الجمهوريون / الديمقراطيون: إدارة الأزمات وتبادل الأدوار (2/2)
كان أوباما يضخ تريليونات الدولارات في التخفيضات الضريبية للشركات والمستثمرين، في صيف عام 2010، وتريليونات أكثر لإنقاذ البنوك، ومع ذلك ظل الكثيرون يفقدون وظائفهم، وتم طرد مئات الآلاف من منازلهم.
استمر دخل الطبقة العاملة بالهبوط. وبدلاً من معالجة هذه المشاكل الجدية مباشرة من خلال برامج وسياسات جديدة، فضل أوباما تقديم الحلول لمشاكل الشركات فقط في الأزمة الاقتصادية ذلك الصيف.
سنتان من رئاسة أوباما
مع استمرار البطالة في الارتفاع، في صيف عام 2010 ، وضع أوباما «برنامج التشغيل» في يدي الرئيس التنفيذي لشركة «جنرال إلكتريك»، جيف إيملت، وكانت التجارة الحرة هي الحل الذي قدمه إيملت لأزمة البطالة المستمرة، بالإضافة لإعفاءات ضريبية أكبر لشركات التصنيع متعددة الجنسيات، وما يسمى إصلاح براءات الإختراع، والمبادرات المؤيدة لقطاع الأعمال الأخرى- والتي ليس من شأنها أن تفعل شيئا لتأمين وظائف للعاطلين عن العمل.
وكان الحل الذي قدمه أوباما لمشكلة الرهن العقاري هو تجاهل فضيحة البنوك التي اندلعت في عام 2010، حيث كانت البنوك تجبر أصحاب المنازل على الخروج من منازلهم بشكل غير قانوني. وكان عشرات الآلاف من العمال ومازالوا يفقدون وظائفهم وأكثر من ثلاثمئة ألف عائلة في الشهر تفقد منزلها خلال صيف عام 2010.
وكان جواب أوباما هو السماح للمحامي العام في الولايات بأن يتعامل مع قضية الإسكان، والدفع باتجاه المزيد من اتفاقيات التجارة الحرة، جنباً إلى جنب مع إيميلت. وبعد ذلك، تم تمرير ثمانمائة مليار دولار في التخفيضات الضريبية للأعمال في نهاية عام 2010، بالإضافة إلى الإعلان عن ستمائة وخمسين ملياراً في عمليات إنقاذ للبنوك.
ليس من المستغرب أن الناخبين الأميركيين لم يعجبهم أداء أوباما في عاميه الأولين. فقد صوتوا في انتخابات التجديد النصفي عام 2010 لاستبدال ما لا يقل عن 64 من أعضاء الحزب الديمقراطي في مجلس النواب بأعضاء جمهوريين، وكثير منهم كان من الفصائل المتنوعة لحزب «الشاي» الرجعي.
يجب أن يتقبل أوباما اللوم على سياساته، نظراً للخسارة التي تسبب بها في مجلس النواب الأميركي في عام 2010. ويبدو أنه لم يكن قادراً على تحقيق أي شيء ذي قيمة من حيث البرامج البارزة خلال السنوات الأربع الماضية (2010-2014). وربما كان أفضل وصف لرئاسته أنها، بدلا من التقدم للأمام، تسير أساساً على غير هدى وتتحرك بشكل جانبي كالسلطعون.
ونظراً لهذا الواقع، سيتعين على أوباما أن يفقد مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني القادم أيضاً، وسيكون على أتم الاستعداد للموافقة على المزيد من التنازلات لمصالح الشركات التي دعمها منذ بداية ولايته وحتى الآن.
في الواقع، لقد بدأت بالفعل عملية تنازلات جديدة. فالضغط من قبل الشركات لمنح المزيد من التخفيضات الضريبية للشركات نفسها آخذ في الارتفاع، والشركات متعددة الجنسيات تتحدى الإدارة مع ما يسمى «ظاهرة الانقلاب على الضرائب». يريدون القضاء التام على دفع الضرائب على دخل الولايات المتحدة في الخارج. وكان رد أوباما تهديداً رمزياً للحد من «العكس» ولكن ليس وقفها.
لقد كان يكرر ذلك لسنوات، علاوة على ذلك، لمصلحة خفض معدل الضريبة على الشركات من 35٪ الحالية إلى 28٪. ولا شك من أن «صفقة» ما ستتبع انتخابات تشرين الثاني. ويشكل تراجعه عن إصلاح قوانين الهجرة دليلاً آخر على قيامه بالمزيد من الاستسلام. بينما قال إنه سيتخذ إجراءات تنفيذية لإصلاحها في حزيران الماضي، فقد أجلها الآن حتى ما بعد انتخابات تشرين الثاني. وسوف يتم تأجيلها مرة أخرى.
