دولة الإخوان والمنطلقات النظرية والفكرية حول المشروع السياسي لسورية المستقبل (1)
توفي يوم الأربعاء 11/1/2012 الرفيق المحامي سمير عباس عضو مجلس الحزب وهيئته الاستشارية العليا عن عمر يناهز الستين عاماً، بعد معاناة طويلة مع مرض عضال.. وإكراماً لذكرى رفيقنا الراحل، ونظراً لأهمية مجمل منجزه البحثي، فإننا سنبدأ اعتباراً من هذا العدد بعرض كتابه «دولة الإخوان والمنطلقات النظرية والفكرية.. حول المشروع السياسي لسورية المستقبل»..
دولة الإخوان والمنطلقات النظرية والفكرية
تستند دولة الإخوان على المنطلقات النظرية لها. لذلك ينبغي المرور عليها قبل شرح مرتكزات الدولة الحديثة من وجهة نظر الجماعة.
ترى الجماعة أن الكتاب والسنة هما (مصدر رؤيتنا لصياغة مشروع حضاري) وترى أن (الشريعة الإسلامية نصوص ثابتة) (إن منهجية الإسلام الخالدة لم تربط المسلمين قط بغير الكتاب والسنة).
لذلك ترى أن المبادئ الفكرية لبناء الدولة هي:
الإنسان مستخلف في الأرض: بما أن الإنسان خليفة الله في الأرض. فعليه أن يطبق شريعة الله فيها.
الإنسان والحرية: الإنسان حر إلى حد حريته في الدخول في الإسلام ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ البقرة 256.
وهذا أول المظاهر المتطابقة مع المطالب الأمريكية في تنظيم الإسلام بما يتوافق مع سياستها العالمية سواء في المملكة العربية السعودية أو بقية العالم.
وحيث أن هنالك تيارين رئيسين في الحركات الإسلامية تيار يتبنى هذا الرأي، وتيار يتناقض معه باعتبار أن كل غزوات الرسول (ص) تقريباً هدفت لنشر الإسلام بالسيف، وباستثناءات من النص المقدس لا حصر لها لن نكررها، ونكتفي بالتالي: من القرآن ﴿ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ التوبة 5. والحديث الشريف: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) البوطي ــ الجهاد في الإسلام ص41.
ليس المهم أيهما صحيح أو خطأ بل، المهم أن الإخوان يستمدون كل منطلقاتهم النظرية من سيد قطب المتشدد جداً. ومن المنهل الفقهي لابن تيمية تاريخياً. وقد استمر هذا في المشروع السياسي نفسه، لكنهم عدلوا نقاطاً تصر عليها الولايات المتحدة منها: حرية الدخول في الإسلام، ومنها الجهاد، ومنها شكل الدولة الديمقراطي، والموقف من حزب الله، والموقف من الدولة، وهو ما سنأتي عليه لاحقاً. مع أن موقفنا الشخصي هو الدعوة بالإقناع إلا أننا نناقش براغماتية الإخوان لأن المشروع يحتوي تشدداً يفوق السابق كما يظهر تناقضاً صارخاً.
العدل بين جميع البشر: وهو حسب المنطلقات النظرية تتم إقامة الدولة الإسلامية المؤهلة للعدل بين الناس فلا عدل خارج الإسلام.
التنوع للتعارف والحوار: يستند إلى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
ولكن أتقاكم حسب الحديث الشريف ليس أتقى الناس كافة وإنما أتقى المسلمين تحديداً.
العالم مساحة الدعوة إلى الله
الجهاد في سبيل الله: وهو كالفقرة السابقة «الإنسان والحرية»، حيث هنالك اتجاهان في الفقه الإسلامي تبنت الجماعة الرأي المعتدل منهما بعد أن كانت لجأت إلى السلاح في الوطن سابقاً.
والنصوص في شأن الجهاد كثيرة لدى أصحاب الرأي الآخر مثلاً: «قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ» التوبة 29.
ومع الاحتفاظ بملاحظات الفقرة السابقة بنفسها (الإنسان والحرية) فإننا نذكر القارئ بأننا سنفاجأ بأن الإخوان تبنوا النظرة المعتدلة للجهاد تزلفاً لأمريكا. لكنهم أصروا عليه داخل الوطن ضد العلمانيين والأديان والطوائف الأخرى بتشدد يفوق الوهابيين بمراحل. وهذا هو التنازل الثاني الذي قدمته الجماعة للولايات المتحدة: دفن الجهاد ضدها وضد الدول الكبرى ثم إعلان الحرب على الطوائف جهادياً داخل الوطن.
