الجمهوريون/ الديمقراطيون: إدارة الأزمات وتبادل الأدوار (1/2)
هل على أوباما أن يخسر تأييد مجلس الشيوخ؟ وما مدى وسرعة موافقته على مبادرات الكونغرس الجديدة المؤيدة لمصالح الشركات الكبرى والمحافظين ومؤيدي الحرب، والتي ستتبع فوراً الانتخابات النصفية.
ترجمة: جيهان الذياب
في الرابع من تشرين الثاني 2014، ستجري انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس. وسيواجه أوباما والديمقراطيون احتمالاً كبيراً بفقدان سيطرتهم على مجلس الشيوخ الأمريكي. بعد أن فقدوا السيطرة على مجلس النواب الأمريكي في الانتخابات النصفية عام 2010.
أدت خسائر الديمقراطيين في عام 2010، على مستوى انتخابات الولاية، إلى وصول الجمهوريين إلى ما يقارب ثلثي المراكز كحكام للولايات. وقام حكام الجمهوريين الجدد فوراً بإعادة تعريف مناطق الكونغرس، لضمان أن أغلبية أعضاء مجلس النواب الجمهوريين سيخوضون انتخابات «آمنة» في المستقبل. وبدؤوا أيضاً باستحداث تدابير لتقييد حق التصويت في ولاياتهم ودخل الكثير من هذه التدابير حيز التنفيذ في عام 2014، وهي تستهدف، في الغالب، الفقراء والمواطنين المهاجرين مؤخراً والسود واللاتينيين والطلبة وطبقة العمال العاطلين عن العمل حالياً والناخبين الجدد، وهم نموذج عن كل من لا يصوت للجمهوريين. وسيجري إعداد تدابير أخرى مناهضة للديمقراطية بحلول عام 2016.
ستنتخب الولايات المتحدة 36 عضواً لمجلس الشيوخ من أصل أعضائها الـ100. يحجز الديمقراطيون الآن 21 مقعداً من المقاعد الـ36. ويبدو أن هناك اثنتي عشرة ولاية متنازع عليها، خسر أوباما تسعاً منها خلال إعادة انتخابه عام 2012. وتظهر استطلاعات الرأي أن الناخبين في الولايات الاثنتي عشرة يفضلون الجمهوريين في مجلس الشيوخ بهامش 50% إلى 40%. ويحتاج الجمهوريون للفوز بـ 6 مقاعد من الـ 12 مقعداً ليسيطروا بشكل كامل على مجلس الشيوخ.
وهكذا، يبدو من المرجح أن الجمهوريين سيسيطرون على مجلس الشيوخ الأمريكي في الرابع من تشرين الثاني القادم، بالإضافة إلى أنهم سيحتفظون بسيطرتهم على مجلس النواب. هل سيحدث ذلك؟ بينما مصالح المحافظين والمساهمين في الشركات ستتحد لتشن هجوماً أكبر من هجومها الحالي ضد العمال والمهاجرين والطلاب والشعب الأمريكي بشكل عام. كما صاغها مؤخراً ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ والممثل المفضل لمصالح الشركات الأمريكية: «سنقوم بدحر كل الحكومة الاتحادية، وسنلاحقها».
السؤال الأساسي اليوم
يظهر سؤال الآن بشكل متكرر في وسائل الإعلام والصحافة في وسط النقاد والسياسيين على حد سواء، وهو، «هل سيصبح مجلس الشيوخ جمهورياً، هل سيعني ذلك عامين آخرين من الجمود في حكومة الولايات المتحدة؟» ومع ذلك، فإن السؤال الأعمق الذي يجب طرحه الآن، والذي تتجاهله وسائل الإعلام: «هل على أوباما أن يخسر تأييد مجلس الشيوخ؟ وما مدى وسرعة موافقته على مبادرات الكونغرس الجديدة المؤيدة لمصالح الشركات الكبرى والمحافظين ومؤيدي الحرب، التي ستتبع فوراً الانتخابات النصفية؟»
وبدون شك، سيتصدر جدول أعمال الجمهوريين الفوري دفعة قوية لمزيد من الإعفاءات الضريبية للشركات الكبرى والشركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة. بالإضافة إلى تشريع آخر يتمثل في تفكيك القليل المتبقي من القانون المصرفي على هيئة قانون دود- فرانك الذي تأسس عام 2010. وقانون آخر سيكون هجوماً تدريجياً على قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة، ومن المحتمل إعفاء الشركات من أكثر مما سمح به أوباما نفسه سابقاً. ونسيان أي عمل يعلق بإصلاح الوضع البيئي أو حقوق المهاجرين. ولنترقب دعم عدواني أكبر للمعارضة المسلحة في سورية ولحكومة ما بعد الانقلاب في أوكرانيا، سواء كان هذا الدعم مادياً أو كمساعدة عسكرية أيضاً.
