اقتصادنا راكد..! باعتراف مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي
صدر الأسبوع الماضي، التقرير نصف السنوي، عن مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، حول السياسة النقدية للكونغرس، وتقييم حالة الاقتصاد، وتحديد السياسة النقدية للبنك المركزي. وإلى جانب الشهادة التي أدلت بها رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، جانيت يلين، أمام مجلسي النواب والشيوخ، تتوضح الصورة القاتمة الكامنة وراء الكلام الرسمي حول «الانتعاش» الاقتصادي.
ترجمة وإعداد: رنا مقداد
خلال استعداداتها للحديث أمام الكونغرس قبل أسبوع، أكدت رئيسة المجلس الاحتياطي الفدرالي، جانيت يلين: «إننا نتطلع لخلق آفاق مواتية لمزيدٍ من التحسن في الاقتصاد وسوق العمل الأمريكي بشكلٍ أوسع»..!
كررت يلين تأكيدات سابقة لها، بأنه في حين من المرجح قيام بنك الاحتياطي الفدرالي بالبدء في رفع سعر الفائدة القياسي على الأموال الفدرالية، في وقتٍ لاحقٍ من هذا العام، ومن مستوى 0.0% إلى 0.25%، فإنها طريقة «فعالة» حافظ فيها البنك سابقاً على نفسه بعد فترة قصيرة من أزمة عام 2008، لكنها ستنتج ذلك ببطء وبشكلٍ تدريجي، محافظةً على أسعار الفائدة قصيرة الأجل عند مستويات أقل بكثير من المستويات المعتادة تاريخياً، ولفترة غير محددة.
«حلول» الماضي لا تصلح اليوم
كان ذلك متوقعاً، ولكن علاوة عليه جرى الترحيب به، وهنا الإشارة إلى النخبة المالية الأمريكية، التي تمتعت بارتفاعٍ هائل في أرباح شركاتها، والقيم والأوراق المالية والثروات الشخصية منذ عام 2009، وذلك بفضل تدفقات المال التي قدمها بنك الاحتياطي الفدرالي بشكلٍ مجاني تقريباً.
لكن، وكما أشارت تصريحات يلين مؤخراً وتقرير مجلس الاحتياطي الفدرالي، فقد وقع انفجار كبير في قيم الأصول، وتراكم الثروة في أعلى السلم الاقتصادي، إلى جانب الركود المستعصي والمتواصل في الاقتصاد الحقيقي المنتج.
ففي تصريحاتها المذكورة، أشارت يلين إلى السمات التالية لأداء الاقتصاد الأمريكي خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2015:
انخفاض حاد في معدل النمو الاقتصادي بالمقارنة مع عام 2014، بما في ذلك الانكماش الفعلي في الربع الأول من هذا العام.
الانخفاض الكبير في الإنفاق المحلي، وكذلك الانخفاض في الإنتاج الصناعي.
التدهور الكبير (19%) في المتوسط الشهري لفرص العمل المتاحة، إذ انخفض الرقم بما يزيد عن 50.000 وظيفة عمل حتى هذا الشهر من 2015.
وفي خطابها قبل أسبوعين في نادي مدينة كليفلاند، كشفت يلين قائمة أطول من المؤشرات السلبية، بما فيها:
بلغ النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، منذ بداية «فترة الانتعاش» الرسمية في 2009، وسطياً ما لا يزيد عن 2.25% سنوياً، أي بانخفاض نقطة مئوية كاملة أقل من الوسطي العام للمعدل خلال السنوات الـ25 الماضية، وهو ما تسميه يلين بـ«الركود العظيم».
على الرغم من ازدياد العمالة الصناعية بنحو 850.000 وظيفة عمل منذ عام 2009، إلا أننا لا نزال بحاجة إلى ما يقرب من 1.5 مليون وظيفة، فقط للعودة إلى أرقام ما قبل فترة الركود..!
انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي والإنتاج الصناعي على حدٍ سواء، في الربع الأول من هذا العام، إلا أن المصيبة أن الانتاج الصناعي واصل الانخفاض في شهري نيسان وأيار، وما زال ينخفض.
«نمو الإنتاجية للولايات المتحدة ضعيفاً إلى حدٍ كبير، لأن أصحاب الأعمال والمديرين... لم يزيدوا بشكلٍ كبير من نفقاتهم الرأسمالية.. والأعمال التجارية والخدمات تحتجز كميات كبيرة من النقد في موازناتها».
بما يعكس حالة الركود العام والركود في الاقتصاد الحقيقي، فقد ارتفع معدل التضخم الأساسي بما يصل إلى 1.2% خلال الأشهر الـ12 الماضية.
