العنصرية كأحد أشكال الفاشية 1/2
بعيداً عن سياسة وسائل الإعلام الغربية في تحميل المسؤولية عن عمليات العنف المتصاعدة في الغرب، إلى هذا «الإرهابي» أو ذاك «المجنون»، تكثر في الآونة الأخيرة التحليلات التي تحاول البحث في أصل وجذور هذا النوع من العمليات وأبعادها السياسية. في هذا العدد تنشر «قاسيون» الجزء الأول من المادة التحليلية التي تبحث في خلفيات العملية التي نفذها الأمريكي دايلن رووف.
ترجمة وإعداد: علاء أبوفراج
في يوم الأربعاء 17 حزيران 2015 دخل شاب يبلغ من العمر 21 عاماً إلى كنيسة، صلى مع أبناء الأبرشية، ومن ثم فتح النار عليهم وقتل 9 أشخاص، كلهم ينتمون لأصول إفريقية، إذ كان اقتنع شخصياً أن الأمريكيين من الأصل الإفريقي سوف يستولون قريباً على التشكيلة الاجتماعية الإمبريالية– لذلك كان قتل 9 منهم بالنسبة له عبارة عن خطوة أولية لإبطاء العملية التي يتحقق بها نقل السلطة.
كان هذا الفعل مدفوعاً بالعنصرية، ولكنه كان أيضاً أكثر من ذلك. يجب علينا تحليل الظروف الكامنة وراء حوادث كهذه، إذا ما أردنا التغلب عليها ومكافحتها بشكل فعال، ولنتمكن من تغيير المجتمع بشكل يمكّننا من القضاء على هذه الحالات للأبد.
الفاشية وأزمة الرأسمالية البنيوية
لنرسم الروابط بين العنصرية والفاشية والأزمة البنيوية الحالية للرأسمالية. إن فهم الديناميكية الأساسية لحالاتنا بأعمق شكل ممكن، سيسمح لنا أن نخط طريقاً للخروج من هذا الجحيم الرأسمالي الإمبريالي الأمريكي.
في الحقيقة قام «دايلن رووف» بفعل سياسي حتى وإن لم يدرك ذلك. فهذا كان فعلاً سياسيا بلا شك، وليس هناك فعل سياسي يخرج عن واقع الطبقات والصراع الطبقي، لذا يجب علينا ترجمته على ضوء الصراع الطبقي، وبالتالي فهو في خدمة طبقة محددة. كل أفعالنا- التي نقوم بها طوال حياتنا- تخدم بالعادة طبقة أو أخرى، وبما أن أفعالنا السياسية تصب في مصلحة طبقة معينة، إذاً هي حتماً ضد مصالح الطبقة الأخرى، بغض النظر إن كان شكل هذا الفعل السياسي عنيفاً أم لا.
جنون أم أكثر؟!
من غير الكافي أن نعزو هذا الفعل لشخص مجنون، أو حتى لعمل إرهابي. الاعتراف بهذا الفعل بوصفه عملاً إرهابياً هو عبارة عن تطوير في شكل الفكرة القائلة، أن هذا الفعل ناتج عن مرض عقلي فحسب. لكن لنحدد محاكمتنا العقلية بخصوص هذه الحالة (والحالات الأخرى المشابهة): هذا توجه سياسي سيخدم طبقة محددة، الطبقة المهيمنة بشكل أساسي!
هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها شيء كهذا. فقد ارتكبت أفعال مماثلة على مر التاريخ الأمريكي، وحتى في أثناء حركة الحقوق المدنية، جرت إعدامات ميدانية، وقتل الناس في بيوتهم، وفي الشوارع، بالإضافة لإشعال الصلبان.
كل هذه الممارسات السياسية هي أعمال قمع. كل أعمال القمع المتطرفة هذه كانت موجهة لقمع الجماهير بهدف منع تنظيمنا، وإعادة هيمنتهم علينا. يكون هذا صحيحاً بشكل خاص، عندما تنبع هذه الهيمنة من التناقض الناتج عن العلاقات الاقتصادية، تماماً مثل العبودية، أو العلاقة بين الرأسمال والعمالة.
«رووف» القاتل هو بالحقيقة يعمل لمصلحة جزء من طبقة الرأسماليين، هو أحد بيادقهم. قد تكون هذه الحقيقة غامضةً على البعض، ولكن التحليل العميق يقودنا إليها.
الصراع داخل الرأسمالية
رأس المال هو عملية إنتاج اجتماعي. فهو ليس محصلة عملية جمع بسيطة، بل شكل للتنظيم المجتمعي. تُظهر الرأسمالية نفسها من خلال قدرة الطبقة الرأسمالية على الإدارة، وهذه العملية ينظمها جهاز الدولة. طبقة الرأسمالية ليست كتلة واحدة، بل مجموعة من الكتل، ولكنها متراصة في نهاية المطاف. يعود الصراع داخل الطبقة الرأسمالية إلى تضارب مصالح الأشكال المختلفة من تمركز رأس المال. ولكن ليستطيع أي جزء من الطبقة الرأسمالية أن يقدم بديلاً، فهو بحاجة ليوحد قسماً كبيراً من الجماهير تحت قيادته. حيث لن يكون أي من أشكالهم السياسية البديلة صالحاً ما لم يمارس تأثيراً سياسياً على الجماهير.
