من الزلزال الأميركي إلى «الربيع العربي»
اعزفوا اللحن الجنائزي للولايات المتحدة الأمريكية كما عرفتموها بعد الحرب. فبعد أقل من 70 عاما من التفرد بالحكم – باستثناء سنوات قيام الامبريالية السوفيتية الاجتماعية (1955-1989) – سوف يتابع إمبراطور الغرب هبوطه إلى الجحيم في هذه السنة أيضاً!!.
ترجمة، ميس ضوماط
الزلزال الأميركي
إن احتضار الإمبراطورية الذي بدأ في عام 2008 (أزمة الرهن العقاري) والمتواصل في عام 2011 (أزمة الديون السيادية)، سيستمر في عام 2012، وسيخف في غضون عدة أعوام. خلال هذه المدة، ستكون الولايات المتحدة في الوقت نفسه مفلسة وغير قابلة للحكم، متحولة إلى «قارب سكران» بعد أن كانت «السفينة الرائد» للأسطول الامبريالي الغربي.
من المتوقع أن يخسر الدولار أكثر من ربع قيمته نسبة إلى اليورو، ولذلك فإن احتياطي العملة المقبل، الذي تديره العصا السحرية لأنجيلا ميركل، والذي لا يضحك على مثل تلك الأمور، يفتح النار على القوة العظمى الأميركية. هذا الانخفاض لعملة الدولار يعني أن الشعب الأميركي سيفقد أكثر من ربع قوته الشرائية، والتي هي بحالة سيئة مسبقاً، بسبب أن هذا البلد يعتمد على استيراد القسم الأكبر من المنتجات التي يستهلكها ( تضخم سريع، انخفاض قيمة الدولار، إفلاس البنوك، وصول نسبة البطالة إلى 20% تقريبا، تلقي أميركي من أصل ست معونات غذائية، معاناة طفل من أصل خمسة من التشرد في حياته، تعادل نسبة ولادة الأطفال الموتى النسبة الموجودة في البلدان النامية، إلغاء البلديات للخدمات الاجتماعية، معاناة الولايات من مشاكل في التسديدات، ...الخ). ألم يوزع خبير اقتصادي معروف الأدوار بين القوى الاقتصادية العالمية (الصين هي ورشة التصنيع، والولايات المتحدة الأمريكية هي سوق الاستهلاك)، كما لو ان جارك في بنايتكم ينتمي لفئة «من يعمل أكثر يربح أكثر» بحسب اقتراح ساركوزي (ممنوع الضحك هنا!)، وأنت تنتمي لفئة «من يستهلك دون حساب ومن دون أن يربح شيئاً»، فهل تظن حقا بأنه من الممكن أن تتحسن أحوال جارك؟ فلقد سبق في التاريخ أن لعبت الإمبراطورية الاسبانية والإمبراطورية البريطانية دور قطب الاستهلاك هذا، ونحن نعلم جيدا ما آلت إليه هذه الإمبراطوريات المحتضرة!
من الواضح الأكيد انهيار الإمبراطورية الأمريكية. إن إصدارات الدولار (عملية التيسير الكمي) في أعوام 2009 و2010 لم تؤد إلا إلى انجراف السفينة نحو الضياع. إن وكالات التصنيف ومصرفيي وول ستريت يعلمون هذا جيدا، ولذلك فلا تستغربوا في عام 2012 إذا سمعتم بأنهم قد حولوا جزءاً من أصولهم – بالدولار – إلى اليورو واليوان والفرنك السويسري والذهب... فالجرذان قد بدؤوا بإخلاء الـ«القارب السكران» منذ العام الماضي. إن الشعور القومي «المبتذل» بقي للجنود الذين يموتون بحقول الألغام في أفغانستان، والى الأغبياء المذعورين في دور المتقاعد.
الإمبراطورية الصينية
في عام 2012، سيؤدي عمق الركود الاقتصادي وانهيار السوق الأمريكية الذي ابتلعها تضخم وانخفاض قيمة الدولار (الزبون الأول للإمبراطورية الصناعية الصينية) إلى التباطؤ والانكماش الاقتصادي والى إغلاق المصانع في الصين.
