كيف تصور الصحافة الأمريكية «داعش»؟
ليز سلاي ليز سلاي

كيف تصور الصحافة الأمريكية «داعش»؟

بالتزامن مع سقوط مدينة الموصل العراقية بأيدي عصابات ما تعرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام، داعش، خرج موقع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية يوم 10/6/2014، بمقالة تقدم صورة مجتزأة عن أسباب نمو هذه الحركة، وأماكن انتشارها وأخطارها، بحيث حصرتها في سورية والعراق

متجاهلة امتداداتها من جنوب شرق العالم العربي إلى غربه، أي من اليمن وحتى المغرب، مثلما تجاهلت بالطبع محاولة سبر المعطيات السياسية والميدانية العراقية التي أدت لسقوط الموصل ومدن عراقية أخرى حتى الآن، ناهيك عن تجاهل الدور الاستخبار الأمريكي، سابقاُ ولاحقاً، في تغذية هذا الخطر الماثل والذي ستمتد آثاره التدميرية والفوضوية المرتجاة أمريكياً إلى أوربا والولايات المتحدة ذاتها، في انقلاب للسحر على الساحر، مرة أخرى، إذ أن واشنطن وأجهزة الاستخبارات الإقليمية في حينه هي، كما هو معروف، من أسست ودعمت تنظيم «القاعدة». في كل الأحوال فإن مادة واشنطن بوست التي تنشر «قاسيون» ترجمتها كما هي، مع التحفظ على منطقها العام وبعض التوصيفات الخاصة بالجماعات المسلحة في سورية، وبإضافة العناوين الفرعية، تقدم صورة تكاد تكون نمطية عما تعرضه الصحافة الأمريكية السائدة لجمهورها.

ترجمة وإعداد : قاسيون

داعش: الإسلاميون المرتبطون بالقاعدة أقوياء بما يكفي للاستيلاء على مدينة عراقية رئيسية

منذ أن انسحبت القوات الأمريكية من العراق في كانون الأول 2011، وسع المرتبطون بالقاعدة، الذين أمضت تلك القوات سنين من المعارك للقضاء عليهم، من رقعة نفوذهم بحيث أضحوا اليوم يتحكمون بدولة خاصة بهم تمتد إلى مناطق واسعة في سورية والعراق.

الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» تتحكم عملياً بمساحة جغرافية تعادل مساحة دولة تمتد من الطرف الشرقي لمدينة حلب السورية إلى الفلوجة غربي العراق، وباتت تضم اليوم مدينة الموصل في الشمال منه.

«دولة بلا اعتراف دولي»..!

ويقدم سقوط الموصل بأيدي المتشددين يوم الثلاثاء، في أعقاب انهيار باد في صفوف قوات الأمن العراقية هناك، أحدث مثال عن الانبعاث الاستثنائي لذاك التنظيم المقاتل على امتداد السنتين والنصف الماضيتين، والذي أسهم فيه إلى حد كبير فراغ السلطة في سورية المجاورة.

ومنذ ذلك الحين غيّر تنظيم القاعدة في العراق الذي واجه القوات الأمريكية اسمه بما يعكس توسع أنشطته في سورية، وخرج بولائه عن قيادة القاعدة، وأصبح اليوم قوة أكثر فتكاً وفاعلية وشدة مما كان عليه إبان الوجود الأمريكي في العراق.

ويقول دوغلاس أوليفانت من «مؤسسة أمريكا الجديدة»، الذي كان مستشاراً لدى إدارتي أوباما وجورج بوش الابن حول العراق وسبق له أن أدى جولتي خدمة عسكرية في ذلك البلد الذي لديه مصالح تجارية فيه: «(داعش) قوة مدفوعة ايديولوجياً وصلبتها المعارك وهي مجهزة بشكل جيد جداً.. وهي تدير ما يضاهي دولة، فلديها كل معالم الدولة ولكن دون اعتراف دولي بها».     

وتدين داعش بانبعاثها إلى حد لا بأس به للفوضى في سورية، حيث كانت تخرج مناطق واسعة محاذية للعراق هناك عن سيطرة الدولة، بالتزامن مع خروج القوات الأمريكية، حسبما يضيف أوليفانت. 

«متطوعون» من أوربا

 والولايات المتحدة..!

غير أن القسم الكبر من توسع داعش جرى في العام الماضي بعد إعلان الزعيم العراقي للتنظيم، أبو بكر البغدادي، المهمة الجديدة للتنظيم في سورية، وبدأ بعمليات التجنيد في المناطق الشمالية والشرقية منها والتي كانت خاضعة لسلطة المسلحين. وضمت داعش في صفوفها آلاف المتطوعين الأجانب، بعضهم قادم من أوربا والولايات المتحدة، الذين قدموا إلى سورية للجهاد، بما وسع من عديديها أكثر فأكثر.

