الحرب على العراق.. وتناقضات المنطقة
تنشر قاسيون هذه المادة المنشورة في موقع «فورين بوليسي» بتاريخ 12 حزيران 2014، ويركز الكاتب سيمون هندرسون على دور السعودية في تمويل «داعش» ورعايتها ودفعها للواجهة ضد إيران لتوتير المنطقة بالفالق “السني- الشيعي” مما قد يوصلها للتقسيم على أساس طائفي.
إن ما أورده الكاتب يمثل أحد وجوه مايتم العمل عليه اليوم أي دفع داعش التنظيم الإرهابي من قبل السعودية وذلك للتأجيج الطائفي لا شك، لكن ما أغفله الكاتب هو الدور الأمريكي الذي يرعى داعش سواءً بشكل مباشر عبر التدريب والتمويل الذي تم بالأردن، أو عبر النظام السعودي المرتبط تاريخياً بالأمريكي، وهو لا يدعم داعش اليوم لمآربه فقط بمقدار ما يجيء هذا الدعم تلبية للتوجه الفاشي التي تفرضه الولايات المتحدة على المنطقة.
وبكل حال تؤكد هذه المقالة بناء على مصادر غربية التورط السعودي والخليجي الوقح وبالتالي التورط الأمريكي، ولذلك لايمكن اليوم القبول بفرضية تعاون الولايات المتحدة مع أي جهة في المنطقة ضد الإرهاب طالما أن الولايات المتحدة هي مصدره الرئيسي.
-«كن حذراً مما ترغب به»، كان من الممكن أن تكون، أو ربما ينبغي أن تكون، النصيحة التي تقدمها واشنطن للسعودية وغيرها من دول الخليج ، التي تدعم الجهاديين في سورية.
ن مثل هذا الإخفاق لرئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، قد كان حلماً للملك السعودي لسنوات. فهو لم يعتبر المالكي أكثر من أضحوكة إيرانية، رافضاً إرسال سفير إلى بغداد. وبدلاً من ذلك، قام بتشجيع نظرائه من حكام مجلس التعاون الخليجي (الكويت و البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان) أن يتخذوا موقفاً مماثلاً. وبالرغم من تراخيها تجاه النماذج المشابهة لتنظيم «القاعدة» في داخل بلادها، فإن هذه الدول (وخاصة الكويت وقطر) لطالما أعمت عيونها عن مواطنيها الذين يمولون المجموعات المتطرفة، من أمثال جهاديي «النصرة» والتي تعد من أكثر المجموعات الإرهابية في سورية.
حرب وتقارب دبلوماسي
التزم الملك عبد الله الصمت مؤخراً، أثناء قضائه لعطلة في المغرب، فيما يتعلق بتلك التطورات. في سن يتجاوز التسعين عاماً، لم يظهر أي رغبة بالانضمام إلى جيل التويتر، إلا أن التغييرات على الأرض قد ساعدت بتسريع قطع إقامته والعودة إلى بلاده. لقد أدرك، وبدون شك، أن سياسته بفرض تراجع استراتيجي على إيران، من خلال دعم الحرب في سورية، والتي لم تظهر أية مؤشرات للنجاح قد باءت بالفشل. وأن الأحداث في العراق بمثابة فرصة جديدة.
وجهة النظر تلك من الممكن أن تكون مربكة تماماً بالنسبة للعديد من المراقبين. ففي الأسابيع الأخيرة، كانت هناك عاصفة من التقارير التي تظهر التقارب الدبلوماسي (ولو كان متردداً) بين السعودية التي ترأس مجلس التعاون الخليجي وإيران، وذلك بفضل الزيارة الودية ظاهرياً إلى طهران من قبل أمير الكويت، وزيارات من قبل وفود تجارية ووزراء اقتصاد من الجانبين. هذا بالرغم من الأدلة الداعمة لوجهة النظر المناقضة، بما فيها العرض الأول الذي قدمته المملكة العربية السعودية للصواريخ الصينية القادرة على ضرب طهران، وإعلان الإمارات العربية المتحدة فرضها التجنيد العسكري على شباب البلاد.
و«الميزة»، إن صح القول، للمذبحة التي تجري في العراق بأنها تقوم بتوضيح المشهد بشكل كامل على الأقل، فهناك غطاء قبلي وهويات محلية متناحرة، ولكن الضغط المهيمن هو الاختلاف الديني بين «أغلبية وأقلية». هذه الظاهرة الواسعة الانتشار قد وصلت إلى أقصى حدودها من قبل أمثال «داعش».
