انهيار متراكمة في سبيل «سايكس بيكو» خاص بالولايات المتحدة.
ولا يمكن فهم المسألة إلا من زاوية إمكانية تهديد هذا التنظيم للحدود الروسية والهندية والصينية والإيرانية، وذلك عبر إمكانية نقله إلى أفغانستان وباكستان، وهذا حمام دم محتمل أيضاً في «البلقان الأوراسي»، تماماً كما هي الوصفة الأمريكية التي وضعها الدكتور المصاب بـ«روسيا فوبيا»، بريجنسكي، في كتابه «رقعة الشطرنج الكبرى».
في الوقت نفسه، ستبقى روسيا والصين تراهن على التكامل الأوراسي، وتعزيز منظمة «شنغهاي» للتعاون، فضلاً عن التنسيق الداخلي الخاص بينهما داخل مجموعة «بريكس»، واستخدام الكثير من قوتهما السياسية للقضاء على الجنود الحمقى لـ«الخليفة الداعشي» الأمريكي.

 موسكو بكين برلين؟

هنا تبرز المسألة الألمانية. تصدِّر ألمانيا اليوم 50% من الناتج المحلي الإجمالي لديها، مقارنة مع 24% فقط في عام 1990. وعلى مدى السنوات العشرة الماضية، فإن نصف النمو الألماني يعتمد على الصادرات. وترجمة ذلك: إن الاقتصاد الألماني اقتصاد عملاق بحاجة ماسة إلى الأسواق العالمية للحفاظ على التوسع. والاتحاد الأوروبي المريض لا يتلاءم مع هذه الحاجة.
تغير الصادرات الألمانية عنوان المرسل إليه: فقط 40%، وأقل، من الصادرات يذهب الآن إلى الاتحاد الأوروبي، فيما النمو الحقيقي يوجد في آسيا. لذلك، فإن ألمانيا، في ممارستها العملية، تبتعد عن منطقة اليورو. وذلك لا يرتب على ألمانيا أن تكسر اليورو، الذي من شأنه أن يفسر بأنه خيانة سيئة لـ«المشروع الأوروبي».
ما تريده ألمانيا، هو الحفاظ على الشراكة مع فرنسا، والسيطرة على أوروبا الشرقية كفضاء صناعي اقتصادي، بالاعتماد على بولندا. لذلك، فإن الكثيرين يتوقعون أن تواجه شعوب اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا جدار التعنت الألماني. لهذا، فإن «التكامل» يعني عملياً أن تملي ألمانيا قواعدها على الجميع. وفي مقابل الفشلين المزدوجين في كلٍّ من أوكرانيا واليونان، فإن موقع برلين، وهي القوة الأوروبية الأولى، بات ضعيفاً للغاية، لهذا لا تبدو الإشارات الألمانية المترددة اتجاه التقرب من موسكو غريبة، سواء في رباعية النورماندي أو ما بعدها، فكانت موسكو هي الفائز دبلوماسياً.
لذلك، فإن ألمانيا، عاجلاً أم آجلاً، عليها الإجابة على الضرورة الحتمية والسؤال الضروري حول كيفية الحفاظ على تشغيل الفوائض التجارية الضخمة بينما تغرق تجارة اليورو لدى شركائها. الإجابة الوحيدة الممكنة على هذا السؤال، هي المزيد من التجارة مع روسيا والصين وشرق آسيا، وهذا سوف يستغرق بعض الوقت، وسيكون هناك العديد من المطبات على الطريق، ولكن المحور التجاري بين برلين وموسكو وبكين هو شيء لا مفر منه.


*عن «Doomstead Diner» بتصرف
بيب إيسكوبار: كاتب ومحلل سياسي وصحافي برازيلي. له العديد من المؤلفات: «غلوبستان 2007»، «كآبة المنطقة الحمراء 2009».