ولا يعرف مقدار القوة الدقيق لدى هذا التنظيم، ولكن أيمن التميمي الذي يتولى رصد النشاط الجهادي لدى ملتقى الشرق الأوسط يقول إن استيلاء داعش سريعاً على الموصل في الوقت الذي كانت تقاتل فيه على جبهات أخرى يوحي بأن لديها قوة تتجاوز 10 آلاف شخص تقريباً يقال بأنها تتحكم بهم.

دولة مع «حماية مستهلك»..! 

وفيما كانت المجموعات المسلحة الأخرى تركز بشكل أساسي على قتال القوات الموالية للرئيس بشار الأسد، كانت داعش تبذل جهوداً أكبر في تأسيس دولة تحمل اسمها. وسرعان ما بسطت سيطرتها على محافظة الرقة وأعلنت مدينتها في العام الماضي عاصمة لدولتها.

وتشكو الجماعات المسلحة المعتدلة من أن صعود داعش أسهم فيه اللامبالاة النسبية التي أظهرتها القوات الحكومية السورية في المناطق الخاضعة لسلطة داعش والتي نادراً ما تتعرض للضربات الجوية والقصف.

وهذا ما ساعد التنظيم في تأسيس نموذجه من الحكم. فهو يدير المحاكم والمدارس والخدمات ويرفع علمه الشمولي ذي اللونين الأبيض والأسود فوق كل المنشآت الخاضعة لسلطته. وحتى أنه أطلق في الرقة مؤخراً سلطة لحماية المستهلك مهمتها الحرص على المعايير الغذائية.

الموارد المالية: لاشيء رسمياً..!

ويبدو أن هذه المجموعة تتحكم بموارد هامة. فقد سيطرت على حقول النفط في محافظة دير الزور، شمال شرق سورية، بما وسع من مصادر تمويلها، تلك المصادر التي كانت إلى حد كبير قبل الانسحاب الأمريكي من العراق عبارة عن شبكات ابتزاز وقطع طريق تمتد إلى الموصل. ويعتقد أنها تلقت تمويلاً من جهات مانحة خاصة في دول الخليج، بما يتجاوز حتى الآن على الأقل المساعدات الهزيلة التي يقدمها الحلفاء الغربيون للمسلحين الأكثر اعتدالاً.

ولقد أثارت الأساليب المتشددة التي تتبعها داعش، بما فيها الفرض الصارم للعقوبات الإسلامية، من شاكلة فطع الرؤوس والأوصال، استياءً واسعاً لدى العديد من السوريين القابعين تحت سلطتها. وفي كانون الثاني الماضي عانت داعش من انتكاسة كبرى عندما انتفضت في وجهها الجماعات المسلحة المعتدلة وطردت مقاتليها من أجزاء عديدة في محافظتي ادلب وحلب الشماليتين.

غير أن داعش عززت منذ ذلك الحين من سلطتها داخل المناطق الخاضعة لها، وعادت اليوم للهجوم، لتركز على بلدات ومدن في الشرق أكثر، حيث شنت في الأسبوع الماضي هجوماً على مدينة سامراء وسط العراق لكن قوات الأمن العراقية تمكنت من صده.

كما نفذت هجوماً يستهدف إخراج المزيد من المسلحين (السوريين) الأكثر اعتدالاً من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في مدينة دير الزور، حيث لا تزال تتواصل فيها معارك طاحنة.

واشنطن بريئة..!

ويقدم سقوط الموصل أيضاً نظرة بالعمق إلى عيوب قوات الأمن العراقية المدربة أمريكياً، والتي يقال إلى حد كبير أنها فرت من مواجهة تقدم المسلحين ليل الاثنين.

ولكن تدريب هؤلاء كان يتركز بشكل رئيسي على مواجهة تسلل المسلحين وليس على مواجهة قوة شبه عسكرية كاملة كالتي تقودها داعش اليوم، كما يقول أوليفانت، ويضيف: «لم تقاتل القاعدة الأمريكيين في العراق فعلياً، بل كانوا خاطفين وصانعين جيدين للقنابل، ولكن إذا ما وقعوا في مواجهة نارية فعلى الأرجح سيقتلون لأنهم افتقروا للتماسك في خطوط المشاة، غير أن ذلك تم تجاوزه الآن».

حاشية

 ليز سلاي* : مديرة مكتب واشنطن بوست في بيروت، وهي تغطي اليوم الاضطرابات الجارية في عموم الشرق الأوسط. وقبل انضمامها لهذه الصحيفة الأمريكية عملت على تغطية أوضاع العراق لدى صحيفتي «لوس انجلس تايمز» و«شيكاغو تريبيون». ولديها خبرة أكثر من عقدين من الزمن كمراسلة خارجية مقيمة في الشرق الأوسط وأفريقيا والصين وجنوب آسيا وأوروبا