قناصة مجهولون و«تغيير الأنظمة» وفق مصالح الغرب 2/2
جيرويد أوكولماين جيرويد أوكولماين

قناصة مجهولون و«تغيير الأنظمة» وفق مصالح الغرب 2/2

ترجمة : جيهان الذياب

تونس

في السادس عشر من كانون الثاني 2011 ذكرت الـ «سي إن إن» أن  «عصابات مسلحة» كانت تقاتل قوات الأمن التونسية. ونُسبت العديد من جرائم القتل التي ارتكبت أثناء الانتفاضة التونسية إلى «قناصة مجهولين». وأظهرت أشرطة الفيديو التي انتشرت على شبكة الانترنت مقاطع لمسلحين سويديين، ببنادق قنص، وقد اعتقلتهم قوات الأمن التونسية .كذلك بثّت قناة روسيا اليوم الصور الموثقة لهذا الحدث.
مصر

في العشرين من تشرين الثاني 2011، نشرت صحيفة «تلغراف» مقالاً بعنوان: «قُتل أخونا من أجل مصر أفضل». وفقا لـ «تلغراف»، تم إطلاق النار على مينا دانيال، الناشط المناهض للحكومة في القاهرة، «من قبل قناصٍ مجهول ، ما أدى إلى إصابته إصابة قاتلة في الصدر».
ولسبب غير مفهوم، لم تعد المقالة متاحة على الموقع الالكتروني للـ «تلغراف» للاطلاع المباشر على الإنترنت. ولكن البحث على موقع «جوجل»، يدلنا بوضوح إلى الشرح السابق أعلاه لتفاصيل واقعة وفاة مينا دانيال . لذلك، من يمكن أن يكون هؤلاء «القناصة المجهولين»؟
ذكرت قناة «الجزيرة» في تقرير لها، بتاريخ السادس من شباط، أن الصحافي المصري أحمد محمود قُتل برصاص قناصة، بينما كان يحاول تغطية مواجهات بين قوات الأمن المصرية و متظاهرين. وفي إشارة إلى التصريحات التي أدلت بها «إيناس عبد العليم» زوجة محمود ، يلمّح تقرير الجزيرة أن محمود قُتل على أيدي قوات الأمن المصرية.
 قالت عبد العليم إن عدداً من شهود العيان أخبروها أن نقيب شرطة يرتدي الزي الرسمي، وهو من قوات الأمن المركزي سيئ السمعة في مصر، صرخ بوجه زوجها  يأمره بوقف التصوير. وقالت أيضاً: «قبل أن يتمكن محمود من الرد، أطلق قناص النار عليه».
في حين يقدم تقرير الجزيرة نظرية أن القناصة كانوا عملاء لنظام مبارك، ما زال دورهم في الانتفاضة لغزاً. لعبت قناة الجزيرة، المحطة التلفزيونية المملوكة من قبل الأمير حمد بن خليفة آل ثاني ومقرها قطر، دوراً رئيسياً في تعقيد الأمور في تونس ومصر، وذلك قبل شن حملة دعائية لا هوادة فيها مؤيدة لحرب منظمة حلف شمال الأطلسي لتدمير ليبيا.
قتل العديد من الأشخاص خلال هذه الأحداث في مصر. ورغم أن عمليات القتل نُسبت إلى  حسني مبارك، الذي ينتمي إلى فئة العملاء للولايات المتحدة، لا يمكن استبعاد تورط الاستخبارات الغربية فيها. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن دور القناصة المجهولين في المظاهرات الحاشدة، لا يزال معقَّداً ومتعدد الأوجه، وبالتالي لا ينبغي للمرء أن يقفز إلى الاستنتاجات مباشرةً.
على سبيل المثال، بعد مجزرة الأحد الدامي في ديري، في أيرلندا عام 1972، حيث قتل المتظاهرون السلميون برصاص الجيش البريطاني. ادعى مسؤولون بريطانيون أنهم تعرضوا لنيران القناصة. ولكن لجنة التحقيق في أحداث الأحد الدامي، التي دامت لثلاثين سنة طويلة، أثبتت في وقت لاحق كذب هذا الادعاء. وهنا يبقى السؤال قائماً مرة أخرى، من هم هؤلاء القناصة في مصر؟، وما الأهداف التي يخدمونها؟؟

ليبيا 2011

بثت قناة «الجزيرة» شريط فيديو، خلال فترة زعزعة الاستقرار في ليبيا، يظهر فيه متظاهرون سلميون «مؤيدون للديمقراطية»،  يتعرضون لإطلاق النار من قبل «قوات القذافي». وقد تم تحرير هذا الفيديو لإقناع المشاهد بأن المتظاهرين يُقتلون على أيدي قوات الأمن. ومع ذلك، تعرض نسخة غير منقحة للفيديو على «يوتيوب»، يبدو فيها وبوضوح المتظاهرون يتعرضون لإطلاق النار من قبل قناصة مجهولين. كان إسناد الجرائم المرتبطة بحلف شمال الأطلسي لقوات الأمن من الجماهيرية الليبية، سمة ثابتة من وحشية الحرب الإعلامية التي تشن ضد الشعب الليبي.