بما أن عملية تحويل المجال الصناعي والتجاري للصين نحو سوقها المحلية الآخذة بالتوسع باتجاه منطقة اليورو وآسيا وأفريقيا (استثمار بحوالي 1000 مليار يوان بغضون 10 سنوات، كما يقال) لم تكتمل بعد، فان انهيار الزبون الأميركي لن يخف ويتباطأ. لقد كانت بكين تأمل حقا بان يتأخر الانهيار الأميركي لمدة سنتين على الأقل، ولهذا فقد فعلت «الإمبراطورية السماوية» كل شيء في سبيل تأخير الاستحقاق النهائي الحاسم بشرائها وبكل خسارة السندات الأمريكية ذات المردود الضعيف المخزي.
من المبكر جداً القول بأن عملية التحويل الصينية قد انتهت واكتملت. بالإضافة إلى أن الهزات الزلزالية الاقتصادية في أميركا ستضرب عمق الوسط الصناعي للإمبراطورية الأمريكية.
في العالم الغربي، ستحاول الامبريالية الأمريكية اليائسة، القلقة والمستميتة، والتي هي العدو اللدود للامبريالية الصينية، أن تثير موجة من مشاعر الدعم لسياسة «الحماية» الاقتصادية (سياسة اقتصادية تهدف للحد من دخول البضائع الأجنبية من أجل حماية المصالح الاقتصادية للبلد، أي عكس مفهوم التجارة الحرة، المترجم) والقومية المتطرفة، وستحاول الولايات المتحدة أن تحرّك وتدفع إلى «حرب باردة» كارثية ضد الصين. ولقد سبق لأوباما أن أعطى خلال عام 2011، تبريرا لعملية صدام واسعة النطاق وطويلة المدى مع الصين. وسيكون هذا عبارة عن محاولة يائسة للولايات المتحدة للإبقاء على نفوذها والحفاظ على مواقعها الإستراتيجية في آسيا وبكل مكان في العالم. يقول المحلل جيمس بتراس: «إن الدول المؤلفة للقوة الرباعية للجيش الأمريكي (الولايات المتحدة، اليابان، استراليا وكوريا الجنوبية) وبمساعدة الدولة التابعة الفلبينية، سيحاولون تدمير العلاقات التجارية للصين بواسطة القوة العسكرية لواشنطن». ولكننا مع ذلك نشك بأن يتوصل البنتاغون لتحقيق مراده، فمن غير المؤكد بأن ما يسميه بتراس بالدول التابعة عسكريا لأميركا سوف تدع نفسها تنجر وتنزلق نحو الهاوية برفقة البطة العرجاء الأمريكية.
منطقة دول اليورو
من أبرز نتائج اجتماع دول منطقة اليورو الذي انعقد بشهر كانون الأول الماضي في بروكسل، والذي جرت من خلاله عملية إعادة توجيه الإستراتيجية الأوروبية بوقوف الزوج ميركوزي (تعبير فرنسي للإشارة إلى التحالف الليبرالي لميركل وساركوزي، المترجم) بوجه ثعابين هيدرا الانكلوساكسونية، خضوع دول منطقة اليورو للعمل تحت إمرة رئيس الخدم ميركل، الرجل السياسي البرجوازي الوحيد الكاسح في أوروبا. تستمر «نجمة» الاقتصاد الأوروبي (المغنية الرئيسية حواء أي ميركل) في خطتها عن طريق إشراكها المناهضين إلى الخط (أي خط سياسة التقشف الليبرالية التي تديرها ميركل، المترجم)، عن طريق تركيزها على سعر الصرف في تحويل الأموال الأوروبية تحسبا من الزلزال الأميركي، حيث لوحظ في شهر كانون الأول الماضي التأثير البسيط الذي تحتفظ به الولايات المتحدة لدى حليفها الأطلسي.
لقد غيرت دول منطقة اليورو اتجاهها في شهر كانون الأول الماضي، وينبغي على عام 2012 أن يؤكد استيلاء الأسياد الجدد التابعين للبنك المركزي الأوروبي على الساحات قبل إصدار سندات اليورو (السندات الأوروبية) في نهاية عام 2012.