«مثقفون» تحت الطلب
بعد حوادث كهذه (مثل الانتحاري في ماراثون بوسطن) يهب كثير من المثقفين ليدافعوا عن الإيديولوجية البرجوازية، ويتسابقوا إلى وضع الاستنتاجات والتحليلات، ولكنهم لا ينظرون أبعد من إطار العنصرية والإرهاب أو حتى فكرة الجنون السخيفة.
يحدد «المثقفون» بتحليلاتهم هذه طبيعة النقاش وقواعده. وتنزلق البرجوازية الصغيرة اليسارية الراديكالية إلى هذا الشرك، وتركز بدورها على الجانب العنصري وتمضي على أساسه، واضعة بذلك حداً للقدرة على تقديم تفسير مادي للواقع الموضوعي. ويخرج تحليلهم حاملاً نكهة ماركسية، بالاسم، لكنه ممزوج بشكل هائل بالمثالية والغيبيات، لينتهي بتنظيم نضالات، سمتها أنها أسيرة الحدود التي وضعها المثقفون الذين يمثلون مصالح الطبقة الرأسمالية. وحسب هذا السيناريو يكون هؤلاء البرجوازيون الصغار اليساريون الراديكاليون يقدمون خدمات عن غير قصد لفئات من الطبقة الرأسمالية، في الغالب لهؤلاء الذين يمثلون الحزب الديموقراطي الأمريكي، سياسياً.
داخل سجن «الإصلاحية»
تكون عواقب هذا التوجه السياسي هي بتحليله غير المستقل، الذي يصب في عكس مصلحة الطبقة العاملة. وفي النهاية، لن يتمكن هذا الشكل من النضال بسبب هذه القيود من إدراك أي شيء أبعد من النزعة الإصلاحية. وتراهم يتراكضون وراء كل الفتات الذي تخلّفه هيمنة الرأسمالية على البنية الفوقية، عوضاً عن استهداف صلب الرأسمالية ذاتها.
لم يُظهر اليسار الراديكالي البرجوازي الصغير نفسه قادراً على الحفاظ على أي درجة من الاستقلالية عن البرجوازية.
نحن في حالة تعرف بأنها «الأزمة العميقة للرأسمالية». ولم تعد مجرد أزمة إضافية على أزماتٍ أخرى متأصلة في الرأسمالية، بل تطورت لتغدو أزمةً بنيويةً. لا أحد من الرأسماليين يستطيع أن يستل من جعبته حلاً لهذه الأزمة، في إطار صراعهم الهادف إلى إعادة إنتاج أنفسهم بصيغة كتلة طبقية «متراصة».
خيار الفاشية
تؤكد التجارب التاريخية على أنه مع وصول الأزمة إلى المجال الاقتصادي، تلجأ الطبقات السائدة في التشكيلات الاجتماعية إلى مواجهة النضالات الشعبية، وتعمل على حلها سياسياً. كل مكونات طبقة الرأسماليين ستعرض بديلاً سياسياً، يكون في مصلحة هذا الجزء في المقام الأول، ولكن أيضاً في مصلحة التجمع الرأسمالي ككل. وفي هذه الأثناء تكون الجماهير- حتى ذلك الجزء شديد العداء للكتلة الرأسمالية ككل، الطبقة العاملة– يكونون تحت تأثير الطبقة الرأسمالية وتحكمها. مع استمرار هذه الحالة، ستميل الأزمة إلى التعمق مع مواصلة طرح البدائل من طبقة الرأسماليين ذاتها.
الفاشية هي أحد البدائل السياسية التي يطرحها الرأسماليون، وتوجهات «رووف» هي جزء من خط سياسي متسق، حيث يعطينا هذا الفعل، شأنه شأن سابقيه- مؤشراً لاحتمال نشوء الفاشية بوصفها محاولة لعلاج المرض البنيوي الذي تعاني منه الرأسمالية اليوم.
هذه ليست المرة الأولى في الولايات المتحدة التي يواجه فيها رأس المال إشكالية في التراكم الرأسمالي. حرب الاستقلال كانت في سياق وقف مشاركة التراكم مع إنكلترا من خلال الضرائب المفروضة. وشنت الحرب الأهلية لإيجاد شكل واحد موحد للتراكم– الشكل الأول المنتج لتراكم رأس المال يكون من خلال إنتاج القيمة الزائدة.
عن موقع «counterpunch» بتصرف