حول «داعش» ودول الخليج
بالنسبة لأولئك المشوشين بسبب التقسيمات في العالم العربي، والذين يجدون مقولة «عدو عدوي صديقي» ذات فائدة محدودة، من المهم أن يلاحظوا بأن الانقسام «الشيعي- السني» قد تصادف، على أقل تقدير مع الانقسام الحاصل بين العالمين العربي والفارسي، ومن وجهة نظر جيوسياسية فإن العراق يعد صلة الوصل بين هذين العالمين. وهناك بعد إضافي آخر، وغالباً ما يكون مربكاً، بالرغم من أنه تاريخياً، أمرٌ أساسي بالنسبة للسياسة السعودية: رغبة في دعم المتطرفين في الخارج، بينما يستمرون بنشاطاتهم داخل البلاد. ومن هنا فقد كان للرياض اليد الطولى في دعم أسامة بن لادن، عندما كان يتزعم الجهاديين في أثناء الحكم السوفيتي لأفغانستان، والتسامح مع الجهاديين في الشيشان والبوسنة وسورية.
عندما بدأت الأحداث السورية في العام 2011، وتصاعد قلق الرياض من برنامج إيران النووي، أعادت الاستخبارات السعودية فتح قواعد اللعبة التي تجيد ممارستها، وبدأت بدعم القسم المتشدد دينياً من المعارضة، وخصوصاً عناصرها الأكثر تطرفاً، وهي استراتيجية تقاد من قبل رئيس استخباراتها، السفير السابق في واشنطن، بندر بن سلطان. تغيرت قيادة العملية في شهر أبريل/نيسان عندما استقال بندر في إحباط واضح، من خلال التعامل مع منهج إدارة أوباما المتحفظة، ولكن دعم السعودية للمقاتلين الجهاديين يبدو مستمراً. إن عملية «داعش» في العراق تبدو غالباً نوعاً من المفاجأة التكتيكية التي قد حلم بها بندر.
في المعركة التي تتحرك بوتيرة سريعة شمالي العراق، هناك العديد من المتغيرات. بالنسبة لواشنطن، إن خيار التراخي ينبغي أن يكون متوازناً مع مصير ما يقدر بـ 20 ألف مواطن أميركي ما يزالون متروكين في البلاد (على الرغم من أن الجيش الأمريكي قد غادر منذ فترة طويلة). تقوم قطر، وهي البلد المستغل لأزمات المنطقة، على الأرجح بموازنة خياراتها من خلال إزعاج منافستها الإقليمية السعودية، في حين تحاول عدم إثارة غضب الإيرانيين.
ليس هناك أثار بصمات قطرية علنية وواضحة حتى الآن، وما زال تميم بن حمد آل ثاني يحتفل باكتمال عامه الأول في الحكم بعد تنازل والده في 2013، ربما تراجع بسبب التوبيخ العلني الذي تلقاه من بقية زعماء مجلس التعاون الخليجي، بعد اتهامه بالتدخل بالشؤون الداخلية لأشقائه الحكام.
إضافة لذلك قد تكون الدوحة حذرة في المخاطرة بإغضاب إيران من خلال مغامرة في العراق. لقد حددت قطر موقعها تماماً، وبشكلٍ فعال بعد القيام بمنح اللجوء لخمسة من قادة «طالبان»، كجزء من صفقة «بيردغال». من المحتمل وجود سابقة تاريخية مهمة لأزمة السعودية الحالية، من خلال العمل لمد جذور «داعش» من دون الرغبة بتقدمها، بحيث تشكل تهديداً للمملكة. كان المقاتلون المتدينون من الأصوليين في العشرينيات من القرن الماضي يمدون يد العون لابن سعود للسيطرة على الجزيرة العربية.
من الصعب تخيل مثل هذه النهاية الهادئة للفوضى المتصاعدة في وادي نهر الفرات. إذ تبدو المواجهة المباشرة في هذه المرحلة بين القوات الإيرانية والسعودية غير محتملة أبداً، بالرغم من أنه، وكما في سورية، لا يمكن استبعاد الانخراط الإيراني. ما هو واضح أن الحرب الأهلية السورية تبدو كما لو أنه سيتم دمجها بالحرب الأهلية في العراق. «داعش» تحمل الآن اسماً واحداً هو الإرهاب، وربما على واشنطن أن تتخذ لها اسماً خاصاً للعهد الجديد، وكذلك سياسة خاصة.