سورية

عندما زرت سورية في نيسان الماضي، التقيت شخصياً تجاراً ومواطنين في حماة، وأخبروني أنهم شاهدوا إرهابيين مسلحين يجوبون شوارع تلك المدينة المسالمة، ويقومون بترويع الأهالي. وأذكر أني تحدثت مع بائع فاكهة في مدينة حماة أخبرني عن الرعب الذي شهده ذلك اليوم. وبينما كان يصف مشاهد العنف لي، أسر انتباهي عنوان باللغة الإنجليزية من صحيفة «واشنطن بوست»، ظهر على التلفزيون السوري: «وكالة المخابرات المركزية تدعم المعارضة السورية». وتقوم وكالة الاستخبارات المركزية بتدريب و تمويل الجماعات التي تخدم المصالح الإمبريالية الأمريكية.  ويبين تاريخ وكالة المخابرات المركزية أن دعم قوى المعارضة يعني تمويلهم وتزويدهم بالأسلحة، والقيام بالإجراءات غير قانونية لحمايتهم بموجب القانون الدولي.
وبعد بضعة أيام، وبينما كنت في مدينة حلب القديمة والعريقة، تحدثت مع رجل أعمال سوري يدير العديد من الفنادق في المدينة. وقد أخبرني أنه اعتاد أن يشاهد قناة «الجزيرة»، ولكن لديه الآن شكوك حول أمانتهم. وبينما كنا نتحدث، عرضت «الجزيرة» مشاهد لجنود سوريين يقومون بضرب وتعذيب المتظاهرين. وقال: «الآن إذا كان ذلك صحيحاً، فهو ببساطة غير مقبول». لأنه من المستحيل أحياناً التحقق ما إذا كانت الصور التي تظهر على التلفزيون صحيحة أم لا. فقد ارتكبت العصابات المسلحة العديد من الجرائم ونسبتها إلى الجيش السوري، مثل إغراق الجثث المشوهة في النهر في حماة، وتقديمها للعالم كدليل على الجرائم.
التضليل فعال في زرع بذور الشك بين أولئك الذين أغرتهم الدعاية الغربية. فقد رفضت وسائل الإعلام الغربية حتى أن تقدم تقريراً عن موقف الحكومة السورية، لئلا تشجع التغطية الإعلامية للجانب الآخر من هذه القصة ظهور أي قدرٍ من الفكر النقدي في ذهن الجمهور.

النتيجة

تم توثيق استخدام المرتزقة وفرق الموت والقناصة من قبل وكالات الاستخبارات الغربية. لن تلجأ أي حكومة «عقلانية» رشيدة  في محاولة البقاء في السلطة  إلى القناصة المجهولين لتهديد خصومها. يؤدي إطلاق النار على المتظاهرين الأبرياء إلى نتائج عكسية، في مواجهة الضغوط الصارمة من الحكومات الغربية المصممة على تثبيت أنظمة عميلة في المنطقة. ويعتبر إطلاق النار على المتظاهرين العزل الأمر الوحيد المقبول في الديكتاتوريات التي تتمتع بالدعم غير المشروط من الحكومات الغربية، مثل البحرين وهندوراس أو كولومبيا. إن الغاز المسيل للدموع، والاعتقالات الجماعية والأساليب الأخرى غير الفتاكة هي شيء كاف تماماً لتسيطر حكومة ما على المتظاهرين العزل.
تُستخدم القناصة لخلق الذعر والخوف، والدعاية المناهضة للنظام. فهي جزء لا يتجزأ من الرعاية الغربية لتغيير النظام. إذا كان للمرء أن يوجه انتقادات خطيرة للحكومة السورية على مدى الأشهر القليلة الماضية، هو فشلها في تنفيذ تدابير فعالة لمكافحة الإرهاب في البلاد.
لا يوجد دليل قاطع على أن القناصة الذين يقتلون الرجال والنساء والأطفال في سورية هم وكلاء للإمبريالية الغربية. ولكن هناك دليل ساحق أن الإمبريالية الغربية تحاول تدمير الدولة السورية. كما هو الحال في ليبيا، فإنهم لم يذكروا مرة واحدة إمكانية إجراء مفاوضات بين ما يسمى المعارضة والحكومة السورية. يريد الغرب تدمير الدولة، وهو مصمم على تكرار المذابح في ليبيا لتحقيق هذا الهدف الجيوسياسي.


*نُشرت هذه المقالة سابقاً في نوفمبر 2011، ويعاد نشرها لارتباطها بما يحدث في أوكرانيا