ويبدو هنا أن ثمة شرطاً أمريكياً شاملاً للاعتراف بهم كبديل محتمل يضم الدعوة والجهاد على الطريقة الأمريكية وقد نفذ، وتليه شروط أخرى.
الشريعة ليست نظاماً للجريمة والعقاب فقط بل هي نظام: اجتماعي، وسياسي، واقتصادي أي أنه انقلاب شامل لبنية الدولة و المجتمع.
الشريعة تضع الأصر، وتوسع دائرة العفو: وفيما يلي سيتضح أن المشروع نفسه تناقض مع هذه الفقرة.
التدرج: أي أن الانقلاب في بنية المجتمع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية سيكون تدريجياً لضمان رسوخه.
أصالة في الفكر وتجدد في الأساليب
تحدد الجماعة موقفها من الجماعات الإسلامية الأخرى بقبولها كمفاوض بشرط: (حركتهم ضمن دائرة الخطاب الإسلامي العام، وعلى أسس المنهج الإسلامي القويم).
وبما أن القويم إسلامياً لديهم هو بالضبط أقوال وسياسة (الإمام) سيد قطب، ومجمل الاستقاء من الخط النظري ــ السياسي له، فأية جماعة لا تضع على طاولة الحوار أفكاره كنص للحوار تصبح غير قويمة، ولا يمكن الحوار معها بهذا تخرج كل الطوائف والأقليات في سورية من تفضل الجماعة بمخاطبتها، ويخرج معها معظم المسلمين لعدم قبولهم بالخط المتشدد لسيد قطب.
ومن لا يقبل بالحوار مع الجماعات الإسلامية لن يقبل بالحوار مع العلمانيين أو أي حزب سياسي سوري معروف حتى الآن، إنه حزب لا يحاور، وكل تحالفاته الآن براغماتية للكسب، وبما أن يتصور أنه أرضى الولايات المتحدة، وأن ثمة أزمة تتيح له القفز إلى السلطة فهو يناور حتى حلول اللحظة الموعود بها.
وفي نقاش مفاهيم شرعية، وهدف الدولة الإسلامية لدينا إيضاح للصورة أكثر قبل نقاش شكل الدولة لاحقاً:
1ــ نمط الدولة ثيوقراطي: لقد التقت الجماعة على قداستها لاستنادها إلى الكتاب والسنة المقدسين إلا أنها تدعي أنها (دولتهم) غير مقدسة خوفاً من وصفها بالثيوقراطية، (وهي حسب تعريفها الدارج حكم رجال الدين المستند إلى الكتب المقدسة، وقد كان هذا الحكم سائداً في العصور الوسطى في أوروبا).
وترى الجماعة هنا أنه رغم استناد الدولة الإخوانية للكتاب والسنة في (تشريعات كل الجوانب الروحية والثقافية والاقتصادية للحياة). إلا أن الاجتهاد غير مقدس، وبالتالي فإن الدولة المستندة للنص غير مقدسة لأخذها بالاجتهاد أيضاً، وبالتتابع الكفري هي ليست (theokratia).
في هذا المقام توجد مغالطة واضحة: الاجتهاد يفسر النصوص المقدسة من كتاب وسنة، ويطابقها مع الواقع المعاش هذا صحيح. ولكن الهدف تطبيق رؤية المجتهد لسريان المفاهيم المستمدة من النصوص على الواقع. أي ملاءمة النصوص الكلية مع الواقع الجزئي المتغير فقط. فما الذي تغير هنا في قدسية الدولة. هل اعتبر المجتهد أن الإسلام ونصوصه المقدسة بعيدان عن الدولة. لا، بل ساعد على تقديس الدولة أكثر والعمل على قولبة المجتمع كله ليصبح ببساطة إسلامياً بقوة جهاز الدولة المعني.