إن قائمة التراجعات السياسة الداخلية من قبل الإدارة، والتحضير لمزيد من مثل هذه التراجعات، هي في الواقع قائمة طويلة جداً. فعلى صعيد «جانب الحرب» في السياسة الخارجية يبدو واضحاً أن تصاعد وتيرة المحافظين الجدد في الدولة ووزارة الخارجية الأمريكية، ووسائل الإعلام، والكونغرس قد جروا أوباما، بذكاء، إلى الصراع في أوكرانيا، واستخدمت أحداث تنظيم «داعش» في الشرق الأوسط لفتح الباب الخلفي للإدارة الأمريكية. يمكن للمرء أن يتخيل فقط ما هي المغامرات العسكرية الإضافية التي ستتبع انتخابات تشرين الثاني عام 2014. فإرسال قوات خاصة إلى أوكرانيا ليس أمراً مستحيلاً. وزحف القوات العسكرية الأمريكية في العراق «لمواجهة داعش» أمراً لا مفر منه تقريباً.
السيناريو الأكثر احتمالاً
لـ 2015-2016
لذا، جرياً على نمط الرؤساء الديمقراطيين منذ عام 1978، سيخسر الديمقراطيون في الانتخابات النصفية القادمة في تشرين الثاني 2014، بسبب دعم القوانين الموالية للشركات ومناهضة الطبقة العاملة والسياسات المؤيدة للحرب من قبل إدارة أوباما.
كان كل شيء، في فترة سنتي الرئاسة الأوليتين القصيرة والسياسات المقترحة التي فشلت في حل الأزمات الاقتصادية السابقة التي صنعها الجمهوريون والفشل في إيجاد الحلول للفوضي الاقتصادية، الذي مهد الطريق لإحياء تلك السياسات، قد أضعفهم بسبب تراكم فشلهم السابق. وذلك في محاولة استرضاء والتوصل لحل وسط مع الشركات العسكرية، بعد العامين الأولين، وتحول الرؤساء الديمقراطيون مكرهين إلى اليمين في العامين الأخيرين لولاياتهم الرئاسية الأمريكية.
لا يمكن تكرار التاريخ نفسه تماماً. ولكن سيناريو أوباما لما قبل عام 2014، يبدو مثل سابقيه في أعوام 1978 و 1998. تختار مصالح الرأسمالية، في بعض الأحيان، أن تنبذ أو حتى تتخلص من رئيسها «الديمقراطي» على الرغم من التنازلات الكبيرة والأكثر إذعاناً التي يقدمها مقارنة مع الرئيس الجمهوري. وكان هذا هو الحال مع جيمي كارتر بعد عام 1978، الذي قدم تنازلاً بعد تنازل ولكن ما زال منبوذاً في عام 1980 عندما دفعت مصالح الشركات بنجاح رونالد ريغان إلى الواجهة.
مرة أخرى، كانت مصالح الشركات على استعداد لمواصلة القبول بولاية ثانية لرئيس ديمقراطي، ما دامت تظهر عليه علامات أنه قادر على مواصلة تقديم التنازلات، كما فعل كلينتون بوضوح في 1993-1995 من خلال تقديم اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية من خلال تسليم البنوك الكبرى، مثل سيتي جروب للتشغيل، سياسة خزانة الولايات المتحدة. وذلك من خلال قيامه بتخفيضات هائلة في الإنفاق على الرعاية الاجتماعية، وبرنامجه «إدارة الرعاية الصحية» التي تعفي شركات التأمين الصحي من قوانين مكافحة الاحتكار وتسريع تلاعب شركات التأمين بسعرالتأمين الصحي.
وحالما تم تقويض كلينتون من خلال التهديدات بالإقالة في فترة ولايته الثانية، قال إنه لا يزال مستسلما لتلبية تلك المصالح في عاميه الأخيرين. وكانت النتيجة في آخر عامين له تحريراً شاملاً للمصارف، والمزيد من التخفيضات الضريبية على الأعمال والتجارة الحرة، مثل صفقات أجريت مع الصين وكلفت ثلاثة ملايين من الوظائف التي فقدت، مما سمح لشركات التكنولوجيا باستيراد مئات الآلاف من العمال الأجانب إلى الولايات المتحدة الأمريكية كل عام، ورفع القيود عن الصناعة النفطية، وحتى الوعد بالنظر في خصخصة الضمان الاجتماعي.
والآن في عاميه الأخيرين، حتى لا يفقد مجلس الشيوخ في عام 2014، مثل أسلافه الديمقراطيين كارتر وكلينتون، سيتحول أوباما، بالتأكيد، لتقديم المزيد من التنازلات لمصلحة الشركات في السياسة الاقتصادية المحلية، وتنازلات أخرى للمحافظين الجدد ومجمع الجيش الصناعي في السياسة الخارجية. وسيسعى إلى مهاجمة الطبقة العاملة بشدة وزيادة دعم السياسات المؤيدة للحرب في الكونغرس. وهكذا كان نمط الديمقراطيين، ولا يمكن لأحد أن يفكر بأنه سيتغير.