القضية الأوكرانية والخطاب الروسي بوجه أمريكا
كارلا ستي كارلا ستي

القضية الأوكرانية والخطاب الروسي بوجه أمريكا

«عذراً أمريكا، لوجود بلدنا في وسط قواعدك العسكرية» من كلمة، سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. في 27 أيلول 2014

اخترق وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حجاب التشويش الذي يميز الكثير من الخطابات في الأمم المتحدة، في خطاب رائع وشجاع في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 27 أيلول 2014. انتقد الإمبريالية الغربية بلغة لاذعة، الإمبريالية التي يمكن وصفها بدقة باللص العالمي. وحذَّر لافروف، بالنيابة ضمناً عن الاتحاد الروسي، من خطر بدء الولايات المتحدة والناتو حرباً عالميةً أخرى، في حملتيهما للسيطرة والاستيلاء على مناطق واسعة، من خلال العزم العنيد والصارم على إخضاع وقهر روسيا، متجاهلين دروس التاريخ في محاولة نابليون السيطرة على روسيا والتي أدت لانهيار فرنسا نابليون، ومحاولة هتلر لإخضاع روسيا التي أدت لمحو الرايخ الثالث.
المحاولة الثالثة لإخضاع روسيا: مهمة الأمريكان صعبة
قد تؤدي هذه «المحاولة الثالثة لإخضاع روسيا»، ليس فقط، إلى حرب تشمل المناطق الشاسعة من الأرض، ولكن، جدلياً، قد تكون حافزاً للقضاء نهائياً على النظام الرأسمالي، ومن المحتمل أنه يخضع الآن للأزمة التي ستقضي عليه نهائياً، كما وصفها الخبير الاقتصادي الفرنسي، توماس بيكيتي، في كتابه الذي حقق أفضل المبيعات «الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين». حيث تستشرس الرأسمالية الغربية اليائسة والمختلة وظيفياً، بتهور ولا عقلانية، غير راغبة وغير قادرة على الحيلولة دون العواقب الوخيمة لسياساتها قصيرة النظر. وأحد النتائج المحتملة للسياسات الحالية للولايات المتحدة والناتو هو الحرب النووية.
وقال لافروف: «إن التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي يصور نفسه على أنه بطل الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان داخل بلدان مستقلة، يعمل مباشرةً من مواقع معاكسة على الساحة الدولية، ويرفض مبدأ المساواة الديمقراطي في السيادة بين الدول الوارد في ميثاق الأمم المتحدة، ويحاول أن يقرر بدلاً من الجميع ما هو خير أو شر».
«أعلنت واشنطن، على الملأ، حقها في استخدام القوة من جانب واحد، وفي أي مكان، لدعم مصالحها. أصبح التدخل العسكري قاعدة- رغم النتائج المحزنة لجميع العمليات التي استخدمت فيها الولايات المتحدة القوة خلال السنوات الأخيرة.. اهتزت استمرارية النظام الدولي بشدة جراء قصف الناتو ليوغوسلافيا والتدخل في العراق والهجوم على ليبيا وفشل العمليات في أفغانستان. وتم منع العدوان على سورية بسبب الجهود الدبلوماسية فقط في عام 2013. هناك انطباع يفرض نفسه بقوة وهو أن هدف مختلف الثورات الملونة والمشاريع الأخرى لتغيير الأنظمة غير المناسبة هو إثارة الفوضى وعدم الاستقرار».
«وقعت أوكرانيا اليوم ضحية لهذه السياسة المتغطرسة. لقد كشف الوضع هناك  العيوب المنهجية عميقة الجذور المتبقية في بناء المنطقة الأوروبية- الأطلسية. باشر الغرب مشروع نحو «هيكلة عمودية للإنسانية» مصممة خصيصاً لمعاييره «المسالمة» بالكاد. بعد أن أعلنا النصر في الحرب الباردة و«نهاية التاريخ»، اختارت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توسيع المنطقة الجيوسياسية الواقعة تحت سيطرتهم دون مراعاة توازن المصالح المشروعة لجميع شعوب أوروبا [...] واستمر توسع الناتو باتجاه الشرق رغم الوعود بعكس ذلك في وقت سابق. من الواضح أن تحول خطاب الناتو الدائم إلى خطاب عدائي وتخفيض تعاونه مع روسيا لدرجة التسبب بالضرر لمصالح الغرب نفسه، إضافة إلى إقامة بنية تحتية عسكرية على الحدود الروسية- أظهر عجز التحالف عن تغيير القاعدة البنيوية التي أخفاها خلال مرحلة الحرب الباردة».
