تسيير الأعمال شيء ودورة نقابية جديدة شيء آخر
بعد سقوط سلطة نظام الأسد، وبتاريخ 9-12-2024 أصدر المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال، وبقرار فرديّ من رئيسه المرتهن لسلطة الأسد، بياناً جاء في فقرته الأخيرة «باسم كافة النقابيين في الاتحادات المهنية واتحادات عمّال المحافظات والنقابات العمالية واللجان النقابية... نضع أنفسنا بتصرّف الأخوة في قيادة العمليات العسكرية في إقرار ما تراه مناسباً لقطّاعنا وفي كافة قطاعات العمل الوطني العام». وكنا قد كتبنا في حينه في العدد رقم 1207 مقالاً تحت عنوان (خير الخطّائين التوّابون) عن سوء هذا البيان ودلالته وخطورة تداعياته. وطالبنا حينها بأن يوضع التنظيم النقابي تحت تصرف أصحابه الشرعيّين ألا وهم العمّال، وبينّا خوفنا على المنظمة ووضعها تحت وصاية جديدة بعد أن تخلصت من وصاية بائدة، واعتبرنا في حينه أن مجرد صدور هذه الفقرة في البيان إقرار ممن أصدره بأنه كان تحت وصاية سياسية تنفي وهم استقلالية قرار المنظمة التي كانت القيادات والسلطات تتغنّى به.
وفعلاً تدخّلت السلطات في ذلك الحين في عمل المنظمة بشكل تدريجي، ومن خلال إجراءات قالوا بأنها مؤقتة منعاً للفراغ. وسرعان ما أمسكت قوى الواقع الجديد بزمام الأمور وعبّأت الفراغ، وحينها اعتبرت القوى الفاعلة بالنقابات بأنّ «الكحل أحسن من العمى»، وبالتالي لا بأس بمرحلة انتقالية أو مؤقتة تمضي بعمل المنظمة وتوصلها لبر الأمان وتحافظ عليها من التفريط أو الحل كما حصل مع اتحاد الفلاحين. وفعلاً بعد شهر تقريباً تم تشكيل مكتب تنفيذي مؤقَّت جمع بين القديم والجديد، هدفه كما أعلن عنه تسيير أمور المنظمة، لتأتي جملة قرارات الحكومتين المتعاقبتين، طالت موظفي القطاع العام لتضع القيادة النقابية المؤقتة أمام استحقاقات معقدة وصعبة لم تنجح في مواجهتها، بل إنها نأت بنفسها عن الحراك العمّالي واكتفت بالتصريحات الإعلامية والاجتماعات مع المسؤولين الحكوميين، دون أن تؤدي لنتائج ملموسة ومباشرة. ورغم ذلك كان الانطباع العام السائد بأن القيادة الجديدة بحكم موقعها كمسيّرة للأعمال لن تستطيع فعل أكثر من ذلك، لأنها لا تمتلك قوة التمثيل الديمقراطي للعمال.
الضرورات التنظيمية لا تبرّر مصادرة الديمقراطية
مع مرور الأشهر كان واضحاً أنّ مرحلة تسيير الأعمال سوف تطول بحكم الخلل التنظيمي الكبير الذي حصل، بفعل قرارات الفصل والنقل وكفّ اليد والاستقالات وغيرها، مما جعل من الانتخابات هدفاً مؤجلاً، لعدم استقرار التجمعات العمالية التي تعتبر هي الهيئات العامة، التي تبدأ الانتخابات بها، مما وضع قيادة التنظيم المؤقتة أمام مسؤولية جديدة وكبيرة، تتمثل بالحفاظ على أعضاء المنظمة والدفاع عنهم وعن وظائفهم وأجورهم، وكان المطلوب منهم التصدي لهذا الدور وتلك المسؤوليات، ولكن ذلك لم يحدث، بل تم التركيز على التغيير التنظيمي للهيئات من خلال تعديلات جزئية أو كلية بمكاتب النقابات واتحاد المحافظات والاتحادات المهنية وغيرها، وتم ذلك بالعقلية القديمة وبالشكل التقليدي المتعارف عليه، واستمرت هذه العملية حتى تفاجأ الجميع بانعقاد المجلس العام وإقرار انتخابات مكتب تنفيذي جديد بالطريقة ذاتها، وأغلبية العمال النقابيين ظنوا بأن ما يجري هو استمرار لعملية التغيير التنظيمي ضمن مرحلة تسيير الأعمال المطلوب إنجازها، لكن ذلك لم يحصل بل أقرت دورة نقابية جديدة. وللعلم فإن الدورة النقابية مدتها 5 أعوام أي أنّ ما كان مبرِّراً لعدم قيام انتخابات متكاملة من اللجان النقابية وحتى رأس الهرم اختفى في لحظة واحدة، وتم تعيين مكتب تنفيذي جديد ورئاسة، بإجراءات انتخابية غير قانونية وبطريقة مستنسخة من فترة النظام البائد، وهذا لا مبرّر له أصلاً، فما هي الحاجة للانتخابات إنْ كانت ستتم بهذا الشكل بعيداً عن التمثيل العمالي الحقيقي؟ فإن كانت الغاية عدم وقوع التنظيم بالفراغ فإنّ القوى المسيرة للأعمال تقوم بتلك المهمة، ولكن أن يجري اعتماد دورة مدتها خمس سنوات تحت مسمى انتخابات فذلك غير صحيح لأنّه صادَرَ السلطةَ من أصحابها العمال، واستفرد بها وأقرّ عنها، وبالتالي أضعف
الطبقة العاملة والمنظمة معاً، فالانتخابات الحقيقية الشاملة وحدها الكفيلة بتجنيب المنظمة خطورة التفكك والهيمنة ومصادرة قرارها وموقفها الجامع ودورها وتمثيلها ووزنها. وهنا لا بد من سرد إحدى الحوادث التي حصلت في أحد اجتماعات المجلس العام خلال 2022 عندما قام أحد الأعضاء بالمطالبة بمحاسبة الحكومة على تفقيرها للطبقة العاملة فتدخّل الأمين القطري المساعد محاولاً إسكاته فلم يستطع، بل أصرّ عضو المجلس على موقفه، فما كان من المدعو هلال إلّا أنّ قال له «جبناك بقرار منشيلك
بقرار»، فجلس عضو المجلس متراجعاً عمّا قال، ولو كان هذا العضو أو غيره قد جاء بصوت العمال وقرارهم لما أسكته شيء ولانتزع حقوق من صوّتوا له مِن فم الأسد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1265
هاشم اليعقوبي