التقهقر الأمريكي....وانعكاساته على الجيش
«تخدعنا الوثيقة بشكل صارخ بمجرد إنكارها الحقيقة القائلة بأن الجيش الأمريكي لم يعد قادراً على كسب الحروب، أو تقديم أية فائدة للبشرية، تحت أي ظرف. فجيشنا بات أداة كليلة فاسدة، وما هو إلى أداة لزعزعة استقرار الدول الأخرى، لا العكس!!»
ترجمة وإعداد: علاء أبوفراج
تتابع «قاسيون» في هذا العدد معالجة «العقيدة العسكرية الأمريكية 2015» التي أعلن البنتاغون عنها مؤخراً، ولكن هذه المرة من زاوية التراجع الأمريكي، وانعكاساته المباشرة على الجيش.
الأعداء والحلفاء
تحوي الوثيقة ما يكفي من التضليل، في إطلاقها مواقف خاطئة ومضللة من بعض الدول، إذ أنها لم تذكر أننا نحن المعتدون فيما يخص روسيا. فنحن من افتعل المشاكل في المنطقة، كالمعارك الجوية في القطب الشمالي، التي كلفتنا طائرة وطياراً إلى الآن. أما الصين، فقد ربحت الحرب دون قتالٍ أصلاً، في الوقت الذي تتستر فيه إدارتنا عن إعطائها قنبلة ذرية لباكستان. كذلك، تجاهل رئيس هيئة الأركان المشتركة، مارتن ديمبسي، أن يذكر بأننا شركاء بمحاولات زعزعة الاستقرار في سورية، ما جعلها جزءاً من رقعة الدمار الممتدة من أفغانستان إلى ليبيا، نزولاً إلى اليمن والصومال والنيجر ونيجيريا.
يتظاهر كبار ضباط الجيش، بالطاعة لتسلسل القيادة المدنية، لكنهم بالحقيقة يطالبونها هي بالطاعة، أو يعيدون تشكيلها إن لزم الأمر. ويوضّح الكاتب، ويليام بلام، دور هؤلاء القادة: «الاستخدام الأساسي للجيش الأمريكي، منذ الحرب العالمية الثانية، لم يكن لحماية أمريكا أو كسب الحروب، بل كان لتخريب العالم واستخدام حلفاءٍ فاسدين، وهذا ما يصب في خدمة 1% من الشعب، ويحفر حفراً أعمق للـ99% المتبقين».
القوة من الجيش وحده؟!
تتجاهل الوثيقة أن الولايات المتحدة غير معنية بوضع شكل للمستقبل، لا سيما وأن دبلوماسيتنا وعلاقاتنا الدولية مجرد أضحوكةً في أرجاء العالم. والنظرة لمصرفيينا محقة، فهم وحوش مؤذية، ومعروف عن شركات اتصالاتنا وحوسبتنا بأنها متعاونة مع وكالة الأمن القومي، لذلك فهي غير ملائمة كمزود للمعدات وإبرام العقود الخدمية، وماذا بعد! الزراعة؟! صناعات الأدوية؟! زراعتنا.. أدويتنا.. وصناعاتنا الأخرى «الكبرى» باتت معروفة كلها بأنها فاسدة حتى النخاع، لا بل سامة أيضاً.
إيقاف الإنفاق على الحروب
وردت جملة ذكية وحيدة في الوثيقة وهي: «يتطلب التغلب على المنظمات المتطرفة العنيفة، في نهاية الأمر، إيجاد الأمن والفرص الاقتصادية للسكان المعرضين للخطر». إن حكومة نزيهة ستدرك على الفور وجوب وقف تدخلنا بالدول، ووقف الجرائم المالية المشرعنة وتسهيلات المصرفيين. يجب علينا أن نصرف وقتاً وجهداً ومالاً بالقدر نفسه الذي نبذله لشن الحروب، لكن هذه المرة في سبيل السلام، فبات من المعروف اليوم بأننا، وبالقدر نفسه الذي أنفقناه على الحروب في عام 2012، كان بإمكاننا انتشال أفقر خمسة مليارات إنسان من الفقر الذي يعيشونه.
وهم تفوق الجيش الأمريكي
واهمٌ رئيس هيئة الأركان المشتركة إذا كان يعتقد فعلاً بأن الجيش الأمريكي هو الجيش الأفضل، قيادةً وتسليحاً، على المستوى العالمي، فقد تم توثيّق الكذب المستشري عند ضباط فيالقنا في العديد من الكتب. ومعداتنا باتت خردةً، بنسبة تتراوح بين 45% إلى 75%، فهي لا تعمل كما يجب، وتتطلب نفقات غير اعتيادية. والأهم من هذا، إنها مصممة للحروب التقليدية ضد قواتٍ تقليدية.
تغاضى ديمبسي، عند تعريف «البيئة العسكرية»، عن أننا أضحينا ألدَّ أعدائنا، فلدينا جيش متوسط يعتمد على شبكة عالمية من القواعد العسكرية الخارجية المكلفة جداً، «التي تستغل موارد المناطق الموجودة فيها»، وهي عاجزة عن إنجاز المهام الموكلة إليها، فجيشنا يتألف من سلاح جو يملك طائراتٍ تعد الأغلى، والأقل نفعاً من الناحية القتالية في تاريخنا، ولا تستطيع قواتنا الجوية أن تنقل أي قطعة عسكرية إلى أي مكان بالسرعة المطلوبة! ولدى القوات البحرية أدميرالات أكثر من عدد السفن..!