ولا ينفي هنا وصول الإخوان للسلطة بقوة صناديق الاقتراع من شمولية دولتهم لأن جهاز الدولة (بالمعنى الشامل) سوف يكرس تالياً الدولة الثيوقراطية. ولا فرق بين الوصول للسلطة أولاً أو نهائياً (لأنهم إذا وصلوا لن يرحلوا كما حدث مع النازية) عن طريق صناديق الاقتراع، أو وصول عنيف من ماهية الدولة الشمولية (يسميها الإخوان الثيوقراطية).
وإن محاولة الهروب من وسم دولتهم بالثيوقراطية عن طريق إحلال الاجتهاد كواسطة بين النص المقدس والواقع تتعامى عن حقيقة أن الدولة الثيوقراطية ليست فقط الدولة التي تستند للنص المقدس بل إنها التي تجبر المجتمع على تتبع الفكر الشمولي، وتمثله وتطبيقه اعتبار كل خروج عنه جريمة كبرى. فهل ابتعد الإخوان عن هذا في برنامجهم لنفي صفة الثيوقراطية. إطلاقاً، بالعكس تماماً حيث ثبتوا تلك الفكرة. التصور في كل صفحة من المشروع، كما أسلفت وسيأتي لاحقاً.
كما أن الثيوقراطية تعني حرفياً (حسب تفسير الجماعة لها) في المشروع (حكم رجال الدين) أي أن هدف السلطة هو تغيير المجتمع وإجباره على تطبيق شريعة الله جل جلاله في كل النواحي: اقتصاد ــ تعليم ــ قانون ــ إدارة ــ ثقافة. وهذا يحتاج إلى رجال دولة للتغيير المطلوب يتقنون الشريعة وتطبيقاتها وتفرعات الاجتهاد عن النص، وهذا يعني أنهم رجال دين فعلاً. وسوء الفهم ينبع من أن المسيحية تكرس رجل الدين فعلاً بمراسم معقدة ومراتب ولذلك اكتسب حكم الكنيسة في العصور الوسطى شكلاً رسمياً تراتبياً. ولكن في الإسلام لا توجد المراسم والتراتيبة نفسها وبالتالي فإن عدم ظهور رجال الدولة الإخوانية بشكل مشابه لا يعني أنهم ليسوا رجال دين فهم أكثر من ذلك إنهم مطابقون في الحقيقة لرجال كنيسة أوروبا العصور الوسطى الدولتية.
2 ــ الحكم العادل: (إن الإسلام بقيمه وأحكامه هو خير منطلق لتأسيس الحكم العادل) ــ من المشروع ــ ومع أنه لا اعتراض لنا على الإسلام بقيمه وأحكامه، لا بل إننا أكثر تمسكاً به من المتطرفين. إلا أن الشمولية التي ترد هنا في المشروع تجلب تطرفاً يفسر الإسلام السمح على غير ما هو عليه. عندما توضع النصوص بمواجهة الحرية والعدالة، وهذا ليس من أساسيات الإسلام الحنيف.
فالعدل في مفهوم الإخوان هو تطبيق المبادئ المعلنة في المشروع، وهي تؤدي تالياً إلى التبعية الاقتصادية للمراكز المالية الكبرى، وإلى نزاع أهلي شامل، وهذه ليست عدالة.
إن المبادئ هذه كما لا يخفى تمسح كل الاتجاهات السياسية بدون استثناء، وينحصر مفهوم العدل عند الإخوان بالحق وهما مختلفان.
فالحق هو القوة لأنها تكسب المسيطر زمنياً حقاً تجاه المجتمع بتحقيق مصلحته الاقتصادية ورؤاه السياسية والاجتماعية. أما العدل فهو المساواة بين الناس ليس في النظام الانتخابي الذي قد يكون ناقصاً، يوصل الأسوأ للسلطة (مثل أمريكا ــ مصر.... إلخ) فقط، بل المساواة في المعيشة والحرية والتعليم والصحة وحرية العقائد الدينية والقومية... إلخ، أي أنها مطلقة لا تقيدها القوانين ولا القوة التي تصنع القانون الوضعي.
فالنظام النازي (ألمانيا) مثلاً وصل إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع في سابقة يمكن أن تتكرر على خلفية أزمة اقتصادية ــ سياسية. وبهذا اكتسب الحق في تشريع التمييز بين الناس على أساس العرق أو الانتماء السياسي داخل ألمانيا واستعباد شعوب أوروبا كافة خارجياً، عبر البرلمان. وهذه ليست عدالة بل حق القوي في التهام الضعيف.