حقائق أكثر سوءاً
في موازاة ذلك، تضمَّن تقرير السياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفدرالي، الحقائق التي، على الرغم من كل شيء، أكثر استدعاءً للقلق، ومنها:
حتى في قطاع الأعمال والخدمات، فإن إنتاجية العمل قد انخفضت في كلٍ من الربع الرابع من عام 2014، والربع الأول من عام 2015.
انخفضت الصادرات بشكلٍ ملحوظ في الربع الأول من هذا العام، الذي عاد ليحقق نمواً ضعيفاً، وفقط في الخارج..!
لا يزال نشاط البناء الكلي أقل بكثير من مستويات ما قبل فترة الركود.
انخفض التعويض الاسمي (أجور العمال والمنافع) أقل بكثير من معدلات ما قبل فترة الركود التي كانت تجلب المعاناة أصلاً.
الاستثمارات العامة في قطاع الأعمال، إلى جانب الاستثمارات في قطاع الطاقة قد انخفضت. أما الاستثمار في الأعمال التجارية، فقد شهد هبوطاً بمقدار 2% في الربع الأول من 2015.
لنخفض توقعات النمو..
في سياقٍ آخر، يتضمن التقرير الذي نشر عقب اجتماع اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة خلال الشهر الماضي توقعات مجلس الاحتياطي الفدرالي للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة. وهي تشمل تغييراً تنازلياً في التوقعات لعام 2015، من 2.7 في شهر آذار، إلى 1.8..!
وفي السياق ذاته، ذكر الاحتياطي الفدرالي أن إنتاج المصانع قد فشل في الارتفاع خلال شهر حزيران الماضي للشهر الثاني على التوالي. أما إنتاج السيارات فقد انخفض بنسبة 3.7%. وقد أكدت وزارة التجارة أن مبيعات التجزئة انخفضت بشكلٍ غير متوقع في حزيران، بما تصل نسبته إلى 0.3%.
واتبعت هذه الإحصاءات تقرير الوظائف لشهر حزيران، والذي أظهر أن حصة سكان الولايات المتحدة الأمريكية المؤهلين للعمل، أو ما يعرف بمعدل توظيف قوة العمل، قد انخفض إلى 62.6%، وهو أدنى مستوى لها منذ 38 عاماً.
إن هذه الأرقام الوخيمة في الاستثمارات تشكل أكثر المؤشرات تعبيراً عن الأزمة القائمة في النظام الرأسمالي. ففيما يعزو تقرير الاحتياطي الفدرالي الانخفاض الحاد حتى الآن هذا العام أساساً إلى الانخفاض الحاد في أسعار النفط، وما نتج عن ذلك من تقلص في الاستثمار والبناء في قطاع الطاقة، نسي كاتبوه أن انخفاض أسعار النفط هو في حد ذاته أحد أعراض التباطؤ العام في الاقتصاد العالمي.
وعلاوة على ذلك، فإن الانخفاض الكبير في الاستثمار الإنتاجي بات شائعاً في جميع الاقتصادات الصناعية الكبرى، في أوروبا وأمريكا الشمالية. كذلك، اعترف صندوق النقد الدولي لأول مرة منذ أزمة 2008، أنه لا يوجد أي احتمال لعودة مبكرة إلى مستويات ما قبل فترة الركود، رابطاً هذا التكهن بوضوح الانخفاض في الاستثمار المنتج بشكلٍ عام.
أزمة عالمية.. أمريكية خصوصاً..!
بينما يتم حرمان الاقتصاد من الصناعة المنتجة، تنهار البنية التحتية الاجتماعية الأمريكية، وهي التي تنعكس بدورها على مستويات معيشة الطبقة العاملة من خلال زيادة نسب البطالة الراسخة في الولايات المتحدة، وقطع الأجور وزيادة عمليات وسياسات التقشف الحكومية، وهي بهذا الصدد، يجب النظر إليها على أنها جزءٌ من عملية عالمية أوسع.
إن الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة بشكلٍ خاص، والعالم عموماً، ليست مجرد تراجع ظرفي، بل إنها أزمة النظام الرأسمالي العالمي المتركزة في الولايات المتحدة. والتعبير المميز لهذه الأزمة هو هيمنة المضاربات المالية والتطفل، لدرجة قيام الطبقة المالية الدولية الضيقة الحاكمة بنهب موارد المجتمع من أجل إثراء نفسها، فقط لا غير.
إن الطبيعة المستعصية لحل الأزمة الاقتصادية في إطار الرأسمالية، تؤكدها التوقعات الاقتصادية العالمية الحديثة لصندوق النقد الدولي، الذي أكد في وقتٍ سابق من هذا الشهر أن تصوره يقوم على أن 2015 سيكون أسوأ عام لتحقيق النمو الاقتصادي، منذ ذروة الركود الاقتصادي في عام 2009.
عن «TheBellForum» بتصرف..
*كاتب ومحلل سياسي واقتصادي أمريكي