«عندما نكون من دول منطقة اليورو التي تشكل التكتل التجاري العالمي الأول، والتي تملك اكبر مدخر عالمي، فإننا بالتالي لا نهتم لوكالات التصنيف. نتجاهلهم أو نسحقهم، شيئان سيكونان على اللائحة في عام 2012».
سينبغي على الانتفاضات الشعبية والإضرابات العمالية أن تميز هذا العام الأوروبي، ولكن بسبب عدم وجود قيادة ثورية موحدة ومؤثرة، فإن كل هذه التضحيات ستذهب هباء.
النقد الأفريقي
بضع كلمات حول قطعة من إفريقيا، تخص 14 بلداً خاضعاً للإملاءات الاستعمارية الفرنسية الجديدة فيما يتعلق بالاتفاق حول الانضمام إلى (فرنك السي. أف. آ). تسمح معاهدة «الاتحاد النقدي» هذه لفرنسا بالهيمنة والسيطرة على التنمية المالية لتلك الدول الـ14 الخاضعة للاستعمار الجديد.
كيف نستطيع أن نتخيل بأنه في عام 2012 ما زال هناك بلدان يتصارع ويتقاتل فيها الرؤساء الإمّعة (الدمى بيد الغرب)، في كل انتخابات مهزلية، مزيفة ومزورة، للاستيلاء فقط على السلطة التي وبكل الأحوال سوف لن يتحكموا فيها أبدا، بما أن القوة الرافعة الأساسية (القوة المالية) محتكرة بمكان ما في باريس ضمن مكاتب الخزينة العامة الفرنسية، حيث ينبغي على كل بلد من هذه البلدان الخاضعة ان تودع كضمانة جزءا من ممتلكاتها (أصولها). (هذا بحد ذاته ليس عملية مالية سيئة. ان السيئ هو أن عمليتي الإيداع والإدارة تتمان بالخزينة العامة في فرنسا، بالإضافة إلى أن هذه العملة تعتمد اعتمادا كليا وعلى مستوى من التكافؤ مع اليورو)... شيء مذهل يثير الاندهاش، أليس كذلك؟!!!
لدي شعور بأنه وخلال فترة الكساد النقدي العالمي، فإن 2012، سيكون عام تصارع واشتباك كبير حول مسألة إنشاء عملة افريقية موحدة انطلاقا من تجمع عدة دول شجاعة.. مشروع كان يشجعه القذافي ولوران غباغبو... فلتفهموا بعدئذ لماذا تم خلعهم، ومن ثم ترحيلهم أو قتلهم؟!!
سياسة دبلوماسية البوارج
من الغريب أن عددا قليلا جدا من مراقبي المشهد الدولي قد لاحظوا تغيراً هاما على صعيد المسرح العسكري العالمي منذ حوالي عام 2010. فقبل هذا التاريخ، فإن كل عدوان عسكري امبريالي غربي قد طُرح ونُظم وأُدير من رئيس عصابة الأوباش الأميركي بوش (راعي البقر التكساسي الذي يشكل النموذج لرعاة البقر الأمريكيين اليانكي)، مع أو بدون تواطؤ الناتو. ولكن في أعوام 2010-2011، جرت ثلاث عمليات تدخلية أساسية لسياسة «دبلوماسية البوارج» قد بدأتها فرنسا الساركوزية، بدعم من لندن وبرلين وباقي عواصم دول منطقة اليورو، وأحيانا مع التدخل المتأخر لواشنطن (كما حدث في ساحل العاج، ليبيا وسورية). ستظل هذه السياسة قائمة في عام 2012.
العدوان على سورية
قولوا لي ما الذي يسعى إليه ساركوزي في سورية؟ هذا البلد الذي ليس لديه نفط، بل القليل من المعادن، بالإضافة إلى أن سوقه راكدة وشعبه فقير. سورية مزدحمة باللاجئين الفلسطينيين والعراقيين والأكراد، وشعبها سريع الغضب وقومي النزعة، وسيسارع في صد وطرد كل محتل غربي.
بالإضافة لذلك، فإننا نجد على حدود سورية الشمالية تركيا المكتئبة والساخطة (لعدم قبولها في الاتحاد الأوروبي)؛ وعلى حدودها الجنوبية الأردن الراكد؛ وفي الغرب لبنان الشجاع وحزب الله الذي لا يُقهر؛ وعلى الحدود الشرقية نجد العراق (الاحتياطي النفطي الثاني في العالم).. ها هو الجواب الذي كنا نبحث عنه.