وفرنسا مثلاً: احتلت سورية فاكتسبت الحق في الوصاية الدولية عليها وباعتراف عصبة الأمم بهذا الحق وسنت قوانين تكرس حقها في نهب سورية وتدمير بناها الاقتصادية والاجتماعية، وهذه ليست عدالة بل حق.
3ــ الوسطية والاعتدال: وهذا يشمل فقط الاعتدال والتوفيق في إطار الجماعات الإسلامية كما ورد حرفياً في المشروع وهذا يكرس انغلاق الجماعة.
4ــ الحوار مع الآخر: وهو مشروط بـ (ألا يتعارض مع شرع الله) أي أن كل حوار لا يوضع فيه تفسير النصوص حسب رؤيتهم على الطاولة لا جدوى منه. هنا يمكن ذكر مفارقة غريبة وردت على لسان العلامة القرضاوي حول الحوار مع المسيحيين فقط قال، نحن نعترف بنبيهم ولكنهم لا يعترفون بنبينا لذلك فالحوار غير متكافئ، ناسياً أنهم لو اعترفوا بنبينا لأصبحوا مسلمين، وبالتالي لا داعي للحوار.
والإشكال المعرفي هنا أننا نعترف برسالة سيدنا محمد (ص) بما يتضمن ذلك الإيمان بالله جل جلاله وملائكته ورسله واليوم الآخر. وبما يتضمنه ذلك من أن سيدنا محمد (ص) خاتم المرسلين فلا يضيرنا الاعتراف بالسيد المسيح عليه السلام. بل إن هذا موجود في صلب العقيدة، بينما إذا اعترف الفريق المسيحي المحاوَر من أجل لقاء الأديان بسيدنا محمد (ص) فإنه يقر علناً أن المسيحية قد نسخت بالدين الجديد الإسلامي والنسخ «أي عدم وجوب إتباعها بعد رسالة سيدنا محمد (ص)»، هذا النسخ يوجب تحولهم للإسلام وبالتالي على ماذا نحاور؟!. ألا نستطيع قبولهم كما هم بدون شروط؟.. وإذا لم نستطع قبولهم ألا يعني هذا الشقاق بدل الوفاق!.
ألم يقبل المسلم عبر تاريخه الرائع جميع الأديان السماوية، وحتى غير السماوية كعبدة النار والهندوسية والزرادشتية والمانوية.. إلخ..
ليس فقط كأديان متعايشة معه كتفاً بكتف بل أكثر عمل التابعين لهذه الأديان في جهاز الدولة دون رفض للحوار المقصود منه التعايش، لا الكسب الديني، إذا كان الكسب الديني غير ممكن.
5ــ تغير الظروف: مهما تغيرت الظروف فلا مجال لتغيير الحلول؟ إذا لم تكن مبنية على تفسير الإخوان لشرع الله، أي أن الملكية الخاصة واقتصاد السوق المفتوح ومنظمة التجارة العالمية وتخفيف ضرائب رأس المال المحلي والأجنبي المستثمر المطابقة للاجتهاد الذي بنى البرنامج على أساسه والمأخوذ من النص لن تتغير.
أيضاً: مهما تغيرت الظروف فإن الموقف من جميع العلمانيين والطوائف والأديان والقوميات في سورية، الذي سيرد لاحقاً، يتغير حتى مع تغير الظرف الموضوعي. وأمام هذه الفئات المعادية حسب مفهوم الإخوان أن تندمج في رؤية الجماعة السياسية الشاملة وإلا فإن وضعهم لن يتغير لأن الموقف منهم مبني على شرع الله. أمامكم حل ثانٍ هو الحرب الداخلية التي تعلنها الجماعة في المشروع.
6ــ التدرج: في مناحي تطبيق البرنامج الشامل ولكن يجب الانتباه لأن الجماعة لا ترى تدرجاً في تطبيق الشريعة فهي منزلة من عند الله، ولا يجوز الصبر عليها.
7ــ الاستفادة من تجارب الآخرين: مع العلم أنهم يرون أن كل العقائد وتطبيق النظريات عملياً خطأ. فهم يرفضون كل الأنماط الاقتصادية الموجودة حتى الآن (دون استثناء).
