العنصرية كأحد أشكال الفاشية 2/2
تنشر «قاسيون» في هذا العدد الجزء الثاني من ترجمة مقالة «العنصرية كأحد أشكال الفاشية» التي تطرح طرحاً مغايراً للمنطق السطحي الذي يتداوله الإعلام عن الجريمة التي ارتكبها الشاب الأمريكي «دايلن رووف» والذي يحصرها بكونها فعلاً عنصرياً فحسب..
يجري التراكم الرأسمالي بشكلين، الأول: هو الشكل المنتج، والثاني: هو الشكل غير المنتج، وضمن هذا الصراع يصبح ميل رأس المال إلى التراكم غير المنتج ميلاً سائداً، وخصوصاً في رأس المال الاستثماري، إذ يصبح مهيمناً شيئاً فشيئاً. لكن المشكلة تكمن بأن رأس المال غير المنتج ما هو إلا سمٌ زعاف.
يقود الرأسماليون مؤسساتهم بصرامة في محاولتهم لمعالجة التناقض الناتج عن إشكالية التراكم في الرأسمالية، والميل المتزايد باتجاه التراكم غير المنتج، سواء أكانت هذه المؤسسات داخل أو خارج أجهزة دولهم (مثل غرف التجارة التابعة لهم أو المنظمات غير الحكومية، ومراكز أبحاثهم في الجامعات، بالإضافة إلى مثقفي البرجوازية الصغيرة ككل)، لكن المنظمات البرجوازية الديموقراطية- الديكتاتورية القائمة ليست مجهزة لمواجهة مع إشكاليات بنيوية كهذه.
لا يمكن للتراكم الرأسمالي أن يلعب بشكليه، المنتج وغير المنتج، دورين متساويين مناصفةً في الاقتصاد، لأن أي تراكم في الرأسمال، إنما يقاد ويحدد من الشكل المنتج، فالإنتاج المنتج هو مصدر كل الأشكال الأخرى لرأس المال.
فاشية متجذرة لم تقتلع بعد
يشجب الجميع اليوم، حتى بعض الفاشيين أيضاً، الجريمة التي ارتكبها «دايلن رووف» في الكنيسة..! إلا أن أعلام الكونفدرالية الفاشية لا تزال إلى الآن تخفق في أعالي ولاية كارولاينا الشمالية، ولا تزال العديد من الشوارع تحمل أسماء ملاكي العبيد في الجيش الكونفدرالي.
الرأسماليون في حَيْرة!
النزعات الأيديولوجية الفاشية نزعاتٌ متجذرة بعمقٍ في البنية الفوقية لنمط الإنتاج الرأسمالي-الإمبريالي في الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن الرأسماليين لم يوحدوا موقفهم حيال هذا التوجه. يمكنكم ملاحظة الأعداد الكبيرة للمرشحين لمنصب الرئاسة عن الحزب الجمهوري، هذا الحزب الذي يصبح يوماً بعد يوم بـ«محافظته» المعتدلة والمتطرفة، البديل الفاشي للرأسمالية.
لم تصل الكتلة الرأسمالية لموقف موحد لعلاج إشكالية تشوه تراكم رأس المال بالاتجاه غير الإنتاجي «المالي»، وقد خلق رأس المال المالي ظرفاً أشد تعقيداً ، فمصالح كتلة الرأسمال شديدة التشابك إلى حدٍ لا يمكن فيه إلى الآن نهوض أي جزء من طبقة الرأسماليين بمفرده، حاملاً بديلاً قابلاً للتطبيق. يظهر انقلاب المحافظين والمحافظين المتطرفين من خلال النزعة الليبرالية المهيمنة في الحزب الديموقراطي. نزعة تدعو إلى وحدة الجماهير تحت قيادتهم، وخارج إطار الصراع الطبقي، وتمثل هذه الأجزاء من الرأسمالية التيار الذي لا يتفق مع الفاشية*.
