ماركس وانخفاض معدل الربح.. التحول المالي والأزمة الحالية1 (1/2)
تنشر قاسيون هذه المادة التي تقوم بتحليل الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في عام 2008 وأدت حينها إلى إفلاس أكثر من 140 مصرفاً عالمياً والتي تعمقت لاحقاً ليدخل الاقتصاد العالمي في أزمة من الركود. تتعمق الأزمة اليوم أكثر فأكثر وتتجلى أطوارها الحالية بالركود المستمر في كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتراجع النمو في الدول الصاعدة كالصين وروسيا، ويأتي ذلك بالتوازي مع تفاقم أزمة المديونية التي تعاني منها معظم الحكومات في الدول الكبرى كالولايات المتحدة واليابان وفرنسا وأيضاً بالتوازي مع أزمة العملات الدولية التي تعد أزمة الدولار الأمريكي في مركزها.. في هذا الجزء الأول سيعرض الكاتب نقد ماركس للتصورات المبتذلة عن الأزمة والتي تم تكرارها في أزمة عام 2008، كما سيعرض توضيح ديناميات الرأسمالية المنتجة للأزمة.
ترجمة : خالد تميم - أسامة عبدالله - سلام الشريف
عند قراءة الصفحات التي خصصها كارل ماركس للأزمات الاقتصادية في زمنه، يتفاجأ القارىء مباشرة كون ملاحظاته التي كتبها قبل 150 عاماً تبدو وكأنها تتحدث عن الأزمة الحالية. فعلى سبيل المثال، تناول ماركس عجز البنوك ورجال الأعمال عن التنبؤ بالأزمة حتى عشية اندلاعها، فيذكّر كيف أنهم في عام 1857 «هنؤوا بعضهم البعض على الأعمال المزدهرة والسليمة قبيل شهر من اندلاع الأزمة» (1863-67/1992: 540).
نقرأ أيضا (عند ماركس) عن إيمان الاقتصاديين باستحالة حدوث أزمة، وتحول هذا الإيمان لنزعة أخلاقية عند اندلاع الأزمة عبر تحميل مسؤوليتها لتهور رجال الأعمال. إن نقد ماركس في هذا السياق يبدو كما لو أنه يشير، ويتناول المدافعين المعاصرين عن العولمة المستعدين دائماً لتحويل أنفسهم إلى أشد المنتقدين لتجاوزات يدعون أنها السبب وراء الأزمة الراهنة:
«إن أزمة التجارة والصناعة... تصبح أكثر عنفاً وشمولية في كل يوم. إن اليد الحديدية للأزمة أغلقت على الفور أفواه المبشرين السطحيين بالتجارة الحرة، أولئك الذين بشروا لسنوات أن الأسواق المتخمة والأزمات الاجتماعية قد نفيت إلى الأبد إلى مملكة الماضي المظلم منذ إلغاء قوانين الحماية (وهي قوانين كانت تعمل على حماية الأسواق المحلية للإمبراطورية البريطانية من السلع المستوردة). إن الأسواق المتخمة ما زالت موجودة، ولكن لا أحد يصرخ بصوت أكثر علواً، بخصوص نقص الاحتراز الذي أدى إلى عدم تقييد إنتاج المصانع، من أولئك الاقتصاديين نفسهم الذين كانوا قبل خمسة أشهر يعلّمون، بكل غرور الدوغمائية ،أنه من غير الممكن أبدا أن يتم إنتاج زيادة عن ما يلزم». (1855: 54-55)
وعندما بدأت الأمور تسير بشكل سيئ في ذلك الوقت، تحول ابتهاج الصحفيين الاقتصاديين بسير الأمور بسلاسة إلى حنق ذي طابع أخلاقي. وبعد أن اقتبس ماركس نقد صحيفة لندن اللاذع الموجه ضد «عصابات من المضاربين المتهورين» علق ماركس ساخراً:»يجب علينا عدم التساؤل الآن فيما إذا كان الصحفيون الإنكليز، الذين كانوا طيلة عقد يسوقون للعقيدة القائلة بأن عهد التخبطات التجارية قد ولّى نهائياً مع إدخال التجارة الحرة، سيتحولون من اقتصاديين متملقين إلى رومي يراقب صناعة المال»(1857: 400). ويحدد مباشرة الدافع النظري لنقده: «إذا كانت المضاربة تبدو وكأنها السبب المباشر للأزمة، يجب ألا يتم تجاهل أن المضاربة بحد ذاتها قد وُلدت قبل الأزمة، إذاً المضاربة هي بحد ذاتها نتيجة وحدث مشتق وليست هي السبب الحاسم وأصل الأزمة».