إذاً، يسعى ساركوزي، الأكثر مكرا مما يعتقده البعض، في الوقت الذي يحاول فيه أوباما الاحتيال عليه بقطع الذهب الأسود عنه عن طريق البحر (مضيق هرمز الإيراني) أثناء انسحابه من العراق (المتروكة في عهدة الملالي الشيعة الذين سيقطعون البترول العراقي عند رمي أول قنبلة على إيران)، بتقريب أوروبا من آبار النفط العراقية لكي يتم الانقضاض عليها واحتلالها في اللحظة المناسبة، وبالتالي جعل هذا الوقود الثمين يمر عبر خط الأنابيب السورية متجها نحو البحر المتوسط.
مع ذلك، فالسؤال الذي يطرح نفسه، هو لماذا لم يتم التعاون مع الرئيس بشار الأسد للوصول إلى خط الأنابيب السورية؟ لأن بشار هو حليف إيران، ولأن الهجوم الأميركي-الإسرائيلي على إيران سيقطع جسور التعاون مع سورية. ينبغي إذا على أوروبا أن تنأى بنفسها عن حليفها الأميركي وعن العدوان على إيران (هذا سيأتي)، ولكن منطقة اليورو الجديدة، ما بعد الولايات المتحدة الأمريكية، هي بعيدة عن ذلك.
مشكلة أخرى ستُطرح في عام 2012 تتعلق بالهجوم على سورية، وهي كيفية تجاوز القوة الروسية التي تمتلك قاعدة بحرية في سورية (طرطوس)؟ بالإضافة إلى أن روسيا «البوتينية» تزود أوروبا بالغاز الطبيعي! إن الهجوم على القاعدة العسكرية للكرملين في المشرق العربي، يعني باختصار الانقطاع عن التزود بالغاز الروسي. هل فكر ساركوزي وميركل بهذا، وما هو البديل؟!!
ان الدعم الأوروبي لأصحاب المليارات، لصوص الانتخابات من المعارضة الروسية، في مقابل لصوص الانتخابات من حزب روسيا الموحدة، لن يذهب بعيدا. إن روسيا ليست واحدة من جمهوريات الموز، وليست واحدة من البلدان التي «تخرج سلطتها التشريعية أثناء جلسات القهوة»، بالإضافة إلى أن الجيش الأحمر في قبضة فلاديمر بوتين... اختم هذه المسألة بالقول أنه ينبغي على دول منطقة اليورو أن تراجع إستراتيجيتها السورية-الإيرانية في عام 2012.
بما أن العام الجاري هو عام انتخابات رئاسية، فإننا سوف لن نرى الولايات المتحدة تدخل هذه الحرب المفتوحة التي تعد لها بشكل محموم وقلق ضد إيران، سيما وأن سورية لم تقع بعد في يد بورصة الأوروبيين والأمريكيين، وهنا تحديدا يكمن رهان تلك الحرب التي لا تقول اسمها.
إن ساركوزي في هذه القضية ليس وكيل الولايات المتحدة، فهو يقود السياسة الامبريالية الفرنسية الأوروبية، ومن أجل هذا السبب، ينبغي عليه أن يحافظ على موقعه الرئاسي بعام 2012.
يتمحور الصراع بين حلفاء الناتو حول هذا الخيار ذي الحدين: إذا أصبحت سورية محمية أوروبية، فسيصبح البترول العراقي في متناول اليد، أما إذا أصبحت سورية محمية أميركية، فسيحتفظ عراق المالكي بمفتاح قفل الباب الغربي للنفط الأوروبي في الوقت الذي ستحتفظ به إيران على مضض بمفتاح القفل الجنوبي عبر مضيق هرمز، وباكستان وأفغانستان الأقفال الشمالية والشرقية.