هناك صراع بين طبقة الرأسماليين أنفسهم حول الطريق الذي سيتبعونه للخروج من هذه الفوضى التي أغرقوا أنفسهم بها. ولكن هناك شيئاً مؤكداً وحيداً وهو أن البرجوازية تظهر تاريخياً عدم قدرتها على استخدام البنى الحالية «أجهزتها التابعة أو غير التابعة للدولة» لحل الأزمة البنيوية للنظام الرأسمالي، وبالتالي فإن أفراد هذه الطبقة يشعرون بحجم أزمتهم ويحذرون من شرورٍ قادمة.
أزمة الرأسمالية هي انعكاس** لأزمة الحركات التقدمية والثورية، والتي لا تزال غير قادرة إلى الآن على أن تعرض خطاً سياسياً تستطيع من خلاله توحيد الجماهير الشعبية الأمريكية بالشكل المطلوب لتدخل ميدان السياسة، أو حتى من خلال أن تقدم نموذجاً بديلاً محدوداً من شأنه أن يبطئ عملية تحويل الديموقراطية البرجوازية إلى فاشية. نهج التبسيط الذي ينتهجه الراديكاليون اليساريون الإصلاحيون، يحولهم موضوعياً إلى بيادق في صفوف الحزب الديموقراطي. ومع هذا فهم يخلقون بالوقت نفسه، المزيد من التناقضات كونهم مسيطرين أيضاً، ولكن لديهم قائمة من المطالب التي من شأنها الإيحاء بأنهم يريدون النأي بأنفسهم عن الأوزار الثقيلة للرأسمالية التي يحملونها على كاهلهم.
هل كل عنصرية فاشية؟!
الفاشية هي توجه سياسي متطرف واستثنائي للاستجابة إلى الظرف الذي يتطلب إعادة تنظيم للرأسمالية. إن من يعتقد بأن الفاشية تقوم على النقاء العرقي بشكل أساسي فهو مخطئ بلا ريب، إذ أن مفهوم النقاء في عرقٍ محدد «إضافةً إلى كونه فكرة غير علمية، هو مفهوم اجتماعي طوره العرق نفسه»، هو مكون أيديولوجي في البنية الفوقية، لتعزيز هذه النزعة الاقتصادية.
إن نظرية النقاء العرقي ليست مستوطنة في صفوف البيض فقط***. ففي العديد من التشكيلات الاجتماعية في إفريقيا والكاريبي، يستخدم مفهوم العرق في التركيبة الاجتماعية التاريخية للبرجوازية الطفيلية، التي تعتمد على العرق كجزء أيديولوجي في تركيبتها وتماسك بنيتها. على الرغم من أن النزعات الفاشية كثيراً ما تتمظهر على شكل الأوتوقراطية أو القومية الرجعية.. إلخ إلا أن هذه التشكيلات ليست تشكيلات فاشية بالضرورة.
الصراع الطبقي هو المفتاح
لسوء الحظ إن التيارات السياسية المهيمنة في صفوف البرجوازية الصغيرة المتمثلة بالراديكالية الانتهازية، والدوغمائية اليسارية المتطرفة، ستقود اليسار إلى طريق مسدود في الاتجاه الإصلاحي، سواء أكان من خلال التشبث بالعنصرية «بدلاً من الصراع الطبقي» ليكون «التناقص الرئيسي» في التشكيلة الاجتماعية في الولايات المتحدة، أو يكون من خلال أدائهم دورهم في الحرب العرقية. برهن التاريخ على أن اليسار الشعبوي واليسار المتطرف سرعان ما يتحولان إلى يمين متطرف.
قد يجد التقدميون أنفسهم نادمين على الميل الذي يستعيض عن الصراع الطبقي بوصفه المعطى الأساس في صلب استراتيجيتهم للتغيير الاجتماعي بحملات الدعاية المروجة للسياسات القائمة على الهوية**** وطرح صيغة العدالة الاجتماعية!! على الرغم من أن الثانية قد تستطيع تحصيل إصلاحات مؤقتة (والتي سرعان ما تزول ثانيةً مع تعمق أزمة الرأسمالية)، إلا أن الأول قد يفتح الطريق أمام احتمالات اقتلاع أشكال الاضطهاد كلها. إن الضامن الوحيد لإزالة كل أشكال الاضطهاد– ومن بينها العنصرية– هو من خلال مكافحة هذه الأشكال، بعد وضعها في سياق الصراع الطبقي.