«بُذلت محاولات لتشويه الحقيقة وإخفاء الحقائق وراء الاتهامات الخفية في جميع مراحل الأزمة الأوكرانية. لم يتم عمل شيء لتعقب ومحاكمة المسؤولين عن أحداث شباط الدامية في الميدان والخسائر الفادحة في الأرواح البشرية في أوديسا وماريوبول ومناطق أخرى من أوكرانيا. وتم تقليل حجم الكارثة الإنسانية المروعة الناجمة عن أفعال الجيش الأوكراني في جنوب شرق أوكرانيا عمداً. وألقي الضوء مؤخراً على حقائق مروعة جديدة عندما اكتُشفت مقابر جماعية في ضواحي دونيتسك. ورغم قرار الأمم المتحدة رقم 2166 بإجراء تحقيق شامل ومستقل في ملابسات فقدان الطائرة الماليزية على أراضي أوكرانيا، فقد تم إطالة هذه التحقيقات. يجب تحديد الجناة في كل هذه الجرائم وتقديمهم إلى العدالة وإلا لا يمكن توقع إجراء مصالحة وطنية في أوكرانيا».
هندسة الفوضى في أوكرانيا
تعهدت واشنطن في الشهر الماضي بتسليم 53 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين لتقديم مساعدات عسكرية للنظام في كييف، والذي استخدم وقف إطلاق النار، الذي نظم من قبل الرئيس الروسي بوتين ومنظمة الأمن والتعاون، كفرصة للحصول على أسلحة أكثر تطوراً وفتكاً والتحضير لهجوم أكثر بربرية ضد المدنيين في شرق وجنوب شرق أوكرانيا، حيث جرت مذبحة راح ضحيتها حوالي 4000 مواطن وتلا ذلك نزوح أكثر من مليون لاجئ، نتيجة الزيارة «السرية» لمدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، جون برينان، إلى كييف في نيسان الماضي.
ولكن ربما كانت عودة سكرتيرة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون أوروبا وأوراسيا، فيكتوريا نولاند، إلى كييف هذا الشهر هي إعلان لنية الولايات المتحدة والناتو، الأكثر صفاقة، في إلحاق المزيد من المذابح على مواطني شرق أوكرانيا، والذي تسبب في حملة كييف لإبادة مواطنيها الأوكرانيين المنشقين، الذين رفضوا النازية المتغلغلة والنظام المدعوم غربياً في كييف. وقد قامت نولاند، نيابة عن رعاتها من المحافظين الجدد في واشنطن، بهندسة زعزعة الاستقرار في أوكرانيا وإغراقها في حرب أهلية قد تحمل إمكانية أن يجتاح العالم الحريق الذي سيعرف باسم الحرب العالمية الثالثة.
تفاخرت السيدة نولاند في خطابها الذي ألقته، في السابع من شباط 2014 في جامعة «تاراس شيفشينكو» الوطنية، في كييف، فقالت: «تلقت أوكرانيا، هذه السنة، 290 مليون دولار من الدعم المالي الأمريكي، إضافة إلى ضمانة مليار دولار أخرى كقرض. والآن حصلتم على ما وقفتم في الميدان لأجله، حصلتم على اتفاق الشراكة مع أوروبا واتفاق التجارة الحرة العميقة والشاملة». جعل «اتفاق الشراكة» هذا أوكرانيا رهينةً للناتو وصندوق النقد الدولي، اللذين فرضا تدابير التقشف التي ستزيد من تدهور مستويات معيشة الأوكرانيين الفقراء أصلاً. جلبت السيدة نولاند حصان طروادة إلى أوكرانيا، وتمتدح الآن، الطلبة الأوكرانيين السذج، الذي سيُقدَمون في النهاية كوقود للحرب التي تحرض عليها وتحضر لها الولايات المتحدة والناتو.
قال وزير الخارجية الروسي لافروف في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 27 من أيلول: «اسمحوا لي أن أذكركم بتاريخ ليس بعيداً. طالبت الحكومة الأمريكية موسكو بتقديم ضمانات بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة، والالتزام بعدم اتخاذ أي إجراءات بهدف تغيير النظام السياسي أو الاجتماعي في أمريكا، كشرط لإقامة علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفياتي في عام 1933. في ذلك الوقت خشيت واشنطن الفيروس الثوري، وتم وضع الضمانات المذكورة أعلاه على أساس المعاملة بالمثل. ربما، من المنطقي أن نعود إلى هذا الموضوع وإعادة تعميم هذا الطلب، الذي قدمته حكومة الولايات المتحدة، على نطاق عالمي. ألا ينبغي أن تعتمد الجمعية العامة إعلاناً بشأن عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة؟ لقد حان الوقت للابتعاد تماماً عن التدخل الدولي في محاولات ضغط غير شرعي من بعض الدول على الآخرين. إن طبيعة العقوبات أحادية الجانب وعدم جدواها تبدو واضحة تماماً إذا أخذنا الحصار الأميركي لكوبا كمثال. إن سياسة الانذارات وفلسفة التفوق والهيمنة لا تلبي متطلبات القرن الحادي والعشرين، وتتناقض مع عملية موضوعية لتطوير نظام عالمي ديمقراطي ومتعدد المراكز».

آخر تعديل على الأربعاء, 05 تشرين2/نوفمبر 2014 15:12