الناتو في المشرق
إن الولايات المتحدة ومنظمتها العسكرية الخاضعة والمذلة (الناتو)، وفي عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا، سيواصلون ضغوطهم على لبنان عن طريق الدولة التابعة لهم (اسرائيل)، وسيواصلون احتلالهم لأفغانستان (سيعدّون انسحابهم في عام 2014 عندما تكتمل كل المناورات والحيل التي يحضرون لها ضد إمدادات النفط الصينية). سيواصل الناتو عبر طائراته بدون طيار تحرشاته في شمال باكستان، في سبيل إعاقة أي تقارب من الممكن حصوله بين باكستان وحركة طالبان الأفغانية.
تذكروا جيداً بأن وحشاً مجروحاً كالعلم الأميركي ذي النجوم العديدة يبقى خطرا. وبالتالي، إذا لم يبدأ مركز القيادة الأمريكي الهجوم فورا على إيران، فهذا يعني بأنه ومن وراء الكواليس سيحضر لهذا الهجوم طوال العام، وسيطلقه العام المقبل على الأرجح، بعد الانتخابات، بغض النظر عمن يكون الفائز في سباق الرئاسة. إن الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الأميركي هو من يأمر باتخاذ هذا الإجراء «المغامر والمحفوف بالمخاطر»، كما يعتقد عددُُ من الخبراء الاستراتيجيين في وول ستريت والبنتاغون.
الربيع العربي
في مصر، عاد «فيسبوكيو» مواقع التواصل الاجتماعي، الثوريون الزائفون، إلى أحضان (دادي)، بعد تقاعد مبارك المصحوب بالذهب. في عام 2011، عاد الثوريون الحقيقيون إلى الرصيف والساحات ليقعوا من جديد تحت رصاص الجيش، من دون أي عقاب أو محاسبة، وتحت هتافات وسائل الإعلام الغربية، الذين اعتبروا حتى أن هؤلاء الشبان كانوا جزءا من «الثورة المضادة»... ثورة فاشلة.
إن هؤلاء الثوريين الحقيقيين المحتقرين من البرجوازية العالمية لم يُنتخبوا، وقد رحب العالم الغربي بذلك. لقد طردوا «قادتهم» المرخص لهم: أولاد دادي «الغاضبون». حظا سعيدا يا شباب التويترز، المتدربين على «الثورات الملونة». (يقصد بالثورات الملونة، أي المزيفة، كما الثورات البرتقالية، أي تابعي الولايات المتحدة، المترجم). من يدري اذا كانت الانتفاضات العربية ستتحول في عام 2012 إلى ثورات شعبية حقيقية تهدف الوصول إلى السلطة؟!
في تونس المشابهة لمصر، مع هذا الاختلاف الذي ورثته تلك المستعمرة الفرنسية القديمة عن وطنها الأم السابق، ألا وهو الحشو الكلامي المسهب، الغبي، التافه والمغرور. فطبقة مثقفي المغرب العربي تحب تقليد المناقشات الفارغة والعقيمة للمقاهي الباريسية، بالإضافة إلى أن ثلث أحزاب الوسط المغرورة تتواجد بوفرة على الساحة التونسية حيث تخنق رؤية الشباب الثائر. ومن الممكن لهذه المجموعات الصغيرة الهزلية أن تجهض المرحلة الثانية من الثورة الحقيقية. بكل الأحوال، مُنيت تلك الانتخابات المنافقة بالفشل في العديد من المدن، بالإضافة إلى أن الثوريين الذين لم يتجردوا من أسلحتهم سوف يكونون أكثر تطرفا وراديكالية في عام 2012.
أما بالنسبة إلى ليبيا، فلتتوقفوا يا أيها الديماغوجيون الصغار القابعون في باريس ولندن عن مظاهر الاحتفالات والسرور. حيث من الممكن أن يصاب برنارد هنري ليفي وشلته بخيبة الأمل في عام 2012: لقد مات القذافي ولكن روح التمرد والاستقلال لعشائر طرابلس وفزان وبرقة لم تمت. إن المجلس الانتقالي الليبي خارج اللعبة إذا استؤنف إنتاج النفط؛ إن الشعب نادم ويدرك بالتدريج وشيئا فشيئا بأنه قد تم خداعه من أصدقاء وهميين. لا شيء مكتوب ولا شيء انتهى في ليبيا، وهؤلاء الذين لم يدركوا بعد ذلك، سيكونون قريبا مفضحوين.