يعتبر ماركس أن البحث عن أسباب الأزمة في أخلاقيات الجناة (المضاربين) ليس إلا الجانب الآخر للاعتقاد الساذج بإمكانية تجنب الأزمات. هكذا اعتقاد يتآتى من القناعة بأن الأزمة ناتجة عن سبب دخيل وخارجي على السير الطبيعي للاقتصاد الرأسمالي. وفقاً لهذا الوهم الإيديولوجي، الأزمات تأتي دوماً من الخارج، كمتطفل على النظام. ولذلك، فإنها ترجع لخطأ أو شخص محدد يجب أن يحمل وزر أفعاله. ويشير ماركس هنا إلى أن «التكرار المستمر للأزمات، رغم جميع التحذيرات التي تسبقها، تبت وتنهي الأفكار التي تعزو الأزمة لتهور أفراد بعينهم»(1857: 401).
في أيامنا هذه، يمكن للمرء أن يرى ويلاحظ أن البحث عن الجهات المسؤولة عن الأزمة قد أصبح بالنسبة للسياسيين والاقتصاديين والصحفيين الرياضة المفضلة. بالنظر إلى خطورة الأزمة الحالية، أصبحت لائحة المتهمين طويلة جداً: جشع المصرفيين، الرهن العقاري، والتزامات الدين المضمونة (CDOs)، ونظام الظل المصرفي، «أخطاء» البنك الفيدرالي (الأميركي)، وهلم جر. لسوء الحظ، لا يمكن لأي من الأسباب المفترضة، أن يكون بحد ذاته سبباً لانهيار الإنتاج على الصعيد العالمي والتهاوي المفاجئ للتجارة الدولية، والتي جنباً إلى جنب، قد تسببت بخسارة للثروة تعادل أكثر من 50 تريليون دولار (وفقا لبنك التنمية الآسيوي)، أو الهبوط الحاد للناتج المحلي الإجمالي (GDP)، في بداية عام 2009 (Loser 2009: 7). لذلك وبحسب زعمهم أن الأزمة المالية قد تسببت بالعدوى للاقتصاد الحقيقي.
هذا التبرير هو نسخة معاصرة للتبرير الذي قدمته الهيئة البرلمانية الإنكليزية والمؤلفة من عدة اقتصاديين، بأن الأزمة عام 1857ـ1858 هي نتاج «الإسراف بالمضاربة وإساءة استخدام الائتمان» (Marx 1858: 33). وفقاً لماركس، مثل هذا التفسير يضع الأعراض والنتائج محل الأسباب: «إن حال الاقتصاديين السياسيين الذين يعللون الاضطرابات الدورية للصناعة والتجارة بالمضاربة كحال فلاسفة المدرسة الطبيعية المنقرضة الذين اعتبروا الحمى سبباً أساسياً لجميع الأمراض « (1857: 401). في كتاب «رأس المال»، يؤكد ماركس: «أن سطحية الاقتصاد السياسي تتبدى عبر نظرتها لتوسع وانكماش الائتمان كسبب لتغيرات دورة الصناعة، مع العلم أنها ليست سوى عرض من أعراض تغير هذه الدورة»( Marx 1867: 627).