8ــ الديمقراطية: المشكلة أن المشروع يعطي صورة واضحة عن وضع الوطن كله تحت رحمة البرنامج المحضر لنا بما يحويه من تطرف وشمولية ورقابة وحتى القمع الذي يصل إلى حد إبادة كما سنرى لاحقاً. وعبر عنها (دمهم ومالهم وعرضهم حلال). فيبدو تشدقهم بالديمقراطية براغماتية مفرطة. يرفضون الأنظمة الشمولية ثم يصممون نظاماً شمولياً، ويتحدثون عن الديمقراطية.
9ــ استنكار الإرهاب: وهو التنازل الثالث للولايات المتحدة فالجماعة تستند حرفياً إلى المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة الذي تبنى تعريف الإرهاب، توافقاً مع رغبة الولايات المتحدة في تغيير المناهج الإسلامية بهذا الخصوص وبغض النظر عن رأينا بتعريف الإرهاب فإن الجماعة تبنت هذا التعريف المتشدد ضد الإرهاب لتصفية الجو مع اليانكي.
الجدير بالذكر أن هذا التبني لتعريف متشدد ضد الإرهاب خارجياً. رافقه تهديد في المشروع نفسه بالإرهاب داخلياً في فقرة الإنسان حيث يذكر المشروع أن (حرم عليه دماء الأخرين وأعراضهم وأموالهم إلا بحقها) ــ من المشروع ــ وحقها هنا في فقرة الإنسان: (حسب منظومة أخرى من شعب العصيان التي تنتظم الكبائر رأس أمرها) ــ من المشروع.
والمعنى هنا واضح تماماً فمن ارتكب الكبائر مهدد بالموت والنهب وهتك العرض. وعرضه هو من يتصل به من نساء (ابنة، زوجة، أخت).. إلخ.
ألا يتعارض هذا المنطق الذي يتبنى الإرهاب في الداخل مع شجب الإرهاب خارج سورية، وسنعود لهذه الفتوى لاحقاً.
إن التعريف المطلق المأخوذ من رابطة العالم الإسلامي يخلق إشكالاً كبيراً في الرد على العدو الإسرائيلي، وهذا العدو اعتاد إركاعنا بإبادة المدنيين وعندما فعلها في الحرب الأخيرة على لبنان قام حزب الله، ولأول مرة في تاريخه بقصف صاروخي لمدن محتلة موقعاً خسائر في صفوف المدنيين بالمقابل مصعداً قصفه مع تصعيد العدو مما أوقف العدوان.
هنا: هل يعتبر القصف الصاروخي الدفاعي إرهاباً؟!.. لم يجب المشروع عن هذه النقطة، ولن تجيب جميع الوثائق القادمة لأنها مسألة تتعلق بالولايات المتحدة وإسرائيل.
وللتذكير فإن العدو الذي يلجأ لقصف المدنيين دائماً بأمل كسر إرادتنا لن يرتدع إلا إذا رد عليه بلغته نفسها كما فعل عبد الناصر بعد إبادة مدرسة ابتدائية في بحر البقر في مصر حيث طلب من المقاومة الفلسطينية الرد فقامت إحدى فصائلها بقصف باص مدني فتوقف العدو عن استهداف المدنيين.
10ــ (إن العنف الذي مارسته الجماعة هو استثنائي اندلع في الثمانيني ات) من المشروع.
وللتذكير فقط فالقائمة طويلة حيث مارس الحزب (الجماعة) إرهاباً ضد فصيل سياسي هو الحزب الشيوعي السوري باقتحام مكتبه في دمشق ــ عرنوس ــ وسقط للحزب شهيد وجرحى، ودمر المكتب دون أي سبب سوى التكفير، ولم يكن الحزب الشيوعي وقتها في السلطة 1947، ولم تكن السلطة معادية للإخوان أصلاً لا هي ولا أي حزب سياسي سوري، فالعملية الديمقراطية كانت جارية.
وكان أسلوب الحثالة التي لاحقت (المشتبه بهم بأنهم شيوعيون) أن يمشي البطل الفاتح من جماعة الإخوان مع عصابته وراء المشتبه به يقول بصوت عال «شيوعي، شيوعي!» فإذا التفت المشتبه به للخلف بانزعاج ينقضون عليه صارخين الله أكبر!. كانت هذه أسرع طريقة لدخول الجنة لديهم!.