مرحلة الخروج يميناً «Brexit» ويساراً «Grexit»
جاك راسموس جاك راسموس

مرحلة الخروج يميناً «Brexit» ويساراً «Grexit»

تتفاقم أزمة «الوحدة الأوروبية»، بتجليها الحالي، أكثر فأكثر. اقتصادياً: لا البلدان الفقيرة ولا البلدان الأقل فقراً بمنأى عن إعادة التفكير بالقيود التي تفرضها البنية الحالية للاتحاد الأوروبي. وعلى هذا الأساس، تنشغل وسائل الإعلام الأوروبية بقضيتين متسارعتين: «Brexit»، أي الإشارة إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، و«Grexit» أي خروج اليونان منه.

 

ترجمة وإعداد: رنا مقداد

في الثامن من شهر أيار، حقق حزب «المحافظين» البريطاني فوزاً «مقلقاً»، حاصداً أغلبية برلمانية مطلقة غير متوقعة، ومن الرابحين أيضاً أحزاب «الوطني الاسكتلندي» و«الاستقلال»، وجميعها تدعو إلى الاستقلال عن الاتحاد الأوروبي. أما أكبر الخاسرين في الانتخابات، فهما حزبا «العمل» و«الحزب الليبرالي».
قبل عامين، أي في سنة 2013، تنبأتُ بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمر لا مفر منه، وكان المنطق وراء هذا التنبؤ هو أن الاقتصاد البريطاني سيواصل نموه السلبي على المدى الطويل. إذ أن تدفقات الأموال من المستثمرين الأجانب قد تزيد عقارات لندن وجنوب  إنكلترا مؤقتاً، غير أن تأثيرها الإيجابي سيكون شحيحاً على المدى الطويل في بقية المملكة المتحدة.


تكتلات حزبية من أجل خروج بريطانيا

تثبَّت «الانتعاش» البريطاني بشكلٍ قصير وسطحي، لأنه سجل في الحقيقة معدل نمو هزيل بنسبة 0.3% في الربع الأخير من الناتج المحلي الإجمالي. فيما كانت وسائل الإعلام تصرف الرأي العام عن الأسباب الحقيقية لضعف الأداء الاقتصادي، ملقية اللوم على المهاجرين الأجانب، ومدعية بأنهم كانوا المسؤولين عن «الإفراط في استخدام الخدمات العامة»، وضعف فرص العمل، ووفرة الأجور.
لعب حزبا «المحافظين» و«الاستقلال» بورقة الهجرة الأوروبية بشكلٍ جدي في الفترة التي سبقت الانتخابات الأخيرة. فيما لم يفعل حزبا «العمال» و«الحزب الليبرالي» ذلك، ولم يفلحا في حملتهما الانتخابية لإقناع الناخبين بالمشاكل الحقيقية الناتجة عن محاباة الشركات، المصرفية بوجهٍ خاص، وسياسات حزب «المحافظين» نفسه. واتخذ حزب «العمال» موقفاً ضعيفاً تمثل في تأييده البقاء داخل الاتحاد الأوروبي.


اليونان وبريطا+نيا: 2016؟

يثير خروج بريطانيا من الاتحاد أسئلة أخرى حول مصير اليونان في منطقة اليورو. حيث من المتوقع أن يصبح خروج اليونان من منطقة اليورو «Grexit» ملحاً جداً بعد عامٍ من الآن. ومن شأن خروج بريطانيا أن يساهم بتسريع خروج اليونان. أما توقيت ذلك، فقد لا يكون من باب المصادفة مطلقاً.
تقترب المفاوضات اليونانية مع «الترويكا» (البنك الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والمفوضية الأوروبية)، فضلاً عن وزراء مالية منطقة اليورو، من شهرها الحاسم، في حزيران الحالي، وسينتهي تمديد اتفاق الديون السابقة في نهاية حزيران الحالي أيضاً. أما احتمالات عجز اليونان عن سداد ديونها إلى «الترويكا» فيبدو مرجحاً على نحو متزايد.
بعبارة أخرى، تريد «الترويكا» أن تجبر اليونان على الاستسلام، وأن تجرها، قبل نهاية حزيران، إلى تطبيق «إصلاحات سوق العمل»، كشرط للإفراج عن الأموال اليونانية المستحقة بموجب الاتفاق القديم. أما هذه «الإصلاحات»، فهي تعني خفض المعاشات التقاعدية، وتسريح العمال، والمزيد من «المرونة» للشركات لتطلق النار على العمال، وحتى الآن، لم تزل اليونان تقاوم.
الاتجاه الحالي للمفاوضات يشير إلى أنه من المرجح أن توافق اليونان على صفقة سيئة، وذلك لتجنب الإفلاس. لكن ذلك لن يكون نهاية المطاف. فـ«الترويكا» ووزراء مالية منطقة اليورو سيستمرون بالضغط على اليونان بسبب مدفوعات الديون في وقتٍ لاحقٍ من هذا الصيف. إذ أن أي اتفاق يجري بحلول حزيران سيكون قصير الأجل، لذلك سيتم طلب المزيد من التنازلات في مقابل الإفراج عن الأموال كافة في المستقبل.
وفي الوقت نفسه، سينتقل الاقتصاد اليوناني إلى مرحلة أعلى من التضرر، وقد بدأ ذلك بالفعل، ما يجعل الشعب اليوناني يدرك، في نهاية المطاف، أنه لن يكون هناك حل نهائي عبر المفاوضات مع «الترويكا»، حيث تمثل الأزمة الحالية معياراً جديداً. وبمجرد حدوث ذلك، فإن البديل الوحيد هو الخروج من الاتحاد الأوروبي، وربما يستغرق ذلك شهوراً أو سنوات. ربما في الصيف المقبل من عام 2016، في تزامنٍ مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. ويمكن للمرء أن يتكهن ما الذي سيمثله هذا التزامن سياسياً واقتصادياً.