تناقضات رأس المال وانخفاض معدل الربح
بالنسبة لماركس، فيض إنتاج رأس المال والسلع هو السبب وراء كل أزمة، والناتج عن التناقض بين القوى المنتجة الاجتماعية النامية وعلاقات الإنتاج الرأسمالي.
من جهة، يميل أسلوب الإنتاج الرأسمالي نحو التطور الأقصى للقوى المنتجة، ومن جهة أخرى، فإن علاقات الإنتاج والملكية التي تميزه (العمل المأجور، الاستيلاء الخاص على الثروة المنتجة بالإضافة للإنتاج بهدف الربح بدلاً من تلبية الاحتياجات الاجتماعية) توقف بشكل دوري تطور تلك القوى المنتجة، وتؤدي إلى إنتاج فائض في رأس المال (رأس المال المتراكم الذي لن يجد استثماراً مربحاً) وفائض في السلع (تراكم السلع التي لا يمكن بيعها بسعر كافٍ يحقق عائد مناسب لرأس المال المستخدم لإنتاجها).
ولذلك فإن الأزمة الإقتصادية، هي اللحظة التي تتمظهر بها تناقضات وحدود تطور رأس المال، حدود وتناقضات متأصلة في رأس المال نفسه. بصفة خاصة، ووفقا لماركس، يتميز المجتمع الرأسمالي بميل معدل الربح إلى الانخفاض على المدى الطويل.
بالنسبة لماركس تتحدد قيمة السلعة بكمية العمل المبذولة فيها. إن العمل البشري هو الوحيد القادر على خلق القيمة، والقادر على حفظها واستثمار القيمة الكامنة في الآلات التي لن تكون قادرة على خلق أي قيمة جديدة وستفقد قيمتها الذاتية، إن لم تشغلها اليد العاملة. إن اليد العاملة (العمل الحي) هي التي تنتج الربح للرأسمالي من خلال تزويده بالعمل غير المدفوع (العمل الزائد)، أي كمية العمل التي تتجاوز كم العمل اللازم (العمل الضروري) لإعادة إنتاج قوة العمل نفسها. العمل الزائد (العمل غير المدفوع) ينتج القيمة الزائدة، أي القيمة التي تتجاوز قيمة قوة العمل المؤجرة للرأسمالي في مستهل عملية الإنتاج.
اليد العاملة هي التي تخلق القيمة المنتجة مجدداً، هذه الميزة بالتحديد هي التي جعلت ماركس يعرّف رأسمال الموظف لشراء حق استخدام قوة العمل برأس المال المتغير (V) ، والرأسمال المستخدم لاقتناء الآلات وأدوات الإنتاج هو رأسمال الثابت( C ) . تكمن المشكلة أنه عندما يبدأ نمط الإنتاج الرأسمالي بالتطور، تزداد نسبة رأس المال المستثمر في الآلات إلى رأس المال المستثمر في قوة العمل (c/v). وبعبارة أخرى، هناك «تراجع نسبي لنسبة رأس المال المتغير إلى رأس المال الثابت، وبالتالي إلى إجمالي رأس المال الداخل في عملية الإنتاج»( Marx 1863-67/1992: 286). ويعّرف ماركس هذه العملية بالنمو المتدرج والمتصاعد للـ «التركيب العضوي لرأس المال». إن انخفاض رأس المال المتغير نسبة إلى رأس المال الثابت، بفرض أن جميع القيم الأخرى متساوية، يعني انخفاض معدل الربح أي نسبة القيمة الزائدة إلى إجمالي رأس المال المستثمر في الإنتاج (رأس المال الثابت والمتغير). هذا، باختصار، هو قانون ميل معدل الربح للانخفاض.
اليوم: ميل معدل الربح إلى الانخفاض...