«فرق تسد».. سياسة الرأسماليين أبداً
الرأسماليون متمرسون بشكل كبير في سياسية «فرق تسد»، وقد ابتدعوا فئات اجتماعية وهمية (العرق، القومية..) لتقسيمنا. وعندما يسلّم العمال بتقسيمات الرأسماليين هذه، بل ويستندون إليها في خطهم وممارستهم السياسية، نكون بذلك نزيد من إحكام قيودنا أكثر. يجب علينا بدلاً من أن نتنافس في ما بيننا على الفتات، مؤدين رقصات حمقاء مصممة من قبل مستغلينا، أن نتخلص من العنصرية من بين صفوفنا ونتخلى عن سياسات الهوية وأفخاخ الأيديولوجية البرجوازية، ونتوحد بوجه الانتهازية ومن يستغلنا ونستهدف المصدر الحقيقي للمشكلة وعدونا المشترك: الطبقة الرأسمالية..
تنظيم البوليتاريا الثورية هو الحل
الفعل الذي قام به هذا القاتل في «شارلستون» يجب استنكاره كما هو، فهو عنصري بالطبع ولكنه ليس عنصرياً ببساطة! فعلى قميصه الذي كان يرتديه كان هناك شعار فاشي. ويجب علينا أن ندرك بوضوح أن عنصريته هذه هي للفاشية، التي تتوافق مع الأهداف السياسية لأجزاء محددة من الرأسماليين، بالوقت الذين يسعون فيه إلى حل الأزمة الاقتصادية الحالية بما يخدم مصلحتهم.
بالنسبة لنا هناك طريق واحد لحل الأزمة الرأسمالية بشكل إيجابي: ويكون هذا من خلال تأليف قوة اجتماعية من طبقة عمالية موحدة ومنظمة تقاتل في سبيل مصالحها– المعادية للرأسمالية في جوهرها– وباتجاه تدمير الرأسمالية على النطاق العالمي. يجب تقوية وزيادة صفوف النشطاء الثوريين البروليتاريين الحقيقيين، ونحن بحاجة لبناء منظمات منضبطة ومستقلة قادرة أن تدرك ما يجري تحت سطح الأحداث، وما الذي يقود إليها ويولدها. ويجب على هؤلاء الثوريين أن يطوروا خطهم السياسي باستمرار ليرفعوا من ميزان القوة في مصلحتنا.
ملاحظات محرر «قاسيون»:
* صحيح أنه ثمة تيارات سياسية تتنازع محاولات الحد من التراجع الأمريكي الجاري على خلفية الأزمة الرأسمالية، وإدارته لتنظيم هذا التقهقر، بين تيار فاشي وتيار عقلاني، إلا أن ذلك لا يجري على أساس ثنائية (جمهوري- ديمقراطي) لأن سياسات هذين الحزبين على مستوى القيادات تمثل تجسيداً للاحتكارات واللوبيات المتحكمة بالإدارة الأمريكية. وما تنافس وتناوب الحزبين على الرئاسة وحصر هذا الموضوع بهما إلا دليل على سباق التتابع القائم بينهما والذي تديره أوساط لا تقع بالضرورة داخل البيت الأبيض
صحيح أن هناك أزمة بالحركات الثورية والتقدمية تتعلق بضعفها وتشتتها ولاسيما في فترة التراجع إضافة لوجود الأزمة الرأسمالية ولكن لكل منهما منشؤها الموضوعي ولا يمكن اعتبار إحداهما انعكاساً للأخرى. **
في منطقة إفريقيا والكاريبي صدف أن تطابقَ تاريخياً، التقسيم الطبقي مع التقسيم العرقي، وذلك بسبب تحدر البرجوازية الحاكمة من المستعمرين البيض. ***
المقصود سياسات الهوية التي تقوم بتجميع الناس على أسس غير طبقية (الجنس، والجنسية، والعرق، والدين...إلخ) ***
عن موقع «counterpunch» بتصرف