سيناريو خطة خروج اليونان

كيف يمكن لليونان أن تحضِّر لخروج ممكن من الاتحاد الأوروبي؟ أولاً: ألا تعلن ببساطة أنها تترك منطقة اليورو، فهذه ليست الطريقة التي تؤكل بها الكتف. بدلاً عن ذلك، يبدو من الجيد أن تستعد لإدخال عملة موازية لليورو في الداخل. قد تكون «الدراخما الجديدة» أو عملة أخرى ربما تدخل في الاقتصاد اليوناني، حيث يجب أن يكون سعر صرف هذه العملة أعلى من اليورو. وربما يحقق تعيين العملة الجديدة كعملة لدفع الضرائب طلباً أكبر عليها، ما يجعل سعر صرفها أعلى من اليورو. أو إيجاد عملة موازية يمكن أن توصف بأنها العملة المعتمدة للمعاملات التجارية الدولية جميعها، مع التأثير نفسه، على أن يجري ضخ العملة ببطء، لضمان كمية محدودة منها، بما يمكن أن يساهم أيضاً بوجود سعر صرف عال لها.
أما اليورو، فمن الممكن استخدامه فقط لدفع الديون السابقة لـ«الترويكا». حيث من شأن ذلك أن يقلل من الطلب على اليورو داخلياً، لصالح العملة الجديدة. ومن الممكن للشركات والمستهلكين أن يتاجروا باليورو الموجود بحوزتهم، من أجل بناء واستحواذ دراخما جديدة. ومع التحويل بين العملات لصالح عملة موازية أقوى، يمكن للحكومة اليونانية بعد ذلك أن تشتري اليورو الذي يصل إلى اليونان، ثم أن تجعل مدفوعاتها إلى «الترويكا» باليورو الذي انخفضت قيمته. وهكذا تكون اليونان قد خفضت الديون ومدفوعات الديون من حيث القيمة الحقيقية. سيتطلب الأمر استخدام ضوابط صارمة على تدفقات اليورو. ويمكن لـ«الترويكا» في هذه الحالة أن ترمي باليونان للخروج من منطقة اليورو التي تكون قد خرجت منها بالفعل، لكن على نحو فعال.
يمثل ما سبق، بطبيعة الحال، واحدة فقط من خطط خروج اليونان من منطقة اليورو، أما المطلوب فهو أن تطور اليونان نوعاً ما من هذه الخطط. إذ أن اقتصادها سيزداد سوءاً فيما لو استكمل السيناريو الحالي من المفاوضات إلى ما بعد حزيران الحالي. وبالنسبة لـ«الترويكا» فإنها لن تدع اليونان تخرج، وستستمر في الضغط عليها لتعود إلى التقشف. وربما ما تريده «الترويكا» من حزب «سيريزا» هو إزالة الفوارق البرنامجية عن الحزب الذي سبقه، «باسوك»، والذي كان تابعاً لها. ولذلك، فإن «سيريزا» قريب من الاختيار: هل يريد أن يكون «سيريزا»؟ أم «باسوك» مخفف؟ هل يرغب في مواجهة مصيره الافتراضي في 1/تموز، أو الخروج من الاتحاد الأوروبي في 2016؟ لا يبدو أن «الترويكا» مستعدة لإعطاء اليونان أي خيار آخر. كما أن المملكة المتحدة لن يكون لديها خيار آخر في 2016 أيضاً.

 

العين البريطانية نحو الصين

في السنوات الأخيرة، تراجعت نسبة الصادرات البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي بشكلٍ ملحوظ، حيث انخفضت من 57% من إجمالي صادرات المملكة المتحدة، إلى 50% فقط في عام 2014. إذ تسعى بريطانيا بوضوح لتشكل «محوراً» اقتصادياً مع الصين وآسيا وغيرها. ويتزايد اهتمامها لجذب رؤوس الأموال الصينية بدلاً عن بيع المزيد من الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي.
ليس من المستغرب، بالتالي، أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي هو مجرد مسألة وقت. أما السؤال الرئيسي للمستقبل، فهو حول الآثار المترتبة عن هذا الخروج المتوقع أن يجري في منتصف عام 2016.

مع التحويل بين العملات لصالح عملة موازية أقوى يمكن لليونان أن تشتري اليورو الواصل إليها ثم تجعل مدفوعاتها إلى «الترويكا» باليورو الذي انخفضت قيمته.. وهكذا تكون قد خفضت القيمة الحقيقية للديون ومدفوعاتها

 

 عن موقع «JackRasmus» بتصرف..

*جاك راسموس: دكتور في الاقتصاد السياسي، وأستاذ محاضر في جامعة «سانت ماري» في ولاية كاليفورنيا. له عدة مؤلفات: «الركود الملحمي: مقدمة لكساد عالمي»، «الاقتصاد زمن أوباما: الانتعاش للقلة».