هل يمكننا التأكد من هذا الميل من خلال دراسة الإحصاءات الاقتصادية للعقود الأخيرة؟ الجواب بالتأكيد هو «نعم». الأبحاث الأكثر اكتمالاً في هذا المجال تظهر الميل العام نحو الانخفاض في معدل الربح في العقود القليلة الماضية، فقد بلغت معدلات الربح مستويات متماثلة في الدول الرئيسية في الغرب الصناعي على الرغم من اختلاف مسارات تطورها. الإحصاءات المتعلقة بألمانيا وفرنسا وإيطاليا بين بدايات 1960 والسنوات الأولى من القرن الجديد تكشف انخفاضاً في معدل الربح إلى النصف. في البداية أظهرت اليابان معدلات ربح أعلى من معدلات ربح ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ولكن معدلات اليابان انخفضت بين عام 1970 وبداية القرن الحالي أكثر بكثير من الدول آنفة الذكر. أما بالنسبة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتين بدأتا بمعدلات منخفضة، فيبدو أنهما قد شهدتا انتعاشاً نسبياً لمعدل الربح في بداية 1980 (Li, Xiao, and Zhu 2007: 38–40). بغض النظر عن السبب والآراء العديدة الموجودة حول هذا الموضوع، لم يكن هناك أي توسع في الأرباح في العقود القليلة الماضية، حتى في الولايات المتحدة. بل على العكس من ذلك، إذا أخذنا بعين الاعتبار متوسط أرباح الشركات الأمريكية قبل الضرائب منذ عام 1940، نرى أنها في انخفاض متواصل، إذ بلغ معدل الربح 28.2٪ في الفترة الممتدة من1941 حتى 1956، أما في الفترة الممتدة من 1958 حتى عام 1980 فقد بلغ 20.3%، ومن عام 1981 حتى عام 2004 انخفض ليبلغ 14.3٪ (Kliman 2010: 25-26). في الفترة 1981 ـ2004 كان معدل استخدام القدرات الصناعية في الولايات المتحدة أقل من 82%، لينخفض إلى 78% في 2005، أي قبل سنتين من بداية الأزمة (Bellamy Foster and Magdoff 2008: chart 4).
إن هذه الإحصائيات تكشف الإنتقادات المتسرعة لنظرية ماركس حول ميل معدل الربح للانخفاض وتعجل من تهاويها. في الواقع، هنالك العديد من الأدبيات التي تحاول إحياء هذه النظرية حالياً. على سبيل المثال ستيفانو بيري (Stefano Perri) الذي يرى انخفاض معدل الربح كـ «أحد أهم العوامل التي لعبت دوراً هاماً في ظهور هذه التناقضات والتي في النهاية أدت إلى الأزمة الحالية» (2010: 38). وكتب أندرو كليمن، الذي جادل للعديد من السنوات حول وجود هكذا انخفاض، ما يلي:
«من المؤكد أن انخفاض معدل الربح لم يكن السبب المباشر الآني للأزمة. إذا كنا نسعى إلى تجاوز التحليلات الصحفية والتي بالكاد لها علاقة بالوضع الراهن، يتوجب علينا البحث في التطورات طويلة الأمد التي مهدت للأزمة وخدمتها كعامل غير مباشر. إن بحثنا يرى أن انخفاض معدل الربح هو عامل أساسي غير مباشر». (2010: 29، وانظر أيضا Carchedi 2010).
هذه الصيغة الآنفة الذكر تبدو أنها على توافق مع العرض الذي قدمه ماركس حول العلاقة بين انخفاض معدل الربح والأزمة في كتابه «رأس المال، المجلد. 3»:
بما أن كل من معدل تعظيم (توسع) إجمالي رأس المال3، معدل الربح، هو هدف الإنتاج الرأسمالي (تماماً كما أن تعظيم رأس المال هو هدفه الوحيد)، فإن انخفاضه (أي انخفاض تعظيم رأسمال المال) يعيق تشكل رؤوس أموال مستقلة جديدة، مما يشكل تهديداً لتطور عملية الإنتاج الرأسمالي. (هذا الانخفاض يؤدي إلى فائض في الإنتاج، المضاربة، الأزمات، وفائض رأس المال بالترافق مع فائض قوة العمل أو الزيادة السكانية النسبية) (1863-67/1992: 310).