كيف سيرد أوباما على هؤلاء المؤيدين للحرب والموالين للشركات المتجددين والمناهضين لعمال أميركا؟ هل سيمارس حق الفيتو الرئاسي، كما يعتقد الليبراليون والتقدميون السذج؟ أم أنه- مثل أسلافه من الديمقراطيين، جيمي كارتر وبيل كلينتون- سيتقوقع في كهف بعيداً عن الذين يهتمون بمركزه في البيت الأبيض في سنتيه الأخيرتين القادمتين؟
نماذج عن الإذعان الرئاسي الديمقراطي
أصبح الاستسلام لمصالح الشركات من قبل الرؤساء الديمقراطيين في العامين الأخيرين لهم في مكاتبهم، نموذجاً في العقود الأخيرة. وهو ما حدث مع كارتر بين العامين 1978-1980، ومع كلينتون في العامين 1998- 2000. وبمتابعة لأوباما حتى اليوم، يظهر بالفعل استعداده للتنازل مراراً وتكراراً لمصالح الشركات في السياسة الاقتصادية وللمجمع الصناعي العسكري وللمحافظين الجدد في السياسة الخارجية. وعندما يزداد ضغط هذه المصالح في 2015-2016 على أوباما بالإضافة إلى فقدانه لمجلس الشيوخ- مثل ماحدث مع كارتر وكلينتون في السنتين الأخيرتين من فتراتهم الرئاسية- سيكون من المرجح بشكل أكبر استعداد أوباما لتقديم التنازلات.
نشأ نمط من ساسة الحزب الديمقراطي في العقود الأخيرة، وبشكل خاص رؤساء ديمقراطيين. وكان الأمر على النحو التالي: بعد أن يدمر الجمهوريون الاقتصاد الأميركي بسياساتهم، ضماناً لثراء مواليهم، وتزداد الشركات الحليفة لهم غنى وسرعة في تخريب الاقتصاد، يأتي الديمقراطيون بوعود لإزالة هذا الدمار. ورغم وجود ولاية ناخبين واضحة والسيطرة على كل من مجلس الشيوخ والرئاسة في الأعوام 1976 و1992 وأيضاً 2008، فشل الديمقراطيون مراراً وتكراراً في إزالة الفوضى التي خلفها الجمهوريون. تستطيع الشركات الأمريكية والـ1% الأكثر ثراءً في العالم النجاة من نتائج هذه الفوضى، ولكن بقية البلاد لا تستطيع ذلك، ومثال ذلك الطبقة العاملة. وبعد العامين الأولين تبدأ خيبة أمل الناخبين والشعب. وسرعان ما يخسر الديمقراطيون الدعم في مجلس النواب. وحدث ذلك في الأعوام 1978 و1994 وأيضاً 2010 وبهامش متزايد في كل مرة.
حاول الديمقراطيون، في السنوات التالية، أن يحكموا بالمساومة وعقد الصفقات واسترضاء مصالح الشركات واليمين المتطرف المتصاعد. وكلما ازداد التنازل من جانب الديمقراطيين ازدادت استفادة الشركات والأسر الثرية المستثمرة، (ومثال ذلك، كلما ازدادت التخفيضات الضريبية على الأعمال وازداد تحرير التجارة، انخفضت ميزانية البرامج الاجتماعية وتم تدمير أنظمة التقاعد وخصخصة الرعاية الصحية، إلخ). ويتبع ذلك مغامرات عسكرية يقودها الديمقراطيون. (ومثال ذلك، غزو كارتر الجوي الفاشل على إيران، وهجوم كلينتون على الصومال وصربيا، وهجمات أوباما المتزايدة على أفغانستان وليبيا وداعش- سورية).
ومازالت خيبة الأمل الشعبية من السياسة الداخلية والخارجية للديمقراطيين تتعمق أكثر فأكثر. وسيرفض هؤلاء الخائبون التصويت لاحقاً. وهذا يمهد الطريق للجمهوريين ليأخذوا دوراً أكبر وهم بدورهم سيقدمون سياسات بشكل جديد. (أي خمور قديمة في زجاجات جديدة). وكما يقولون، التي أنضجتها السياسات القديمة التي دمرت ما تبقى من الاقتصاد الأمريكي ثانية. وكانت تلك هي الدائرة التي تدور فيها الولايات المتحدة منذ عام 1976 وعلى مدى أربعة عقود.
وبالتالي أخذ الديمقراطيون، كما يقال، حمأة سياسات الجمهوريين الفاشلة، وشتتوا ناخبيهم بسبب سياسات الجمهوريين السابقة. أصبح الأغنياء والشركات الأمريكية أكثر ثراءً خلال العملية التي أدت إلى الأزمة الاقتصادية، ومن ثم ازداد ثراؤهم أثناء محاولة إنقاذ البلاد من الأزمة وانتعشوا بشكل أكبر. وفي المقابل، تحملت الطبقة العاملة وطأة الأزمة الاقتصادية، وتمت دعوتها لخوض حروب دائمة.
هناك جذور لاستسلام الرؤساء الديمقراطيين المتكرر، بعد أول عامين لهم في مكاتبهم، وذلك بسبب فشلهم في التصدي بفعالية للأزمة الاقتصادية خلال هذين العامين. ينطبق ذلك على جيمي كارتر، الذي فشل في إزالة الفوضى الاقتصادية في 1976- 1978 التي أورثها إياه الرؤساء الجمهوريون، نيكسون وفورد، في 1972- 1976. أدى فشل كارتر المباشر إلى ضعف موقفه السياسي وبالنتيجة أدى إلى «التحول إلى اليمين» واستسلامه لاحقاً لمصالح الشركات والسياسة الخارجية خلال العامين الأخيرين له في مكتبه 1978- 1980. وهذا مشابه لسياسات كلينتون الفاشلة في الفترة 1992- 1994 وإذعانه لمصالح الشركات والسياسة الخارجية بعد عام 1998. وأوباما الآن في الطريق لتكرار العملية نفسها.
المصدر: http://www.telesurtv.net