كان من الأجدى الحديث عن أن قدراتنا العسكرية كلها، باتت مجمدة بسبب تطور القدرات العسكرية العالمية، فالقدرات الكهرومغناطيسية، تسمح للغواصات الصينية بأن تظهر فجأة خلف حاملات الطائرات الأمريكية دون أن يتم رصدها بالرادار مسبقاً، في الوقت الذي يمكن رصد كل غواصاتنا الاستراتيجية النووية على الرادارات من مسافات بعيدة.
«جيشنا بيت دعارة لغسيل الأموال»
أنا متيقن أننا عاجزون عن إحراز أي تقدم في أي مجال (بغض النظر عن مدى حيويته)، سواء أكان إصلاح الجيش أو الاقتصاد أو البيئة، ما دمنا خاضعين لاستبداد الحزبين العاملين وفق مصالح 1%. ما جرى على مرأى من الجيل الماضي، هو الدمج بين الجريمة والسياسة، وبين السرقة والحكومة، وهو أبعد ما يكون عن مصالح الشعب، حيث وصل قادتنا الماليون وعبيدهم السياسيين إلى نتيجة مثيرة للسخرية، مفادها أن مجتمعنا غير قادر على تأمين عمل مستدام، لذلك جرى زج المجتمع في مهمة أخرى، لا تتضمن إنتاج الثروة لنا جميعاً، بل الفرار ببساطة مع ما تبقى من ثروةٍ في اقتصادنا المنخور، وبات واضحاً أن الجيش كله قائم على تجنيد العاطلين عن العمل، اليائسين منهم والأقل تعليماً، لتخفيف التوتر الاجتماعي، إضافة لكونه بيت الدعارة الأفضل لغسيل الأموال على الكوكب.
ماسحو أحذية «المجمع الصناعي العسكري»
هذه «الإمبراطورية» العسكرية باتت عارية. تكفي الإضاءة على الاحتيال المتواصل الذي يمارسه «المجمع الصناعي العسكري»، المعتمد على تجديد الأسلحة القديمة، وإعادة بيعها بعد تخفيض تكاليف إنتاجها. أي أن ديمبسي وشلته، من ضباط الرتب العليا، مشاركون فاعلون ومتواطئون بالاحتيال والهدر والاستغلال، لدرجة لا تتجاوزها إلا البنوك والمصارف، مثل «غولدمان ساكس».
قادة الجيش لا يملكون الصلابة الكافية على ما يبدو ليفرضوا تخفيض الإنفاق العسكري، الذي حدده الرئيس بـ30%. ولا يوجد أحد في وزارة الدفاع يملك ما يكفي من القدرات الذهنية والميزات العملية ليبدأ بتصميم وبناء معدات نوعية، تمكننا بسهولة من تخفيض ما يقارب 50% من ميزانية البنتاغون، وتمكننا أيضاً من إغلاق قواعدنا الخارجية كلها، وعودة قواتنا إلى الوطن.
ما يزيد من مرارتنا هو رؤية نفاق «قادة» وزارة الدفاع، الذين يتملقون الشباب والشابات المشاركين بالعمليات العسكرية، في الوقت الذي يتحمل فيه 4% من قوات المشاة 80% من الخسائر، ولا يحصل هؤلاء على أكثر من 1% من ميزانية البنتاغون، حسب ما أكد الجنرال، روبرت سكيلز. تقصير كهذا يعد جريمة، إذ يجب أن يكون من أولويات وزارة الدفاع في المستقبل الاهتمام الجدي بالمهام الموكلة إليها، عوضاً أن تكون ماسحة أحذية لـ«المجمع الصناعي العسكري». نحن لا نستطيع احتمال مشاهدة وزارة الدفاع تمول تدريبات «جيد هاليم» (تدريبات جديدة للجيش الأمريكي، تقوم على تدريبات مع العتاد الكامل في مناطق المدنيين، والتي تتوزع في مناطق محددة، وتهدف، حسب بعض المصادر، إلى أن تخفض حساسية الناس للمظاهر المسلحة في الشوارع، كخطوة لمشروع لاحق)، وتدرب الحرس الوطني بمهام تجريبية لإدارة معسكرات اعتقال على الأراضي الأمريكية ولمواطنين أمريكيين. أنا واثق بأن تشكيلات الجيش والشرطة لن تحنث بيمينها، لتصبح بمواجهة الشعب، ولكنني واثق أيضاً بأن الوضع يتجه إلى الانفجار.
تعقيب:
يمثل روبيرت ستيل- وهو ضابط سابق في قوات البحرية وعضو متقاعد في المخابرات المركزية- تيار المتقاعدين الذي يرصد عملية التراجع الأمريكي، ويحاول إدارة هذا التراجع باتجاه أقل الخسائر الممكنة، من موقع الحرص على أن تحافظ الولايات المتحدة على وزنٍ دولي حقيقي وفاعل. وتوضح هذه المقالة الدور الفاعل لرأس المال المالي في تصعيد العنف، وإن كان شكل المعالجة قاصراً وأولياً. بالإضافة إلى أنها تسلط الضوء على دور «المجمع الصناعي العسكري»، الذي يسعى إلى تحقيق الربح الأقصى، على حساب الشعب الأمريكي وشعوب العالم، مستغلاً وزنه الكبير داخل الإدارة الأمريكية.
عن موقع «counter punch» بتصرف