العوامل التعويضية4 لميل معدل الربح للانخفاض:
الفهم العميق لمفهوم الانخفاض في معدل الربح، يقتضي التنويه بأن هذا المفهوم عند ماركس هو الميل نحو الانخفاض وليس التهاوي (أو التهاوي المفاجئ). بالإضافة إلى ذلك، هناك «عوامل تعويضية تَعبر القانون العام وتعاكس تأثيره، مكسبة القانون العام سمة الميل» (ماركس 1863-67/1992: 301-2). فيما يلي نستعرض هذه العوامل التعويضية (الاتجاهات التعويضية) ونقارنها مع التطورات الاقتصادية في العقود القليلة الماضية.
1. ارتفاع معدل استغلال العمل. أي نمو القيمة الزائدة، من خلال إطالة وقت العمل قبل كل شيء (القيمة الزائدة المطلقة)، تكثيف العمل، وزيادة إنتاجية العمل (القيمة الزائدة النسبية). بالنسبة لماركس النمو في القيمة الزائدة يعمل كموازن لانخفاض معدل الربح، ويزيد كمية العمل غير المأجور، أو معدل القيمة الزائدة (1863-67/1992: 302).
كمثال على نمو القيمة الزائدة المطلقة يمكن إيراد الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين شركة سيمنز واتحاد عمال المعادن، IG-Metall، في المفاوضات التي حدثت في ألمانيا عام 2004، وتم بموجب هذا الاتفاق زيادة ساعات العمل من 35 ساعة إلى 40 ساعة مقابل الأجر ذاته. أما الزيادة في القيمة الزائدة النسبية، فتحدث عندما يتم ابتكار تكنيك جديد في عملية الإنتاج من شأنها أن تزيد إنتاجية العمل أو كمية السلع التي تنتجها قوة العمل نفسها في المدة الزمنية نفسها.
2. تخفيض قيمة الأجور. ووفقاً لماركس، تعد هذه «واحدة من أهم طرق إبطاء ميل معدل الربح نحو الانخفاض «(1863-67/1992: 305). ماذا يعني ذلك بشكل ملموس؟ بالنسبة لماركس، «تتحدد قيمة قوة العمل بقيمة وسائل المعيشة الضرورية للحفاظ على بقاء العامل» (1867:181). تتحدد هذه القيمة تاريخياً: «بعدد وكمية ما يسمى بالحاجات الضرورية اللازمة للعامل، وكذلك أنماط تلبيتها. هذه الحاجات هي في حد ذاتها نتاج التطور التاريخي، ولذلك تعتمد إلى حد كبير على درجة التطور الحضاري في بلد ما. بشكل أدق تعتمد على ظروف تلك البلد التي تشكلت على ضوئها طبقة العمل الحر، والعادات والمطالب المعيشية المتشكلة في ظل هذه الظروف. إذاً خلافاً للبضائع الأخرى يتضمن تحديد قيمة قوة العمل عنصراً تاريخياً وروحياً (معنوياً). (Marx 1867: 181)
مما لا شك فيه أنه في السنوات القليلة الماضية تم تخفيض الأجور في العديد من البلدان الرأسمالية المتقدمة، ومن الواضح أن الأجور الحالية أقل من متوسط قيمتها التاريخية في العقدين أو الثلاثة الماضية. علاوةً على ذلك، من الواضح أن الانخفاض لم يقتصر على الأجور المباشرة (صافي الأجور)، بل أيضاً على مختلف عناصر الأجور غير المباشرة (الخدمات الاجتماعية) والأجور المؤجلة (الرواتب التقاعدية)، ويرجع ذلك إلى ارتفاع تكاليف الخدمات العامة، وخصخصة نظم التقاعد وما إلى ذلك. إن لتخفيض قيم الأجور نتائج عديدة، مثل عدد الموظفين الذين لا يستطيعون تحمل الإيجار مما يدفعهم للعيش مع آبائهم، فالسعر الذي يدفعه الرأسمالي لاستخدام قوة العمل أقل من سعر الشروط اللازمة لإعادة إنتاج قوة عمل العامل، على أنها كانت تعتبر عادية قبل بضع سنوات.
تظهر الدراسة التي قام بها بنك التسويات الدولية وجود ميل في جميع البلدان الرأسمالية المتقدمة لخفض حصة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل زيادة حصة الأرباح (Ellis and Smith 2007). حتى أن المفوضية الأوروبية اضطرت للاعتراف بأنه «في معظم بلدان الاتحاد الأوروبي الخمسة عشر، وصلت حصة الأجور إلى ذروتها في النصف الثاني من 1970 وبداية 1980، وتم تخفيضها بعد ذلك نحو مستويات أقل من تلك التي تم تحقيقها قبل الفورة النفطية الأولى»(2007: 238). وأخيراً، وفقاً لمنظمة العمل الدولية، بقي متوسط الأجور العالمية دون الزيادة الحاصلة في الناتج الإجمالي المحلي بين عامي 1995 و2007. انخفضت حصة الدخل المخصصة للأجور بين عامي 2001ـ2007 في معظم البلدان، أكثر من انخفاضها الحاصل في السنوات 1995-2000. وانخفضت حصة الأجور أيضاً مقارنة بحصة الأرباح خلال كامل الفترة 1995ـ2007 (ILO 2008: xiii, 20, 59).
3. خفض تكلفة رأس المال الثابت. وفقا لماركس «إن نفس التطور الذي يزيد من كتلة رأس المال الثابت بالنسبة للرأس المال المتغير، يؤدي بحد ذاته إلى خفض القيمة المطلقة لرأس المال الثابت نتيجة لزيادة إنتاجية العمل، وبالتالي يمنع قيمة رأس المال الثابت، المتزايدة بشكل مستمر، من أن تتزايد بنفس معدل تزايد كتلتها المادية، أي الكتلة المادية لوسائل الإنتاج المستثمرة مقابل نفس كمية قوة العمل. (1863-67/1992: 305)
ونستنتج من ذلك أن التغييرفي نسبة رأس المال المتغير إلى رأس المال الثابت، هو في واقع الأمر أقل أهمية بكثير من الزيادة الحاصلة في حجم العناصر المادية لرأس المال الثابت.
4. الزيادة السكانية النسبية. أصبحت الزيادة السكانية النسبية مشكلة في السنوات القليلة الماضية، ويعزا ذلك قبل كل شيء لظهور جيش كبير من الاحتياطي الصناعي في البلدان الناشئة، مما أدى إلى إعادة تموضع وهجرة5 كبيرة في الإنتاج الصناعي. علاوة على ذلك، إن ازدياد المنافسة بين المنتجات المصنعة في البلدان ذات اليد العاملة الرخيصة، ومشكلة هجرة اليد العاملة الرخيصة، وإن بشكل أقل تأثيراً، أديا إلى خفض الأجور في معظم البلدان المتقدمة صناعياً. على سبيل المثال، لقد تم التوصل للاتفاق السابق ذكره بين شركة سيمنز واتحاد عمال المعادن تحت تهديد نقل وحدتي إنتاج إلى هنغاريا.
5. التجارة الخارجية
..... يتبع
هوامش :
1- نشرت المقالة في المجلة العالمية للاقتصاد السياسي في عددها الصادر في خريف عام ٢٠١١.
عنوان المقالة باللغة Marx, the Falling Rate of Profit,Financialization, and the current crisis.
2- Vladimiro Giacché
3- The Rate of Valorization of Total Capital
4-Countervailing Tendencies.
5- Delocalization